الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      مسروق ( ع )

                                                                                      ابن الأجدع ، الإمام ، القدوة ، العلم ، أبو عائشة الوادعي ، الهمداني ، الكوفي . وهو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مر بن سلمان بن معمر ، ويقال : سلامان بن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله [ ص: 64 ] بن وادعة بن عمر بن عامر بن ناشح بن دافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان .

                                                                                      قال أبو بكر الخطيب : يقال إنه سرق وهو صغير ثم وجد فسمي مسروقا . وأسلم أبوه الأجدع .

                                                                                      حدث هو عن أبي بن كعب ، وعمر ، وعن أبي بكر الصديق -إن صح- وعن أم رومان ، ومعاذ بن جبل ، وخباب ، وعائشة ، وابن مسعود ، وعثمان وعلي ، وعبد الله بن عمرو ، وابن عمر وسبيعة ، ومعقل بن سنان ، والمغيرة بن شعبة ، وزيد حتى إنه روى عن عبيد بن عمير ، قاص مكة .

                                                                                      وعنه : الشعبي ، وإبراهيم النخعي ، ويحيى بن وثاب ، وعبد الله بن مرة ، وأبو وائل ، ويحيى بن الجزار ، وأبو الضحى ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، وعبيد بن نضيلة ، ومكحول الشامي -وما أراه لقيه- وأبو إسحاق ، ومحمد بن المنتشر ، ومحمد بن نشر الهمداني ، وأبو الأحوص الجشمي ، وأيوب بن هانئ ، وعمارة بن عمير ، وحبال ابن رفيدة ، وأنس بن سيرين ، وأبو الشعثاء المحاربي ، وآخرون .

                                                                                      وعداده في كبار التابعين وفي المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                      قال أبو داود : كان أبو الأجدع أفرس فارس باليمن . قال أبو داود أيضا : ومسروق هو ابن أخت عمرو بن معد يكرب .

                                                                                      [ ص: 65 ] مجالد : عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : لقيت عمر فقال : ما اسمك؟ فقلت : مسروق بن الأجدع . قال : سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول : الأجدع شيطان أنت مسروق بن عبد الرحمن . قال الشعبي : فرأيته في الديوان مسروق بن عبد الرحمن .

                                                                                      وقال مالك بن مغول : سمعت أبا السفر ، عن مرة ، قال : ما ولدت همدانية مثل مسروق وقال أيوب الطائي ، عن الشعبي ، قال : ما علمت أن أحدا كان أطلب للعلم -في أفق من الآفاق- من مسروق .

                                                                                      وقال منصور عن إبراهيم ، قال : كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس ويعلمونهم السنة : علقمة ، والأسود وعبيدة ، ومسروقا ، والحارث بن قيس ، وعمرو بن شرحبيل .

                                                                                      وروى عبد الملك بن أبجر ، عن الشعبي ، كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح ، وكان شريح أعلم بالقضاء من مسروق ، وكان شريح يستشير مسروقا ، وكان مسروق لا يستشير شريحا .

                                                                                      وروى شعبة عن أبي إسحاق ، حج مسروق فلم ينم إلا ساجدا على وجهه حتى رجع .

                                                                                      وروى أنس بن سيرين ، عن امرأة مسروق قالت : كان مسروق يصلي حتى تورم قدماه ، فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه .

                                                                                      المثنى القصير : عن محمد بن المنتشر ، عن مسروق ، قال : كنت مع أبي موسى أيام الحكمين ، فسطاطي إلى جانبه ، فأصبح الناس ذات يوم قد [ ص: 66 ] لحقوا بمعاوية ، فرفع أبو موسى رفرف فسطاطه وقال : يا مسروق ، قلت : لبيك ، قال : إن الإمارة ما ائتمر فيها ، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف .

                                                                                      مجالد : عن الشعبي ، عن مسروق ، قالت عائشة : يا مسروق إنك من ولدي ، وإنك لمن أحبهم إلي ، فهل لك علم بالمخدج .

                                                                                      قال أبو السفر : ما ولدت همدانية مثل مسروق .

                                                                                      وقال الشعبي : لما قدم عبيد الله بن زياد الكوفة ، قال : من أفضل الناس؟ قالوا له : مسروق . وقال ابن المديني : أنا ما أقدم على مسروق أحدا صلى خلف أبي بكر .

                                                                                      مجالد : عن الشعبي ، قال مسروق : لأن أفتي يوما بعدل وحق ، أحب إلي من أن أغزو سنة .

                                                                                      قال إبراهيم بن محمد بن المنتشر : أهدى خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة إلى عمي مسروق ثلاثين ألفا ، وهو يومئذ محتاج فلم يقبلها : وقال أبو إسحاق السبيعي : زوج مسروق بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف لنفسه يجعلها في المجاهدين والمساكين .

                                                                                      الأعمش : عن أبي الضحى قال : غاب مسروق عاملا على السلسلة سنتين ، ثم قدم ، فنظر أهله في خرجه فأصابوا فأسا ، فقالوا : غبت ثم جئتنا بفأس بلا عود ، قال : إنا لله ، استعرناها ، نسينا نردها .

                                                                                      قال سعيد بن جبير ، قال لي مسروق : ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب ، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى .

                                                                                      [ ص: 67 ] وقال الكلبي : شلت يد مسروق يوم القادسية ، وأصابته آمة .

                                                                                      قال وكيع : تخلف عن علي مسروق ، والأسود ، والربيع بن خثيم وأبو عبد الرحمن السلمي . ويقال : شهد صفين ، فوعظ وخوف ولم يقاتل ، وقيل : شهد قتال الحرورية مع علي ، واستغفر الله من تأخره عن علي . وقيل : إن قبره بالسلسلة بواسط .

                                                                                      قال أحمد بن حنبل ، قال ابن عيينة : بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحد .

                                                                                      وقال يحيى بن معين : مسروق ثقة ، لا يسأل عن مثله . وسأل عثمان بن سعيد يحيى عن مسروق وعروة في عائشة ، فلم يخير .

                                                                                      وقال علي بن المديني : ما أقدم على مسروق أحدا من أصحاب عبد الله صلى خلف أبي بكر ولقي عمر وعليا ، ولم يرو عن عثمان شيئا .

                                                                                      وقال العجلي : تابعي ثقة ، كان أحد أصحاب عبد الله الذين يقرئون ويفتون . وكان يصلي حتى ترم قدماه .

                                                                                      وقال ابن سعد كان ثقة له أحاديث صالحة .

                                                                                      روى سعيد بن عثمان التنوخي الحمصي ، حدثنا علي بن الحسن السامي ، حدثنا الثوري عن فطر بن خليفة ، عن الشعبي ، قال : غشي على مسروق في يوم صائف ، وكانت عائشة قد تبنته ، فسمى بنته عائشة ، وكان [ ص: 68 ] لا يعصي ابنته شيئا . قال : فنزلت إليه فقالت : يا أبتاه أفطر واشرب . قال : ما أردت بي يا بنية؟ قالت : الرفق ، قال : يا بنية إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

                                                                                      قال أبو نعيم : مات سنة اثنتين وستين . وقال يحيى بن بكير وابن سعد وابن نمير : مات سنة ثلاث وستين .

                                                                                      قال علي بن الجعد : حدثنا شعبة ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، أن مسروقا كان لا يأخذ على القضاء أجرا ، ويتأول هذه الآية : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم الآية .

                                                                                      الأعمش : عن مسلم ، عن مسروق ، قال : كفى بالمرء علما أن يخشى الله تعالى ، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعمله .

                                                                                      منصور : عن هلال بن يساف ، قال : قال مسروق : من سره أن يعلم علم الأولين والآخرين ، وعلم الدنيا والآخرة ، فليقرأ سورة الواقعة .

                                                                                      قلت : هذا قاله مسروق على المبالغة ، لعظم ما في السورة من جمل أمور الدارين . ومعنى قوله : فليقرأ الواقعة -أي : يقرأها بتدبر وتفكر وحضور ، ولا يكن كمثل الحمار يحمل أسفارا .

                                                                                      عمرو بن مرة : عن الشعبي ، قال : كان مسروق إذا قيل له : أبطأت عن علي وعن مشاهده ، فيقول : أرأيتم لو أنه حين صف بعضكم لبعض فنزل بينكم ملك فقال : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما أكان ذلك حاجزا لكم؟ قالوا : نعم . قال : فوالله لقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم ، وإنها لمحكمة ما نسخها شيء .

                                                                                      قرأت على أبي المعالي ، أحمد بن إسحاق بمصر : أخبرنا الفتح بن عبد الله الكاتب ، [ ص: 69 ] أنبأنا محمد بن عمر القاضي ، وأبو غالب محمد بن علي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، قالوا : أنبأنا محمد بن أحمد بن المسلمة ، أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا الأعمش ( ح ) قال الفريابي : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أربع من كن فيه كان منافقا زاد عثمان : خالصا ثم اتفقا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر أخرجه مسلم عن أبي بكر به .

                                                                                      قال مجالد ، عن الشعبي : إن مسروقا قال : لأن أقضي بقضية وفق الحق أحب إلي من رباط سنة في سبيل الله . أو قال : من غزو سنة .

                                                                                      قال أبو الضحى : سئل مسروق عن بيت شعر فقال : أكره أن أجد في صحيفتي شعرا .

                                                                                      حماد بن أبي سليمان ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : صليت خلف أبي بكر .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية