ولما نفى عنهم ما هو باطن، وختم جدالهم سبحانه بهذه الشرطية، فكان ربما توهم قاصر النظر جامد الفكر عدم العلم بما هو عليه، أزال
[ ص: 394 ] ذلك على وجه عام، وأكده لذلك فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29692_34091_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18إن الله أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلما
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18يعلم أي: بطريق ثبوت الصفة وتجريد التعلق واستمراره كلما تجدد محدث أو كان بحيث يتجدد
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18غيب السماوات أي: كلها
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18والأرض كذلك.
ولما أريد التعميم من غير تقييد بالخافقين أظهر ولم يضمر قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18والله أي: الذي له الإحاطة بذلك وبغيره مما لا تعلمون
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18بصير أي: عالم أتم العلم ظاهرا وباطنا
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18بما تعملون من ظاهر إسلامكم وباطن إيمانكم في الماضي والحاضر والآتي سواء كان ظاهرا أو باطنا سواء كان قد حدث فصار بحيث تعلمونه أنتم أو كان مغروزا في جبلاتكم وهو خفي عنكم، هذا على قراءة الخطاب التفات إليهم لاستنقاذ من توهم منهم هذا التوهم، وهي أبلغ، وعلى قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير بالغيب يكون على الأسلوب الأول مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبلاغه لهم، فهو سبحانه عالم بمن انطوى ضميره على الإيمان، ومن هو متكيف بالكفران، ومن يموت على ما هو عليه، ومن يتحول حاله بإبعاد عنه أو جذب إليه، قال
القشيري رحمه الله تعالى: ومن وقف ههنا تكدر عليه العيش؛ إذ ليس يدري ما غيبه فيه، وفي المعنى قال:
[ ص: 395 ] أبكي وهل تدرين ما يبكيني أبكي حذارا أن تفارقيني
وتقطعي حبلي وتهجريني
انتهى.
وفي ذلك أعظم زجر وترهيب لمن قدم بين [يدي] الله ورسوله ولو أن تقدمه في سره؛ فإنه لا تهديد أبلغ من إحاطة العلم، فكأنه قيل: لا تقدموا بين يديه؛ فإن الله محيط العلم فهو يعلم سركم وجهركم، فقد رجع هذا الآخر إلى الأول، والتف به التفاف الأصل بالموصل.
وَلَمَّا نَفَى عَنْهُمْ مَا هُوَ بَاطِنٌ، وَخَتَمَ جِدَالَهُمْ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الشَّرْطِيَّةِ، فَكَانَ رُبَّمَا تَوَهَّمَ قَاصِرُ النَّظَرِ جَامِدُ الْفِكْرِ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ، أَزَالَ
[ ص: 394 ] ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ، وَأَكَّدَهُ لِذَلِكَ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29692_34091_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18إِنَّ اللَّهَ أَيِ: الْمُحِيطَ بِكُلِّ شَيْءٍ قُدْرَةً وَعِلْمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18يَعْلَمُ أَيْ: بِطَرِيقِ ثُبُوتِ الصِّفَةِ وَتَجْرِيدِ التَّعَلُّقِ وَاسْتِمْرَارِهِ كُلَّمَا تَجَدَّدَ مُحْدَثٌ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَتَجَدَّدُ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18غَيْبَ السَّمَاوَاتِ أَيْ: كُلِّهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18وَالأَرْضِ كَذَلِكَ.
وَلَمَّا أُرِيدَ التَّعْمِيمُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْخَافِقَيْنِ أَظْهَرَ وَلَمْ يُضْمِرْ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18وَاللَّهُ أَيِ: الَّذِي لَهُ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18بَصِيرٌ أَيْ: عَالِمٌ أَتَمَّ الْعِلْمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=18بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ ظَاهِرِ إِسْلَامِكُمْ وَبَاطِنِ إِيمَانِكُمْ فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ وَالْآتِي سَوَاءٌ كَانَ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَدَثَ فَصَارَ بِحَيْثُ تَعْلَمُونَهُ أَنْتُمْ أَوْ كَانَ مَغْرُوزًا فِي جِبِلَّاتِكُمْ وَهُوَ خَفِيٌّ عَنْكُمْ، هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ الْخِطَابِ الْتِفَاتٌ إِلَيْهِمْ لِاسْتِنْقَاذِ مَنْ تَوَهَّمَ مِنْهُمْ هَذَا التَّوَهُّمَ، وَهِيَ أَبْلَغُ، وَعَلَى قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنِ كَثِيرٍ بِالْغَيْبِ يَكُونُ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْأَوَّلِ مِمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْلَاغِهِ لَهُمْ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ عَالِمٌ بِمَنِ انْطَوَى ضَمِيرُهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَمَنْ هُوَ مُتَكَيِّفٌ بِالْكُفْرَانِ، وَمَنْ يَمُوتُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَمَنْ يَتَحَوَّلُ حَالُهُ بِإِبْعَادٍ عَنْهُ أَوْ جَذْبٍ إِلَيْهِ، قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ وَقَفَ هَهُنَا تَكَدَّرَ عَلَيْهِ الْعَيْشُ؛ إِذْ لَيْسَ يَدْرِي مَا غَيْبُهُ فِيهِ، وَفِي الْمَعْنَى قَالَ:
[ ص: 395 ] أَبْكِي وَهَلْ تَدْرِينَ مَا يُبْكِينِي أَبْكِي حِذَارًا أَنْ تُفَارِقِينِي
وَتَقْطَعِي حَبْلِي وَتَهْجُرِينِي
انْتَهَى.
وَفِي ذَلِكَ أَعْظَمُ زَجْرٍ وَتَرْهِيبٍ لِمَنْ قَدَّمَ بَيْنَ [يَدِيِ] اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَوْ أَنَّ تَقَدُّمَهُ فِي سِرِّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا تَهْدِيدَ أَبْلَغُ مِنْ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مُحِيطُ الْعِلْمِ فَهُوَ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ، فَقَدْ رَجَعَ هَذَا الْآخِرُ إِلَى الْأَوَّلِ، وَالْتَفَّ بِهِ الْتِفَافَ الْأَصْلِ بِالْمُوصِلِ.