ولما كان هذا ظاهرا على ما هدى إليه السياق، بنى عليه قوله دلالة أخرى على شمول علمه:
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31037_31791_32026_34199_29021nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بل [أي] أن تكذيبهم ليس لإنكار شيء من مجده ولا لإنكار صدقك الذي هو من مجده بل لأنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2عجبوا أي: الكفار، وأضمرهم قبل الذكر إشارة إلى أنه إذا ذكر شيئا خارجا عن سنن الاستقامة انصرف إليهم، والعجب من تغير النفس لأمر خارج [عن العادة].
ولما كان المقام لتخويف من قدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من عليه بالإسلام أو غيره، أو لتخويف من أنكر البعث، اقتصر على النذارة فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2أن جاءهم منذر أنذرهم حق الإنذار من عذاب الله عند البعث الذي هو محط الحكمة، وعجب منهم هذا العجب بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2منهم لأن العادة عندهم وعند جميع الناس [أنه] إذا كان النذير منهم لم يداخلهم في إنذاره شك بوجه من الوجوه، وهؤلاء خالفوا عادة الناس في تعجبهم من كون النذير - وهو أحدهم -
[ ص: 404 ] خص بالرسالة دونهم، ولم يدركوا وجه الخصوصية لكونه مثلهم، فكذلك أنكروا رسالته وفضل كتابه بألسنتهم نفاسة وحسدا؛ لأنهم كانوا معترفين بخصائصه التي رفعه الله تعالى عليهم بها قبل الرسالة فحطهم عجبهم ذلك إلى الحضيض من دركات السفه وخفة الأحلام؛ لأنهم عجبوا أن كان الرسول بشرا وأوجبوا [أن يكون] الإله حجرا، وعجبوا من أن يعادوا من تراب، وتثبت له الحياة، ولم يعجبوا أن يبتدؤوا من تراب ولم يكن له أصل في الحياة، ولذلك سبب عنه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2فقال أي: بسبب إنذاره بالبعث وعقبه
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2الكافرون فأظهر في موضع الإنذار إيذانا بأنهم لم يخف عليهم شيء من أمره، ولكنهم ستروا تعديا بمرأى عقولهم الدالة على جميع أمره دلالة ظاهرة، وعبر بما دل على النذارة لأنها المقصود الأعظم من هذه السورة، وجميع سياق الحجرات ظاهر فيها:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2هذا أن يكون النذير منا خصص بالرسالة من دوننا، وكون ما أنذر به هو البعث بعد الموت
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2شيء عجيب أي: بليغ في الخروج عن عادة أشكاله، وقد كذبوا في ذلك، أما من جهة النذير فإن أكثر الرسل من الطوائف الذين أرسلوا إليهم، وقليل منهم من كان غريبا ممن أرسل إليه، وأما من جهة البعث فإن أكثر ما في الكون مثل ذلك من إعادة كل من الملوين بعد ذهابه وإحياء الأرض [من] بعد موتها وابتداء الإحياء لجميع موات الحيوان وإخراج النبات والأشجار
[ ص: 405 ] والثمار وغير ذلك مما [هو] ظاهر جدا.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا ظَاهِرًا عَلَى مَا هَدَى إِلَيْهِ السِّيَاقُ، بَنَى عَلَيْهِ قَوْلَهُ دَلَالَةً أُخْرَى عَلَى شُمُولِ عِلْمِهِ:
nindex.php?page=treesubj&link=30549_31037_31791_32026_34199_29021nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2بَلْ [أَيْ] أَنَّ تَكْذِيبَهُمْ لَيْسَ لِإِنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ مَجْدِهِ وَلَا لِإِنْكَارِ صِدْقِكَ الَّذِي هُوَ مِنْ مَجْدِهِ بَلْ لِأَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2عَجِبُوا أَيِ: الْكُفَّارُ، وَأَضْمَرَهُمْ قَبْلَ الذِّكْرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ شَيْئًا خَارِجًا عَنْ سُنَنِ الِاسْتِقَامَةَ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، وَالْعَجَبُ مِنْ تَغَيُّرِ النَّفْسِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ [عَنِ الْعَادَةِ].
وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ لِتَخْوِيفِ مَنْ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ لِتَخْوِيفِ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ، اقْتَصَرَ عَلَى النِّذَارَةِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ أَنْذَرَهُمْ حَقَّ الْإِنْذَارِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عِنْدَ الْبَعْثِ الَّذِي هُوَ مَحَطُّ الْحِكْمَةِ، وَعَجَّبَ مِنْهُمْ هَذَا الْعَجَبَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2مِنْهُمْ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ [أَنَّهُ] إِذَا كَانَ النَّذِيرُ مِنْهُمْ لَمْ يُدَاخِلْهُمْ فِي إِنْذَارِهِ شَكٌّ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَهَؤُلَاءِ خَالَفُوا عَادَةَ النَّاسِ فِي تَعَجُّبِهِمْ مِنْ كَوْنِ النَّذِيرِ - وَهُوَ أَحَدُهُمْ -
[ ص: 404 ] خُصَّ بِالرِّسَالَةِ دُونَهُمْ، وَلَمْ يُدْرِكُوا وَجْهَ الْخُصُوصِيَّةِ لِكَوْنِهِ مِثْلَهُمْ، فَكَذَلِكَ أَنْكَرُوا رِسَالَتَهُ وَفَضْلَ كِتَابِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَفَاسَةً وَحَسَدًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِخَصَائِصِهِ الَّتِي رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِهَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ فَحَطَّهُمْ عُجْبُهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْحَضِيضِ مِنْ دَرَكَاتِ السَّفَهِ وَخِفَّةِ الْأَحْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ عَجِبُوا أَنْ كَانَ الرَّسُولُ بَشَرًا وَأَوْجَبُوا [أَنْ يَكُونَ] الْإِلَهُ حَجَرًا، وَعَجِبُوا مِنْ أَنْ يُعَادُوا مِنْ تُرَابٍ، وَتَثْبُتَ لَهُ الْحَيَاةُ، وَلَمْ يَعْجَبُوا أَنْ يُبْتَدَؤُوا مِنْ تُرَابٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ فِي الْحَيَاةِ، وَلِذَلِكَ سَبَّبَ عَنْهُ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2فَقَالَ أَيْ: بِسَبَبِ إِنْذَارِهِ بِالْبَعْثِ وَعَقِبَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2الْكَافِرُونَ فَأَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِنْذَارِ إِيذَانًا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّهُمْ سَتَرُوا تَعَدِّيًا بِمَرْأَى عُقُولِهِمُ الدَّالَّةِ عَلَى جَمِيعِ أَمْرِهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، وَعَبَّرَ بِمَا دَلَّ عَلَى النِّذَارَةِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَجَمِيعُ سِيَاقِ الْحُجُرَاتِ ظَاهِرٌ فِيهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2هَذَا أَنْ يَكُونَ النَّذِيرُ مِنَّا خُصِّصَ بِالرِّسَالَةِ مِنْ دُونِنَا، وَكَوْنُ مَا أَنْذَرَ بِهِ هُوَ الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=2شَيْءٌ عَجِيبٌ أَيْ: بَلِيغٌ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عَادَةِ أَشْكَالِهِ، وَقَدْ كَذَّبُوا فِي ذَلِكَ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ النَّذِيرِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الرُّسُلِ مِنَ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، وَقَلِيلٌ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ غَرِيبًا مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْبَعْثِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْكَوْنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ إِعَادَةِ كُلٍّ مِنَ الْمَلَوَيْنِ بَعْدَ ذَهَابِهِ وَإِحْيَاءِ الْأَرْضِ [مِنْ] بَعْدَ مَوْتِهَا وَابْتِدَاءِ الْإِحْيَاءِ لِجَمِيعِ مَوَاتِ الْحَيَوَانِ وَإِخْرَاجِ النَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ
[ ص: 405 ] وَالثِّمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا [هُوَ] ظَاهِرٌ جِدًّا.