ولما ذكرنا هنا من المواعظ ما أرقص الجماد، فكيف بمن يدعي أنه من رؤوس النقاد، أنتج قوله مؤكدا لأجل إنكار الجاحد وعناد المعاند:
[ ص: 436 ] nindex.php?page=treesubj&link=32016_29021nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37إن في ذلك أي [الأمر] البديع من العظات التي صرفناها هنا على ما ترون من الأساليب العجيبة والطرق الغريبة في الإهلاك وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37لذكرى أي: تذكيرا عظيما جدا. ولما كان المتذكر بمصارع المهلكين [تارة] بأن يكون حاضرا فيرى مصارعهم حال الإيقاع بهم أو يرى آثارهم بعد ذلك، وتارة يخبر عنها، قال بادئا بالرائي لأنه أجدر بالتذكير:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37لمن كان أي: كونا عظيما
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37له قلب هو في غاية العظمة والنورانية إن رأى شيئا من ذلك فهو بحيث يفهم ما يراه ويعتز به، ومن لم يكن كذلك فلا قلب له؛ لأن قلبه لما كان غير نافع كان عدما.
ولما كان قد بدأ بالناظر لأنه أولى بالاعتبار وأقرب إلى الادكار، ثنى بمن نقلت إليه الأخبار فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37أو ألقى أي: إلقاء عظيما بغاية إصغائه حتى كأنه يرمي بشيء ثقيل من علو إلى سفل
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37السمع أي: الكامل الذي قد جرده عن الشواغل من الحظوظ وغيرها إذا سمع ما غاب عنه
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37وهو أي: [و] الحال أنه في حال إلقائه
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37شهيد أي: حاضر بكليته، فهو في غاية ما يكون من تصويب الفكر وجمع الخاطر، فلا يغيب عنه شيء مما تلي عليه وألقي إليه، فيتذكر بما ذكرناه به عن قدرتنا من الجزئيات ما أنتجه من القدرة على كل شيء، ورأى مجد القرآن فعلم أنه كلام الله فسمعه منه فصدق الرسول، وقبل كل ما يخبر به، ومن سمع شيئا ولم يحضر له ذهنه فهو غائب، فالأول العالم بالقوة وهو المجبول
[ ص: 437 ] على الاستعداد الكامل فهو بحيث لا يحتاج إلى غير التدبر لما عنده من الكمال المهيأ بفهم ما يذكر به القرآن، والثاني القاصر بما عنده من كثافة الطبع فهو بحيث يحتاج إلى التعليم فيتذكر بشرط أن يقبل بكليته، ويزيل الموانع كلها، فلذلك حسن جدا موقع "أو" المقسمة، وعلم منه عظيم شرف القرآن في أنه مبشر للكامل والناقص، ليس منه مانع غير الإعراض.
وَلَمَّا ذَكَرْنَا هُنَا مِنَ الْمَوَاعِظِ مَا أَرْقَصَ الْجَمَادَ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ رُؤُوسِ النُّقَّادِ، أَنْتَجَ قَوْلَهُ مُؤَكَّدًا لِأَجْلِ إِنْكَارِ الْجَاحِدِ وَعِنَادِ الْمُعَانِدِ:
[ ص: 436 ] nindex.php?page=treesubj&link=32016_29021nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37إِنَّ فِي ذَلِكَ أَيِ [الْأَمْرِ] الْبَدِيعِ مِنَ الْعِظَاتِ الَّتِي صَرَّفْنَاهَا هُنَا عَلَى مَا تَرَوْنَ مِنَ الْأَسَالِيبِ الْعَجِيبَةِ وَالطُّرُقِ الْغَرِيبَةِ فِي الْإِهْلَاكِ وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37لَذِكْرَى أَيْ: تَذْكِيرًا عَظِيمًا جِدًّا. وَلَمَّا كَانَ الْمُتَذَكِّرُ بِمَصَارِعِ الْمُهْلَكِينَ [تَارَةً] بِأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا فَيَرَى مُصَارِعَهُمْ حَالَ الْإِيقَاعِ بِهِمْ أَوْ يَرَى آثَارَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَارَةً يُخْبَرُ عَنْهَا، قَالَ بَادِئًا بِالرَّائِي لِأَنَّهُ أَجْدَرُ بِالتَّذْكِيرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37لِمَنْ كَانَ أَيْ: كَوْنًا عَظِيمًا
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37لَهُ قَلْبٌ هُوَ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ وَالنُّورَانِيَّةِ إِنْ رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِحَيْثُ يَفْهَمُ مَا يَرَاهُ وَيَعْتَزُّ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا قَلْبَ لَهُ؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ نَافِعٍ كَانَ عَدَمًا.
وَلَمَّا كَانَ قَدْ بَدَأَ بِالنَّاظِرِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ وَأَقْرَبُ إِلَى الِادِّكَارِ، ثَنَّى بِمَنْ نُقِلَتْ إِلَيْهِ الْأَخْبَارُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37أَوْ أَلْقَى أَيْ: إِلْقَاءً عَظِيمًا بِغَايَةِ إِصْغَائِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرْمِي بِشَيْءٍ ثَقِيلٍ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37السَّمْعَ أَيِ: الْكَامِلَ الَّذِي قَدْ جَرَّدَهُ عَنِ الشَّوَاغِلِ مِنَ الْحُظُوظِ وَغَيْرِهَا إِذَا سَمِعَ مَا غَابَ عَنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37وَهُوَ أَيْ: [وَ] الْحَالُ أَنَّهُ فِي حَالِ إِلْقَائِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=37شَهِيدٌ أَيْ: حَاضِرٌ بِكُلِّيَّتِهِ، فَهُوَ فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنْ تَصْوِيبِ الْفِكْرُ وَجَمْعِ الْخَاطِرِ، فَلَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا تُلِيَ عَلَيْهِ وَأُلْقِيَ إِلَيْهِ، فَيَتَذَكَّرُ بِمَا ذَكَّرْنَاهُ بِهِ عَنْ قُدْرَتِنَا مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ مَا أَنْتَجَهُ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَرَأَى مَجْدَ الْقُرْآنِ فَعَلِمَ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ فَسَمِعَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَ الرَّسُولَ، وَقَبِلَ كُلَّ مَا يُخْبِرُ بِهِ، وَمَنْ سَمِعَ شَيْئًا وَلَمْ يُحْضِرْ لَهُ ذِهْنَهُ فَهُوَ غَائِبٌ، فَالْأَوَّلُ الْعَالِمُ بِالْقُوَّةِ وَهُوَ الْمَجْبُولُ
[ ص: 437 ] عَلَى الِاسْتِعْدَادِ الْكَامِلِ فَهُوَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِ التَّدَبُّرِ لِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْكَمَالِ الْمُهَيَّأِ بِفَهْمِ مَا يُذَكِّرُ بِهِ الْقُرْآنُ، وَالثَّانِي الْقَاصِرُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ كَثَافَةِ الطَّبْعِ فَهُوَ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى التَّعْلِيمِ فَيَتَذَكَّرُ بِشَرْطِ أَنْ يَقْبَلَ بِكُلِّيَّتِهِ، وَيُزِيلَ الْمَوَانِعَ كُلَّهَا، فَلِذَلِكَ حَسُنَ جَدًّا مَوْقِعُ "أَوْ" الْمُقَسِّمَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ عَظِيمُ شَرَفِ الْقُرْآنِ فِي أَنَّهُ مُبَشِّرٌ لِلْكَامِلِ وَالنَّاقِصِ، لَيْسَ مِنْهُ مَانِعٌ غَيْرَ الْإِعْرَاضِ.