الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                161 وحدثنا زهير بن حرب حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي قال سمعت يحيى يقول سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل قبل قال يا أيها المدثر فقلت أو اقرأ فقال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل قال يا أيها المدثر فقلت أو اقرأ قال جابر أحدثكم ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء يعني جبريل عليه السلام فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت دثروني فدثروني فصبوا علي ماء فأنزل الله عز وجل يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد وقال فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : إن أول ما أنزل قوله تعالى يا أيها المدثر ضعيف بل باطل والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق اقرأ باسم ربك كما صرح به في حديث عائشة رضي الله عنها . وأما يا أيها المدثر فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر . والدلالة صريحة فيه في مواضع منها قوله : ( وهو يحدث عن فترة الوحي إلى أن قال : فأنزل الله تعالى : يا أيها المدثر ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : فإذا الملك الذي جاءني بحراء . ثم قال : فأنزل الله تعالى يا أيها المدثر ومنها قوله : ثم تتابع الوحي يعني بعد فترته . فالصواب أن أول ما نزل اقرأ وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي يا أيها المدثر وأما قول من قال من المفسرين : أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فاستبطنت الوادي ) أي صرت في باطنه .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - في جبريل عليه السلام : ( فإذا هو على العرش في الهواء ) المراد بالعرش الكرسي كما تقدم في الرواية الأخرى على كرسي بين السماء والأرض . قال أهل اللغة : العرش هو السرير ، وقيل : سرير الملك . قال الله تعالى : ولها عرش عظيم والهواء هنا ممدود يكتب بالألف وهو الجو بين السماء والأرض كما في الرواية الأخرى والهواء الخالي قال الله تعالى وأفئدتهم هواء .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فأخذتني رجفة شديدة ) هكذا هو في الروايات المشهورة ( رجفة ) بالراء : قال القاضي : ورواه السمرقندي ( وجفة ) بالواو وهما صحيحان متقاربان ومعناهما الاضطراب . قال الله تعالى : [ ص: 357 ] قلوب يومئذ واجفة وقال تعالى : يوم ترجف الراجفة و يوم ترجف الأرض والجبال .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فصبوا علي ماء ) فيه أنه ينبغي أن يصب على الفزع الماء ليسكن فزعه والله أعلم .

                                                                                                                وأما تفسير قوله تعالى : يا أيها المدثر فقال العلماء المدثر والمزمل والمتلفف والمشتمل بمعنى واحد . ثم الجمهور على أن معناه المدثر بثيابه . وحكى الماوردي قولا عن عكرمة أن معناه المدثر بالنبوة وأعبائها وقوله تعالى قم فأنذر معناه حذر العذاب من لم يؤمن وربك فكبر أي عظمه ونزهه عما لا يليق به وثيابك فطهر قيل : معناه طهرها من النجاسة ، وقيل : قصرها . وقيل : المراد بالثياب النفس أي طهرها من الذنب وسائر النقائص والرجز بكسر الراء في قراءة الأكثرين ، وقرأ حفص بضمها وفسره في الكتاب بالأوثان ( رجزا ) لأنه سبب العذاب . وقيل : المراد بالرجز في الآية الشرك . وقيل : الذنب ، وقيل : الظلم . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية