(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40 nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41 )
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وأن سعيه سوف يرى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) أي يعرض عليه ويكشف له من أريته الشيء ، وفيه بشارة للمؤمنين على ما ذكرنا ، وذلك أن الله يريه أعماله الصالحة ليفرح بها ، أو يكون يري ملائكته وسائر خلقه ؛ ليفتخر العامل به على ما هو المشهور وهو مذكور لفرح المسلم ولحزن الكافر ، فإن سعيه يرى للخلق ، ويرى لنفسه . ويحتمل أن يقال : هو من رأى يرى فيكون كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=105وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ) [ التوبة : 105 ] وفيها وفي الآية التي بعدها مسائل :
الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=30488العمل كيف يرى بعد وجوده ومضيه ؟ نقول فيه وجهان :
أحدهما : يراه على صورة جميلة إن كان العمل صالحا .
ثانيهما : هو على مذهبنا غير بعيد فإن كل موجود يرى ، والله قادر على إعادة كل معدوم فبعد الفعل يرى .
وفيه وجه ثالث : وهو أن ذلك مجاز عن الثواب يقال : سترى إحسانك عند الملك أي جزاءه عليه وهو بعيد لما قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) .
المسألة الثانية : الهاء ضمير السعي أي : ثم يجزى الإنسان سعيه بالجزاء ، والجزاء يتعدى إلى مفعولين قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=12وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) [ الإنسان : 12 ] ويقال : جزاك الله خيرا ، ويتعدى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف يقال : جزاه الله على عمله الخير الجنة ، ويحذف الجار ويوصل الفعل فيقال : جزاه الله عمله الخير الجنة ، هذا وجه ، وفيه وجه آخر وهو أن الضمير للجزاء ، وتقديره ثم يجزى جزاء ويكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41الجزاء الأوفى ) تفسيرا أو بدلا مثل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=3وأسروا النجوى الذين ظلموا ) [ الأنبياء : 3 ] فإن التقدير والذين ظلموا أسروا النجوى ، الذين ظلموا ، والجزاء الأوفى على ما ذكرنا يليق بالمؤمنين الصالحين ؛ لأنه جزاء الصالح ، وإن قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=63فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ) [ الإسراء : 63 ] وعلى ما قيل يجاب أن الأوفى بالنظر إليه فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28773_30434جهنم ضررها أكثر بكثير مع نفع الآثام فهي في نفسها أوفى .
المسألة الثالثة : " ثم " لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام أي : ثم نقول يجزاه فإن كان لتراخي الجزاء فكيف يؤخر الجزاء عن الصالح ، وقد ثبت أن الظاهر أن المراد منه الصالح ؟ نقول : الوجهان محتملان وجواب
[ ص: 16 ] السؤال هو أن الوصف بالأوفى يدفع ما ذكرت ؛ لأن الله تعالى من أول زمان يموت الصالح يجزيه جزاء على خيره ويؤخر له الجزاء الأوفى وهي الجنة ، أو نقول : الأوفى إشارة إلى الزيادة فصار كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26للذين أحسنوا الحسنى ) [ يونس : 26 ] وهي الجنة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26وزيادة ) وهي الرؤية فكأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وأن سعيه سوف يرى ) ثم يرزق الرؤية ، وهذا الوجه يليق بتفسير اللفظ ، فإن الأوفى مطلق غير مبين فلم يقل : أوفى من كذا ، فينبغي أن يكون أوفى من كل واف ولا يتصف به غير رؤية الله تعالى .
المسألة الرابعة : في بيان لطائف في الآيات .
الأولى : قال في حق المسيء : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38ألا تزر وازرة وزر أخرى ) وهو لا يدل إلا على عدم الحمل عن الوازرة ، وهذا لا يلزم منه بقاء الوزر عليها من ضرورة اللفظ ، لجواز أن يسقط عنها ويمحو الله ذلك الوزر ، فلا يبقى عليها ولا يتحمل عنها غيرها ، ولو قال : لا تزر وازرة إلا وزر نفسها كان من ضرورة الاستثناء أنها تزر ، وقال في حق المحسن :
nindex.php?page=treesubj&link=29468ليس للإنسان إلا ما سعى ، ولم يقل : ليس له ما لم يسع ؛ لأن العبارة الثانية ليس فيها أن له ما سعى ، وفي العبارة الأولى أن له ما سعى ، نظرا إلى الاستثناء ، وقال في حق المسيء بعبارة لا تقطع رجاءه ، وفي حق المحسن بعبارة تقطع خوفه ، كل ذلك إشارة إلى سبق الرحمة الغضب
(
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40 nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41 )
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) أَيْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَيُكْشَفُ لَهُ مِنْ أَرَيْتُهُ الشَّيْءَ ، وَفِيهِ بِشَارَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يُرِيهِ أَعْمَالَهُ الصَّالِحَةَ لِيَفْرَحَ بِهَا ، أَوْ يَكُونُ يُرِي مَلَائِكَتَهُ وَسَائِرَ خَلْقِهِ ؛ لِيَفْتَخِرَ الْعَامِلُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْكُورٌ لِفَرَحِ الْمُسْلِمِ وَلِحُزْنِ الْكَافِرِ ، فَإِنَّ سَعْيَهُ يُرَى لِلْخَلْقِ ، وَيُرَى لِنَفْسِهِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ مِنْ رَأَى يَرَى فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=105وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ) [ التَّوْبَةِ : 105 ] وَفِيهَا وَفِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا مَسَائِلُ :
الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=30488الْعَمَلُ كَيْفَ يُرَى بَعْدَ وُجُودِهِ وَمُضِيِّهِ ؟ نَقُولُ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يَرَاهُ عَلَى صُورَةٍ جَمِيلَةٍ إِنْ كَانَ الْعَمَلُ صَالِحًا .
ثَانِيهِمَا : هُوَ عَلَى مَذْهَبِنَا غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يُرَى ، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ كُلِّ مَعْدُومٍ فَبَعْدَ الْفِعْلِ يُرَى .
وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ عَنِ الثَّوَابِ يُقَالُ : سَتَرَى إِحْسَانَكَ عِنْدَ الْمَلِكِ أَيْ جَزَاءَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْهَاءُ ضَمِيرُ السَّعْيِ أَيْ : ثُمَّ يُجْزَى الْإِنْسَانُ سَعْيَهُ بِالْجَزَاءِ ، وَالْجَزَاءُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=12وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) [ الْإِنْسَانِ : 12 ] وَيُقَالُ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا ، وَيَتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ بِحَرْفٍ يُقَالُ : جَزَاهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلِهِ الْخَيْرَ الْجَنَّةَ ، وَيُحْذَفُ الْجَارُّ وَيُوصَلُ الْفِعْلُ فَيُقَالُ : جَزَاهُ اللَّهُ عَمَلَهُ الْخَيْرَ الْجَنَّةَ ، هَذَا وَجْهٌ ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْجَزَاءِ ، وَتَقْدِيرُهُ ثُمَّ يُجْزَى جَزَاءً وَيَكُونُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=41الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) تَفْسِيرًا أَوْ بَدَلًا مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=3وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 3 ] فَإِنَّ التَّقْدِيرَ وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَسَرُّوا النَّجْوَى ، الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْجَزَاءُ الْأَوْفَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الصَّالِحِ ، وَإِنْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=63فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 63 ] وَعَلَى مَا قِيلَ يُجَابُ أَنَّ الْأَوْفَى بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28773_30434جَهَنَّمَ ضَرَرُهَا أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مَعَ نَفْعِ الْآثَامِ فَهِيَ فِي نَفْسِهَا أَوْفَى .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : " ثُمَّ " لِتَرَاخِي الْجَزَاءِ أَوْ لِتَرَاخِي الْكَلَامِ أَيْ : ثُمَّ نَقُولُ يُجْزَاهُ فَإِنْ كَانَ لِتَرَاخِي الْجَزَاءِ فَكَيْفَ يُؤَخَّرُ الْجَزَاءُ عَنِ الصَّالِحِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الصَّالِحُ ؟ نَقُولُ : الْوَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ وَجَوَابُ
[ ص: 16 ] السُّؤَالِ هُوَ أَنَّ الْوَصْفَ بِالْأَوْفَى يَدْفَعُ مَا ذَكَرْتَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَوَّلِ زَمَانٍ يَمُوتُ الصَّالِحُ يَجْزِيهِ جَزَاءً عَلَى خَيْرِهِ وَيُؤَخِّرُ لَهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى وَهِيَ الْجَنَّةُ ، أَوْ نَقُولُ : الْأَوْفَى إِشَارَةٌ إِلَى الزِّيَادَةِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ) [ يُونُسَ : 26 ] وَهِيَ الْجَنَّةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26وَزِيَادَةٌ ) وَهِيَ الرُّؤْيَةُ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=40وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ) ثُمَّ يُرْزَقُ الرُّؤْيَةَ ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَلِيقُ بِتَفْسِيرِ اللَّفْظِ ، فَإِنَّ الْأَوْفَى مُطْلَقٌ غَيْرُ مُبَيَّنٍ فَلَمْ يَقُلْ : أَوْفَى مِنْ كَذَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَوْفَى مِنْ كُلِّ وَافٍ وَلَا يَتَّصِفُ بِهِ غَيْرُ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي بَيَانِ لَطَائِفَ فِي الْآيَاتِ .
الْأُولَى : قَالَ فِي حَقِّ الْمُسِيءِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=38أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) وَهُوَ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى عَدَمِ الْحِمْلِ عَنِ الْوَازِرَةِ ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بَقَاءُ الْوِزْرِ عَلَيْهَا مِنْ ضَرُورَةِ اللَّفْظِ ، لِجَوَازِ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهَا وَيَمْحُوَ اللَّهُ ذَلِكَ الْوِزْرَ ، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا وَلَا يَتَحَمَّلُ عَنْهَا غَيْرُهَا ، وَلَوْ قَالَ : لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ إِلَّا وِزْرَ نَفْسِهَا كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا تَزِرُ ، وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُحْسِنِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29468لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ، وَلَمْ يَقُلْ : لَيْسَ لَهُ مَا لَمْ يَسْعَ ؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ لَهُ مَا سَعَى ، وَفِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى أَنَّ لَهُ مَا سَعَى ، نَظَرًا إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ ، وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُسِيءِ بِعِبَارَةٍ لَا تَقْطَعُ رَجَاءَهُ ، وَفِي حَقِّ الْمُحْسِنِ بِعِبَارَةٍ تَقْطَعُ خَوْفَهُ ، كُلُّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى سَبْقِ الرَّحْمَةِ الْغَضَبَ