الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 44 ] ( كذبت ثمود بالنذر )

                                                                                                                                                                                                                                            فقال : ( كذبت ثمود بالنذر ) وقد تقدم تفسيره غير أنه في قصة عاد قال : ( كذبت ) ولم يقل : بالنذر ، وفي قصة نوح قال : ( كذبت قوم نوح المرسلين ) فنقول : هذا يؤيد ما ذكرنا من أن المراد بقوله : ( كذبت قبلهم قوم نوح ) [ غافر : 5 ] أن عادتهم ومذهبهم إنكار الرسل وتكذيبهم فكذبوا نوحا بناء على مذهبهم ، وإنما صرح هاهنا لأن كل قوم يأتون بعد قوم ، وأتاهما رسولان فالمكذب المتأخر يكذب المرسلين جميعا حقيقة ، والأولون يكذبون رسولا واحدا حقيقة ، ويلزمهم تكذيب من بعده بناء على ذلك ؛ لأنهم لما كذبوا من تقدم في قوله : الله تعالى واحد ، والحشر كائن ، ومن أرسل بعده كذلك قوله ومذهبه لزم منه أن يكذبوه ، ويدل على هذا أن الله تعالى قال في قوم نوح : ( فكذبوه فأنجيناه ) [ الأعراف : 64 ] وقال في عاد : ( وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله ) [ هود : 59 ] وأما قوله تعالى : ( كذبت قوم نوح المرسلين ) [ الشعراء : 105 ] فإشارة إلى أنهم كذبوا وقالوا ما يفضي إلى تكذيب جميع المرسلين ؛ ولهذا ذكره بلفظ الجمع المعرف للاستغراق ، ثم إنه تعالى قال هناك عن نوح : ( رب إن قومي كذبون ) [ الشعراء : 117 ] ولم يقل : كذبوا رسلك إشارة إلى ما صدر منهم حقيقة لا أن ما ألزمهم لزمه . إذا عرفت هذا فلما سبق قصة ثمود ذكر رسولين ورسولهم ثالثهم قال : ( كذبت ثمود بالنذر ) هذا كله إذا قلنا : إن النذر جمع نذير بمعنى منذر ، أما إذا قلنا : إنها الإنذارات فنقول : قوم نوح وعاد لم تستمر المعجزات التي ظهرت في زمانهم ، وأما ثمود فأنذروا وأخرج لهم ناقة من صخرة ، وكانت تدور بينهم وكذبوا فكان تكذيبهم بإنذارات وآيات ظاهرة فصرح بها ، وقوله : ( فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه ) يؤيد الوجه الأول ، لأن من يقول : لا أتبع بشرا مثلي وجميع المرسلين من البشر يكون مكذبا للرسل والباء في قوله : ( بالنذر ) يؤيد الوجه الثاني ؛ لأنا بينا أن الله تعالى في تكذيب الرسل عدى التكذيب بغير حرف ، فقال : "كذبوه" و"كذبوا" رسلنا و"كذبوا عبدنا" و"كذبوني" ، وقال : " وكذبوا بآيات ربهم " " وبآياتنا " فعدى بحرف لأن التكذيب هو النسبة إلى الكذب ، والقائل هو الذي يكون كاذبا حقيقة ، والكلام والقول يقال فيه كاذب مجازا وتعلق التكذيب بالقائل أظهر ، فيستغني عن الحرف بخلاف القول ، وقد ذكرنا ذلك وبيناه بيانا شافيا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية