الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
38 - باب فرش حروف سورة يونس عليه السلام


1 - وإضجاع را كل الفواتح ذكره حمى غير حفص طاويا صحبة ولا      2 - وكم صحبة يا كاف والخلف ياسر
وها صف رضا حلوا وتحت جنى حلا      3 - شفا صادقا حاميم مختار صحبة
وبصر وهم أدرى وبالخلف مثلا      4 - وذو الرا لورش بين بين ونافع
لدى مريم هايا وحا جيده حلا



أمال أبو عمرو وابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي ألف (را) في فواتح السور الست وهي: (الر) فاتحة يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر، (المر) فاتحة الرعد، وأمال شعبة وحمزة والكسائي ألف (طا) من طه، (طسم) أول الشعراء والقصص [ ص: 285 ] و(طس) النمل، وألف (يا) من يس والقرآن الحكيم ، وأمال ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي ألف (يا) من كهيعص أول مريم.

وعبر الناظم عن سورة مريم بقوله: (كاف) لأن الكاف أول حروفها وما ذكره الناظم من إمالة السوسي (يا) أول مريم بخلف عنه في قوله: (والخلف ياسر) فخروج عن طريقه، فلا يقرأ له إلا بالفتح. وأمال شعبة والكسائي وأبو عمرو (ألف ها) من كهيعص أول مريم. وأمال ورش، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي وشعبة ألف (ها) من طه، وذلك قوله: (وتحت جنى حلا شفا صادقا) أي أمال هؤلاء ألف (ها) في السورة التي تحت سورة مريم في التلاوة وهي سورة طه، وأمال ابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي ألف (حا) من (حم) فاتحة السور السبع. وقوله: (وبصر وهم أدرى) معناه: أن البصري والمذكورين قبل، وهم: ابن ذكوان، وشعبة، وحمزة، والكسائي، أمالوا ألف (أدرى) حيث ورد وكيف نزل في القرآن نحو: ولا أدراكم به ، وما أدراك ما يوم الدين ، وقوله: (وبالخلف مثلا) معناه: أنه اختلف عن ابن ذكوان في إمالة (أدرى)، فروي عنه في ألفه وجهان: الفتح والإمالة، وقوله: (وذو الرا لورش بين بين) معناه: أن ورشا يقلل الألف (ذا الراء) أي: الواقع بعد راء فيما ذكر، وذلك في (الر) فاتحة يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر، و(المر) فاتحة الرعد، وفي لفظ (أدرى) حيث وقع. وقوله: (ونافع لدى مريم ها يا) معناه: أن نافعا من روايتي قالون وورش عنه يقلل الألف من (ها ويا) أول مريم، هذا صريح كلامه ولكن المحققين على أن تقليل قالون في (ها ويا) أول مريم ليس من طرق الناظم فلا يقرأ له من طرقه إلا بالفتح، فيكون التقليل مقصورا فيهما على ورش. وقوله: (وحا جيده حلا) معناه: أن ورشا وأبا عمرو يقللان الألف في (حم) أول السور السبع، ومما ينبغي أن يعلم أن ورشا لا يميل إمالة كبرى إلا الألف التي بعد الهاء في طه، ولا يخفى أن من لم يذكر من القراء في التراجم السابقة فقراءته بالفتح.


5 - نفصل يا حق علا ساحر ظبا     وحيث ضياء وافق الهمز قنبلا



قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص: يفصل الآيات بالياء، فتكون قراءة غيرهم بالنون، وقرأ ابن كثير والكوفيون: (قال الكافرون إن هذا لساحر مبين) بسين مفتوحة [ ص: 286 ] وألف بعدها وكسر الحاء، فتكون قراءة غيرهم بكسر السين وإسكان الحاء، وعلمت هذه القراءة من الشهرة. وقوله: (وحيث ضياء) إلخ، معناه: حيث وجد هذا اللفظ فقنبل يقرؤه بهمزة مفتوحة بعد الضاد بدلا من الياء المفتوحة، وهو في القرآن في ثلاثة مواضع: جعل الشمس ضياء هنا، ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء في الأنبياء، من إله غير الله يأتيكم بضياء في القصص.

وقوله: (وافق الهمز قنبلا) (الهمز) فيه فاعل، و(قنبلا): مفعول. ووافق من الأفعال التي يصح إسنادها إلى كل من معموليها كالأفعال التي تكون من اللقي والمقابلة والمصاحبة.


6 - وفي قضي الفتحان مع ألف هنا     وقل أجل المرفوع بالنصب كملا



قرأ ابن عامر (لقضى إليهم أجلهم) بفتح القاف والضاد وألف بعدها، (وأجلهم) بنصب رفع اللام، فتكون قراءة غيره بضم القاف وكسر الضاد وياء مفتوحة بعدها، ورفع اللام، وعلمت قراءة غيره من اللفظ.


7 - وقصر ولا هاد بخلف زكا وفي ال     قيامة لا الأولى وبالحال أولا



قرأ قنبل والبزي بخلف عنه: (ولا أدراكم به) هنا و (لا أقسم بيوم القيامة) بحذف الألف التي بعد اللام في الموضعين، وقرأ الباقون بإثبات الألف فيهما، وهو الوجه الثاني للبزي، واحترز بقوله: (الأولى) عن (الثانية) وهي ولا أقسم بالنفس اللوامة وعن موضع البلد لا أقسم بهذا البلد ، فلا خلاف بين القراء في إثبات الألف فيهما، وقوله: (وبالحال أولا) معناه: أن حذف الألف في: " لا أقسم " الأولى مؤول بأن اللام حينئذ تكون لام الابتداء دخلت على الفعل المضارع، فعينته للحال مع صلاحيته في ذاته للحال والاستقبال.


8 - وخاطب عما يشركون هنا شذا     وفي الروم والحرفين في النحل أولا



قرأ حمزة والكسائي: سبحانه وتعالى عما يشركون هنا وفي الروم، سبحانه وتعالى عما يشركون ظهر الفساد ، وفي النحل في موضعين سبحانه وتعالى عما يشركون ينزل الملائكة ، خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون ، قرآ بتاء الخطاب في [ ص: 287 ] المواضع الأربعة، فتكون قراءة الباقين بياء الغيب فيها. وقوله: (أولا) ليس للاحتراز إذ ليس في السورة غيرها، فلا يعدو أن يكون إيضاحا لبيان موقع الكلمتين في السورة، وأنهما في أولها.


9 - يسيركم قل فيه ينشركم كفى     متاع سوى حفص برفع تحملا



قرأ ابن عامر (ينشركم) بفتح الياء وبعدها نون ساكنة وبعدها شين معجمة مضمومة، وقرأ الباقون (يسيركم) بضم الياء وبعدها سين مهملة مفتوحة وبعدها ياء مكسورة مشددة، وقد نطق الناظم بالقراءتين، وقرأ غير حفص متاع الحياة الدنيا برفع العين، وقرأ حفص بنصبها.


10 - وإسكان قطعا دون ريب وروده     وفي باء تبلو التاء شاع تنزلا



قرأ ابن كثير والكسائي: قطعا من الليل بسكون الطاء، وقرأ غيرهما بفتحها. وقرأ حمزة والكسائي: (هنالك تتلو كل نفس) بتاء مثناة فوقية في مكان الباء الموحدة التحتية في قراءة غيرهما.


11 - ويا لا يهدي اكسر صفيا وهاه نل     وأخفى بنو حمد وخفف شلشلا



قوله تعالى: أمن لا يهدي فيه قراءات في يائه وهائه: فقرأ شعبة بكسر يائه، فتكون قراءة غيره بفتحها، وقرأ عاصم بكسر هائه فتكون قراءة غيره بفتحها، وقرأ قالون وأبو عمرو بإخفاء أي اختلاس فتحة الهاء، فتكون قراءة غيرهما ممن فتح الهاء بإتمام فتحتها، فيتحصل من هذا كله: أن شعبة يقرأ بكسر الياء والهاء، وأن حفصا يقرأ بفتح الياء وكسر الهاء، وأن قالون وأبا عمرو يقرءان بفتح الياء واختلاس فتحة الهاء، وأن ورشا، وابن كثير، وابن عامر يقرءون بفتح الياء وفتح الهاء فتحا كاملا، هذا ما يؤخذ من النظم، ولكن ثبت لقالون من طريق الناظم إسكان الهاء أيضا، فيكون له وجهان في الهاء: إسكانها، وإخفاء فتحتها، وكل منهما مع فتح الياء. وقوله: (وخفف شلشلا) بيان لقراءة باقي القراء، وهما حمزة والكسائي، فأخبر أنهما يقرءان بتخفيف الدال، ويلزمه سكون الهاء، ومعلوم من قوله: (اكسر صفيا) أنهما يفتحان الياء، فتكون قراءتهما بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال، ويؤخذ من هذا: أن القراء السبعة يشددون الدال ما عدا [ ص: 288 ] حمزة والكسائي، فإنهما يخففانها.


12 - ولكن خفيف وارفع الناس عنهما     وخاطب فيها يجمعون له ملا



الضمير في (عنهما) يعود على حمزة والكسائي في البيت قبله يعني: أنهما يقرءان بتخفيف نون (ولكن) أي بإسكانها وقفا وكسرها خفيفة وصلا للساكنين مع رفع سين (الناس) في قوله تعالى: ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، وقرأ هشام وابن ذكوان هو خير مما يجمعون ، بتاء الخطاب، وقرأ غيرهما بياء الغيب.


13 - ويعزب كسر الضم مع سبإ     وأصغر فارفعه وأكبر فيصلا



قرأ الكسائي: وما يعزب عن ربك هنا، لا يعزب عنه في سبإ بكسر ضم الزاي في الموضعين، فتكون قراءة غيره بضمها فيهما، وقرأ حمزة: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر في هذه السورة، برفع الراء فيهما، فتكون قراءة الباقين بنصبها فيهما، واتفق السبعة على رفع الراء في (أصغر)، و(أكبر) في سورة سبإ.


14 - مع المد قطع السحر حكم تبوءا     بيا وقف حفص لم يصح فيحملا



قرأ أبو عمرو: قال موسى ما جئتم به السحر بزيادة همزة قطع قبل همزة الوصل في لفظ (السحر) فحينئذ يجتمع في الكلمة همزتان مفتوحتان الأولى همزة الاستفهام، وهي همزة قطع، والثانية همزة وصل فتكون الكلمة مثل " آلذكرين " ، " آلآن " ، فيجوز له حينئذ في همزة الوصل وجهان: إبدالها حرف مد ألفا مع إشباع المد للساكنين، وتسهيلها بين بين، فاقتصار الناظم له على الوجه الأول في قوله: (مع المد) فيه قصور، ثم بين الناظم أن وقف حفص على (تبوءا) بياء مفتوحة في مكان الهمزة لم يصح عنه حتى ينقل إلينا نقلا متواترا يسيغ القراءة به، بل المنقول عنه أنه يقرأ بتحقيق الهمزة في حالي الوقف والوصل، فلا يؤخذ له إلا بهذا الوجه.


15 - وتتبعان النون خف مدى وما     ج بالفتح والإسكان قبل مثقلا



قرأ ابن ذكوان: فاستقيما ولا تتبعان بتخفيف النون، وقرأ غيره بتشديدها.

وقوله: [ ص: 289 ] (وماج بالفتح والإسكان قبل مثقلا).

المعنى: أنه روي عن ابن ذكوان وجه آخر وهو فتح الباء وإسكان الحرف الذي قبله، وهو التاء مع تثقيل النون. وأشار الناظم إلى ضعف هذا الوجه بقوله: (وماج) أي: اضطرب، ونقل ابن الجزري في نشره عن الداني أن هذا الوجه غلط فلا يقرأ به.


16 - وفي أنه اكسر شافيا وبنونه     ويجعل صف والخف ننج رضا علا
17 - وذاك هو الثاني ونفسي ياؤها     وربي مع أجري وإني ولي حلا



قرأ حمزة والكسائي: قال آمنت أنه بكسر همزة (أنه)، فتكون قراءة غيرهما بفتحها.

وقرأ شعبة: (ويجعل الرجس) بنون في مكان الياء في قراءة الباقين، وقرأ الكسائي وحفص (ننج المؤمنين) بتخفيف الجيم، ومن ضرورته سكون النون، وقرأ غيرهما بتشديد الجيم، ومن ضرورته فتح النون، وهذا هو الموضع الثاني، واحترز به عن الموضع الأول، وهو: ثم ننجي رسلنا ، فقد اتفق القراء السبعة على قراءته بتشديد الجيم وفتح النون.

وفي هذه السورة من ياءات الإضافة: من تلقاء نفسي إن أتبع ، قل إي وربي إنه لحق ، إن أجري إلا على الله ، إني أخاف ، ما يكون لي أن أبدله ، و(علا) جمع عليا تمييز.

التالي السابق


الخدمات العلمية