الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولا تخسروا الميزان ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( ولا تخسروا الميزان ) أي لا تنقصوا الموزون . والميزان ذكره الله تعالى ثلاث مرات كل مرة بمعنى آخر ، فالأول هو الآلة ( ووضع الميزان ) ، والثاني بمعنى المصدر لا تطغوا في الميزان أي الوزن ، والثالث للمفعول : ( ولا تخسروا الميزان ) أي الموزون ، وذكر الكل بلفظ الميزان لما بينا أن الميزان أشمل للفائدة ، وهو كالقرآن ذكره الله تعالى بمعنى المصدر في قوله تعالى : ( فاتبع قرآنه ) [ القيامة : 18 ] وبمعنى المقروء في قوله : ( إن علينا جمعه وقرآنه ) [ القيامة : 17 ] وبمعنى الكتاب الذي فيه المقروء في قوله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) [ الرعد : 31 ] فكأنه آلة ومحل له ، وفي قوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) [ الحجر : 87 ] وفي كثير من المواضع ذكر القرآن لهذا الكتاب الكريم ، وبين القرآن والميزان مناسبة ، فإن القرآن فيه من العلم ما لا يوجد في غيره من الكتب ، والميزان فيه من العدل ما لا يوجد في غيره [ ص: 82 ] من الآلات ، فإن قيل : ما الفائدة في تقديم السماء على الفعل حيث قال : ( والسماء رفعها ) وتقديم الفعل على الميزان حيث قال : ( ووضع الميزان ) ؟ نقول : قد ذكرنا مرارا أن في كل كلمة من كلمات الله فوائد لا يحيط بها علم البشر إلا ما ظهر ، والظاهر ههنا أنه تعالى لما عد النعم الثمانية كما بينا ، وكان بعضها أشد اختصاصا بالإنسان من بعض ، فما كان شديد الاختصاص بالإنسان قدم فيه الفعل ، كما بينا أن الإنسان يقول : أعطيتك الألوف وحصلت لك العشرات ، فلا يصرح في القليل بإسناد الفعل إلى نفسه ، وكذلك يقول في النعم المختصة : أعطيتك كذا ، وفي التشريك ، وصل إليك مما اقتسمتم بينكم كذا ، فيصرح بالإعطاء عند الاختصاص ، ولا يسند الفعل إلى نفسه عند التشريك ، فكذلك ههنا ذكر أمورا أربعة بتقديم الفعل ، قال تعالى : ( علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) ووضع الميزان ) [ الرحمن : 7 ] وأمورا أربعة بتقديم الاسم ، قال تعالى : ( الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء رفعها والأرض وضعها ) لما أن تعليم القرآن نفعه إلى الإنسان أعود ، وخلق الإنسان مختص به ، وتعليمه البيان كذلك ووضع الميزان كذلك ، لأنهم هم المنتفعون به الملائكة ، ولا غير الإنسان من الحيوانات ، وأما الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء والأرض فينتفع به كل حيوان على وجه الأرض وتحت السماء .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية