الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن فبأي آلاء ربكما تكذبان )

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 107 ] ثم قال تعالى : ( هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون )

                                                                                                                                                                                                                                            والمشهور أن ههنا إضمارا تقديره يقال لهم : هذه جهنم ، وقد تقدم مثله في مواضع . ويحتمل أن يقال : معناه هذه صفة جهنم فأقيم المضاف إليه مقام المضاف . ويكون ما تقدم هو المشار إليه ، والأقوى أن يقال : الكلام عند النواصي والأقدام قد تم ، وقوله : ( هذه جهنم ) لقربها كما يقال هذا زيد قد وصل إذا قرب مكانه ، فكأنه قال جهنم التي يكذب بها المجرمون هذه قريبة غير بعيدة عنهم ، ويلائمه قوله : ( يكذب ) لأن الكلام لو كان بإضمار يقال ، لقال تعالى لهم : هذه جهنم التي كذب بها المجرمون . لأن في هذا الوقت لا يبقى مكذب ، وعلى هذا التقدير يضمر فيه : كان يكذب .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله تعالى : ( يطوفون بينها وبين حميم آن ) هو كقوله تعالى : ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل ) [ الكهف : 29 ] وكقوله تعالى : ( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ) [ السجدة : 20 ] لأنهم يخرجون فيستغيثون فيظهر لهم من بعد شيء مائع هو صديدهم المغلي فيظنونه ماء ، فيردون عليه كما يرد العطشان فيقعون ويشربون منه شرب الهيم ، فيجدونه أشد حرا فيقطع أمعاءهم ، كما أن العطشان إذا وصل إلى ماء مالح لا يبحث عنه ولا يذوقه ، وإنما يشربه عبا فيحرق فؤاده ولا يسكن عطشه . وقوله : ( حميم ) إشارة إلى ما فعل فيه من الإغلاء ، وقوله تعالى : ( آن ) إشارة إلى ما قبله ، وهو كما يقال : قطعته فانقطع فكأنه حمته النار فصار في غاية السخونة ، وآن الماء إذا انتهى في الحر نهاية .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) وفيه بحث وهو أن هذه الأمور ليست من الآلاء فكيف قال : ( فبأي آلاء ) ؟ نقول : الجواب من وجهين : أحدهما : ما ذكرناه . وثانيهما : أن المراد : ( فبأي آلاء ربكما ) مما أشرنا إليه في أول السورة . ( تكذبان ) فتستحقان هذه الأشياء المذكورة من العذاب ، وكذلك نقول : في قوله : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) هي الجنان . ثم إن تلك الآلاء لا ترى ، وهذا ظاهر لأن الجنان غير مرئية ، وإنما حصل الإيمان بها بالغيب ، فلا يحسن الاستفهام بمعنى الإنكار مثل ما يحسن الاستفهام عن هيئة السماء والأرض والنجم والشجر والشمس والقمر وغيرها مما يدرك ويشاهد ، لكن النار والجنة ذكرتا للترهيب والترغيب كما بينا أن المراد فبأيهما تكذبان فتستحقان العذاب وتحرمان الثواب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية