الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم يحتمل وجهين: أحدهما: ولكن الله قتلهم بسوقهم إليكم حتى أمكنكم منهم. والثاني: ولكن الله قتلهم بمعونته لكم حين ألقى في قلوبهم الرعب وفي قلوبكم النصر. وفيه وجه ثالث قاله ابن بحر : ولكن الله قتلهم بالملائكة الذين أمدكم بهم. وقيل لم تقتلوهم بقوتكم وسلاحكم ولكن الله قتلهم بخذلانهم وقبض أرماحهم. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فيه أربعة أقاويل: أحدها: ما حكاه ابن عباس ، وعروة ، والسدي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض يوم بدر قبضة من تراب رماهم بها وقال: (شاهت الوجوه) أي قبحت ومنه قول الحطيئة:


                                                                                                                                                                                                                                        أرى لي وجها شوه الله خلقه فقبح من وجه وقبح حامله



                                                                                                                                                                                                                                        فألقى الله تعالى القبضة في أبصارهم حتى شغلتهم بأنفسهم وأظفر الله المسلمين بهم ، فهو معنى قوله تعالى: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى الثاني: معناه وما ظفرت إذ رميت ولكن الله أظفرك ، قاله أبو عبيدة . [ ص: 305 ] الثالث: وما رميت قلوبهم بالرعب إذ رميت وجوههم بالتراب ولكن الله ملأ قلوبهم رعبا. والقول الرابع: أنه أراد رمى أصحابه بالسهم فأصاب رميهم. وقوله تعالى: ولكن الله رمى يعني بما أرسله من الريح المعينة لسهامهم حتى سددت وأصابت. والمراد بالرمي الإصابة لأن معنى الرمي محمول على الإصابة ، فإن لم يصب قيل رمى فأخطأ. وإذا قيل مطلقا: قد رمى ، لم يعقل منه إلا الإصابة. ألا ترى إلى قول امرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                        فرماها في فرائصها



                                                                                                                                                                                                                                        فاستغنى بذكر الرمي عن وصفه بالإصابة. وقال ذو الرمة في الرأي:


                                                                                                                                                                                                                                        رمى فأخطأ والأقدار غالبة     فانصاع والويل هجيراه والحرب



                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا قال أصحاب الخواطر: البلاء الحسن ما يورثك الرضا به والصبر عليه. وقال المفسرون: البلاء الحسن ها هنا النعمة بالظفر والغنيمة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية