الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله : . ( ولا يذبح مصري قبل الصلاة وذبح غيره ) يعني لا يجوز لأهل المصر أن يذبحوا الأضحية قبل أن يصلوا صلاة العيد ويجوز لأهل القرى والبادية أن يذبحوا بعد صلاة الفجر قبل أن يصلي الإمام صلاة العيد والأصل في ذلك قوله : صلى الله عليه وسلم { من ذبح قبل صلاة الإمام فليعد ذبيحته ومن ذبح بعد صلاة الإمام فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين } قال صاحب النهاية هذا يشير إلى ما ذكر في المبسوط حيث قال : لا يجزيه لعدم الشرط لا لعدم الوقت وقال عليه الصلاة والسلام { : أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة ، ثم الأضحية } وهذا ظاهر في حق من عليه الصلاة فبقي غيره على الأصل فيذبح بعد طلوع الفجر وهو [ ص: 200 ] حجة على الشافعي ومالك في نفيهما الجواز بعد صلاة العيد قبل نحر الإمام والمعتبر في ذلك مكان الأضحية حتى لو كانت في السواد ، والمضحي في المصر يجوز كما انشق الفجر ، وفي العكس لا يجوز إلا بعد الصلاة وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يبعث بها إلى خارج المصر في موضع للمسافر أن يقصر فيضحي فيه كما طلع الفجر لأن وقتها من طلوع الفجر ، وإنما أخرت في حق المصر لما ذكرنا ولأنها تشبه الزكاة فيعتبر في الأداء مكان المحل وهو المال لا مكان الفاعل بخلاف صدقة الفطر حيث يعتبر فيها مكان الفاعل لأنها تتعلق بالذمة والمال ليس بمحل لها ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد قبل أن يصلي أهل الجبانة أجزأه استحسانا لأنها صلاة معتبرة ولو ذبح بعدما قعد الإمام قدر التشهد قبل أن يسلم لم يجز خلافا للحسن ، وفي المراد : لو ضحى بعد أن تشهد قبل أن يسلم الإمام جازت الأضحية ، وفي العتابية : وهو الأصح من غير إساءة ، وفي غيره : وهو المختار ولو ضحى قبل أن يتشهد الإمام لم يجز عندنا وفي رواية جاز ، وقد أساء ، والأول أصح ، وفي الأجناس لو صلى الإمام صلاة العيد على غير طهارة لم يعلموا حتى عاد وذبح الناس جاز عن أضحيتهم ولو علموا قبل أن يتفرقوا تعاد الأضحية وقيل : لا تعاد ، والأول هو المختار والمأخوذ به .

                                                                                        ومتى علم الإمام ذلك ونادى بالصلاة ليعيدها فمن ذبح قبل أن يعلم ذلك الإمام أجزأه ومن ذبح بعد العلم قبل الزوال لا يجوز ، وإن ذبح بعد الزوال جاز ولو لم يصل الإمام صلاة العيد في اليوم الأول أخروا الأضحية إلى الزوال ، ثم ذبحوا ولا تجزيهم التضحية إذا لم يصل الإمام إلا بعد الزوال ، وكذا في اليوم الثاني : الحكم كالأول كذا في المحيط .

                                                                                        وذكر فيه أيضا أن التضحية في الغد تجوز قبل الصلاة لأنه فات وقت الصلاة بزوال الشمس في اليوم الأول ، والصلاة في الغد تقع قضاء لا أداء فلا يظهر هذا في حق الأضحية وقال : هكذا ذكر القدوري في شرحه ولو صلى ، ثم تبين أنه صلى بغير طهارة تعاد الصلاة دون الأضحية ولو وقع أنه في بلد فتنة ولم يبق فيها والي ليصلي بهم العيد فضحوا بعد طلوع الفجر أجزأهم ولو شهدوا عند الإمام أنه يوم العيد فضحى بعد الصلاة ، ثم انكشف أنه يوم عرفة أجزأهم الصلاة والتضحية لأنه لا يمكن الاحتراز عن مثل هذا ووقتها ثلاثة أيام أولها أفضلها ، ويجوز الذبح في لياليها إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في الظلمة وأيام النحر ثلاثة وأيام التشريق ثلاثة والكل تمضي بمضي أربعة أيام أولها نحر لا غير وآخرها تشريق لا غير والمتوسطان نحر وتشريق والتضحية فيها أفضل من التصدق بثمنها لأنها تقع واجبة إن كان غنيا وسنة إن كان فقيرا والتصدق بالثمن تطوع محض فكانت هي أفضل لأنها تفوت بفوات أيامها ولو لم يضح حتى مضت أيامها وكان غنيا وجب عليه أن يتصدق بالقيمة سواء اشتراها ، أو لم يشترها ، وإن كان فقيرا فإن كان اشتراها وجب عليه التصدق بها ولو ذبح بعد الزوال يوم عرفة وهو يرى أنه يوم عرفة ، ثم ظهر أنه يوم النحر يجزيه ، وفي سائر الأوقات جعل الليل السابق على النهار إلا في يوم عرفة فهي متأخرة عنها ، وليلة النحر الأول هي ليلة النحر الثاني وليلة النحر الثاني هي ليلة النحر الثالث وليلة النحر الثالث هي ليلة الفجر الثالث عشر حتى يجوز الذبح فيها قبل طلوع الفجر كذا في المحيط .

                                                                                        وفي النوازل : الإمام إذا صلى العيد يوم عرفة وضحى الناس فهذا على وجهين : إما أن شهد عنده الشهود ، أو لا بأنه يوم النحر ففي الأول تجوز الصلاة والأضحية ، وفي الثاني لا تجوز ولو شكوا في يوم النحر فصلى بهم الإمام وضحوا ثم علموا في الغد أنه يوم عرفة فإن عليه إعادة الصلاة والأضحية جميعا ، وفي العتابية : شهدوا بعد الزوال أنه يوم النحر ضحوا ، وإن شهدوا قبل الزوال لم يجز إلا إذا زالت ، وفي التجريد لو صلى ولم يخطب جاز الذبح ، وفي الكبرى : مصري وكل وكيلا بأنه يذبح شاة له وخرج إلى السواد فأخرج الوكيل الأضحية إلى موضع لا يعد من المصر وذبحها هناك فإن كان الموكل في السواد جازت الأضحية ، وإن كان عاد إلى المصر وعلم الوكيل بقدومه لم تجز الأضحية عن الموكل بلا خلاف ، وإن لم يعلم بعود الموكل إلى المصر فكذا عن محمد وعند أبي يوسف يجوز وهو المختار . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط : ولو ذبح بعدما صلى أهل الجبانة قبل أن يصلي أهل المسجد يجوز قياسا واستحسانا . ا هـ . .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية