الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال : رحمه الله ( من ملك أمة حرم عليه وطؤها ولمسها والنظر إلى فرجها بشهوة حتى يستبرئها ) لقوله عليه الصلاة والسلام في سبايا أوطاس { ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة } وهذا يفيد وجوب الاستبراء بسبب إحداث الملك واليد ; لأنه هو الموجود في هذه الصورة ، وهذا لأن الحكمة فيه التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحترمة - عن اختلاط الأنساب والاشتباه - ، والولد عن الهلاك ; لأن من لا نسب له هالك لعدم من يربيه ومن ينفق عليه قال صاحب الإيضاح والإصلاح : يرد عليه أنهم ينكرون انعلاق الولد الواحد من ماءين لعدم إمكان الاختلاط بينهما فكيف يقول : حكمه الاستبراء .

                                                                                        وأجيب بأن المنفي الاختلاط حقيقة والذي بنوا عليه هنا الاختلاط حكما وهو أن يبين الولد : من أي ماء هو قال تاج الشريعة : وإنما قيدنا بالماء المحترم وإن كان الحكم في غير الماء المحترم كذلك كالحامل من الزنا حملا لحال المسلم على الصلاح وتعبير المؤلف بملك أولى من تعبير صاحب الهداية بالشراء لعموم الملك ، والشراء من أسباب الملك كما سيأتي وأقول : في إطلاق قوله " ملك " نظر ; لأن من ملك جارية وهو زوجها لا يجب عليه الاستبراء أو كانت تحت غيره بنكاح ولكن طلقها زوجها بعد أن استبرأها وقبضها لم يلزمه الاستبراء في شيء من هذه الصور فكان المناسب أن يخرج هذه الصورة ولما كان السبب إحداث ملك الرقبة المؤكد باليد نفذ الحكم إلى سائر أسباب الملك من الشراء والهبة والصدقة والميراث والخلع والكتابة وغير ذلك حتى يجب على المشتري من مال الصبي ومن المرأة والمملوكة ، ومن لا يحل له وطؤها .

                                                                                        وكذا إن كانت المشتراة بكرا لم توطأ لتحقق السبب المذكور وإدارة الحكم على الأسباب دون الحكم لعدم الاطلاع عليها لحقائقها ولا يعتد بالحيضة التي اشتراها في أثنائها ولا بالحيضة التي حاضتها بعد الشراء قبل القبض ولا بالولادة التي ولدتها بعد الأسباب قبل القبض خلافا لأبي يوسف وكذا لا يعتد بالحيضة التي حاضتها قبل الإجازة في بيع الفضولي وإن كانت في يد المشتري ولا يعتد بالحيضة التي بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن يشتريها صحيحا وتجب إذا اشترى نصيب شريكه من جارية مشتركة بينهما لأن السبب قد تم في ذلك الوقت ، والحكم يضاف إلى تمام العلة ويعتد بالحيضة التي حاضتها وهي مجوسية أو مكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء ثم أسلمت المجوسية أو عجزت المكاتبة لوجودها بعد السبب وهذا استحداث الملك واليد ، ولا يجب الاستبراء إذا رجعت الآبقة أو ردت المغصوبة أو المستأجرة أو فكت المرهونة لانعدام السبب وهو استحداث الملك واليد وفي الأكمل هنا إذا أبقت في دار الإسلام ثم رجعت ، فإن أبقت في دار الحرب ثم عادت إلى مولاها بوجه من الوجوه فكذا عند الإمام وعندهما يجب الاستبراء لأنهم يملكونها ولو أقال البائع المشتري قبل القبض لا يجب على البائع الاستبراء .

                                                                                        وكان أبو حنيفة يقول أولا بالوجوب ثم رجع وقال : لا يجب وهو قولهما ; لأن الإقالة فسخ في الأصل فصار كأنه لم يكن ولو اشترى من عبده المأذون له بعدما حاضت عند العبد فإن لم يكن على العبد دين اعتد بتلك الحيضة ; لأنها دخلت في ملك المولى من وقت الشراء وإن كان عليه دين مستغرق فكذلك عندهما وعند الإمام لا يعتد بتلك الحيضة بناء على أن المولى لا يملكه وقد تقدم ولو باع جارية على أنه بالخيار وقبضها ثم أبطل البيع في مدة الخيار لا يلزمه الاستبراء إن كان المشتري لم يطأ وإن كان قد وطئ فعليه الاستبراء ولو زوجها بعد الشراء فطلقها الزوج قبل الدخول لا يلزمه الاستبراء في ظاهر الرواية ولو زوجها قبل الاستبراء بعد القبض فالمختار أنه يجب وإذا حرم الوطء قبل الاستبراء حرم الدواعي أيضا ; لأنها تفضي إلى الوطء أو يحتمل وقوعه في غير الملك قال في العناية : واستشكل حيث تعدى الحكم من الأصل - وهي المسة - إلى الفرع وهو غيرها حتى حرمت الدواعي في المسة دونها وأجيب بأن ذلك باعتبار اقتضاء الدليل المفيد لذلك وهو الرغبة في المشتراة دون غيرها والاستبراء في الحامل بوضع الحمل كما تقدم في الحديث وفي الاستبراء في [ ص: 225 ] ذوات الأشهر بالشهر ; لأنه قائم في حقهن مقام الحيض فإن حاضت في أثناء الشهر بطل الاستبراء بالشهر وتستبرئ بالحيضة لأنها صارت قادرة على الأصل فإذا ارتفع حيضها يتركها حتى إذا تبين أنها ليست بحامل واقعها وليس فيه تقدير في ظاهر الرواية .

                                                                                        وقيل : يتبين بشهرين أو بثلاث وعن محمد بأربعة أشهر وعشرة أيام قال في الخلاصة : وعليه عمل الناس الآن وفي الأكمل والأصح أنه يتركها شهرين أو ثلاثة وعن محمد يتركها شهرين وخمسة أيام ولا بأس بالاحتيال في إسقاط الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد وقد بينا ذلك في كتاب الشفعة والمأخوذ به قول أبي يوسف فيما إذا علم أن البائع لم يقربها في طهرها ذلك ويؤخذ بقول محمد فيما إذا قربها ، والحيلة إذا لم تكن تحت المشتري حرة أن يتزوجها قبل الشراء ثم يشتريها ويقبضها هكذا ذكره في الهداية قال الشارح وهذا لا يفيد إذا كان القبض بعد الشراء ; لأنه بالشراء ينفسخ النكاح فيجب الاستبراء بالقبض بحكم الشراء وإنما يفيد لو كان القبض قبل الشراء لكي لا يوجد القبض بحكم الشراء بعد فساد النكاح وقال ظهير الدين : وعندي يشترط أن يدخل بها قبل الشراء ; لأن ملك النكاح يفسد عند الشراء سابقا على الشراء ضرورة أن ملك النكاح لا يجامع ملك اليمين فلم تكن عند الشراء منكوحة ولا معتدة بخلاف ما إذا دخل بها بعد الشراء لأنها تبقى معتدة منه بعد فساد النكاح فلا يلزمه الاستبراء ذكره قاضي خان في فتاويه .

                                                                                        ولو كان تحته حرة فالحيلة أن يتزوجها البائع قبل الشراء أو المشتري قبل القبض ممن يثق به أو يزوجها بشرط أن يكون أمرها بيده ثم يشتريها ويقبضها ثم يطلقها الزوج ; لأنه عند وجود السبب - وهو استحداث الملك المؤكد بالقبض - لم يكن فرجها حلالا له فلا يجب عليه الاستبراء وإن دخل بعد ذلك ; لأن العبرة لأوان السبب قال في الأكمل في هذه الصورة هذا إذا طلقها الزوج بعد القبض لأنه لو طلقها قبل القبض كان على المشتري الاستبراء إذا قبضها في أظهر الروايتين ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية