الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( فإن رهنت بجنسها وهلكت هلكت بمثلها من الدين ولا عبرة للجودة ) ; لأنها لا قيمة لها عند المقابلة بالجنس في الأموال الربوية ، وهذا على إطلاقه قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، فإنه يصير مستوفيا عنده إذا هلك باعتبار الوزن قلت قيمته أو كثرت لما ذكرنا وعندهما إن لم يكن في اعتبار الوزن إضرار بأحدهما بأن كانت قيمة الرهن مثل وزنه فكذلك ، وإن كان فيه إلحاق ضرر بأحدهما بأن كانت قيمته أكثر من وزنه أو أقل ضمن المرتهن قيمته من خلاف جنسه لينتقض قبض الرهن ، ثم يجعل الضمان رهنا مكانه ويملك المرتهن الهالك بالضمان ; لأنا لو اعتبرنا الوزن وحده من غير اعتبار صفته من جودة أو رداءة وأسقطنا القيمة فيه أضررنا بأحدهما ، ولو اعتبرنا القيمة وجعلناه مستوفيا باعتبارهما أدى إلى الربا فتعين ما ذكرنا وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إن الجودة ساقطة عند المقابلة بالجنس في الأموال الربوية واستيفاء الرديء بالجيد أو بالعكس جائز عند التراضي به هنا ولهذا يحتاج إلى نقضه ولا يمكن نقضه بإيجاب الضمان عليه لعدم المطالبة ولأن الإنسان لا يضمن ملك نفسه فتعذر التضمين لتعذر النقض ، وقيل هذه فروع ما إذا استوفى زيوفا مكان الجياد ، ثم علم مكان الزيافة وهي معروفة ، وقيل لا يصح البناء ; لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة في المشهور عنه ، وفي هذه مع أبي يوسف .

                                                                                        وقال قاضي خان إن البناء صحيح ; لأن عيسى بن أبان قال قول محمد أولا كقول أبي حنيفة وآخرا كقول أبي يوسف ولئن كان مع أبي حنيفة فالفرق له أن الزيوف في تلك المسألة قبضه استيفاء لحقه ، وقد تم بهلاكه والرهن قبضه ليستوفي من غيره فلا بد من نقض القبض ، وقد أمكن التضمين قال في [ ص: 283 ] المبسوط الأصل فيه عند أبي يوسف رحمه الله تعالى أن الصباغة والجودة معتبرة بنفسها غير تابعة للوزن في حق الضمان بل يعتبر حكمها حكم الوزن ولا يجعل تبعا للوزن إذا لم يؤد إلى الربا ; لأنه مال متقوم بنصيبه معتبر حقا للعباد ، ألا ترى أنه لو أوصى المريض بقلب وزنه عشرة وقيمته بصياغته خمسة عشر وثلث ماله عشرة ، فإن لم يكن في ملكه إلا هذا القلب وخمسة عشر دينارا تصح الوصية بوزن القلب كما لو كان وزن القلب خمسة عشر فقد ألحق الصياغة والجودة بالوزن في الوصية ، وكذلك في الرهن فمتى حصل النقصان يكون النقصان شائعا في الأمانة والمضمون فما كان في الأمانة ذهب مجانا وما كان في المضمون ضمن القيمة ويملك الرهن بقدره .

                                                                                        والأصل عند محمد رحمه الله تعالى أن الصياغة تابعة للوزن غير معتبرة بنفسها في حق المداينات والمعاملات وهي معتبرة في المتلفات والمضمونات ثم ننظر إن كان في الوزن وقيمته وفاء بالدين وزيادة يصرف الدين إلى الوزن والأمانة إلى الصياغة ، وإن لم يكن في الوزن وفاء بالدين ، وفي قيمته وفاء بالصياغة وجودته تضم إلى الوزن من قيمة الصياغة لان الصياغة تابعة للوزن وهي بانفرادها لا تصلح لقضاء الدين فكان صرف الدين إلى الوزن أولى من صرفه إلى الضمان إلا عند الضرورة ، فإن لم يكن في الوزن وفاء بالدين وكان صرف الدين إلى الوزن ، فإنه يتم قدر الدين من الصياغة ; لأنه يجوز أن يجعل البيع أصلا عند الضرورة ، والأصل عند أبي حنيفة رضي الله عنه أن العبرة للوزن دون الصياغة والجودة ; لأن الوزن أصل والصياغة تبع له ; لأنها صفة قائمة بالعين والصفة تابعة للأصل فتعتبر تبعا للوزن إلا إذا تعذر أن تجعل تبعا للوزن لم تعتبر تبعا وألحق بالوزن كما في مسألة الوصية ; لأنا لو جعلنا الصياغة تبعا للوزن يصير موصيا بأكثر من ثلث ماله وأنه لا يجوز فلهذه الضرورة لا تعتبر تابعة للوزن ، وفي حالة الهلاك الوزن مضمون بالدين لا بالقيمة فكذلك الصياغة تكون مضمونة بالدين ، وفي حالة الإنكار الوزن مضمون بالقيمة تبعا للأصل لئلا يصير التبع مخالفا للأصل .

                                                                                        ثم المسائل على ثلاثة فصول : فيما إذا كان الوزن والدين سواء . وفصل فيما إذا كان الوزن أقل من الدين . وفصل فيما إذا كان الوزن أكثر من الدين . وكل فصل ينقسم إلى قسمين : إلى حالة هلاك وإلى حالة انكسار ، والقسم الأول على ثلاثة أوجه ، إما أن تكون القيمة مثل الوزن أو أقل أو أكثر وكل قسم من الآخر على خمسة أوجه إما أن تكون القيمة مثل الوزن أو أكثر أو أقل كما نبين فصار الكل ثمانية وعشرين وجها :

                                                                                        الفصل الأول رهن قلب فضة وزنه عشرة وقيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن هلك بالدين بالاتفاق ; لأنه مثله وزنا وجودة فتم الاستيفاء بالهلاك ، وإن انكسر ، فإن شاء الراهن أخذ المكسور وقضى جميع الدين ، وإن شاء ضمن جميع قيمته من الذهب فكانت رهنا مكانه عندهما وعند محمد رحمه الله تعالى إن شاء الراهن تملك الرهن بالدين ، وإن شاء أدى الدين وأخذ الرهن لمحمد رحمه الله تعالى إن قبض الرهن لم ينعقد موجبا لقيمة العين ; لأنه صدر عن إذن المالك لا عن تعد فلا يصلح مناطا لضمان القيمة ، والعقد موجب الضمان للرهن ; لأنه به يصير مستوفيا للدين عند الهلاك فلزمه ضمان الرهن فمتى تعذر إيجاب القيمة لزمه ضمان الدين فجعلته بالدين إلا إذا كان يؤدي إلى الربا أو إلى الإضرار بأحدهما ، وقد أنعم هنا بهلاكها فجعلته بالدين ولهما أنه لا وجه إلى أن يملك المرتهن بالدين ; لأن العقد لا ينعقد لتملك الرهن ، فإن الرهن عند الهلاك لا يصير ملكا للمرتهن بل يهلك على ملك الراهن ، ولكن المرتهن بالقبض يصير مستوفيا لمالية العين عند الهلاك فكان ضمان الراهن ضمان الاستيفاء ولا يمكن جعله مستوفيا باعتبار الفائت بالانكسار ; لأن الفائت هو الجودة دون القدر والاستيفاء إنما يتحقق من القدر دون الجودة ولا يمكن جعله مستوفيا باعتبار القائم ; لأنه لا يمكن جعل المكسور ملكا للراهن .

                                                                                        وضمان الرهن لا يوجب الملك في العين فدعت الضرورة إلى أن يجعل مضمونا بالقيمة ; لأن تملك الأعيان بقيمتها مشروع ، وهذا تفقه وهو أن الراهن إنما رضي بقبضه بشرط ضمان الرهن ، فإذا تعذر إثباته لعدم رضاه بقبضه فصار كالقلب المغصوب إذا انكسر يكون مضمونا بالقيمة فكذا هذا فأما إذا كانت قيمته أقل من الوزن إن هلك يهلك بالدين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يغرم قيمته من الذهب ويرجع بدينه فهما اعتبرا [ ص: 284 ] القيمة والجودة لا الوزن ; لأن في اعتبار الوزن وإسقاط الجودة إضرارا بالرهن ولا يجوز الإضرار لصاحب المال بإبطال حقه عن الجودة ، وفي جعله مستوفيا لدينه بقدر قيمة القلب معنى الربا وهو استيفاء عشرة بثمانية ، فإذا تعذر جعله مستوفيا ضمن قيمته من خلاف جنسه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى اعتبر الوزن والموزون في جميع الديون فصار مستوفيا لدينه بالهلاك ولا يؤدي إلى إضرار بالمرتهن بغير رضاه ; لأنه قبل الرهن مع علمه أن من حكم الرهن أنه يصير مستوفيا للدين بهلاكه وصار راضيا باستيفاء جميع الدين بالهلاك متى تساويا في الوزن ، وإن كان القلب أقل من قيمة دينه ; لأن المساواة في أموال الربا معتبرة من حيث القدر والوزن لا من حيث القيمة والجودة ، وإن انكسر ضمن قيمته عندهم جميعا أما عندهما فظاهر . وأما عند محمد فلانا فلأنا لو جعلناه بالدين يؤدي إلى الإضرار .

                                                                                        وأما إذا كانت قيمته أكثر من الوزن وهلك يهلك بالدين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند محمد أيضا ; لأن في الوزن والقيمة وفاء بالدين فصار بالهلاك مستوفيا لدينه وفي الزيادة أمينا ، وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى خمسة أسداس مضمونة وسدسه أمانة ; لأن عنده الصياغة معتبرة ومتقومة إذا لم يؤد إلى الربا فصار كأن الرهن اثنا عشر وزنا فساغ الضمان والأمانة فيهما فيصير بقدر الدين مضمونا . وأما إذا انكسر إن انتقض بالانكسار قيمة القلب من العشرة بأن صارت تسعة أو ثمانية ضمن قيمته عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ; لأن العبرة بالوزن عنده ، وليس في الوزن وفاء بالدين فلا يمكن إيجاب ضمان الرهن فأوجبنا القيمة وعند أبي يوسف رحمه الله تعالى ضمن خمسة أسداسه ; لأن عنده الصياغة معتبرة فتكون قيمة الرهن أكثر من الدين وذلك اثنا عشر فيكون بقدر الدين مضمونا والزيادة أمانة وعند محمد رحمه الله تعالى إن شاء جعله بجميع الدين ، وإن شاء افتكه بجميعه ; لأنه مضمون بالدين حالة الهلاك فيكون مضمونا بالدين حالة الانكسار كما بينا ، وإن لم تنقض قيمة القلب من العشرة بأن كانت قيمته بعد الانكسار عشرة فالمرتهن يضمن قيمته عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعند أبي يوسف رحمه الله يضمن خمسة أسداس القلب .

                                                                                        وعند محمد رحمه الله تعالى يضمن قدر وزنه ; لأن الوزن في القيمة وفاء بالدين فلم يصر مستوفيا شيئا من المضمون فيكون مضمونا بالدين حالة الانكسار والوزن مضمون بالقيمة فتصير الصياغة كذلك مضمونة بالقيمة تبعا للوزن وعند أبي يوسف كلاهما مضمون بالقيمة أصلا فيكون بعض الرهن مضمونا والبعض أمانة فيشيع الضمان فيها الفصل الثاني لو كان وزن القلب ثمانية والدين عشرة فهو على خمسة أوجه : إما أن كانت قيمته مثل وزنه أو أقل من وزنه سبعة أو أكثر من وزنه وأقل من الدين تسعة ، أو مثل الدين عشرة أو أكثر من الدين اثني عشرة ، وكل وجه لا يخلو إما أن هلك أو انكسر فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الفصول كلها الهلاك بثمانية ويرجع على الراهن بدرهمين والانكسار بالقيمة وفاء ، وفي الانكسار تعذر إيجاب ضمان الرهن لما بينا وأوجبنا ضمان القيمة ، فأما عندهما إن كانت قيمته مثل وزنه يهلك بما فيه ويرجع المرتهن على الراهن بدرهمين بالإجماع ، وإن انكسر ضمن قيمته عند أبي يوسف وعند محمد له خيار التمليك بالدين والافتكاك لما بينا ، وإن كانت قيمته تسعة فعندهما يغرم قيمته من الذهب ويرجع بدينه ; لأن القيمة معتبرة عندهما مع الوزن فالوزن إن كان يفي بثمانية والقيمة لا تفي بثمانية فيخير المرتهن إن شاء رضي بهلاك الرهن بما فيه ثمانية ، وإن شاء غرم قيمته تسعة ورجع عليه بدينه ، وإن انكسر ضمن قيمته اتفاقا أما عندهما فظاهر .

                                                                                        وأما عند محمد فلأنه لا يمكن ترك القلب بثمانية من الدين ; لأنه إذا ترك بثمانية يتضرر به المرتهن ; لأن قيمة الرهن لا تفي بثمانية ، وإن ترك بسبعة من جنسه يؤدي إلى الربا ; لأنه يصير مستوفيا ثمانية بسبعة ، وإن تعذر تركه عنده ، وإن كانت قيمته أكثر من وزنه وأقل من الدين بأن كانت تسعة وهلك يهلك بوزنه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يغرم قيمته ويرجع بدينه لما بينا ، وإن انكسر ضمن قيمته بالإجماع ، وإن كانت قيمته أكثر من وزنه ووزنه مثل الدين بأن كانت قيمته عشرة ، فإن هلك يضمن قيمته من خلاف جنسه احترازا عن الربا والضرر ، وإن انكسر فالراهن بالخيار إن شاء افتكه بجميع الدين ، وإن شاء ضمنه قيمته من خلاف جنسه مثل قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى للتعذر وعند محمد .

                                                                                        [ ص: 285 ] وإن كانت قيمته أكثر من وزن اثني عشر فعند أبي يوسف رحمه الله إن هلك يغرم خمسة أسداسه ويرجع بدينه ; لأن الصياغة عنده بمنزلة الوزن ، ولو كان الوزن اثني عشر يضمن خمسة أسداسه وهو عشرة فكذا هذا وعند محمد رحمه الله تعالى إن هلك ضمن قدر الدين بخمسة أسداس القلب ; لأن قدر الدرهمين من قيمة الصياغة أما عنده فلأنه يزيد على الوزن والدين جميعا ولا ضمان للمالك في الأمانة ، وإن انكسر انتقص بالانكسار مقدار الزيادة على العشرة فلا ضمان ، وإن نقص أكثر من فضل الجودة على الدين وذلك أكثر من درهمين فالراهن بالخيار إن شاء افتكه بجميع الدين وأخذ المكسور ، وإن شاء ترك عليه بقيمته مضمونا من الذهب غير درهمين ; لأن قيمة الصياغة أربعة ووزن الرهن لا يفي بالدين فيضمن من قيمة الصياغة ما يتم به الدين وذلك درهمان فصار قدر درهمين من الصياغة مضمونا مع الوزن وقدر درهمين أمانة فيترك القلب عليه بقيمته غير درهمين ولا يترك بالدين لأنه يؤدي إلى الربا ; لأنه يصير مستوفيا ثمانية بعشرة ، وإن جعل مستوفيا ثمانية تضرر به الراهن فأوجبنا عليه القيمة من الذهب تحرزا عن الربا ونفيا للضرر عن الرهن .

                                                                                        الفصل الثالث ، ولو كان الدين عشرة والقلب خمسة عشر فهذا على خمسة أوجه : إما أن كانت قيمته مثل وزنه ، أو أكثر من وزنه ، أو أقل من وزنه ، أو أكثر من الدين أحد عشر ، أومثل الدين عشرة ، أو أقل من الدين ثمانية ، وكل وجه لا يخلو إما أن هلك أو انكسر فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى في الفصول كلها إن هلك يهلك بما فيه ، وإن انكسر فاختار الراهن الترك يترك عليه بخمسة أسداس قيمته من الذهب ، وعندهما إن كانت قيمته مثل الوزن إن هلك ذهب ثلثاه بالدين والانكسار بالقيمة ; لأن المضمون بالرهن قدر ثلثيه وثلثه أمانة وبالانكسار يضمن قيمة المضمون ; لأن عنده كان الهلاك والانكسار بالدين ; لأنه أمكن جعله بالدين وتمليكه متى كان وزن ثلثيه وقيمته مثل الدين رهنا بالصياغة لم تزدد قيمته على الوزن فلا عبرة للصياغة والعبرة للوزن بعضه مضمون أمانة ، فإذا نقص من قيمته بالانكسار وقع التغير في بعض المضمون فيتخير ، وإن كان قيمته أكثر من وزنه يجوز أن تكون القيمة عشرين ، فإن هلك هلك ثلثاه بالدين عندهم جميعا ; لأن بثلثيه وفاء بالدين وزنا وقيمته ويهلك ثلثه أمانة ، وإن انكسر ضمن ثلثيه عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ; لأن المضمون من القلب عشرة والصياغة تبع للوزن عنده فتصير الصياغة أيضا مضمونة تبعا للوزن ويبقى الثلث أمانة عنده .

                                                                                        وعند أبي يوسف يضمن نصفه ; لأن الصياغة عنده بمنزلة الوزن وقيمتها خمسة ووزن القلب خمسة عشر فصار كأن وزن القلب عشرين فيترك نصف القلب عليه بنصف قيمته وعند محمد رحمه الله تعالى ينظر إن كان نقص خمسة أو أقل لم تعتبر ويجبر الراهن على الانفكاك ، وإن نقص أكثر من خمسة للراهن أن يسلم للمرتهن الرهن بدينه والباقي له ; لأن عنده القيمة زادت على الوزن فهي قيمة الصياغة وهي أمانة ; لأن الأمانة تصرف إلى الصياغة متى ازدادت قيمته على وزنه والفائت قدر الأمانة وبقي الدين بحاله فيجبر الراهن على الفكاك ومتى انقضت قيمته على الوزن فقد تغير ما هو المضمون فيتخير الراهن ، فإن اختار الترك يترك ثلثه بالدين ويسترد الثلث ; لأنه مهما تملكه بالدين لا يملك بالقيمة عنده ، وإن كانت القيمة أقل من وزنه أو أكثر من الدين بأن يكون اثني عشر إن هلك يهلك ثلثاه بالدين عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ; لأن بالوزن وفاء بالدين وزيادة ، والزيادة أمانة وعندهما يغرم عن القلب خمسة أسداسه والأظهر أن يضمن منه قدر الدين ; لأن قدر الدين مضمون عليه وذلك ثلثا القلب ; لأن عندهما العبرة للوزن والقيمة جميعا وبالوزن والقيمة وفاء بالدين وزيادة والمضمون من الدين عشرة والزيادة أمانة .

                                                                                        وإن انكسر ضمن عند أبي حنيفة رحمه الله ما يساوي عشرة منه ; لأن عنده العبرة للوزن لا للقيمة وقدر المضمون من الوزن عشرة وعندهما إن اختار الترك يترك عليه عشرة أجزاء من اثني عشر جزءا من القلب باعتبار القيمة لا باعتبار الوزن ; لأن عندهما القيمة معتبرة مع الوزن ، وإن كانت القيمة مثل الدين إن هلك يهلك بما فيه عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يضمن بتخيير ; لأن عندهما القيمة معتبرة مع الوزن ولا وفاء بالقيمة بقدر المضمون من الرهن وهي عشرة ; لأن قيمة العشرة من الرهن أقل من عشرة الدين فيتخير إن شاء جعله هالكا بما فيه ، وإن شاء ضمنه قيمته عشرة من الذهب فيكون [ ص: 286 ] رهنا عنده ويكون دينه على حاله نفيا للضرر عن نفسه ، وإن انكسر ضمن مقدار ثلثي القيمة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لما عرف وعندهما يضمن قيمته ; لأن القيمة معتبرة مع الوزن عندهما وقيمته عشرة فيترك جميع القلب عليه بعشرة ، وإن كانت قيمته أقل من الدين بأن كانت ثمانية إن هلك يهلك بثلثي الدين والباقي يهلك أمانة عنده ; لأن عنده العبرة للوزن لا للقيمة وفي الوزن وفاء بالدين وزيادة وعندهما يغرم قيمته ويرجع بدينه ; لأن عندهما القيمة معتبرة مع الوزن وفي الزيادة إن كان وفاء بالدين فلا وفاء بالقيمة وله أن يضمن قيمة القلب ثمانية فتكون رهنا عنده ، وإن انكسر ضمن ثلثي قيمته عنده لما عرف وعندهما الكل لما عرف رهن عشرة دراهم بيضا لها صرف وفضل بعشرة سود تهلك بالسود عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى ، وقال أبو يوسف رحمه الله إن كانت قيمتها خمسة عشر سودا فقد ضمن ثلثيه وثلثه أمانة كما إذا ارتهن قلبا وزنه مثل الدين وقيمته أكثر منه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية