الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ثم إن علينا بيانه كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ثم إن علينا بيانه ) فيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الآية تدل على أنه عليه السلام كان يقرأ مع قراءة جبريل عليه السلام وكان يسأل في [ ص: 199 ] أثناء قراءته مشكلاته ومعانيه لغاية حرصه على العلم ، فنهي النبي عليه السلام عن الأمرين جميعا ، أما عن القراءة مع قراءة جبريل فبقوله : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) وأما عن إلقاء الأسئلة في البيان فبقوله : ( ثم إن علينا بيانه ) .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : احتج من جوز تأخير البيان عن وقت الخطاب بهذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            وأجاب أبو الحسين عنه من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن ظاهر الآية يقتضي وجوب تأخير البيان عن وقت الخطاب وأنتم لا تقولون به .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن عندنا الواجب أن يقرن باللفظ إشعارا بأنه ليس المراد من اللفظ ما يقتضيه ظاهره ، فأما البيان التفصيلي فيجوز تأخيره ، فتحمل الآية على تأخير البيان التفصيلي ، وذكر القفال وجها ثالثا : وهو أن قوله : ( ثم إن علينا بيانه ) أي : ثم إنا نخبرك بأن علينا بيانه ، ونظيره قوله تعالى : ( فك رقبة ) إلى قوله ( ثم كان من الذين آمنوا ) [ البلد : 17] .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عن الأول : أن اللفظ لا يقتضي وجوب تأخير البيان بل يقتضي تأخير وجوب البيان ، وعندنا الأمر كذلك ؛ لأن وجوب البيان لا يتحقق إلا عند الحاجة .

                                                                                                                                                                                                                                            وعن الثاني : أن كلمة " ثم " دخلت مطلق البيان فيتناول البيان المجمل والمفصل ، وأما سؤال القفال فضعيف أيضا لأنه ترك للظاهر من غير دليل .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( ثم إن علينا بيانه ) يدل على أن بيان المجمل واجب على الله تعالى . أما عندنا فبالوعد والتفضل . وأما عند المعتزلة فبالحكمة .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال صاحب " الكشاف " : ( كلا ) ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة ، وحث على الأناة والتؤدة ، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله : ( بل تحبون العاجلة ) كأنه قال : بل أنتم يا بني آدم ؛ لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ، ومن ثم تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ، وقال سائر المفسرين : ( كلا ) معناه حقا ، أي : حقا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ، والمعنى أنهم يحبون الدنيا ويعملون لها ويتركون الآخرة ويعرضون عنها .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قرئ " تحبون " و " تذرون " بالتاء والياء ، وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الفراء : القرآن إذا نزل تعريفا لحال قوم ، فتارة ينزل على سبيل المخاطبة لهم . وتارة ينزل على سبيل المغايبة ، كقوله تعالى : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس : 22] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال أبو علي الفارسي : الياء على ما تقدم من ذكر الإنسان في قوله : ( أيحسب الإنسان ) والمراد منه الكثرة ، كقوله : ( إن الإنسان خلق هلوعا ) [ المعارج : 19] والمعنى : أنهم يحبون ويذرون ، والتاء على : قل لهم : بل تحبون وتذرون .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية