(
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل )
أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2نبتليه ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : نبتليه معناه لنبتليه ، وهو كقول الرجل : جئتك أقضي حقك ، أي لأقضي حقك ، وأتيتك أستمنحك ، أي لأستمنحك ، كذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2نبتليه ) أي لنبتليه ، ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6ولا تمنن تستكثر ) [المدثر : 6] أي لتستكثر .
المسألة الثانية : " نبتليه " في موضع الحال ، أي : خلقناه مبتلين له ، يعني مريدين ابتلاءه .
المسألة الثالثة : في الآية قولان :
أحدهما : أن فيه تقديما وتأخيرا ، والمعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فجعلناه سميعا بصيرا ) لنبتليه .
والقول الثاني : أنه لا حاجة إلى هذا التغيير ، والمعنى :
nindex.php?page=treesubj&link=21851_31808إنا خلقناه من هذه الأمشاج لا للبعث ، بل للابتلاء والامتحان .
ثم ذكر أنه أعطاه ما يصح معه الابتلاء ، وهو السمع والبصر ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فجعلناه سميعا بصيرا ) ، والسمع والبصر كنايتان عن الفهم والتمييز ، كما قال تعالى حاكيا عن
إبراهيم عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ) [ مريم : 42] وأيضا قد يراد بالسميع المطيع ، كقوله " سمعا وطاعة " ، وبالبصير العالم ، يقال : فلان بصير في هذا الأمر ، ومنهم من قال : بل المراد بالسمع والبصر الحاستان المعروفتان . والله تعالى خصهما بالذكر لأنهما أعظم الحواس وأشرفها .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل ) أخبر الله تعالى أنه بعد أن ركبه وأعطاه الحواس الظاهرة والباطنة
nindex.php?page=treesubj&link=30458بين له سبيل الهدى والضلال ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الآية دالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=29485_29703_32412إعطاء الحواس كالمقدم على إعطاء العقل ، والأمر كذلك ؛ لأن الإنسان خلق في مبدأ الفطرة خاليا عن معرفة الأشياء ، إلا أنه أعطاه آلات تعينه على تحصيل تلك المعارف ، وهي الحواس الظاهرة والباطنة ، فإذا أحس بالمحسوسات تنبه لمشاركات بينها ومباينات ، ينتزع منها عقائد صادقة أولية ، كعلمنا بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان ، وأن الكل أعظم من الجزء ، وهذه العلوم الأولية هي آلة العقل ؛ لأن بتركيباتها يمكن التوصل إلى استعلام المجهولات النظرية ، فثبت أن الحس مقدم في الوجود على العقل ، ولذلك قيل : من فقد حسا فقد علما ، ومن قال : المراد من كونه سميعا بصيرا هو العقل - قال : إنه لما بين في الآية الأولى أنه أعطاه العقل بين في هذه الآية أنه إنما أعطاه العقل ليبين له السبيل ويظهر له أن الذي يجب فعله ما هو ، والذي لا يجوز ما هو .
المسألة الثانية : السبيل هو الذي يسلك من الطريق ، فيجوز أن يكون المراد بالسبيل ههنا سبيل الخير والشر والنجاة والهلاك ، ويكون معنى " هديناه " أي : عرفناه وبينا كيفية كل واحد منهما له ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وهديناه النجدين ) [ البلد : 10] ويكون السبيل اسما للجنس ، فلهذا أفرد لفظه كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إن الإنسان لفي خسر ) [ العصر : 2] ويجوز أن يكون المراد بالسبيل هو سبيل الهدى ؛ لأنها هي الطريقة المعروفة المستحقة لهذا الاسم على الإطلاق ، فأما سبيل الضلالة فإنما هي سبيل بالإضافة ، ألا ترى إلى قوله تعالى :
[ ص: 211 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ) [ الأحزاب : 67] وإنما أضلوهم سبيل الهدى ، ومن ذهب إلى هذا جعل معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3هديناه ) أي أرشدناه ، وإذا أرشد لسبيل الحق ، فقد نبه على تجنب ما سواها ، فكان اللفظ دليلا على الطريقين من هذا الوجه .
المسألة الثالثة : المراد من هداية السبيل خلق الدلائل ، وخلق العقل الهادي ، وبعثة الأنبياء ، وإنزال الكتب ، كأنه تعالى قال : خلقتك للابتلاء ثم أعطيتك كل ما تحتاج إليه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42ليهلك من هلك عن بينة ) [ الأنفال : 42] وليس معناه خلقنا الهداية ، ألا ترى أنه ذكر السبيل ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3هديناه السبيل ) أي أريناه ذلك .
المسألة الرابعة : قال
الفراء : هديناه السبيل ، وإلى السبيل ، وللسبيل ، كل ذلك جائز في اللغة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ )
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2نَبْتَلِيهِ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : نَبْتَلِيهِ مَعْنَاهُ لِنَبْتَلِيَهُ ، وَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ : جِئْتُكَ أَقْضِي حَقَّكَ ، أَيْ لِأَقْضِيَ حَقَّكَ ، وَأَتَيْتُكَ أَسْتَمْنِحُكَ ، أَيْ لِأَسْتَمْنِحَكَ ، كَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2نَبْتَلِيهِ ) أَيْ لِنَبْتَلِيَهُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) [الْمُدَّثِّرِ : 6] أَيْ لِتَسْتَكْثِرَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : " نَبْتَلِيهِ " فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَيْ : خَلَقْنَاهُ مُبْتَلِينَ لَهُ ، يَعْنِي مُرِيدِينَ ابْتِلَاءَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ، وَالْمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) لِنَبْتَلِيَهُ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّغْيِيرِ ، وَالْمَعْنَى :
nindex.php?page=treesubj&link=21851_31808إِنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْشَاجِ لَا لِلْبَعْثِ ، بَلْ لِلِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ .
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ الِابْتِلَاءُ ، وَهُوَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) ، وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ كِنَايَتَانِ عَنِ الْفَهْمِ وَالتَّمْيِيزِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=42لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ ) [ مَرْيَمَ : 42] وَأَيْضًا قَدْ يُرَادُ بِالسَّمِيعِ الْمُطِيعُ ، كَقَوْلِهِ " سَمْعًا وَطَاعَةً " ، وَبِالْبَصِيرِ الْعَالِمُ ، يُقَالُ : فُلَانٌ بَصِيرٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : بَلِ الْمُرَادُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ الْحَاسَّتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ . وَاللَّهُ تَعَالَى خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَعْظَمُ الْحَوَاسِّ وَأَشْرَفُهَا .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ رَكَّبَهُ وَأَعْطَاهُ الْحَوَاسَّ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=30458بَيَّنَ لَهُ سَبِيلَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29485_29703_32412إِعْطَاءَ الْحَوَاسِّ كَالْمُقَدَّمِ عَلَى إِعْطَاءِ الْعَقْلِ ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ فِي مَبْدَأِ الْفِطْرَةِ خَالِيًا عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَشْيَاءِ ، إِلَّا أَنَّهُ أَعْطَاهُ آلَاتٍ تُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِ تِلْكَ الْمَعَارِفِ ، وَهِيَ الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ ، فَإِذَا أَحَسَّ بِالْمَحْسُوسَاتِ تَنَبَّهَ لِمُشَارَكَاتٍ بَيْنَهَا وَمُبَايَنَاتٍ ، يُنْتَزَعُ مِنْهَا عَقَائِدُ صَادِقَةٌ أَوَّلِيَّةٌ ، كَعِلْمِنَا بِأَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ ، وَأَنَّ الْكُلَّ أَعْظَمُ مِنَ الْجُزْءِ ، وَهَذِهِ الْعُلُومُ الْأَوَّلِيَّةُ هِيَ آلَةُ الْعَقْلِ ؛ لِأَنَّ بِتَرْكِيبَاتِهَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إِلَى اسْتِعْلَامِ الْمَجْهُولَاتِ النَّظَرِيَّةِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْحِسَّ مُقَدَّمٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْعَقْلِ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : مَنْ فَقَدَ حِسًّا فَقَدَ عِلْمًا ، وَمَنْ قَالَ : الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ سَمِيعًا بَصِيرًا هُوَ الْعَقْلُ - قَالَ : إِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ الْعَقْلَ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ الْعَقْلَ لِيُبَيِّنَ لَهُ السَّبِيلَ وَيُظْهِرَ لَهُ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ فِعْلُهُ مَا هُوَ ، وَالَّذِي لَا يَجُوزُ مَا هُوَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : السَّبِيلُ هُوَ الَّذِي يُسْلَكُ مِنَ الطَّرِيقِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّبِيلِ هَهُنَا سَبِيلَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالنَّجَاةِ وَالْهَلَاكِ ، وَيَكُونُ مَعْنَى " هَدَيْنَاهُ " أَيْ : عَرَّفْنَاهُ وَبَيَّنَّا كَيْفِيَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) [ الْبَلَدِ : 10] وَيَكُونُ السَّبِيلُ اسْمًا لِلْجِنْسِ ، فَلِهَذَا أُفْرِدَ لَفْظُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=103&ayano=2إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) [ الْعَصْرِ : 2] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّبِيلِ هُوَ سَبِيلَ الْهُدَى ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَعْرُوفَةُ الْمُسْتَحِقَّةُ لِهَذَا الِاسْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَأَمَّا سَبِيلُ الضَّلَالَةِ فَإِنَّمَا هِيَ سَبِيلٌ بِالْإِضَافَةِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 211 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ ) [ الْأَحْزَابِ : 67] وَإِنَّمَا أَضَلُّوهُمْ سَبِيلَ الْهُدَى ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَعَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3هَدَيْنَاهُ ) أَيْ أَرْشَدْنَاهُ ، وَإِذَا أُرْشِدَ لِسَبِيلِ الْحَقِّ ، فَقَدْ نُبِّهَ عَلَى تَجَنُّبِ مَا سِوَاهَا ، فَكَانَ اللَّفْظُ دَلِيلًا عَلَى الطَّرِيقَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْمُرَادُ مِنْ هِدَايَةِ السَّبِيلِ خَلْقُ الدَّلَائِلِ ، وَخَلْقُ الْعَقْلِ الْهَادِي ، وَبَعْثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : خَلَقْتُكَ لِلِابْتِلَاءِ ثُمَّ أَعْطَيْتُكَ كُلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ) [ الْأَنْفَالِ : 42] وَلَيْسَ مَعْنَاهُ خَلَقْنَا الْهِدَايَةَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ السَّبِيلَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ) أَيْ أَرَيْنَاهُ ذَلِكَ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ
الْفَرَّاءُ : هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ، وَإِلَى السَّبِيلِ ، وَلِلسَّبِيلِ ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ .