ولما ذكر ما أحله بهم سبحانه وأشار إلى القطع بأنه من عنده باتساقه في خرقه العوائد بالاستئصال والخصوص لمن كذب الرسل والتنجية لمن صدقهم، علله بقوله:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28752_29711_30549_31791_34274_29035nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6ذلك أي الأمر الشنيع العظيم من الوبال الدال قطعا على أن الكفر أبطل الباطل وأنه مما يغضب الخالق. ولما لم يكن مقصودها كمقصود غافر من تصنيف الناس صنفين، وإنما حصل تصنيفهم هنا بالعرض للدلالة على الساعة اكتفى بضمير الشأن فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6بأنه أي بسبب أن الشأن العظيم البالغ في الفظاعة
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6كانت تأتيهم على عادة مستمرة
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6رسلهم أي رسل الله الذين أرسلهم إليهم وخصهم بهم ليكونوا موضع سرورهم بهم
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6بالبينات أي الأمور التي توضح غاية الإيضاح أنهم رسل الله من الكتب وغيرها، فشهدوا الأمر من معدنه، فلذلك كان عذابهم أشد.
[ ص: 113 ] ولما كان سبحانه وتعالى قد أودع الإنسان من جملة ما منحه به خاصة لطيفة وهي العزة وحب الكبر والعلو، فمن وضعها موضعها [بالتكبر] على من أمر الله بالتكبر عليه وهم شياطين الإنس والجن ممن عصاه سبحانه نجا، ومن وضعها في غير موضعها بالتكبر على أولياء الله رب العزة هلك، بين تعالى أن الكفار وضعوها في غير موضعها:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6فقالوا أي الكل لرسلهم منكرين غاية الإنكار تكبرا:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6أبشر أي هذا الجنس وهو مرفوع على الفاعلية لأن الاستفهام يطلب الفعل، ولما كان تكذيب الجمع أعظم، وكان لو أفرد الضمير لم يكن له روعة الجمع قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6يهدوننا فأنكروا على الملك الأعظم إرساله لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6فكفروا بذلك عقب مجيء الرسل وبسببه من غير نظر وتفكر وأدنى تأمل وتبصر حسدا للرسل لكونهم مساوين لهم في البشرية فاستبعدوا أن يخصوا من بينهم بأمر ولا سيما إن كان عظيما جدا، فلزمهم ارتكاب أقبح الأمور وهو استبعاد أن يكون النبي بشرا مع الإقرار بأن يكون الإله حجرا
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6وتولوا أي كلفوا أنفسهم خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى من الإعراض عن الرسل بعد إنكار رسالتهم لشبهة قامت عندهم، وذلك أنهم قالوا: إن الله عظيم لا يشبه البشر فينبغي أن يكون رسله من غير البشر، ولو تأملوا حق التأمل لعلموا أن هذا
[ ص: 114 ] هكذا، وأن الرسل إنما هي ملائكة، لكن لما كان لا يقوى جميع البشر على رؤية الملائكة كما هو مقتضى العظمة التي توهموها ولم يثبتوها على وجهها، خص سبحانه من البشر ناسا وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوى زائدة طوقهم بها على معالجتهم، فأتوا إليهم ليكونوا واسطة بين الله وبين خلقه لأن بعض الجنس أميل إلى بعض وأقبل.
ولما كان هذا كله إنما هو لمصالح الخلق لا يعود على الله سبحانه وتعالى وعز شأنه نفع من وجوده ولا يلحقه ضرر من عدمه ولا بالعكس، نبه على ذلك بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6واستغنى الله أي فعل الملك الأعظم [الذي] لا أمر لأحد معه، فعل من يطلب الغنى عنهم وأوجده إيجادا عظيما ممن هداه لاتباع الرسل فأعرض عنهم حين أعرضوا عن رسله فضرهم إعراضه [عنهم] ولم يضره إعراضهم وما ضروا إلا أنفسهم وأطلق الاستغناء ليعم كل شيء.
ولما كان التعبير بذلك قد يوهم حدوث ما لم يكن له، نفى ذلك بقوله مظهرا زيادة في العظمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6والله أي المستجمع لصفات الكمال من غير تقيد بحيثية
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6غني عن الخلق جميعا
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6حميد له صفة الغنى المطلق والحمد الأبلغ الذي هو الإحاطة بجميع أوصاف الكمال
[ ص: 115 ] لي الدوام أزلا وأبدا، لم يتجدد له شيء لم يكن.
وَلَمَّا ذَكَرَ مَا أَحَلَّهُ بِهِمْ سُبْحَانَهُ وَأَشَارَ إِلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ بِاتِّسَاقِهِ فِي خَرْقِهِ الْعَوَائِدَ بِالِاسْتِئْصَالِ وَالْخُصُوصِ لِمَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ وَالتَّنْجِيَةُ لِمَنْ صَدَّقَهُمْ، عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_28752_29711_30549_31791_34274_29035nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6ذَلِكَ أَيِ الْأَمْرُ الشَّنِيعُ الْعَظِيمُ مِنَ الْوَبَالِ الدَّالِّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ وَأَنَّهُ مِمَّا يُغْضِبُ الْخَالِقَ. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهَا كَمَقْصُودِ غَافِرٍ مِنْ تَصْنِيفِ النَّاسِ صِنْفَيْنِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ تَصْنِيفُهُمْ هُنَا بِالْعَرْضِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى السَّاعَةِ اكْتَفَى بِضَمِيرِ الشَّأْنِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6بِأَنَّهُ أَيْ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّأْنَ الْعَظِيمَ الْبَالِغَ فِي الْفَظَاعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6كَانَتْ تَأْتِيهِمْ عَلَى عَادَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6رُسُلُهُمْ أَيْ رُسُلُ اللَّهِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ وَخَصَّهُمْ بِهِمْ لِيَكُونُوا مَوْضِعَ سُرُورِهِمْ بِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6بِالْبَيِّنَاتِ أَيِ الْأُمُورِ الَّتِي تُوَضِّحُ غَايَةَ الْإِيضَاحِ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ مِنَ الْكُتُبِ وَغَيْرِهَا، فَشَهِدُوا الْأَمْرَ مِنْ مَعْدِنِهِ، فَلِذَلِكَ كَانَ عَذَابُهُمْ أَشَدَّ.
[ ص: 113 ] وَلَمَّا كَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَوْدَعَ الْإِنْسَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا مَنَحَهُ بِهِ خَاصَّةً لَطِيفَةً وَهِيَ الْعِزَّةُ وَحَبُّ الْكِبَرِ وَالْعُلُوِّ، فَمَنْ وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا [بِالتَّكَبُّرِ] عَلَى مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّكَبُّرِ عَلَيْهِ وَهُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مِمَّنْ عَصَاهُ سُبْحَانَهُ نَجَا، وَمَنْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا بِالتَّكَبُّرِ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ رَبِّ الْعِزَّةِ هَلَكَ، بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْكُفَّارَ وَضَعُوهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6فَقَالُوا أَيِ الْكُلُّ لِرُسُلِهِمْ مُنْكِرِينَ غَايَةَ الْإِنْكَارِ تَكَبُّرًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6أَبَشَرٌ أَيْ هَذَا الْجِنْسُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَطْلَبُ الْفِعْلَ، وَلَمَّا كَانَ تَكْذِيبُ الْجَمْعِ أَعْظَمَ، وَكَانَ لَوْ أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَوْعَةُ الْجَمْعِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6يَهْدُونَنَا فَأَنْكَرُوا عَلَى الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ إِرْسَالَهُ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6فَكَفَرُوا بِذَلِكَ عَقِبَ مَجِيءِ الرُّسُلِ وَبِسَبَبِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَتَفَكُّرٍ وَأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَتَبَصُّرٍ حَسَدًا لِلرُّسُلِ لِكَوْنِهِمْ مُسَاوِينَ لَهُمْ فِي الْبَشَرِيَّةِ فَاسْتَبْعَدُوا أَنْ يَخُصُّوا مِنْ بَيْنِهِمْ بِأَمْرٍ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا، فَلَزِمَهُمُ ارْتِكَابَ أَقْبَحِ الْأُمُورِ وَهُوَ اسْتِبْعَادُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ بَشَرًا مَعَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ حَجَرًا
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6وَتَوَلَّوْا أَيْ كَلَّفُوا أَنْفُسَهُمْ خِلَافَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْفِطْرَةُ الْأُولَى مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الرُّسُلِ بَعْدَ إِنْكَارِ رِسَالَتِهِمْ لِشُبْهَةٍ قَامَتْ عِنْدَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ عَظِيمٌ لَا يُشْبِهُ الْبَشَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رُسُلُهُ مِنْ غَيْرِ الْبَشَرِ، وَلَوْ تَأَمَّلُوا حَقَّ التَّأَمُّلِ لَعَلِمُوا أَنَّ هَذَا
[ ص: 114 ] هَكَذَا، وَأَنَّ الرُّسُلَ إِنَّمَا هِيَ مَلَائِكَةٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَا يَقْوَى جَمِيعُ الْبَشَرِ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَظَمَةِ الَّتِي تَوَهَّمُوهَا وَلَمْ يُثْبِتُوهَا عَلَى وَجْهِهَا، خَصَّ سُبْحَانَهُ مِنَ الْبَشَرِ نَاسًا وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقُوًى زَائِدَةٍ طَوَّقَهُمْ بِهَا عَلَى مُعَالَجَتِهِمْ، فَأَتَوْا إِلَيْهِمْ لِيَكُونُوا وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْجِنْسِ أَمَيْلُ إِلَى بَعْضٍ وَأَقْبَلُ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا كُلُّهُ إِنَّمَا هُوَ لِمَصَالِحِ الْخَلْقِ لَا يَعُودُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَزَّ شَأْنُهُ نَفْعٌ مِنْ وُجُودِهِ وَلَا يُلْحِقُهُ ضَرَرٌ مَنْ عَدِمَهُ وَلَا بِالْعَكْسِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ فِعْلِ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ [الَّذِي] لَا أَمْرَ لِأَحَدٍ مَعَهُ، فِعْلُ مَنْ يَطْلُبُ الْغِنَى عَنْهُمْ وَأَوْجَدَهُ إِيجَادًا عَظِيمًا مِمَّنْ هَدَاهُ لِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ حِينَ أَعْرَضُوا عَنْ رُسُلِهِ فَضَرَّهُمْ إِعْرَاضُهُ [عَنْهُمْ] وَلَمْ يَضُرُّهُ إِعْرَاضُهُمْ وَمَا ضَرُّوا إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَأَطْلَقَ الِاسْتِغْنَاءَ لِيَعُمَّ كُلَّ شَيْءٍ.
وَلَمَّا كَانَ التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ قَدْ يُوهِمُ حُدُوثَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ، نَفَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُظْهِرًا زِيَادَةً فِي الْعَظَمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6وَاللَّهُ أَيِ الْمُسْتَجْمِعُ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِحَيْثِيَّةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6غَنِيٌّ عَنِ الْخَلْقِ جَمِيعًا
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=6حَمِيدٌ لَهُ صِفَةُ الْغِنَى الْمُطْلَقِ وَالْحَمْدِ الْأَبْلَغِ الَّذِي هُوَ الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ
[ ص: 115 ] لِيَ الدَّوَامُ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ.