ولما كانت المعاسرة في الغالب في ترك السماح، وكان ترك السماح من خوف الإعدام، نبه سبحانه على أن ذلك ليس بعذر بتقسيم الناس إلى موسع عليه وغيره، ولأن الأليق بالموسع عليه أن يوسع ولا يسيء الظن بربه وقد جرب رفده، وأن المقتر عليه لا ينبغي أن يفعل فعل من يخاف أن يخلف وعده، فقال شارحا للمياسرة:
nindex.php?page=treesubj&link=12677_13418_28640_30504_34406_29036nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لينفق ذو سعة أي مال واسع ولم يكلفه سبحانه جميع وسعه بل قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7من سعته التي أوسعها الله عليه. ولما كان الإعطاء من غير تقدير ملزوما للسعة، كان التقدير كناية عن الضيق فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7ومن قدر أي ضيق وسكنت عليه حركته ورقدت عنه معيشته
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7عليه رزقه بأن جعله الله الذي لا يقدر على التضييق والتوسيع غيره بقدر ضرورياته فقط من غير
[ ص: 163 ] وسع لشيء غيرها لأمر من الأمور التي يظهر الله بها عجز العباد رحمة لهم ليهذب به نفوسهم، وبناه للمفعول تعليما للأدب معه سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7فلينفق أي وجوبا على المرضع وغيرها من كل ما أوجبه الله عليه أو ندبه إليه، وبشر سبحانه وتعالى بأنه لا يخلي أحدا من شيء يقوم به ما دام حيا بقوله مشيرا بالتبعيض إلى أن ما أوجبه سبحانه لا يستغرق ما وهبه:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7مما آتاه الله أي الملك الذي لا ينفذ ما عنده ولا حد لجوده، ولو من رأس المال ومتابع البيت ومن ثمن الضيعة إن لم يكن له من الغلة لأنه سبحانه قد ضمن الإخلاف، ومن ملك ما يكفيه للوقت ثم اهتم للزيادة للغد فذلك اهتمام غير مرحوم، وصاحبه غير معان، وفي هذا إرشاد إلى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في عدم التكلف واليسر في [ كل -] أمر على حسب الأوقات.
ولما كان تعالى له التكليف بما [ لا -] يطاق، أخبر بأنه رحم العباد بأنه لا يفعله، فقال معللا أو مستأنفا جوابا لمن يقول: [ فما -] يفعل من لم يكن له موجود أصلا، محببا في دينه صلى الله عليه وسلم مما فيه من اليسر:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لا يكلف الله أي الذي له الكمال بأوصاف الرحمة والإنعام علينا بالتخفيف
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7نفسا أي نفس كانت
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7إلا ما آتاها وربما أفهم، أن من كلف إنفاقا وجد من فضل ما عنده ما يسده من الأثاث الفاضل
[ ص: 164 ] عن سد جوعته وستر عورته.
ولما كان التذكير بالإعدام ربما أوجع، قال تعالى جابرا له وتطبيبا لقلبه نادبا إلى الإيمان بالغيب:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7سيجعل الله أي الملك الذي له الكمال كله فلا خلف لوعده، ونزع الجار زيادة في الخبر فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7بعد عسر أي من الأمور التي تعسرت لا أنه يجعل ذلك بعد كل عسر
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7يسرا أي لا بد من ذلك ولا يوجد [ أحد -] يستمر التقتير عليه طول عمره في جميع أحواله، قال
القشيري: وانتظار اليسر من الله صفة المتوسطين في الأحوال الذين انحطوا عن درجة الرضى واستواء وجود السبب وفقده وارتقوا عن حد اليأس والقنوط ويعيشون في أفناء الرجاء ويتعللون بحسن المواعيد - انتهى. ولقد صدق الله [ وعده -] فيمن كانوا موجودين حين نزول الآية، ففتح عليهم جميع جزيرة
العرب ثم
فارس والروم وانتثلوا كنوزها حتى صاروا أغنى الناس، وصدق الآية دائم غير أنه كان في الصحابة رضي الله تعالى عنهم أبين لأن إيمانهم أتم.
وَلَمَّا كَانَتِ الْمُعَاسَرَةُ فِي الْغَالِبِ فِي تَرْكِ السَّمَاحِ، وَكَانَ تَرْكُ السَّمَاحِ مِنْ خَوْفِ الْإِعْدَامِ، نَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعُذْرٍ بِتَقْسِيمِ النَّاسِ إِلَى مُوسِعٍ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْأَلْيَقَ بِالْمُوسِعِ عَلَيْهِ أَنْ يُوسِعَ وَلَا يُسِيءَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ وَقَدْ جَرَّبَ رِفْدَهُ، وَأَنَّ الْمُقْتِرَ عَلَيْهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ فِعْلَ مَنْ يَخَافُ أَنْ يُخْلِفَ وَعْدَهُ، فَقَالَ شَارِحًا لِلْمُيَاسَرَةِ:
nindex.php?page=treesubj&link=12677_13418_28640_30504_34406_29036nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ أَيْ مَالٍ وَاسِعٍ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ سُبْحَانَهُ جَمِيعَ وُسْعِهِ بَلْ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7مِنْ سَعَتِهِ الَّتِي أَوْسَعَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ. وَلَمَّا كَانَ الْإِعْطَاءُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ مَلْزُومًا لِلسِّعَةِ، كَانَ التَّقْدِيرُ كِنَايَةً عَنِ الضِّيقِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7وَمَنْ قُدِرَ أَيْ ضَيَّقَ وَسَكَنَتْ عَلَيْهِ حَرَكَتُهُ وَرَقَدَتْ عَنْهُ مَعِيشَتُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7عَلَيْهِ رِزْقُهُ بِأَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّضْيِيقِ وَالتَّوْسِيعِ غَيْرَهُ بِقَدْرِ ضَرُورِيَّاتِهِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ
[ ص: 163 ] وُسْعٍ لِشَيْءٍ غَيْرِهَا لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُظْهِرُ اللَّهُ بِهَا عَجْزَ الْعِبَادِ رَحْمَةً لَهُمْ لِيُهَذِّبَ بِهِ نُفُوسَهُمْ، وَبَنَاهُ لِلْمَفْعُولِ تَعْلِيمًا لِلْأَدَبِ مَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7فَلْيُنْفِقْ أَيْ وُجُوبًا عَلَى الْمُرْضِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ نَدَبَهُ إِلَيْهِ، وَبَشَّرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يُخَلِّي أَحَدًا مِنْ شَيْءٍ يَقُومُ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا بِقَوْلِهِ مُشِيرًا بِالتَّبْعِيضِ إِلَى أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ سُبْحَانَهُ لَا يَسْتَغْرِقُ مَا وَهَبَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ أَيِ الْمَلِكُ الَّذِي لَا يُنَفِّذُ مَا عِنْدَهُ وَلَا حَدَّ لِجُودِهِ، وَلَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمُتَابِعِ الْبَيْتِ وَمِنْ ثَمَنِ الضَّيْعَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ضَمِنَ الْإِخْلَافَ، وَمِنْ مُلْكِ مَا يَكْفِيهِ لِلْوَقْتِ ثُمَّ اهْتَمَّ لِلزِّيَادَةِ لِلْغَدِ فَذَلِكَ اهْتِمَامٌ غَيْرُ مَرْحُومٍ، وَصَاحِبُهُ غَيْرُ مُعَانٍ، وَفِي هَذَا إِرْشَادٌ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَدَمِ التَّكَلُّفِ وَالْيُسْرِ فِي [ كُلِّ -] أَمْرٍ عَلَى حَسَبِ الْأَوْقَاتِ.
وَلَمَّا كَانَ تَعَالَى لَهُ التَّكْلِيفُ بِمَا [ لَا -] يُطَاقُ، أَخْبَرَ بِأَنَّهُ رَحِمَ الْعِبَادَ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، فَقَالَ مُعَلِّلًا أَوْ مُسْتَأْنِفًا جَوَابًا لِمَنْ يَقُولُ: [ فَمَا -] يَفْعَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْجُودٌ أَصْلًا، مُحَبِّبًا فِي دِينِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا فِيهِ مِنَ الْيُسْرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7لا يُكَلِّفُ اللَّهُ أَيِ الَّذِي لَهُ الْكَمَالُ بِأَوْصَافِ الرَّحْمَةِ وَالْإِنْعَامِ عَلَيْنَا بِالتَّخْفِيفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7نَفْسًا أَيْ نَفْسٌ كَانَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7إِلا مَا آتَاهَا وَرُبَّمَا أَفْهَمُ، أَنَّ مَنْ كُلِّفَ إِنْفَاقًا وَجَدَ مِنْ فَضْلِ مَا عِنْدَهُ مَا يَسُدُّهُ مِنَ الْأَثَاثِ الْفَاضِلِ
[ ص: 164 ] عَنْ سَدٍّ جَوْعَتِهِ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ.
وَلَمَّا كَانَ التَّذْكِيرُ بِالْإِعْدَامِ رُبَّمَا أَوْجَعُ، قَالَ تَعَالَى جَابِرًا لَهُ وَتَطْبِيبًا لِقَلْبِهِ نَادِبًا إِلَى الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7سَيَجْعَلُ اللَّهُ أَيِ الْمَلِكِ الَّذِي لَهُ الْكَمَالُ كُلُّهُ فَلَا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، وَنَزَعَ الْجَارَّ زِيَادَةً فِي الْخَبَرِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7بَعْدَ عُسْرٍ أَيْ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَعَسَّرَتْ لَا أَنَّهُ يَجْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ كُلِّ عُسْرٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=7يُسْرًا أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُوجَدُ [ أَحَدٌ -] يَسْتَمِرُّ التَّقْتِيرُ عَلَيْهِ طُولَ عُمْرِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ: وَانْتِظَارُ الْيُسْرِ مِنَ اللَّهِ صِفَةُ الْمُتَوَسِّطِينَ فِي الْأَحْوَالِ الَّذِينَ انْحَطُّوا عَنْ دَرَجَةِ الرِّضَى وَاسْتِوَاءِ وُجُودِ السَّبَبِ وَفَقْدِهِ وَارْتَقُوا عَنْ حَدِّ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ وَيَعِيشُونَ فِي أَفْنَاءِ الرَّجَاءِ وَيَتَعَلَّلُونَ بِحُسْنِ الْمَوَاعِيدِ - انْتَهَى. وَلَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ [ وَعْدَهُ -] فِيمَنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ حِينَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَفَتَحَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ جَزِيرَةِ
الْعَرَبِ ثُمَّ
فَارِسَ وَالرُّومَ وَانْتَثَلُوا كُنُوزَهَا حَتَّى صَارُوا أَغْنَى النَّاسِ، وَصِدْقُ الْآيَةِ دَائِمٌ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَبْيَنُ لِأَنَّ إِيمَانَهُمْ أَتَمُّ.