الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ثم لا يموت فيها ولا يحيا ) أما قوله تعالى : ( ثم لا يموت فيها ولا يحيا ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : للمفسرين فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه ، كما قال : ( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) [ فاطر : 36 ] وهذا على مذهب العرب تقول للمبتلى بالبلاء الشديد : لا هو حي ولا هو ميت .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : معناه أن نفس أحدهم في النار تصير في حلقه فلا تخرج فيموت ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : إنما قيل : ( ثم ) لأن هذه الحالة أفظع وأعظم من الصلى فهو متراخ عنه في مراتب الشدة .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                            ( قد أفلح من تزكى ) ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه تعالى لما ذكر وعيد من أعرض عن النظر والتأمل في دلائل الله تعالى أتبعه بالوعد لمن تزكى وتطهر من دنس الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : وهو قول الزجاج : تكثر من التقوى لأن معنى الزاكي النامي الكثير ، وهذا الوجه معتضد بقوله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) [ المؤمنون : 1 ] أثبت الفلاح للمستجمعين لتلك الخصال ، وكذلك قوله تعالى في أول البقرة : ( وأولئك هم المفلحون ) [ البقرة : 5 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الوجه الأول فإنه معتضد بوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه تعالى لما لم يذكر في الآية ما يجب التزكي عنه علمنا أن المراد هو التزكي عما مر ذكره قبل الآية ، وذلك هو الكفر ، فعلمنا أن المراد ههنا : ( قد أفلح من تزكى ) عن الكفر الذي مر ذكره قبل هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن الاسم المطلق ينصرف إلى المسمى الكامل ، وأكمل أنواع التزكية هو تزكية القلب عن ظلمة الكفر فوجب صرف هذا المطلق إليه ، ويتأكد هذا التأويل بما روي عن ابن عباس أنه قال معنى : ( تزكى ) قول : لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية