الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 292 ] بعض الأحكام التي تجب لحفص حال القصر في المنفصل من طريق طيبة النشر

التمهيد للدخول إلى هذه الأحكام وذكر بعض حالاتها ... إلخ.

من القواعد المقررة أن مرتبة القصر في المنفصل لحفص من طريق النشر يأتي عليها مرتبتان فقط من مراتب المد الثلاث التي في المتصل له، وهما مرتبتا التوسط والإشباع، وقد سبق أن قلنا غير مرة: إن مرتبة التوسط قدرها أربع حركات، وأن مرتبة الإشباع قدرها ست.

والقصر في المنفصل قد يكون مطلقا وقد يكون مقيدا.

أما القصر المطلق فهو القصر في عموم أنواع المنفصل في سائر التنزيل.

وأما القصر المقيد فهو القصر في العموم أيضا، باستثناء نوع واحد منه، وهو ما جاء في كلمة التوحيد خاصة في عموم القرآن الكريم نحو: لا إله إلا الله [محمد: 19] لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين [الأنبياء: 87] وأن لا إله إلا هو [هود: 14] الله لا إله إلا هو الحي القيوم [البقرة: 255] وما إلى ذلك، فإن قوما من أهل الأداء ذهبوا إلى التوسط في كلمة التوحيد فقط مع القصر فيما سواها من أنواع المنفصل الأخرى، وهذا هو المسمى عندهم بمد التعظيم، وقد سبق الكلام عليه في صدر هذا الباب بالنسبة لهذه التسمية. أما بالنسبة لأحكام الأداء المترتبة عليه فسنذكرها قريبا.

هذا، ولقصر المنفصل مطلقا لحفص من طريق الطيبة أكثر من حالة، ولكل حالة منها أحكامها الخاصة بها، وسوف نقتصر على ذكر ثلاث حالات من تلك الحالات لما وعدنا به من أننا سنذكر بعض الأحكام الواجب اتباعها حال الأداء عند قصر المنفصل، وإليكها مفصلة مطردة في عموم التنزيل.

[ ص: 293 ] الحالة الأولى: من حالات القصر وهي القصر المطلق في المد المنفصل مع التوسط في المد المتصل لحفص من طريق الطيبة من كتاب "المصباح" في القراءات العشر، مخطوط للشهرزوري من طريق الحمامي، عن الولي، عن الفيل، عن عمرو ، عن حفص .

إذا قرئ لحفص بذلك تعين على القارئ الأخذ بالأحكام الآتية:

الأول: وجوب الأخذ بالتحقيق، أي بترك السكت على الساكن قبل الهمز، وقد تقدم الكلام على هذا السكت مع أمثلته قريبا.

الثاني: وجوب الأخذ بترك الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء، وقد تقدمت الأمثلة لذلك.

الثالث: وجوب الأخذ بوجه الصاد فقط في ويبسط بالبقرة، وكذلك في الخلق بسطة بالأعراف.

الرابع: وجوب الأخذ بوجه الإبدال فقط في آلذكرين [الأنعام: 143] وبابه.

الخامس: وجوب الأخذ بوجه الإدغام فحسب في يلهث ذلك بالأعراف، وكذلك في اركب معنا بهود عليه السلام.

السادس: وجوب الأخذ بوجه الإشمام فقط في لا تأمنا بيوسف عليه السلام.

السابع: وجوب الأخذ بوجه السكت وجها واحدا في عوجا [آل عمران : 99] وأخواتها، وسيأتي الكلام على أخوات "عوجا" في فصل السكت.

الثامن: وجوب الأخذ بوجه التوسط فقط في العين من فاتحة سورتي مريم والشورى.

التاسع: وجوب الأخذ بالتفخيم وجها واحدا في راء فرق بالشعراء.

العاشر: وجوب الأخذ بوجه القصر، أي بحذف الياء وقفا في آتاني الله خير بالنمل.

الحادي عشر: وجوب الأخذ بوجه فتح الضاد فقط في كلمة ضعف [الروم: 54] في الموضعين وفي كلمة ضعفا [الروم: 54] والمواضع الثلاث بالروم.

الثاني عشر: وجوب الأخذ بوجه إظهار النون من يس والقرآن الحكيم [الآية: 1 - 2] فاتحة سورة يس، وكذلك النون من ن والقلم [الآية: 1] فاتحة سورة القلم.

الثالث عشر: وجوب الأخذ بوجه السين فحسب في المصيطرون بالطور.

الرابع عشر: وجوب الأخذ بالقصر، أي بحذف الألف الثانية وقفا فقط في كلمة سلاسل بالإنسان.

[ ص: 294 ] الخامس عشر: وجوب الأخذ بوجه الصاد فحسب في كلمة بمصيطر بالغاشية.

السادس عشر: عدم التكبير العام، ويصح التكبير الخاص لأواخر سور الختم، والله الموفق.

الحالة الثانية: من حالات القصر وهي القصر المطلق في المد المنفصل مع إشباع المتصل لحفص من طريق الطيبة من كتاب روضة المعدل، من طريق الفيل ، عن عمرو ، عن حفص .

إذا قرئ لحفص بذلك وجب على القارئ الأخذ بالأحكام الآتية:

أولا: وجوب الأخذ بترك السكت على الساكن قبل الهمز، وقد سبق الكلام على هذا السكت مع التمثيل.

ثانيا: وجوب الأخذ بترك الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء، وقد تقدمت الأمثلة لذلك.

ثالثا: وجوب الأخذ بوجه السين فقط في ويبسط بالبقرة، وكذلك في الخلق بسطة بالأعراف.

رابعا: وجوب الأخذ بوجه الإبدال فقط في باب آلذكرين [الأنعام: 143].

خامسا: وجوب الأخذ بوجه الإدغام فقط في يلهث ذلك بالأعراف، وكذلك في اركب معنا بهود عليه السلام.

سادسا: وجوب الأخذ بوجه الإشمام فقط في لا تأمنا بيوسف عليه السلام.

سابعا: وجوب الأخذ بالإدراج أي بترك السكت وجها واحدا في كلمة عوجا [آل عمران : 99] وأخواتها، وسيأتي الكلام على هذه الكلمة في محلها.

ثامنا: وجوب الأخذ بوجه القصر بقدر حركتين فقط في " عين " من فاتحة سورتي مريم والشورى.

تاسعا: وجوب الأخذ بالتفخيم قولا واحدا في الراء في كلمة فرق بالشعراء.

عاشرا: وجوب الأخذ بوجه القصر، أي بحذف الياء في الوقف على كلمة آتاني الله خير بالنمل.

[ ص: 295 ] حادي عشر: وجوب الأخذ بوجه فتح الضاد فقط في كلمة ضعف [الآية: 54] في الكلمتين، وكذلك في كلمة ضعفا [الآية: 54] والثلاث بسورة الروم.

ثاني عشر: وجوب الأخذ بوجه الإظهار في النون من هجاء يس والقرآن الحكيم [الآية: 1 - 2] فاتحة يس، وكذلك النون من هجاء ن والقلم [الآية: 1] فاتحة سورة القلم.

ثالث عشر: وجوب الأخذ بوجه السين فحسب في كلمة المصيطرون بالطور.

رابع عشر: وجوب الأخذ بالقصر، أي بحذف الألف الثانية في الوقف فقط على كلمة سلاسل بالإنسان.

خامس عشر: وجوب الأخذ بوجه الصاد لا غير في كلمة بمصيطر بالغاشية.

سادس عشر: عدم التكبير مطلقا، والله الموفق.

الحالة الثالثة: من حالات القصر وهي القصر المقيد في المد المنفصل مع الإشباع في المد المتصل.

سبق أن قلنا: إن القصر المقيد هو القصر في المنفصل عموما باستثناء نوع واحد منه، وهو ما جاء في كلمة التوحيد خاصة، نحو قوله تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم [البقرة: 255] فإن بعض أهل الأداء ذهبوا إلى التوسط فقط في هذه الكلمة مع أخذهم بالقصر وجها واحدا فيما عداها من أنواع المنفصل الأخرى.

وعليه فإذا قرئ لحفص بذلك - أي بالقصر في المنفصل مع التوسط فقط في كلمة التوحيد مع الإشباع في المد المتصل، وهو من كتاب الكامل للهذلي من طريق الحمامي ، عن الولي ، عن الفيل ، عن عمرو ، عن حفص - لزم القارئ الأخذ بالأحكام الآتية.

أولا: وجوب الأخذ بترك السكت على الساكن قبل الهمز، وقد سبق الكلام عليه.

ثانيا: وجوب الأخذ بوجه بقاء الغنة عند إدغام النون الساكنة والتنوين في اللام والراء، والأمثلة غير خفية.

ثالثا: وجوب الأخذ بوجه الصاد قولا واحدا في ويبسط بالبقرة، وكذلك في الخلق بسطة بالأعراف.

رابعا: يجوز الأخذ بكل من الإبدال والتسهيل في كلمة آلذكرين [الأنعام: 143] وبابها [ ص: 296 ] وتقدم توضيح هذا الباب.

خامسا: وجوب الأخذ بوجه الإدغام قولا واحدا في يلهث ذلك بالأعراف.

سادسا: وجوب الأخذ بوجه الإظهار فقط في اركب معنا بهود عليه السلام.

سابعا: وجوب الأخذ بوجه الإشمام فحسب في كلمة لا تأمنا بيوسف عليه السلام.

ثامنا: وجوب الأخذ بالإدراج، أي بترك السكت قولا واحدا في كلمة عوجا [آل عمران : 99] وأخواتها، وسيأتي الكلام على هذه الكلمات في محلها.

تاسعا: يجوز الأخذ بكل من وجهي التوسط والإشباع في " عين " في فاتحة مريم والشورى.

عاشرا: وجوب الأخذ بوجه التفخيم فقط في الراء في لفظ فرق بالشعراء.

حادي عشر: وجوب الأخذ بوجه القصر، أي بحذف الياء وقفا في كلمة آتاني الله خير بالنمل.

ثاني عشر: وجوب الأخذ بوجه الفتح في الضاد لا غير في كلمة ضعف [الآية: 54] في الموضعين وكذلك في كلمة ضعفا [الآية: 54] والمواضع الثلاثة في سورة الروم.

ثالث عشر: وجوب الأخذ بوجه إظهار النون من هجاء يس والقرآن الحكيم [الآية: 1 - 2] فاتحة يس، وكذلك النون من هجاء ن والقلم [الآية: 1] فاتحة سورة القلم.

رابع عشر: وجوب الأخذ بوجه السين فحسب في كلمة المصيطرون بالطور.

خامس عشر: وجوب الأخذ بوجه المد، أي بإثبات الألف الثانية وقفا على كلمة سلاسل بالإنسان.

سادس عشر: وجوب الأخذ بوجه الصاد فحسب في بمصيطر بالغاشية.

سابع عشر: يجوز الأخذ بعدم التكبير مطلقا، والأخذ بوجه التكبير العام، والأخذ بالتكبير لأواخر سور الختم، فالمذاهب ثلاثة، والله الموفق.

وفيما يلي جدول يوضح حالات القصر الثلاث المذكورة آنفا مع حالة توسط المدين لحفص من الشاطبية، فانظره، والله المرشد والمعين.

[ ص: 297 ] جدول طريق الفيل بمضمن الكتب الثلاثة: المصباح والكامل وروضة المعدل من الطيبة، وجدول طريق الهاشمي ، عن الأشناني ، عن عبيد من الشاطبية

الكتاب 1 - المصباح 2 - الكامل روضة المعدل الشاطبية الطريق الحمامي ، عن الولي ، عن الفيل الحمامي، عن الولي، عن الفيل لم يذكر النشر ولا الضباع طريقا دون الفيل الهاشمي، عن الأشناني، عن عبيد خلاف (أصولا وفرشا) وهذا الخلاف من جميع الطرق منحصر في خمس من الأصول وثماني عشرة كلمة من الفرش التكبير (1) عدم التكبير (2) التكبير لأواخر سور الختم (1) عدم التكبير (2) التكبير العام (3) التكبير لأواخر السور عدم التكبير مطلقا عدم التكبير المد المنفصل العام قصر قصر أو ثلاث، ولم نقرأ بالأخير قصر توسط أو خمس حركات والمنفصل الخاص بكلمة التوحيد قصر توسط قصر توسط أو خمس حركات المد المتصل توسط إشباع إشباع توسط أو خمس ساكن قبل الهمز ترك السكت مطلقا ترك السكت مطلقا ترك السكت مطلقا ترك السكت مطلقا النون والتنوين مع اللام والراء لا غنة لزوم الغنة لا غنة لا غنة يبصط وفي الخلق بصطة بالصاد بالصاد بالسين بالسين الذكرين وبابه الإبدال فقط الإبدال والتسهيل الإبدال فقط الإبدال والتسهيل يلهث ذلك بالإدغام بالإدغام بالإدغام بالإدغام اركب معنا بالإدغام بالإدغام بالإدغام بالإدغام لا تأمنا إشمام فقط إشمام فقط إشمام فقط إشمام واختلاس عوجا وأخواتها سكت إدراج إدراج سكت عين بمريم والشورى توسط فقط توسط وإشباع قصر فقط توسط وإشباع (فرق) بالشعراء تفخيم فقط تفخيم فقط تفخيم فقط ترقيق وتفخيم والأول مقدم (أئن) وقفا بالحذف بالحذف بالحذف بالحذف والإثبات (ضعف) معا وضعفا بالروم فتح الضاد فتح الضاد فتح الضاد فتح الضاد وضمها، والأول مقدم يس والقرآن، ن والقلم بالإظهار بالإظهار بالإظهار بالإظهار المصيطرون بالسين فقط بالسين فقط بالسين فقط بالسين وبالصاد والأخير هو مقدم سلاسلا وقفا بالحذف المعبر عنه بالقصر بالإثبات المعبر عنه بالمد بالحذف بالوجهين بمصيطر بالصاد لا غير بالصاد لا غير بالصاد لا غير بالصاد لا غير [ ص: 298 ] وبهذه الأحكام التي ذكرت في حالات القصر الثلاث المذكورة آنفا قرأت، وبها آخذ قراءة وإقراء.

هذا، ولا يجوز لأحد ما أن يقرأ بهذه الأحكام أخذا من هذا الكتاب أو من غيره مما دون فيه مثل ذلك دون أن يرجع إلى الشيوخ المقرئين المسندين في هذا الشأن، فيأخذ عنهم، ويعرض عليهم القرآن الكريم من أوله إلى آخره، سواء كان بحالة من هذه الحالات أو بالحالات الثلاث كلها، أو برواية حفص كاملة من طريق الطيبة.

وعليه فلا بد من الرجوع إلى التلقي من أفواه الشيوخ، الذي هو الأصل في نقل القرآن الكريم.

وما تسطير قواعد هذا الفن في بطون الأسفار القديم منها والحديث إلا للاستئناس بها، والرجوع إليها عند الحاجة، وأما إحكام النطق بألفاظ القرآن الكريم فمرده أولا وآخرا إلى المشافهة والأخذ من أفواه المتقنين من مشايخ الإقراء.

وبهذا انقضى كلامنا على الحالات الثلاث التي أردنا ذكرها من حالات القصر في المنفصل لحفص من طريق طيبة النشر، وقد علمت ما يجب عليها أو على القصر بالأحرى من أحكام لا يسع أحد أن ينفلت منها أو يزيغ عنها متى اختار أن يقرأ رواية حفص عن عاصم بقصر المنفصل، كما تقدم بيان وجوب نظائرها على من يختار الرواية عن حفص بإشباع المتصل، ولا ريب أن هناك أحكاما أخرى تأتي لحفص على قصر المنفصل وإشباع المتصل من الطريق المذكور آنفا، وإنما لم نذكرها؛ لأننا لم نرد استقصاءها هنا؛ لأن هذا المقام تغني فيه الإشارة عن العبارة، وإنما أردت أن أبين للقارئ إلى أي حد يخطئ أولئك الذين يطلقون الوجوه للناس فيعملون بها حال الأداء من غير توقيف ولا حساب "ويحسبون أنهم على الحق" فيزل بزلتهم خلق كثير، فيقعون في المحظور الذي هو بذاته الكذب في الرواية، والتركيب في الطرق، وهو ممنوع لا يجوز بحال، فإن الأصل في قراءة القرآن هو التلقي والرواية لا الاجتهاد ولا القياس.

ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - حيث أفتى بعدم جواز القراءة بمجرد الرأي، وساق لذلك أدلة كثيرة من كلام السلف، وقال كما قال زيد بن ثابت : القراءة سنة [ ص: 299 ] يأخذها الآخر عن الأول، وذكر من كلام ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: (فاقرأوا كما علمتم) وانتهى من ذلك إلى قوله: (ليس لأحد أن يقرأ بمجرد رأيه، بل القراءة سنة متبعة) إلى أن قال: (والاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف) اهـ.

وهذا الذي أفتى به شيخ الإسلام هو ما عليه جميع علماء القراءة، وقد نص عليه غير واحد من أعيانهم.

قال العلامة المحقق الشيخ أبو العاكف محمد أمين المدعو بعبد الله أفندي زادة، شيخ الإقراء في وقته بإستانبول في كتابه "عمدة الخلان" شرح زبدة العرفان في القراءات العشر ما نصه: "فلا يجوز لأحد قراءة القرآن من غير أخذ كامل عن أفواه الرجال المقرئين بالإسناد، ويحرم تعليم علم القراءة باستنباط المسائل من كتب القوم بمطلق الرأي بغير تلق على الترتيب المعتاد؛ لأن أركان القرآن اتصال السند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا انقطاع، فالإقراء بلا سند متصل إليه - عليه الصلاة والسلام - مردود وممنوع عن الأخذ والاتباع، اهـ بلفظه.

وكذا فإن العلامة المحقق والباحث المدقق فضيلة الشيخ علي محمد الضباع شيخ القراء والإقراء بالديار المصرية الأسبق - لما وقع له ذكر التلفيق في القراءة عظم أمره وقال: "هو خلط الطرق بعضها ببعض وذلك غير جائز".

قال النويري في شرح الدرة: "والقراءة بخلط الطرق أو تركيبها حرام أو مكروه أو معيب".

وقال القسطلاني في لطائفه: "يجب على القارئ الاحتراز من التركيب في الطرق، وتمييز بعضها من بعض، وإلا وقع فيما لا يجوز، وقراءة ما لم [ ص: 300 ] ينزل" اهـ كلام الضباع.

هذا، ولعل الدكتور محيسنا لا يلهينه قول العلامة النويري عن القراءة بخلط الطرق أو تركيبها فيما تقدم أنه "حرام أو مكروه أو معيب" فيتعلل به ويتوكأ عليه، متوهما أن النويري بهذا يتردد في القطع بحرمته، فإنه ليس من هذا الباب، وإلا فإنه لو كان مراده تأرجح الحكم بين هذه الثلاثة "التحريم والكراهة والعيب" من غير ترجيح التحريم على الأقل إن لم يكن القطع به عنده - لما أثبت قوله بالتحريم ألبتة، ولمحاه أصلا؛ حتى لا يؤثر عنه.

وإلا فقد ذكر العلامة القسطلاني شارح البخاري عقبه فيه ما فيه، وقد تقدم حكايته عنه، ثم يقال: لقد دلت قرائن الحال على أن العلامة النويري إنما يعني بقوله ذاك التحريم ليس إلا، فإنه رحمه الله تعالى كان من أئمة القراءة، ولم يؤثر عنه القول بجواز التركيب في القراءة ولا الترخيص فيه، وهذه كتبه مخطوطة بين أيدينا فأين فيها النص على ذلك؟! وهذا أولا.

ثم يقال: أرأيت إن كان كلام العلامة النويري - وهو تلميذ الحافظ ابن الجزري رحمه الله تعالى - متوجها إلى عدم القطع بحرمة هذا الخلط والتركيب في القراءة أفكان يفهم منه العلامة الضباع عدم الجواز فينص عليه ويصرح به وهو من هو جلاء ونبلا وعلما وفضلا؟! اللهم لا.

ولو فرضنا جدلا - جريا مع أوهام المتوهم - أن العلامة النويري عنى بعبارته تلك النص على تعييب خلط القراءة وتركيب الطرق، وأنه هو الذي استقر حكمه عليه، واطمأن قلبه إليه - فهل يظن بإمام كبير كالنويري - رحمه الله تعالى - أن يدل الناس على ما تقضي قواعد الشرع وصحة النظر وجوامع الأصول عنده أنه معيب؟! اللهم لا، وإلا فأين الورع وأين الحياء؟!

ولهذا كله فقد قطع الإمام مصطفى بن عبد الرحمن الإزميري - رحمه الله تعالى - بأن حكم التركيب التحريم، وجعل الاحتراز عنه باعثه على تأليف كتابه "عمدة العرفان في تحرير أوجه القرآن" فقال في سبب تأليفه وجمع ما فيه من الطرق: ( ... احترازا عن التركيب؛ لأنه حرام في القرآن على سبيل الرواية، أو مكروه كراهة [ ص: 301 ] تحريم، كما حققه أهل الدراية) .

وهكذا أقول؛ لأقطع الطريق على كل مترخص، يتلاعب بجلال كلام الله تعالى، أفرأيت إن كان خلط القراءة وتركيب الطرق مجرد معيب أيليق بك أن تدل الناس عليه وترشدهم إليه وترخص لهم فيه؟!

ولله! ما أصدق الإمام عبد البر لهجة حين ينقل إلينا عن التابعي الجليل سليمان التيمي نصيحته الخالصة: "إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله".

اللهم سلمنا من ذلك، وجنبنا الزلل في تلاوة كلامك، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على النحو الصحيح الذي يرضيك وترضى به عنا، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

التنبيه الرابع: جاء في آخر الرسالة المسماة "أحكام تجويد القرآن على رواية حفص بن سليمان" تأليف محمد سعيد محمد علي ملحس قوله في جملة ما ذكره لحفص من أحكام التجويد: ( ... إلا أن المد في المنفصل يجوز قصره عن طريق "الطيبة" أهل المدينة المنورة) اهـ.

وهذا عجيب جدا، فقد حسب أن طريق الطيبة - بطاء مفتوحة بعدها مثناة تحتية مشددة مكسورة - وهو متن نظمه الحافظ ابن الجزري - رحمه الله تعالى - في القراءات العشر الكبرى، معروف ومتداول، هو طريق الطيبة الذي هو علم على المدينة [ ص: 302 ] المنورة - زادها الله شرفا وعزا - فاختلط عليه الأمر بين طريق الطيبة في القراءات العشر وبين الطيبة - المدينة المنورة - ففسر الطيبة المنظومة بأنه طريق أهل المدينة المنورة، وليس بذاك، والصواب أن القصر المذكور الجائز في المد المنفصل لحفص جاء من طريق الطيبة المنظومة في القراءات العشر للحافظ ابن الجزري - كما تقدم - وليس من طريق الطيبة الذي هو علم على المدينة المنورة، فتنبه، والله الموفق.

التنبيه الخامس: بخصوص التقاء المدين معا - المنفصل والمتصل - حال الوصل لحفص من طريق الشاطبية.

قال صاحب سراج المعالي: "فائدة" إذا كان المد المنفصل يمد أربع حركات فيمد المتصل عند الوصل أربع حركات وخمسا، وإذا مد المنفصل خمس حركات فلا يمد المتصل أقل من خمس؛ لأن مده واجب ومد المنفصل جائز، وإذا نقص الواجب عن الجائز لم يصح اهـ.

وقال صاحب حل المشكلات بنحو ما ذكره صاحب السراج لعاصم شيخ حفص ، وعلى هذين القولين تصير الأوجه ثلاثة لحفص أو لشيخه عاصم ، سواء تقدم المنفصل على المتصل أم تأخر عنه.

قلت: وما ذكره صاحبا سراج المعالي وحل المشكلات - رحمهما الله تعالى - لعاصم أو لحفص عنه مبني على الأخذ بقواعد مراتب المد الفرعي التي سنذكرها بعد.

ومن تلك القواعد: إن تقدم الضعيف على القوي من المدود كالمد المنفصل على المتصل ساوى القوي الضعيف وعلا عنه، وإن تأخر الضعيف عن القوي كتقدم المتصل على المنفصل ساوى الضعيف القوي ونزل عنه.

وهذه القاعدة - وإن كان معمول بها - لكنها هنا بالذات لا توافق قراءة عاصم [ ص: 303 ] ولا رواية حفص عنه؛ وذلك لأن النص الوارد عن عاصم في هذه المسألة أن من مد المنفصل عنه أربع حركات مد المتصل أربعا فقط، ومن مد المنفصل خمسا مد المتصل كذلك، ففي المسألة وجهان فقط لا ثلاثة، ويستوي في ذلك تقدم المنفصل على المتصل أو تأخره عنه، وهذا هو الصواب.

وما ذكره الشيخان فيما تقدم فهو سهو منهما بدليل أنهما مشيا على هذا النص الوارد عن عاصم أو حفص عنه في تساوي المدين عند الكلام على أحكام المد المتصل المتطرف همزه الموقوف عليه، سواء سبقه المنفصل أو المتصل، فقالا ما يفيد أن من مد ما قبل المتصل الموقوف عليه أربع حركات سواء أكان منفصلا أم متصلا مد المتصل الموقوف عليه أربعا ثم ستا للوقف، ومن مد السابق خمسا مد المتصل الموقوف عليه خمسا ثم ستا للوقف ... إلخ ما ذكراه من أحكام الروم والإشمام، مما سنأتي عليه - إن شاء الله تعالى - في فصل المد الجائز العارض للسكون، فتفطن لهذه المسألة.

التنبيه السادس: في بيان مراتب المد المنفصل والمتصل منفردين أو مجتمعين حالة الوصل لحفص من طريق طيبة النشر، حيث تعرضنا لبعض الأحكام له من الطريق المذكور.

أولا: المد المنفصل بانفراده فيه لحفص من طريق الطيبة أربع مراتب، وهي: القصر وفويقه والتوسط وفويقه، فالقصر حركتان، وفويق القصر ثلاث حركات، والتوسط أربع، وفويق التوسط خمس.

والمد المتصل بانفراده فيه لحفص في حالة الوصل من طريق الطيبة ثلاث مراتب، وهي: التوسط، وفويق التوسط، والإشباع.

وقد تقدم فيما مضى مقدار التوسط وفويقه، وأما الإشباع فمقداره ست حركات كما مر.

ثانيا: التقاء المدين معا حالة الوصل.

إذا التقى المدان معا - والحالة هذه - فيجوز لحفص من الطيبة سبعة أوجه، سواء تقدم المتصل على المنفصل أو تأخر عنه.

[ ص: 304 ] فمثال تقدم المتصل على المنفصل قوله تعالى: أو كصيب من السماء [البقرة: 19] الآية، وكيفية إجراء الأوجه السبعة لحفص هنا وفيما شابهه كما يلي:

التوسط في المتصل: عليه في المنفصل وجهان، هما القصر والتوسط. ثم مد المتصل خمسا، وعليه يتعين في المنفصل خمس لا غير. ثم مد المتصل ستا وعليه في المنفصل المراتب الأربع، التي هي القصر وفويقه والتوسط وفويقه، فجملة الوجوه سبعة.

ومثال تقدم المنفصل على المتصل قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله [فاطر: 15] وطريقة إجراء الأوجه السبعة هنا لحفص وفيما ماثله كالآتي:

القصر في المنفصل: عليه في المتصل وجهان هما التوسط والإشباع. ثم مد المنفصل ثلاثا: عليه في المتصل وجه واحد وهو الإشباع. ثم التوسط في المنفصل: عليه في المتصل وجهان هما التوسط والإشباع. ثم مد المنفصل خمسا: عليه في المتصل وجهان كذلك المد خمس والإشباع، فالكل سبعة، وبالله التوفيق.

التنبيه السابع: في اجتماع ما يمد للتعظيم مع المد المنفصل لحفص عاصم من طريق طيبة النشر.

إذا اجتمع ما يمد للتعظيم مع المد المنفصل فيتحصل لحفص من الطريق المذكور آنفا ثلاثة أوجه، سواء تقدم مد التعظيم على المد المنفصل أم تأخر عنه.

فمثال تقدم مد التعظيم على المنفصل قوله تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم [البقرة: 255] الآية.

فعلى القصر في مد التعظيم القصر فقط في المد المنفصل بعده. وعلى المد في التعظيم القصر والتوسط في الثاني.

ومثال تقدم المد المنفصل على المد للتعظيم قوله تعالى: [ ص: 305 ] اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين [الأنعام: 106].

فعلى قصر المد المنفصل القصر والتوسط فيما يمد للتعظيم، وعلى التوسط في المنفصل التوسط فقط في المد للتعظيم، فالوجوه ثلاثة في كلتا الحالتين.

وقد نظم هذه الأوجه شيخ مشايخنا العلامة المحقق الشيخ عثمان راضي السنطاوي في كتابه "النفائس المطربة في تحرير أوجه الطيبة" فقال رحمه الله تعالى:


ووسط لتعظيم بقصر لمنفصل وسوهما معا يصح لمن تلا

اهـ

فتأمل، وبالله التوفيق.

الكلام على النوع الثاني وهو المد الجائز العارض للسكون، وأقسامه، وسبب تسميته جائزا وعارضا، ومقدار مده، ووجهه وضابطه

وهذا هو النوع الثاني من أنواع المد الجائز.

وتعريفه: أن يقع سكون عارض للوقف بعد حرف المد واللين أو بعد حرف اللين وحده.

فمثال الأول نحو: المفلحون [البقرة: 207] بمؤمنين [البقرة: 8] بالعباد [البقرة: 207] ونحو: ما يشاءون [النحل: 31] " خاسئين " [البقرة: 62، الأعراف: 166] وإليه مآب [الرعد: 36] ونحو: ويؤتوا الزكاة [البينة: 5] ونحو: [ ص: 306 ] اجتباه [النحل: 121] وهداه [النحل: 121] وعزروه [الأعراف: 157] ونصروه [الأعراف: 157] لا ريب فيه [البقرة: 2].

ويدخل فيه ما إذا كان الساكن العارض في همز بعد حرف المد نحو: بما شاء [البقرة: 255] ينهون عن السوء [الأعراف: 165] ولا المسيء [غافر: 58].

ومثال الثاني نحو: السير [سبأ: 18] من خوف [قريش: 4] مثل السوء [النحل: 60] لست منهم في شيء [الأنعام: 159].

وسمي بالمد العارض للسكون لعروض سببه في الوقف وهو السكون.

وكان حكمه الجواز لجواز قصره ومده عند كل القراء، فالقصر حركتان، والمد يشمل التوسط والإشباع، فالتوسط أربع حركات، والإشباع ست، وتجري هذه الأوجه الثلاثة على هذا الترتيب في كل مد عارض للسكون مما ذكرنا ونحوه إلا المد العارض للسكون الذي أصله المد المتصل كقوله تعالى: [ ص: 307 ] إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28] فلا يجوز فيه القصر بحال حالة الوقف، وإنما الجائز عموما لكل القراء هو التوسط والإشباع وما دونهما، وبالنسبة لحفص عن عاصم فيجوز له المد وقفا بقدر أربع حركات أو خمس أو ست، وسنوضح ذلك قريبا إن شاء الحق سبحانه.

وقد أشار إلى المد الجائز العارض للسكون العلامة الجمزوري في تحفته بقوله:


ومثل ذا إن عرض السكون     وقفا كتعلمون نستعين

اهـ كما أشار إليه الحافظ ابن الجزري في المقدمة مع المد الجائز المنفصل السابق بقوله:


وجائز إذا أتى منفصلا     أو عرض السكون وقفا مسجلا

اهـ

التالي السابق


الخدمات العلمية