الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين

                                                                                                                                                                                                                                        (64) كانت هذه السورة الكريمة تسمى "الفاضحة" لأنها بينت أسرار المنافقين، وهتكت أستارهم، فما زال الله يقول: ومنهم ومنهم، ويذكر أوصافهم، إلا أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين: إحداهما: أن الله ستير يحب الستر على عباده.

                                                                                                                                                                                                                                        والثانية: أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين، الذين توجه إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة، فكان ذكر الوصف أعم وأنسب، حتى خافوا غاية الخوف.

                                                                                                                                                                                                                                        قال الله تعالى: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا

                                                                                                                                                                                                                                        وقال هنا يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم أي تخبرهم وتفضحهم وتبين أسرارهم حتى تكون علانية لعباده ويكونوا عبرة للمعتبرين

                                                                                                                                                                                                                                        قل استهزئوا أي استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء [ ص: 665 ] والسخرية إن الله مخرج ما تحذرون وقد وفى تعالى بوعده فأنزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم وهتكت أستارهم

                                                                                                                                                                                                                                        (65-66 ولئن سألتهم عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم يقول طائفة منهم في غزوة تبوك "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- أرغب بطونا وأكذب ألسنا وأجبن عند اللقاء" ونحو ذلك، لما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم جاءوا يعتذرون إليه ويقولون إنما كنا نخوض ونلعب أي نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب.

                                                                                                                                                                                                                                        قال الله تعالى -مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك- قل لهم أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم فإن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة

                                                                                                                                                                                                                                        ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله إن نعف عن طائفة منكم لتوبتهم واستغفارهم وندمهم نعذب طائفة منكم بأنهم بسبب أنهم كانوا مجرمين مقيمين على كفرهم ونفاقهم

                                                                                                                                                                                                                                        وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزئ به وبآياته ورسوله فإن الله تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه أشد العقوبة

                                                                                                                                                                                                                                        وأن من استهزأ بشيء من كتاب الله أو سنة رسوله الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه أو استهزأ بالرسول أو تنقصه فإنه كافر بالله العظيم وأن التوبة مقبولة من كل ذنب وإن كان عظيما

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية