الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      من شر ما خلق أي من شر الذي خلقه من الثقلين وغيرهم كائنا ما كان من ذوات الطباع والاختيار، والظاهر عموم الشر للمضار البدنية وغيرها. وزعم بعضهم أن الاستعاذة هاهنا من المضار البدنية وأنها تعم الإنسان وغيره مما ليس بصدد الاستعاذة، ثم جعل عمومها مدار إضافة الرب إلى الفلق بالمعنى العام وهو كما ترى. نعم الذي يتبادر إلى الذهن أن عمومه لشرور الدنيا، وقال بعض الأفاضل: هو عام لكل شر في الدنيا والآخرة وشر الإنس والجن والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل، وظاهره تعميم ما خلق بحيث يشمل [ ص: 281 ] نفس المستعيذ ولا يأبى ذلك نزول السورة ليستعيذ بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وجوز بعضهم جعل ما مصدرية مع تأويل المصدر باسم المفعول وهو تكلف مستغنى عنه، وإضافة الشر إلى ( ما خلق ) قيل: لاختصاصه بعالم الخلق المؤسس على امتزاج المواد المتباينة المستتبعة للكون والفساد، وأما عالم الأمر الذي أوجد بمجرد أمر كن من غير مادة فهو خير محض منزه عن شوائب الشر بالمرة، والظاهر أنه عنى بعالم الأمر عالم المجردات وهم الملائكة عليهم السلام. وأورد عليه بعد غض الطرف عن عدم ورود ذلك في لسان الشرع أن منهم من يصدر منه شر كخسف البلاد وتعذيب العباد، وأجيب بأن ذلك بأمره تعالى فلم يصدر إلا لامتثال الأمر لا لقصد الشر من حيث هو شر فلا إيراد نعم يرد أن كونهم مجردين خلاف المختار الذي عليه سلف الأمة ومن تبعهم، بل هم أجسام لطيفة نورية ولو سلم تجردهم قلنا بعدم حصر المجردات فيهم كيف وقد قال كثير بتجرد الجن فقالوا: إنها ليست أجساما ولا حالة فيها بل هي جواهر مجردة قائمة بأنفسها مختلفة بالماهية بعضها خيرة وبعضها شريرة وبعضها كريمة حرة محبة للخيرات وبعضها دنية خسيسة محبة للشرور والآفات، وبالجملة ما خلق أعم من المجرد على القول به وغيره، والكل مخلوق له تعالى أي موجد بالاختيار بعد العدم إلا أن المراد الاستعاذة مما فيه شر من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عمرو بن فائد على ما في البحر: «من شر» بالتنوين وقال ابن عطية: هي قراءة عمرو بن عبيد وبعض المعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يخلق الشر. وحملوا «ما» على النفي وجعلوا الجملة في موضع الصفة؛ أي من شر ما خلقه الله تعالى ولا أوجده، وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل انتهى. وأنت تعلم أن القراءة بالرواية ولا يتعين في هذه القراءة هذا التوجيه بل يجوز أن تكون «ما» بدلا من ( شر ) على تقدير محذوف قد حذف لدلالة ما قبله عليه أي من شر شر ما خلق.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية