[ ص: 1395 ] القول في تأويل قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32024_33179_34206_34513_7920_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا [75]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله خطاب للمأمورين بالقتال، على طريقة الالتفات؛ مبالغة في التحريض عليه، وتأكيدا لوجوبه.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75والمستضعفين مجرور عطفا على اسم الله، أي: في سبيل المستضعفين الذين هم كأنفسكم، وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدو، أو على "السبيل" بحذف المضاف، أي: في خلاص المستضعفين، أو منصوب على الاختصاص، يعني: وأختص من سبيل الله خلاص المستضعفين؛ لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه.
قال في "الانتصاف": وفي النصب مبالغة في الحث على خلاصهم من جهتين:
إحداهما: التخصيص بعد التعميم، فإنه يقتضي إضمار الناصب الذي هو أختص، ولولا النصب لكان التخصيص معلوما من إفراده بالذكر، ولكن أكد هذا المعلوم بطريق اللزوم بأن أخرجه إلى النطق.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75من الرجال والنساء والولدان بيان للمستضعفين، أو حال منهم، وهم المسلمون الذين صدهم المشركون عن الهجرة، فبقوا
بمكة مستذلين مستضعفين يلقون منهم الأذى الشديد، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لهم فيقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650762اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين كما في الصحيح.
[ ص: 1396 ] وإنما ذكر (الولدان) معهم؛ تكميلا للاستعطاف واستجلاب المرحمة، وتنبيها على تناهي ظلم المشركين، بحيث بلغ أذاهم الصبيان، وإيذانا بإجابة الدعاء الآتي بسبب مشاركتهم في الدعاء.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75الذين يقولون من إيذاء أهل
مكة وإذلالهم إياهم، متبرئين من المقام بها
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها أي: بالشرك الذي هو ظلم عظيم، وبأذية المسلمين، وهي مكة، و(الظالم) صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن اسم الفاعل والمفعول إذا أجري على غير من هو له كان كالفعل في التذكير والتأنيث، بحسب ما عمل فيه، قاله
أبو السعود .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75واجعل لنا من لدنك وليا أي: سخر لنا من عندك حافظا يحفظ علينا ديننا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75واجعل لنا من لدنك نصيرا ناصرا يدفع عنا أذيات أعدائنا، أو المعنى: واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة، أي: لتكن أنت ولينا وناصرنا، وقد استجاب الله عز وجل دعاءهم حيث يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وجعل لمن بقي منهم خير ولي وأعز ناصر، ففتح
مكة على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فتولاهم أي تول، ونصرهم أية نصرة، حتى صاروا أعز أهلها.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بالسند إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وبه إليه قال: كانت أمي ممن عذر الله.
[ ص: 1397 ] قال
الرازي : معنى الآية: لا عذر لكم في ترك المقاتلة، وقد بلغ حال المستضعفين من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف، فهذا حث شديد على القتال، وبيان العلة التي صار لها القتال واجبا، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة؛ لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير. انتهى.
[ ص: 1395 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32024_33179_34206_34513_7920_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [75]
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خِطَابٌ لِلْمَأْمُورِينَ بِالْقِتَالِ، عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ؛ مُبَالَغَةً فِي التَّحْرِيضِ عَلَيْهِ، وَتَأْكِيدًا لِوُجُوبِهِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، أَيْ: فِي سَبِيلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ هُمْ كَأَنْفُسِكُمْ، وَهُوَ تَخْلِيصُهُمْ مِنَ الْأَسْرِ وَصَوْنُهُمْ عَنِ الْعَدُوِّ، أَوْ عَلَى "السَّبِيلِ" بِحَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ: فِي خَلَاصِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، يَعْنِي: وَأَخْتَصُّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ خَلَاصَ الْمُسْتَضْعَفِينَ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ عَامٌّ فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَخَلَاصُ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ أَعْظَمِ الْخَيْرِ وَأَخَصِّهِ.
قَالَ فِي "الِانْتِصَافِ": وَفِي النَّصْبِ مُبَالَغَةٌ فِي الْحَثِّ عَلَى خَلَاصِهِمْ مِنْ جِهَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: التَّخْصِيصُ بَعْدَ التَّعْمِيمِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إِضْمَارَ النَّاصِبِ الَّذِي هُوَ أَخْتَصُّ، وَلَوْلَا النَّصْبُ لَكَانَ التَّخْصِيصُ مَعْلُومًا مِنْ إِفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ، وَلَكِنْ أَكَّدَ هَذَا الْمَعْلُومَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ بِأَنْ أَخْرَجَهُ إِلَى النُّطْقِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ بَيَانٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ، أَوْ حَالٌ مِنْهُمْ، وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَبَقُوا
بِمَكَّةَ مُسْتَذَلِّينَ مُسْتَضْعَفِينَ يَلْقَوْنَ مِنْهُمُ الْأَذَى الشَّدِيدَ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو لَهُمْ فَيَقُولُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650762اللَّهُمْ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ.
[ ص: 1396 ] وَإِنَّمَا ذَكَرَ (الْوِلْدَانِ) مَعَهُمْ؛ تَكْمِيلًا لِلِاسْتِعْطَافِ وَاسْتِجْلَابِ الْمَرْحَمَةِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى تَنَاهِي ظُلْمِ الْمُشْرِكِينَ، بِحَيْثُ بَلَغَ أَذَاهُمُ الصِّبْيَانَ، وَإِيذَانًا بِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ الْآتِي بِسَبَبِ مُشَارَكَتِهِمْ فِي الدُّعَاءِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْ إِيذَاءِ أَهْلِ
مَكَّةَ وَإِذْلَالِهِمْ إِيَّاهُمْ، مُتَبَرِّئِينَ مِنَ الْمُقَامِ بِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا أَيْ: بِالشِّرْكِ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَبِأَذِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مَكَّةُ، وَ(الظَّالِمِ) صِفَتُهَا، وَتَذْكِيرُهُ لِتَذْكِيرِ مَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إِذَا أُجْرِيَ عَلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ كَانَ كَالْفِعْلِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، بِحَسَبِ مَا عَمِلَ فِيهِ، قَالَهُ
أَبُو السُّعُودِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا أَيْ: سَخِّرْ لَنَا مِنْ عِنْدِكَ حَافِظًا يَحْفَظُ عَلَيْنَا دِينَنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=75وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا نَاصِرًا يَدْفَعُ عَنَّا أَذِيَّاتِ أَعْدَائِنَا، أَوِ الْمَعْنَى: وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وِلَايَةً وَنُصْرَةً، أَيْ: لِتَكُنْ أَنْتَ وَلِيُّنَا وَنَاصِرُنَا، وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُمْ حَيْثُ يَسَرَّ لِبَعْضِهِمُ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَعَلَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ خَيْرَ وَلِيٍّ وَأَعَزَّ نَاصِرٍ، فَفَتَحَ
مَكَّةَ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَوَلَّاهُمْ أَيَّ تَوَلٍّ، وَنَصَرَهُمْ أَيَّةَ نُصْرَةٍ، حَتَّى صَارُوا أَعَزَّ أَهْلِهَا.
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ بِالسَّنَدِ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَبِهِ إِلَيْهِ قَالَ: كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ.
[ ص: 1397 ] قَالَ
الرَّازِيُّ : مَعْنَى الْآيَةِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ فِي تَرْكِ الْمُقَاتَلَةِ، وَقَدْ بَلَغَ حَالُ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَا بَلَغَ فِي الضَّعْفِ، فَهَذَا حَثٌّ شَدِيدٌ عَلَى الْقِتَالِ، وَبَيَانُ الْعِلَّةِ الَّتِي صَارَ لَهَا الْقِتَالُ وَاجِبًا، وَهُوَ مَا فِي الْقِتَالِ مِنْ تَخْلِيصِ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيْدِي الْكَفَرَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْجَمْعَ إِلَى الْجِهَادِ يَجْرِي مَجْرَى فِكَاكِ الْأَسِيرِ. انْتَهَى.