الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجوز nindex.php?page=treesubj&link=5406_4766بيع اللحم بجنسه إذا تناهي جفافه ، ونزع منه العظم ; لأنه يدخر على هذه الصفة ، فجاز بيع بعضه ببعض كالتمر ، وهل يجوز بيع بعضه ببعض قبل نزع العظم ؟ فيه وجهان ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13785أبو سعيد الإصطخري : يجوز كما يجوز بيع التمر بالتمر وفيه النوى . ومن أصحابنا من قال : لا يجوز كما لا يجوز بيع العسل الذي فيه شمع بعضه ببعض ، ويخالف النوى في التمر فإن فيه مصلحة له ، وليس في ترك العظم في اللحم مصلحة له ) .
( الشرح ) تقدم الكلام في أنه لا يجوز بيع اللحم الطري بالطري ، وشرع المصنف الآن يذكر حكمه إذا جف ، وجواز بيعه جافا ، واشتراط التناهي في الجفاف متفق عليه بين nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب ، وفسر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في الأم انتهاء جفافه بأن يملح ويسيل ماؤه ، قال : فذلك انتهاء جفوفه ، فإذا انتهى بيع رطل برطل وزنا بوزن يدا بيد من صنف ، وقد تقدم شيء من كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هذا ، وجواز nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع بعضه ببعض إذا نزع منه العظم لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وممن نفى الخلاف فيه nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والروياني ، وفرقوا بينه وبين التمر إذا نزع منه النوى ، حيث لا يجوز على أحد الوجهين بأن التمر إذا نزع منه النوى يتجافى في المكيال ، فلا يمكن اعتبار التماثل فيه [ ص: 484 ] بخلاف اللحم فإن اعتبار التماثل فيه إذا نزع منه العظم يكون أمكن ، وبأن بقاء النوى في التمر من مصلحته وبقاء العظم في اللحم مفسد ; لأنه يتغير بما في العظم من المخ فلا يصل إليه الملح . ثم إن كثيرا من الأصحاب أطلقوا الجواز في ذلك ، واستثنى nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين والرافعي من ذلك أن يكون في اللحمين أو أحدهما من الملح ما يظهر في الوقت ، فإنه يمنع من بيع بعضه ببعض ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : إن كانا مملحين بالملح بأن ينثر عليهما الملح أو شيء من الكزبرة أو غيره فإنه لا يجوز ، وإن صب عليه ماء الملح فحينئذ يجوز .
أما بيع بعضه ببعض غير منزوع العظم فالوجهان حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين والفوراني nindex.php?page=showalam&ids=14922ونصر المقدسي وآخرون ، كما حكاهما المصنف وعزا nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب المنع إلى nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي مع نقله الجواز عن الإصطخري ، وزعم الروياني أن nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي الطبري نسب الجواز إلى أكثر الأصحاب ، ولم أجد ذلك في تعليقه فليحمل ذلك على الوهم ; لأن أكثر الأصحاب على خلافه والله أعلم والتوجيه مذكور في الكتاب . قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : بل بقاء العظم يزيده فسادا ( والأصح ) أنه لا يجوز ، وممن صرح بتصحيحه الماوردي في الحاوي nindex.php?page=showalam&ids=14922ونصر المقدسي والروياني وقالوا : إنه المذهب ، والرافعي وقال : إنه الأظهر عند الأكثرين وقال الإمام : إن الذي أميل إليه مثل الأكثرين ، وخالف صاحب التهذيب فقال : إن الأصح أنه يجوز على خلاف ما قال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق ، ولا يرد على صاحب التهذيب جزم بأنه لا يجوز بيع التمر المنزوع بغير المنزوع ولا بمثله ; لأن له أن يقول : إن المنع هناك لخروجه بالنزع عن حالة الكمال ، واللحم المقدد كامل سواء نزع منه العظم أم لم ينزع ، وممن وافق صاحب التهذيب على تصحيح الجواز في ذلك الجرجاني في الشافي وقاسه على بيع التمر مع النوى ، وقد فرق بأن بقاء النوى من مصلحة التمر وليس بقاء العظم من مصلحة اللحم كذلك ، وهذا إنما جره القول بالجواز ( وأما ) بيع الجاف بالطري فقد تقدم أنه لا يجوز .
[ ص: 485 ] فرع ) إذا قلنا بالجواز إذا لم يكن منزوع العظم ، قال الرافعي : فيجوز nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع الفخذ بالجنب ، ولا نظر إلى تفاوت أقدار العظام ، كتفاوت النوى ، وقال الإمام : يجب أن يمتنع بيع العضو الذي يجيء منه مقدار صالح من اللحم بعضو لم يقطع من لحمه شيء ، فإن العظم الباقي في العضو لا يحتمل ، فإن قل المقدار المقطوع بحيث لا يبالى به فلا بأس ، وجزم صاحب التهذيب بأنه لو استخرج العظم من أحدهما ثم بيع بما فيه العظم لا يجوز .
( فرع ) ما ذكره من nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع اللحم باللحم شرطه أن لا يكون عليه جلد ، أما لو كان عليه جلد قال الماوردي : إن كان غليظا لا يؤكل معه منع من بيعه باللحم ، أي ; لأنه يصير من بيع لحم بلحم مع جهل المماثلة ، وإن كان رقيقا يؤكل معه كجلود الحد والدجاج فوجهان كالعظم ، ولحوم الحيتان ، لا يجوز بيع الصنف الواحد منها بعضه ببعض طريا ، ولا نديا ولا مملوحا ; لأن الملح يمنع المماثلة ، ولكن يباع بعضه ببعض إذا بلغ غاية يبسه غير مملوح ; فأما إذا اختلف جنسها فيجوز طريا ويابسا ومملوحا .
( فرع ) قال الروياني : وكذلك لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع الحوت بعضه ببعض طريا ولا نديا ولا مملحا ، ولكن يجوز إذا بلغ غاية يبسه غير مملح .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=25365ضم عظما من عضو آخر إلى لحم وباعه بلحم آخر فيه عظم أو لا عظم فيه لا يجوز بلا خلاف ، قاله الروياني في البحر ، كما لو ضم النوى إلى تمر وباع بتمر لا يجوز .
( الشرح ) تقدم الكلام في أنه لا يجوز بيع اللحم الطري بالطري ، وشرع المصنف الآن يذكر حكمه إذا جف ، وجواز بيعه جافا ، واشتراط التناهي في الجفاف متفق عليه بين nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب ، وفسر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في الأم انتهاء جفافه بأن يملح ويسيل ماؤه ، قال : فذلك انتهاء جفوفه ، فإذا انتهى بيع رطل برطل وزنا بوزن يدا بيد من صنف ، وقد تقدم شيء من كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي هذا ، وجواز nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع بعضه ببعض إذا نزع منه العظم لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وممن نفى الخلاف فيه nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والروياني ، وفرقوا بينه وبين التمر إذا نزع منه النوى ، حيث لا يجوز على أحد الوجهين بأن التمر إذا نزع منه النوى يتجافى في المكيال ، فلا يمكن اعتبار التماثل فيه [ ص: 484 ] بخلاف اللحم فإن اعتبار التماثل فيه إذا نزع منه العظم يكون أمكن ، وبأن بقاء النوى في التمر من مصلحته وبقاء العظم في اللحم مفسد ; لأنه يتغير بما في العظم من المخ فلا يصل إليه الملح . ثم إن كثيرا من الأصحاب أطلقوا الجواز في ذلك ، واستثنى nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين والرافعي من ذلك أن يكون في اللحمين أو أحدهما من الملح ما يظهر في الوقت ، فإنه يمنع من بيع بعضه ببعض ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : إن كانا مملحين بالملح بأن ينثر عليهما الملح أو شيء من الكزبرة أو غيره فإنه لا يجوز ، وإن صب عليه ماء الملح فحينئذ يجوز .
أما بيع بعضه ببعض غير منزوع العظم فالوجهان حكاهما nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب والمحاملي والماوردي وابن الصباغ nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين والفوراني nindex.php?page=showalam&ids=14922ونصر المقدسي وآخرون ، كما حكاهما المصنف وعزا nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب المنع إلى nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي مع نقله الجواز عن الإصطخري ، وزعم الروياني أن nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي الطبري نسب الجواز إلى أكثر الأصحاب ، ولم أجد ذلك في تعليقه فليحمل ذلك على الوهم ; لأن أكثر الأصحاب على خلافه والله أعلم والتوجيه مذكور في الكتاب . قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين : بل بقاء العظم يزيده فسادا ( والأصح ) أنه لا يجوز ، وممن صرح بتصحيحه الماوردي في الحاوي nindex.php?page=showalam&ids=14922ونصر المقدسي والروياني وقالوا : إنه المذهب ، والرافعي وقال : إنه الأظهر عند الأكثرين وقال الإمام : إن الذي أميل إليه مثل الأكثرين ، وخالف صاحب التهذيب فقال : إن الأصح أنه يجوز على خلاف ما قال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق ، ولا يرد على صاحب التهذيب جزم بأنه لا يجوز بيع التمر المنزوع بغير المنزوع ولا بمثله ; لأن له أن يقول : إن المنع هناك لخروجه بالنزع عن حالة الكمال ، واللحم المقدد كامل سواء نزع منه العظم أم لم ينزع ، وممن وافق صاحب التهذيب على تصحيح الجواز في ذلك الجرجاني في الشافي وقاسه على بيع التمر مع النوى ، وقد فرق بأن بقاء النوى من مصلحة التمر وليس بقاء العظم من مصلحة اللحم كذلك ، وهذا إنما جره القول بالجواز ( وأما ) بيع الجاف بالطري فقد تقدم أنه لا يجوز .
[ ص: 485 ] فرع ) إذا قلنا بالجواز إذا لم يكن منزوع العظم ، قال الرافعي : فيجوز nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع الفخذ بالجنب ، ولا نظر إلى تفاوت أقدار العظام ، كتفاوت النوى ، وقال الإمام : يجب أن يمتنع بيع العضو الذي يجيء منه مقدار صالح من اللحم بعضو لم يقطع من لحمه شيء ، فإن العظم الباقي في العضو لا يحتمل ، فإن قل المقدار المقطوع بحيث لا يبالى به فلا بأس ، وجزم صاحب التهذيب بأنه لو استخرج العظم من أحدهما ثم بيع بما فيه العظم لا يجوز .
( فرع ) ما ذكره من nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع اللحم باللحم شرطه أن لا يكون عليه جلد ، أما لو كان عليه جلد قال الماوردي : إن كان غليظا لا يؤكل معه منع من بيعه باللحم ، أي ; لأنه يصير من بيع لحم بلحم مع جهل المماثلة ، وإن كان رقيقا يؤكل معه كجلود الحد والدجاج فوجهان كالعظم ، ولحوم الحيتان ، لا يجوز بيع الصنف الواحد منها بعضه ببعض طريا ، ولا نديا ولا مملوحا ; لأن الملح يمنع المماثلة ، ولكن يباع بعضه ببعض إذا بلغ غاية يبسه غير مملوح ; فأما إذا اختلف جنسها فيجوز طريا ويابسا ومملوحا .
( فرع ) قال الروياني : وكذلك لا يجوز nindex.php?page=treesubj&link=5428بيع الحوت بعضه ببعض طريا ولا نديا ولا مملحا ، ولكن يجوز إذا بلغ غاية يبسه غير مملح .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=25365ضم عظما من عضو آخر إلى لحم وباعه بلحم آخر فيه عظم أو لا عظم فيه لا يجوز بلا خلاف ، قاله الروياني في البحر ، كما لو ضم النوى إلى تمر وباع بتمر لا يجوز .