الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 33 ] وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فصل قد ذكرت فيما تقدم : الكلام على " الملك " : هل هو جائز في شريعتنا ولكن خلافة النبوة مستحبة وأفضل منه ؟ أم خلافة النبوة واجبة ؟ وإنما تجويز تركها إلى الملك للعذر كسائر الواجبات ؟ تكلمت على ذلك .

                وأما في شرع من قبلنا ; فإن الملك جائز ; كالغنى يكون للأنبياء تارة وللصالحين أخرى قال الله تعالى في داود : { وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء } وقال عن سليمان : { رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } وقال عن يوسف : { رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث } فهؤلاء ثلاثة أنبياء أخبر الله أنه آتاهم الملك وقال : { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } { فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا } فهذا ملك لآل إبراهيم وملك لآل داود وقد قال مجاهد في قوله : { تؤتي الملك من تشاء } قال : النبوة فجعل النبوة نفسها ملكا .

                [ ص: 34 ] والتحقيق أن من النبوة ما يكون ملكا ; فإن النبي له ثلاثة أحوال : إما أن يكذب ; ولا يتبع ولا يطاع : فهو نبي لم يؤت ملكا . وإما أن يطاع . فنفس كونه مطاعا هو ملك ; لكن إن كان لا يأمر إلا بما أمر به : فهو عبد رسول ليس له ملك . وإن كان يأمر بما يريده مباحا له ذلك بمنزلة الملك كما قيل لسليمان : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } فهذا نبي ملك .

                فالملك هنا قسيم العبد الرسول كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم { اختر إما عبدا رسولا وإما نبيا ملكا } . وأما بالتفسير الأول وهو " الطاعة والاتباع " فقسم من النبوة والرسالة وهؤلاء أكمل . وهو حال نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه كان عبدا رسولا . مؤيدا مطاعا متبوعا فأعطي فائدة كونه مطاعا متبوعا ليكون له مثل أجر من اتبعه ولينتفع به الخلق ويرحموا به . ويرحم بهم . ولم يختر أن يكون ملكا لئلا ينقص ; لما في ذلك من الاستمتاع بالرياسة والمال [ عن ] نصيبه في الآخرة ; فإن العبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك ; ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم : أفضل من داود وسليمان . ويوسف حتى إن من أهل الكتاب من طعن في نبوة داود وسليمان كما يطعن كثير من الناس في ولاية بعض أهل الرياسة والمال ; وليس الأمر كذلك . [ ص: 35 ] وأما " الملوك الصالحون " فقوله سبحانه : { إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم } { وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت } وقوله سبحانه : { ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا } { إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا } الآية . قال مجاهد : ملك الأرض مؤمنان وكافران فالمؤمنان سليمان وذو القرنين . والكافران بختنصر ونمرود وسيملكها خامس من هذه الأمة . وقوله تعالى { يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا } . وأما " جنس الملوك " فكثيرة كقوله : { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } وقوله : { وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف } .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية