الفصل التاسع :
nindex.php?page=treesubj&link=18626_20759_28741_28899الروعة في السمع ، والهيبة في القلوب
ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه ، وأسماعهم عند سماعه ، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله ، وإنافة خطره ، وهي على المكذبين به أعظم ، حتى كانوا يستثقلون سماعه ، ويزيدهم نفورا ، كما قال - تعالى - ، ويودون انقطاعه لكراهتهم له . ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - :
إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه ، وهو الحكم ، وأما المؤمن فلا تزال روعته به ، وهيبته إياه ، مع تلاوته [ ص: 287 ] توليه انجذابا ، وتكسبه هشاشة ، لميل قلبه إليه ، وتصديقه به ، قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [ الزمر : 23 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21لو أنزلنا هذا القرآن على جبل [ الحشر : 21 ] الآية .
ويدل على أن هذا شيء خص به أنه يعتري من لا يفهم معانيه ، ولا يعلم تفاسيره ، كما روي عن نصراني أنه مر بقارئ فوقف يبكي ، فقيل له : مم بكيت ؟ قال : للشجا ، والنظم .
وهذه الروعة قد اعترت جماعة قبل الإسلام ، وبعده ، فمنهم من أسلم لها لأول وهلة ، وآمن به ، ومنهم من كفر .
فحكي في الصحيح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=67جبير بن مطعم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989505سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=35أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون - إلى قوله - : nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=37المسيطرون [ الطور : 35 - 37 ] كاد قلبي أن يطير للإسلام .
وفي رواية : وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي .
وعن
عتبة بن ربيعة أنه
كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من خلاف قومه ، فتلا عليهم : nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=1حم [ فصلت : 1 ] - إلى قوله - : nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود [ فصلت : 13 ] .
فأمسك عتبة بيده على في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وناشده الرحم أن يكف .
وفي رواية :
فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ، وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره ، معتمد عليهما ، حتى انتهى إلى السجدة ، فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقام عتبة لا يدري بما يراجعه ، ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه ، فاعتذر لهم ، وقال : والله لقد كلمني بكلام ، والله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له .
وقد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة ، وهيبة كف بها عن ذلك .
فحكي أن
ابن المقفع طلب ذلك ، ورامه ، وشرع فيه ، فمر بصبي يقرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل ياأرض ابلعي ماءك [ هود : 44 ] فرجع فمحا ما عمل ، وقال : أشهد أن هذا لا يعارض ، وما هو من كلام البشر ، وكان من أفصح أهل وقته .
وكان
يحيى بن حكم الغزال بليغ
الأندلس في زمنه ، فحكي أنه رام شيئا من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها ، وينسج بزعمه على منوالها قال : فاعترتني خشية ، ورقة حملتني على التوبة ، والإنابة .
الْفَصْلُ التَّاسِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18626_20759_28741_28899الرَّوْعَةُ فِي السَّمْعِ ، وَالْهَيْبَةُ فِي الْقُلُوبِ
وَمِنْهَا الرَّوْعَةُ الَّتِي تَلْحَقُ قُلُوبَ سَامِعِيهِ ، وَأَسْمَاعَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهِ ، وَالْهَيْبَةُ الَّتِي تَعْتَرِيهِمْ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ لِقُوَّةِ حَالِهِ ، وَإِنَافَةِ خَطَرِهِ ، وَهِيَ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِهِ أَعْظَمُ ، حَتَّى كَانُوا يَسْتَثْقِلُونَ سَمَاعَهُ ، وَيَزِيدُهُمْ نُفُورًا ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - ، وَيَوَدُّونَ انْقِطَاعَهُ لِكَرَاهَتِهِمْ لَهُ . وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
إِنَّ الْقُرْآنَ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ ، وَهُوَ الْحَكَمُ ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَا تَزَالُ رَوْعَتُهُ بِهِ ، وَهَيْبَتُهُ إِيَّاهُ ، مَعَ تِلَاوَتِهِ [ ص: 287 ] تُولِيهِ انْجِذَابًا ، وَتُكْسِبُهُ هَشَاشَةً ، لِمَيْلِ قَلْبِهِ إِلَيْهِ ، وَتَصْدِيقِهِ بِهِ ، قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [ الزُّمَرِ : 23 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=21لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ [ الْحَشْرِ : 21 ] الْآيَةَ .
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا شَيْءٌ خُصَّ بِهِ أَنَّهُ يَعْتَرِي مَنْ لَا يَفْهَمُ مَعَانِيهِ ، وَلَا يَعْلَمُ تَفَاسِيرَهُ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ مَرَّ بِقَارِئٍ فَوَقَفَ يَبْكِي ، فَقِيلَ لَهُ : مِمَّ بَكَيْتَ ؟ قَالَ : لِلشَّجَا ، وَالنَّظْمِ .
وَهَذِهِ الرَّوْعَةُ قَدِ اعْتَرَتْ جَمَاعَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَبَعْدَهُ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ لَهَا لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ ، وَآمَنَ بِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ .
فَحُكِيَ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=67جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989505سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ : nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=35أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - إِلَى قَوْلِهِ - : nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=37الْمُسَيْطِرُونَ [ الطُورِ : 35 - 37 ] كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ لِلْإِسْلَامِ .
وَفِي رِوَايَةٍ : وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِي .
وَعَنْ
عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ
كَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ ، فَتَلَا عَلَيْهِمْ : nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=1حم [ فُصِّلَتْ : 1 ] - إِلَى قَوْلِهِ - : nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [ فُصِّلَتْ : 13 ] .
فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ بِيَدِهِ عَلَى فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَنَاشَدَهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ .
وَفِي رِوَايَةٍ :
فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ ، وَعُتْبَةُ مُصْغٍ مُلْقٍ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ ، مُعْتَمِدٌ عَلَيْهِمَا ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّجْدَةِ ، فَسَجَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَامَ عُتْبَةُ لَا يَدْرِي بِمَا يُرَاجِعُهُ ، وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى قَوْمِهِ حَتَّى أَتَوْهُ ، فَاعْتَذَرَ لَهُمْ ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمَنِي بِكَلَامٍ ، وَاللَّهِ مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ بِمِثْلِهِ قَطُّ فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ لَهُ .
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ رَامَ مُعَارَضَتَهُ أَنَّهُ اعْتَرَتْهُ رَوْعَةٌ ، وَهَيْبَةٌ كَفَّ بِهَا عَنْ ذَلِكَ .
فَحُكِيَ أَنَّ
ابْنَ الْمُقَفَّعِ طَلَبَ ذَلِكَ ، وَرَامَهُ ، وَشَرَعَ فِيهِ ، فَمَرَّ بِصَبِيٍّ يَقْرَأُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ [ هُودٍ : 44 ] فَرَجَعَ فَمَحَا مَا عَمِلَ ، وَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارَضُ ، وَمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْبَشَرِ ، وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ أَهْلِ وَقْتِهِ .
وَكَانَ
يَحْيَى بْنُ حَكَمٍ الْغَزَّالُ بَلِيغَ
الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَنِهِ ، فَحُكِيَ أَنَّهُ رَامَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَنَظَرَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ لِيَحْذُوَ عَلَى مِثَالِهَا ، وَيَنْسِجَ بِزَعْمِهِ عَلَى مِنْوَالِهَا قَالَ : فَاعْتَرَتْنِي خَشْيَةٌ ، وَرِقَّةٌ حَمَلَتْنِي عَلَى التَّوْبَةِ ، وَالْإِنَابَةِ .