الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل التاسع : الروعة في السمع ، والهيبة في القلوب

          ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه ، وأسماعهم عند سماعه ، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله ، وإنافة خطره ، وهي على المكذبين به أعظم ، حتى كانوا يستثقلون سماعه ، ويزيدهم نفورا ، كما قال - تعالى - ، ويودون انقطاعه لكراهتهم له . ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه ، وهو الحكم ، وأما المؤمن فلا تزال روعته به ، وهيبته إياه ، مع تلاوته [ ص: 287 ] توليه انجذابا ، وتكسبه هشاشة ، لميل قلبه إليه ، وتصديقه به ، قال - تعالى - : تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله [ الزمر : 23 ] .

          وقال : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل [ الحشر : 21 ] الآية .

          ويدل على أن هذا شيء خص به أنه يعتري من لا يفهم معانيه ، ولا يعلم تفاسيره ، كما روي عن نصراني أنه مر بقارئ فوقف يبكي ، فقيل له : مم بكيت ؟ قال : للشجا ، والنظم .

          وهذه الروعة قد اعترت جماعة قبل الإسلام ، وبعده ، فمنهم من أسلم لها لأول وهلة ، وآمن به ، ومنهم من كفر .

          فحكي في الصحيح ، عن جبير بن مطعم ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون - إلى قوله - : المسيطرون [ الطور : 35 - 37 ] كاد قلبي أن يطير للإسلام .

          وفي رواية : وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي .

          وعن عتبة بن ربيعة أنه كلم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من خلاف قومه ، فتلا عليهم : حم [ فصلت : 1 ] - إلى قوله - : صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود [ فصلت : 13 ] .

          فأمسك عتبة بيده على في النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وناشده الرحم أن يكف
          .

          وفي رواية : فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ، وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره ، معتمد عليهما ، حتى انتهى إلى السجدة ، فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقام عتبة لا يدري بما يراجعه ، ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه ، فاعتذر لهم ، وقال : والله لقد كلمني بكلام ، والله ما سمعت أذناي بمثله قط فما دريت ما أقول له .

          وقد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه اعترته روعة ، وهيبة كف بها عن ذلك .

          فحكي أن ابن المقفع طلب ذلك ، ورامه ، وشرع فيه ، فمر بصبي يقرأ : وقيل ياأرض ابلعي ماءك [ هود : 44 ] فرجع فمحا ما عمل ، وقال : أشهد أن هذا لا يعارض ، وما هو من كلام البشر ، وكان من أفصح أهل وقته .

          وكان يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمنه ، فحكي أنه رام شيئا من هذا فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها ، وينسج بزعمه على منوالها قال : فاعترتني خشية ، ورقة حملتني على التوبة ، والإنابة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية