الفصل الحادي عشر : وجوه أخرى
nindex.php?page=treesubj&link=28741_20759_18626_28899للإعجاز
وقد عد جماعة من الأئمة ، ومقلدي الأمة في إعجازه وجوها كثيرة ، منها أن قارئه لا يمله ، وسامعه لا يمجه ، بل الإكباب على تلاوته يزيده حلاوة ، وترديده يوجب له محبة ، لا يزال غضا طريا ، وغيره من الكلام ، ولو بلغ في الحسن ، والبلاغة مبلغه يمل مع الترديد ، ويعادى إذا أعيد ، وكتابنا يستلذ به في الخلوات ، ويؤنس بتلاوته في الأزمات ، وسواه من الكتب لا يوجد فيها ذلك ، حتى أحدث أصحابها لحونا ، وطرقا يستجلبون بتلك اللحون تنشيطهم على قراءتها .
ولهذا وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن بأنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=989508لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عبره ، ولا تفنى عجائبه ، هو الفصل ليس بالهزل ، لا يشبع منه العلماء ، ولا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، هو الذي لم تنته الجن حين سمعته أن قالوا : nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إنا سمعنا قرآنا عجبا [ الجن : 1 ] .
ومنها جمعه لعلوم ، ومعارف لم تعهد العرب عامة ، ولا
محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل نبوته خاصة بمعرفتها ، ولا القيام بها ، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم ، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم ، فجمع فيه من بيان علم الشرائع ، والتنبيه على طرق الحجج العقليات ، والرد على فرق الأمم ، ببراهين قوية ، وأدلة بينة سهلة الألفاظ ، موجزة المقاصد ، رام المتحذلقون بعد أن ينصبوا أدلة مثلها فلم يقدروا عليها كقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو [ يس : 81 ] .
و :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [ يس : 79 ] .
و :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله [ الأنبياء : 22 ] .
إلى ما حواه من علوم السير ، وأنباء الأمم ، والمواعظ ، والحكم ، وأخبار الدار الآخرة ، ومحاسن الآداب ، والشيم .
قال الله جل اسمه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء [ الأنعام : 38 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء [ ص: 289 ] [ النحل : 89 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل [ الروم : 58 ] .
وقال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989509إن الله أنزل هذا القرآن آمرا ، وزاجرا ، وسنة خالية ، ومثلا مضروبا ، فيه نبؤكم ، وخبر ما كان قبلكم ، ونبأ ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، لا يخلقه طول الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الحق ليس بالهزل ، من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن خاصم به فلج ، ومن قسم به أقسط ، ومن عمل به أجر ، ومن تمسك به هدي إلى صراط مستقيم ، ومن طلب الهدى من غيره أضله الله ، ومن حكم بغيره قصمه الله ، هو الذكر الحكيم ، والنور المبين ، والصراط المستقيم ، وحبل الله المتين ، والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن اتبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق على كثرة الرد .
ونحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وقال فيه : ولا يختلف ، ولا يتشان ، فيه نبأ الأولين ، والآخرين .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989510قال الله - تعالى - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : إني منزل عليك توراة حديثة ، تفتح بها أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، فيها ينابيع العلم ، وفهم الحكمة ، وربيع القلوب .
وعن
كعب : عليكم بالقرآن فإنه فهم العقول ، ونور الحكمة .
وقال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=76إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون [ النمل : 76 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=138هذا بيان للناس وهدى [ آل عمران : 138 ] الآية .
فجمع فيه مع وجازة ألفاظه ، وجوامع كلمه أضعاف ما في الكتب قبله التي ألفاظها على الضعف منه مرات .
ومنها جمعه فيه بين الدليل ، ومدلوله ، وذلك أنه احتج بنظم القرآن وحسن وصفه ، وإيجازه ، وبلاغته ، وأثناء هذه البلاغة أمره ، ونهيه ، ووعده ، ووعيده ، فالتالي له يفهم موضع الحجة ، والتكليف معا من كلام واحد ، وسورة منفردة .
ومنها أن جعله في حيز المنظوم الذي لم يعهد ، ولم يكن في حيز المنثور ، لأن المنظوم
[ ص: 290 ] أسهل على النفوس ، وأوعى للقلوب ، وأسمع في الآذان وأحلى على الأفهام ، فالناس إليه أميل ، والأهواء إليه أسرع .
ومنها تيسيره - تعالى - حفظه لمتعلميه ، وتقريبه على متحفظيه ، قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=22ولقد يسرنا القرآن للذكر [ القمر : 22 ] .
وسائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم ، فكيف الجماء على مرور السنين عليهم . والقرآن ميسر حفظه للغلمان في أقرب مدة .
ومنها مشاكلة بعض أجزائه بعضا ، وحسن ائتلاف أنواعها ، والتئام أقسامها ، وحسن التخلص من قصة إلى أخرى ، والخروج من باب إلى غيره على اختلاف معانيه ، وانقسام السورة الواحدة إلى أمر ، ونهي ، وخبر ، واستخبار ، ووعد ، ووعيد ، وإثبات نبوة ، وتوحيد ، وتفريد ، وترغيب ، وترهيب ، إلى غير ذلك من فوائده ، دون خلل يتخلل فصوله .
والكلام الفصيح إذا اعتوره مثل هذا ضعفت قوته ، ولانت جزالته ، وقل رونقه ، وتقلقلت ألفاظه .
فتأمل أول
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص والقرآن ذي الذكر [ ص : 1 ] وما جمع فيها من أخبار الكفار ، وشقاقهم ، وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم ، وما ذكر من تكذيبهم
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وتعجبهم مما أتى به ، والخبر عن اجتماع ملئهم على الكفر ، وما ظهر من الحسد في كلامهم ، وتعجيزهم ، وتوهينهم ، ووعيدهم بخزي الدنيا ، والآخرة ، وتكذيب الأمم قبلهم ، وإهلاك الله لهم ، ووعيد هؤلاء مثل مصابهم ، وتصبير النبي - صلى الله عليه وسلم - على أذاهم ، وتسليته بكل ما تقدم ذكره ، ثم أخذ في ذكر داود ، وقصص الأنبياء ، كل هذا في أوجز كلام ، وأحسن نظام .
ومنه الجملة الكثيرة التي انطوت عليها الكلمات القليلة ، وهذا كله ، وكثير مما ذكرنا أنه ذكر في إعجاز القرآن إلى وجوه كثيرة ذكرها الأئمة لم نذكرها ، إذ أكثرها داخل في باب بلاغته ، فلا يجب أن يعد فنا منفردا في إعجازه ، إلا في باب تفصيل فنون البلاغة ، وكذلك كثير مما قدمنا ذكره عنهم يعد في خواصه ، وفضائله ، لا إعجازه .
وحقيقة الإعجاز الوجوه الأربعة التي ذكرنا ، فليعتمد عليها ، وما بعدها من خواص القرآن وعجائبه التي لا تنقضي . والله ولي التوفيق .
الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ : وُجُوهٌ أُخْرَى
nindex.php?page=treesubj&link=28741_20759_18626_28899لِلْإِعْجَازِ
وَقَدْ عَدَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَمُقَلِّدِي الْأُمَّةِ فِي إِعْجَازِهِ وُجُوهًا كَثِيرَةً ، مِنْهَا أَنَّ قَارِئَهُ لَا يَمَلُّهُ ، وَسَامِعَهُ لَا يَمُجُّهُ ، بَلِ الْإِكْبَابُ عَلَى تِلَاوَتِهِ يَزِيدُهُ حَلَاوَةً ، وَتَرْدِيدُهُ يُوجِبُ لَهُ مَحَبَّةً ، لَا يَزَالُ غَضًّا طَرِيًّا ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ ، وَلَوْ بَلَغَ فِي الْحُسْنِ ، وَالْبَلَاغَةِ مَبْلَغَهُ يُمَلُّ مَعَ التَّرْدِيدِ ، وَيُعَادَى إِذَا أُعِيدَ ، وَكِتَابُنَا يُسْتَلَذُّ بِهِ فِي الْخَلَوَاتِ ، وَيُؤْنَسُ بِتِلَاوَتِهِ فِي الْأَزَمَاتِ ، وَسِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ لَا يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ ، حَتَّى أَحْدَثَ أَصْحَابُهَا لُحُونًا ، وَطُرُقًا يَسْتَجْلِبُونَ بِتِلْكَ اللُّحُونِ تَنْشِيطَهُمْ عَلَى قِرَاءَتِهَا .
وَلِهَذَا وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=989508لَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، لَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، وَلَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا : nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=1إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [ الْجِنِّ : 1 ] .
وَمِنْهَا جَمْعُهُ لِعُلُومٍ ، وَمَعَارِفَ لَمْ تَعْهَدِ الْعَرَبُ عَامَّةً ، وَلَا
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ نُبُوَّتِهِ خَاصَّةً بِمَعْرِفَتِهَا ، وَلَا الْقِيَامِ بِهَا ، وَلَا يُحِيطُ بِهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَمِ ، وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا كِتَابٌ مِنْ كُتُبِهِمْ ، فَجَمَعَ فِيهِ مِنْ بَيَانِ عَلْمِ الشَّرَائِعِ ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى طُرُقِ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّاتِ ، وَالرَّدِّ عَلَى فِرَقِ الْأُمَمِ ، بِبَرَاهِينَ قَوِيَّةٍ ، وَأَدِلَّةٍ بَيِّنَةٍ سَهْلَةِ الْأَلْفَاظِ ، مُوجَزَةِ الْمَقَاصِدِ ، رَامَ الْمُتَحَذْلِقُونَ بَعْدَ أَنْ يَنْصِبُوا أَدِلَّةً مِثْلَهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ [ يس : 81 ] .
وَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [ يس : 79 ] .
وَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ [ الْأَنْبِيَاءِ : 22 ] .
إِلَى مَا حَوَاهُ مِنْ عُلُومِ السِّيَرِ ، وَأَنْبَاءِ الْأُمَمِ ، وَالْمَوَاعِظِ ، وَالْحِكَمِ ، وَأَخْبَارِ الدَّارِ الْآخِرَةِ ، وَمَحَاسِنِ الْآدَابِ ، وَالشِّيَمِ .
قَالَ اللَّهُ جَلَّ اسْمُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [ الْأَنْعَامِ : 38 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [ ص: 289 ] [ النَّحْلِ : 89 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=58وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ [ الرُّومِ : 58 ] .
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989509إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآنَ آمِرًا ، وَزَاجِرًا ، وَسُنَّةً خَالِيَةً ، وَمَثَلًا مَضْرُوبًا ، فِيهِ نَبَؤُكُمْ ، وَخَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، لَا يُخْلِقُهُ طُولُ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، هُوَ الْحَقُّ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ خَاصَمَ بِهِ فَلَجَ ، وَمَنْ قَسَمَ بِهِ أَقْسَطَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَمَنْ طَلَبَ الْهُدَى مِنْ غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ ، هُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَحَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ ، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ ، وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ ، لَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمَ ، وَلَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ .
وَنَحْوُهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَقَالَ فِيهِ : وَلَا يَخْتَلِفُ ، وَلَا يَتَشَانُّ ، فِيهِ نَبَأُ الْأَوَّلِينَ ، وَالْآخِرِينَ .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=989510قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنِّي مُنَزِّلٌ عَلَيْكَ تَوْرَاةً حَدِيثَةً ، تَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا ، وَآذَانًا صُمًّا ، وَقُلُوبًا غُلْفًا ، فِيهَا يَنَابِيعُ الْعِلْمِ ، وَفَهْمُ الْحِكْمَةِ ، وَرَبِيعُ الْقُلُوبِ .
وَعَنْ
كَعْبٍ : عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ فَهْمُ الْعُقُولِ ، وَنُورُ الْحِكْمَةِ .
وَقَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=76إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [ النَّمْلِ : 76 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=138هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى [ آلِ عِمْرَانَ : 138 ] الْآيَةَ .
فَجُمِعَ فِيهِ مَعَ وَجَازَةِ أَلْفَاظِهِ ، وَجَوَامِعِ كَلِمِهِ أَضْعَافُ مَا فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ الَّتِي أَلْفَاظُهَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْهُ مَرَّاتٍ .
وَمِنْهَا جَمْعُهُ فِيهِ بَيْنَ الدَّلِيلِ ، وَمَدْلُولِهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ احْتَجَّ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ وَصْفِهِ ، وَإِيجَازِهِ ، وَبَلَاغَتِهِ ، وَأَثْنَاءَ هَذِهِ الْبَلَاغَةِ أَمْرُهُ ، وَنَهْيُهُ ، وَوَعْدُهُ ، وَوَعِيدُهُ ، فَالتَّالِي لَهُ يَفْهَمُ مَوْضِعَ الْحُجَّةِ ، وَالتَّكْلِيفِ مَعًا مِنْ كَلَامٍ وَاحِدٍ ، وَسُورَةٍ مُنْفَرِدَةٍ .
وَمِنْهَا أَنَّ جَعْلَهُ فِي حَيِّزِ الْمَنْظُومِ الَّذِي لَمْ يُعْهَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي حَيِّزِ الْمَنْثُورِ ، لِأَنَّ الْمَنْظُومَ
[ ص: 290 ] أَسْهَلُ عَلَى النُّفُوسِ ، وَأَوْعَى لِلْقُلُوبِ ، وَأَسْمَعُ فِي الْآذَانِ وَأَحْلَى عَلَى الْأَفْهَامِ ، فَالنَّاسُ إِلَيْهِ أَمْيَلُ ، وَالْأَهْوَاءُ إِلَيْهِ أَسْرَعُ .
وَمِنْهَا تَيْسِيرُهُ - تَعَالَى - حِفْظَهُ لِمُتَعَلِّمِيهِ ، وَتَقْرِيبُهُ عَلَى مُتَحَفِّظِيهِ ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=22وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [ الْقَمَرِ : 22 ] .
وَسَائِرُ الْأُمَمِ لَا يَحْفَظُ كُتُبَهَا الْوَاحِدُ مِنْهُمْ ، فَكَيْفَ الْجَمَّاءُ عَلَى مُرُورِ السِّنِينَ عَلَيْهِمْ . وَالْقُرْآنُ مُيَسَّرٌ حِفْظُهُ لِلْغِلْمَانِ فِي أَقْرَبِ مُدَّةٍ .
وَمِنْهَا مُشَاكَلَةُ بَعْضِ أَجْزَائِهِ بَعْضًا ، وَحُسْنُ ائْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا ، وَالْتِئَامِ أَقْسَامِهَا ، وَحُسْنُ التَّخَلُّصِ مِنْ قِصَّةٍ إِلَى أُخْرَى ، وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابٍ إِلَى غَيْرِهِ عَلَى اخْتِلَافِ مَعَانِيهِ ، وَانْقِسَامُ السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى أَمْرٍ ، وَنَهْيٍ ، وَخَبَرٍ ، وَاسْتِخْبَارٍ ، وَوَعْدٍ ، وَوَعِيدٍ ، وَإِثْبَاتِ نُبُوَّةٍ ، وَتَوْحِيدٍ ، وَتَفْرِيدٍ ، وَتَرْغِيبٍ ، وَتَرْهِيبٍ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدِهِ ، دُونَ خَلَلٍ يَتَخَلَّلُ فُصُولَهُ .
وَالْكَلَامُ الْفَصِيحُ إِذَا اعْتَوَرَهُ مِثْلُ هَذَا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ، وَلَانَتْ جَزَالَتُهُ ، وَقَلَّ رَوْنَقُهُ ، وَتَقَلْقَلَتْ أَلْفَاظُهُ .
فَتَأَمَّلْ أَوَّلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=1ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ ص : 1 ] وَمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ أَخْبَارِ الْكُفَّارِ ، وَشِقَاقِهِمْ ، وَتَقْرِيعِهِمْ بِإِهْلَاكِ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِهِمْ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَتَعَجُّبِهِمْ مِمَّا أَتَى بِهِ ، وَالْخَبَرِ عَنِ اجْتِمَاعِ مَلَئِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الْحَسَدِ فِي كَلَامِهِمْ ، وَتَعْجِيزِهِمْ ، وَتَوْهِينِهِمْ ، وَوَعِيدِهِمْ بِخِزْيِ الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةِ ، وَتَكْذِيبِ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ ، وَإِهْلَاكِ اللَّهِ لَهُمْ ، وَوَعِيدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ مُصَابِهِمْ ، وَتَصْبِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَذَاهُمْ ، وَتَسْلِيَتِهِ بِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، ثُمَّ أَخَذَ فِي ذِكْرِ دَاوُدَ ، وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ ، كُلُّ هَذَا فِي أَوْجَزِ كَلَامٍ ، وَأَحْسَنِ نِظَامٍ .
وَمِنْهُ الْجُمْلَةُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي انْطَوَتْ عَلَيْهَا الْكَلِمَاتُ الْقَلِيلَةُ ، وَهَذَا كُلُّهُ ، وَكَثِيرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ ذُكِرَ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ إِلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَهَا الْأَئِمَّةُ لَمْ نَذْكُرْهَا ، إِذْ أَكْثَرُهَا دَاخِلٌ فِي بَابِ بَلَاغَتِهِ ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَدَّ فَنًّا مُنْفَرِدًا فِي إِعْجَازِهِ ، إِلَّا فِي بَابِ تَفْصِيلِ فُنُونِ الْبَلَاغَةِ ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْهُمْ يُعَدُّ فِي خَوَاصِّهِ ، وَفَضَائِلِهِ ، لَا إِعْجَازِهِ .
وَحَقِيقَةُ الْإِعْجَازِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا ، فَلْيُعْتَمَدْ عَلَيْهَا ، وَمَا بَعْدَهَا مِنْ خَوَاصِّ الْقُرْآنِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي لَا تَنْقَضِي . وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ .