الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الثاني عشر : انشقاق القمر ، وحبس الشمس

          قال الله - تعالى - : اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر [ القمر : 1 - 2 ] .

          أخبر - تعالى - بوقوع انشقاقه بلفظ الماضي ، وإعراض الكفرة عن آياته ، وأجمع المفسرون ، وأهل السنة على وقوعه .

          [ أخبرنا الحسين بن محمد الحافظ من كتابه ، حدثنا القاضي سراج بن عبد الله ، حدثنا الأصيلي ، حدثنا المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا مسدد ، [ ص: 291 ] حدثنا يحيى ، عن شعبة ، وسفيان عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ] ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرقتين : فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اشهدوا .

          وفي رواية مجاهد : ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .

          وفي بعض طرق الأعمش : ونحن بمنى .

          ورواه أيضا عن ابن مسعود الأسود ، وقال : حتى رأيت الجبل بين فرجتي القمر .

          ورواه عنه مسروق أنه كان بمكة ، وزاد : فقال كفار قريش : سحركم ابن أبي كبشة !

          فقال رجل منهم : إن محمدا إن كان سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها ، فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر : هل رأوا هذا ؟ فأتوا ، فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك .

          وحكى السمرقندي عن الضحاك نحوه ، وقال : فقال أبو جهل : هذا سحر ، [ ص: 292 ] فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا : أرأوا ذلك أم لا ؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا ، فقالوا - يعني الكفار - : هذا سحر مستمر .

          ورواه أيضا عن ابن مسعود علقمة ، فهؤلاء الأربعة عن عبد الله .

          وقد رواه غير ابن مسعود ، كما رواه ابن مسعود ، منهم أنس ، وابن عباس ، وابن عمر ، وحذيفة ، وعلي ، وجبير بن مطعم ، فقال علي من رواية أبي حذيفة الأرحبي : انشق القمر ، ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .

          وعن أنس : سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية ، فأراهم انشقاق القمر فرقتين حتى رأوا حراء بينهما .

          رواه عن أنس قتادة .

          وفي رواية معمر ، وغيره ، عن قتادة ، عنه : أراهم القمر مرتين انشقاقه ، فنزلت : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] .

          ورواه عن جبير بن مطعم ابنه محمد ، وابن ابنه جبير بن محمد .

          ورواه عن ابن عباس عبيد الله بن عبد الله بن عتبة .

          ورواه عن ابن عمر [ ص: 293 ] مجاهد ، ورواه عن حذيفة أبو عبد الرحمن السلمي ، ومسلم بن أبي عمران الأزدي .

          وأكثر طرق هذه الأحاديث صحيحة ، والآية مصرحة ، ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول ، بأنه لو كان هذا لم يخف على أهل الأرض ، إذ هو شيء ظاهر لجميعهم ، إذ لم ينقل لنا عن أهل الأرض أنهم رصدوه تلك الليلة فلم يروه انشق ، ولو نقل إلينا عمن لا يجوز تمالؤهم لكثرتهم على الكذب ، لما كانت علينا به حجة ، إذ ليس القمر في حد واحد لجميع أهل الأرض ، فقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين ، وقد يكون من قوم بضد ما هو من مقابلهم من أقطار الأرض ، أو يحول بين قوم وبينه سحاب أو جبال ، ولهذا نجد الكسوفات في بعض البلاد دون بعض ، وفي بعضها جزئية ، وفي بعضها كلية ، وفي بعضها لا يعرفها إلا المدعون لعلمها ، ذلك تقدير العزيز العليم [ يس : 38 ] .

          وآية القمر كانت ليلا ، والعادة من الناس بالليل الهدو ، والسكون ، وإيجاف الأبواب ، وقطع التصرف ، ولا يكاد يعرف من أمور السماء شيئا ، إلا من رصد ذلك ، واهتبل به

          ولذلك ما يكون الكسوف القمري كثيرا في البلاد ، وأكثرهم لا يعلم به حتى يخبر ، وكثيرا ما يحدث الثقات بعجائب يشاهدونها من أنوار ، ونجوم طوالع عظام تظهر في الأحيان بالليل في السماء ، ولا علم عند أحد منها .

          وخرج الطحاوي في مشكل الحديث ، عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوحى إليه ، ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أصليت يا علي ؟ قال : لا . فقال : اللهم إنه كان في طاعتك ، وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس .

          قالت أسماء : فرأيتها غربت ، ثم طلعت بعد ما غربت ، ووقفت على الجبال ، والأرض ، وذلك بالصهباء في خيبر .

          قال : وهذان الحديثان ثابتان ، ورواتهما ثقات .

          وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كان يقول : لا ينبغي لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء ، لأنه من علامات النبوة .

          [ ص: 294 ] وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي في روايته عن ابن إسحاق : لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخبر قومه بالرفقة ، والعلامة التي في العير قالوا : متى تجيء ؟ قال : يوم الأربعاء ، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون ، وقد ولى النهار ، ولم تجئ ؟ فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فزيد له في النهار ساعة ، وحبست عليه الشمس .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية