الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              357 [ ص: 299 ] 8 - باب: كراهية التعري في الصلاة وغيرها

                                                                                                                                                                                                                              364 - حدثنا مطر بن الفضل قال: حدثنا روح قال: حدثنا زكرياء بن إسحاق، حدثنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت إزارك فجعلت على منكبيك دون الحجارة. قال: فحله فجعله على منكبيه، فسقط مغشيا عليه، فما رئي بعد ذلك عريانا - صلى الله عليه وسلم. [1582، 3829 - مسلم: 340 - فتح: 1 \ 474] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ساق بإسناده حديث عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت إزارك فجعلت على منكبيك دون الحجارة. قال: فحله فجعله على منكبيه، فسقط مغشيا عليه، فما رئي بعد ذلك عريانا - صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه هنا والحج وبنيان الكعبة وأخرجه مسلم في الطهارة.

                                                                                                                                                                                                                              وهو من مراسيل الصحابة، فإن جابرا لم يحضر هذه القصة، ومرسله حجة إلا من شذ كما سلف، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بنت قريش الكعبة لم يبلغ الحلم كما قال الزهري. وقال ابن بطال وابن التين كان عمره خمس عشرة سنة.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وفي سيرة ابن إسحاق: أنه - عليه السلام - كان يحدث عما كان الله [ ص: 300 ] يحفظه به في (صغره) أنه قال: لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما تلعب به الغلمان كلنا قد تعرى وأخذ إزارا وجعل على رقبته يحمل عليها الحجارة، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة رجيفة. ثم قال: شد عليك إزارك، فأخذته فشددته علي، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي، وإزاري علي من بين أصحابي.

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي: وهذه القصة إنما وردت في الحديث في حين بنيان الكعبة ثم ساق ذلك كما قال سالفا، وحديث ابن إسحاق إن صح محمول على أن هذا الأمر كان مرتين، في حال صغره، وعند بنيان الكعبة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر ابن إسحاق أنه لما بلغ من العمر خمسا وثلاثين أجمعت قريش لبناء الكعبة، وساق القصة. وكان قد جبله الله تعالى على جميل الأخلاق، وشريف الطباع والحياء الكامل حتى كان أشد حياء من العذراء في خدرها، فلذلك غشي عليه وما رؤي بعد ذلك عريانا، وقد صانه الله وحماه من صغره عما يدنسه، وجاء في رواية في غير الصحيحين (إن الملك نزل فشد عليه إزاره) وفي رواية: أخبر العباس أنه نودي من السماء أن اشدد عليك إزارك يا محمد. قال: وإنه لأول ما نودي، ذكرها السهيلي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 301 ] ولعل جزعه لانكشاف جسده وليس في الحديث أنه انكشف شيء من عورته، وروي من طريق عكرمة عن ابن عباس عن أبيه: أنه لما سقط مغشيا عليه، نظر إلى السماء وأخذ إزاره، وقال: "نهيت أن أمشي عريانا"، فقال العباس: اكتمها من الناس مخافة أن يقولوا مجنون.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية: (فما رؤي بعد ذلك عريانا) إنه لا ينبغي التعري للمرء بحيث تبدو عورته لعين الناظر إليها، والمشي عريانا بحيث لا يأمن أعين الآدميين، إلا ما رخص فيه من رؤية الحلائل لأزواجهن عراة، وقد دل حديث العباس المذكور أنه لا يجوز التعري في الخلوة، ولا لأعين الناس، وقيل: إنما مخرج القول فيه للحال التي كان عليها، فحيث كانت قريش رجالها ونساؤها تنقل معه الحجارة، فقال: "نهيت أن أمشي عريانا" في مثل هذه الحالة.

                                                                                                                                                                                                                              ولو كان ذلك نهيا عن التعري في كل مكان؛ لكان قد نهاه عنه في غسل الجنابة في الموضع الذي قد أمن من أن يراه فيه أحد إلا الله؛ إذ كان المغتسل لا يجد بدا من التعري ولكنه نهاه عن التعري بحيث يراه أحد، والقعود بحيث يراه من لا يحل له أن يرى عورته في معنى المشي عريانا.

                                                                                                                                                                                                                              ولذلك نهى الشارع عن دخول الحمام بغير إزار، وأما حديث القاسم عن أبي أمامة مرفوعا "لو أستطيع أن أواري عورتي من شعاري لواريتها"، فإن صح فمحمول على الاستحباب لاستعمال الستر [ ص: 302 ] والندب لأمته إلى ذلك، وكذا قول علي: إذا كشف الرجل عورته أعرض عنه الملك، وقول أبي موسى الأشعري: إني لأغتسل في البيت المظلم، فما أقيم صلبي حياء من ربي. محمول على ذلك لا على الحرمة، والله لا يخفى عليه شيء.

                                                                                                                                                                                                                              فرع:

                                                                                                                                                                                                                              إذا أوجبنا الستر في الخلوة، فهل يجوز أن ينزل في ماء النهر والعين بغير مئزر؟ وجهان في "الحاوي" أحدهما: لا للنهي عنه، والثاني: نعم لأن الماء يقوم مقام الثوب في ستر العورة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية