الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( وأما بالله ) فقد جاء عن ابن سيرين : أعوذ بالسميع العليم ، وقيده بعضهم بصلاة التطوع ، ورواه أبو علي الأهوازي عن ابن واصل وغيره عن حمزة ، وفي صحة ذلك عنهما نظر . ( وأما الرجيم ) فقد ذكر [ ص: 249 ] الهذلي في كامله عن شبل بن حميد يعني ابن قيس أعوذ بالله القادر من الشيطان الغادر ، وحكي أيضا عن أبي زيد عن أبي السماك " أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي " وكلاهما لا يصح ( وأما تغييرهما ) بتقديم وتأخير ونحوه فقد روى ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : اللهم أني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . وكذا رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلة عن معاذ بن جبل ، وهذا لفظه والترمذي بما معناه ، وقال : مرسل . يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذا ; لأنه مات قبل سنة عشرين ورواه ابن ماجه أيضا بهذا اللفظ عن جبير بن مطعم واختاره بعض القراء ، وفي حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا خرج أحدكم من المسجد فليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم . رواه ابن ماجه ، وهذا لفظه والنسائي من غير ذكر الرجيم ، وفي كتاب ابن السني : اللهم أعذني من الشيطان الرجيم وفيه أيضا عن أبي أمامة - رضي الله عنه - : اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده . وروى الشافعي في مسنده عن أبي هريرة : أنه تعوذ في المكتوبة رافعا صوته : ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم ( وأما الزيادة ) فقد وردت بألفاظ منها ما يتعلق بتنزيه الله تعالى ( الأول ) " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " نص عليها الحافظ أبو عمرو الداني في جامعه ، وقال إن على استعماله عامة أهل الأداء من أهل الحرمين والعراقيين والشام ورواه أبو علي الأهوازي أداه عن الأزرق بن الصباح ، وعن الرفاعي عن سليم وكلاهما عن حمزة ونصا عن أبي حاتم ، ورواه الخزاعي عن أبي عدي عن ورش أداء .

                                                          ( قلت ) : وقرأت ، أنا به في اختيار أبي حاتم السجستاني ، ورواية حفص من طريق هبيرة . وقد رواه أصحاب السنن الأربعة وأحمد عن أبي سعيد الخدري بإسناد جيد ، وقال الترمذي هو أشهر حديث في هذا الباب ، وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن معقل بن يسار [ ص: 250 ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة ، رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب . ( الثاني ) : ( أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم ) ذكره الداني أيضا في جامعه عن أهل مصر وسائر بلاد المغرب ، وقال إنه استعمله منهم أكثر أهل الأداء ، وحكاه أبو معشر الطبري في سوق العروس عن أهل مصر أيضا ، وعن قنبل والزينبي ورواه الأهوازي عن المصريين عن ورش ، وقال على ذلك وجدت أهل الشام في الاستعاذة ، إلا أني لم أقرأ بها عليهم من طريق الأداء عن ابن عامر ، وإنما هو شيء يختارونه ورواه أداء عن أحمد بن جبير في اختياره ، وعن الزهري وأبي بحرية وابن مناذر وحكاه الخزاعي عن الزينبي عن قنبل ورواه أبو العز أداء عن أبي عدي عن ورش ورواه الهذلي عن ابن كثير في غير رواية الزينبي .

                                                          ( الثالث ) : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . إن الله هو السميع العليم ) رواه الأهوازي عن أبي عمرو ، وذكره أبو معشر عن أهل مصر والمغرب ورويناه من طريق الهذلي عن أبي جعفر وشيبة ونافع في غير رواية أبي عدي عن ورش ، وحكاه الخزاعي وأبو الكرم الشهرزوري عن رجالهما عن أهل المدينة وابن عامر والكسائي وحمزة في أحد وجوهه . وروي عن عمر بن الخطاب ومسلم بن يسار وابن سيرين والثوري ( وقرأت أنا ) به في قراءة الأعمش ، إلا أنه في رواية الشنبوذي عنه أدغمت الهاء في الهاء . ( الرابع ) : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ) رواه الخزاعي عن هبيرة عن حفص قال : وكذا في حفظي عن ابن الشارب عن الزينبي عن قنبل ، وذكره الهذلي عن أبي عدي عن ورش . ( الخامس ) : ( أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ) رواه الهذلي عن الزينبي عن ابن كثير . [ ص: 251 ] ( السادس ) : ( أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ) ذكره الأهوازي عن جماعة ( وقرأت به ) في قراءة الحسن البصري . ( السابع ) : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأستفتح الله وهو خير الفاتحين . رواه أبو الحسين الخبازي ، عن شيخه أبي بكر الخوارزمي ، عن ابن مقسم ، عن إدريس ، عن خلف ، عن حمزة ( الثامن ) - أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم . رواه أبو داود في الدخول إلى المسجد ، عن عمرو بن العاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : إذا قال ذلك ، قال الشيطان : حفظ مني سائر اليوم إسناده جيد ، وهو حديث حسن ، ووردت بألفاظ تتعلق بشتم الشيطان نحو ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الخبيث المخبث والرجس النجس ) ، كما رويناه في كتابي الدعاء لأبي القاسم الطبراني ، وعمل اليوم والليلة لأبي بكر بن السني ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم . ) وإسناده ضعيف ، ووردت أيضا بألفاظ تتعلق بما يستعاذ منه ، ففي حديث جبير بن مطعم : من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه رواه ابن ماجه ، وهذا لفظه ، وأبو داود والحاكم وابن حبان في صحيحيهما . وكذا في حديث أبي سعيد وفي حديث ابن مسعود : من الشيطان الرجيم وهمزه ونفخه ونفثه .

                                                          وفسروه فقالوا : همزه الجنون ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبر .

                                                          وأما النقص فلم يتعرض للتنبيه عليه أكثر أئمتنا ، وكلام الشاطبي - رحمه الله - يقتضي عدمه ، والصحيح جوازه ؛ لما ورد ، فقد نص الحلواني في جامعه على جواز ذلك ، فقال : وليس للاستعاذة حد ينتهى إليه . من شاء زاد ، ومن شاء نقص ، أي : بحسب الرواية كما سيأتي ، وفي سنن أبي داود من حديث جبير بن مطعم ( أعوذ بالله من الشيطان ) من غير ذكر الرجيم ، وكذا رواه غيره ، وتقدم في حديث أبي هريرة من رواية النسائي " اللهم اعصمني من الشيطان " من غير ذكر الرجيم .

                                                          [ ص: 252 ] فهذا الذي أعلمه ورد في الاستعاذة من الشيطان في حال القراءة وغيرها ، ولا ينبغي أن يعدل عما صح منها حسبما ذكرناه مبينا ، ولا يعدل عما ورد عن السلف الصالح ، فإنما نحن متبعون لا مبتدعون . قال الجعبري في شرح قول الشاطبي :

                                                          وإن تزد لربك تنزيها فلست مجهلا

                                                          . هذه الزيادة وإن أطلقها وخصها فهي مقيدة بالرواية ، وعامة في غير التنزيه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية