[ ص: 120 ] واختلفت
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29625عبارات المفسرين في المثل الأعلى . ووفق بين أقوالهم بعض من وفقه الله وهداه ، فقال : المثل الأعلى يتضمن : الصفة العليا ، وعلم العالمين بها ، ووجودها العلمي ، والخبر عنها وذكرها ، وعبادة الرب تعالى بواسطة العلم والمعرفة القائمة بقلوب عابديه وذاكريه .
فهاهنا أمور أربعة :
[ الأول ] :
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29625ثبوت الصفات العليا لله سبحانه وتعالى ، سواء علمها العباد أو لا ، وهذا معنى قول من فسرها بالصفة .
الثاني : وجودها في العلم والشعور ، وهذا معنى قول من قال من السلف والخلف : إنه ما في قلوب عابديه وذاكريه ، من معرفته وذكره ، ومحبته وجلاله ، وتعظيمه ، وخوفه ورجائه ، والتوكل عليه والإنابة إليه . وهذا الذي في قلوبهم من المثل الأعلى لا يشركه فيه غيره أصلا ، بل يختص به في قلوبهم ، كما اختص به في ذاته . وهذا معنى قول من قال من المفسرين : إن معناه : أهل السماوات يعظمونه ويحبونه ويعبدونه ، وأهل الأرض كذلك ، وإن أشرك به من أشرك ، وعصاه من عصاه ، وجحد صفاته من جحدها ، فأهل الأرض معظمون له ، مجلون ، خاضعون لعظمته ، مستكينون لعزته وجبروته . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=26وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ( الروم : 26 ) .
الثالث : ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=29624صفاته والخبر عنها وتنزيهها من العيوب والنقائص والتمثيل .
[ ص: 121 ] الرابع : محبة الموصوف بها وتوحيده ، والإخلاص له ، والتوكل عليه ، والإنابة إليه . وكلما كان الإيمان بالصفات أكمل كان هذا الحب والإخلاص أقوى .
فعبارات السلف كلها تدور على هذه المعاني الأربعة . فمن أضل ممن يعارض بين قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وله المثل الأعلى ( الروم : 27 ) وبين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ؟ ويستدل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء على نفي الصفات ويعمى عن تمام الآية وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وهو السميع البصير ( الشورى : 11 ) حتى أفضى هذا الضلال ببعضهم ، وهو
أحمد بن أبي دواد القاضي ، إلى أن أشار على
nindex.php?page=showalam&ids=15128الخليفة المأمون أن يكتب على ستر الكعبة : ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم ، حرف كلام الله لينفي وصفه تعالى بأنه السميع البصير كما قال الضال الآخر
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان : وددت أني أحك من المصحف قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثم استوى على العرش ( الأعراف : 54 ) فنسأل الله العظيم السميع البصير أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، بمنه وكرمه .
[ ص: 120 ] وَاخْتَلَفَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29625عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمَثَلِ الْأَعْلَى . وَوَفَّقَ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ بَعْضُ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَهَدَاهُ ، فَقَالَ : الْمَثَلُ الْأَعْلَى يَتَضَمَّنُ : الصِّفَةَ الْعُلْيَا ، وَعِلْمَ الْعَالَمِينَ بِهَا ، وَوُجُودَهَا الْعِلْمِيَّ ، وَالْخَبَرَ عَنْهَا وَذِكْرَهَا ، وَعِبَادَةَ الرَّبِّ تَعَالَى بِوَاسِطَةِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ الْقَائِمَةِ بِقُلُوبِ عَابِدِيهِ وَذَاكِرِيهِ .
فَهَاهُنَا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ :
[ الْأَوَّلُ ] :
nindex.php?page=treesubj&link=28721_29625ثُبُوتُ الصِّفَاتِ الْعُلْيَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، سَوَاءً عَلِمَهَا الْعِبَادُ أَوْ لَا ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَهَا بِالصِّفَةِ .
الثَّانِي : وُجُودُهَا فِي الْعِلْمِ وَالشُّعُورِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : إِنَّهُ مَا فِي قُلُوبِ عَابِدِيهِ وَذَاكِرِيهِ ، مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَذِكْرِهِ ، وَمَحَبَّتِهِ وَجَلَالِهِ ، وَتَعْظِيمِهِ ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ . وَهَذَا الَّذِي فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْمَثَلِ الْأَعْلَى لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ أَصْلًا ، بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ ، كَمَا اخْتَصَّ بِهِ فِي ذَاتِهِ . وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ مَعْنَاهُ : أَهْلُ السَّمَاوَاتِ يُعَظِّمُونَهُ وَيُحِبُّونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ ، وَأَهْلُ الْأَرْضِ كَذَلِكَ ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مَنْ أَشْرَكَ ، وَعَصَاهُ مَنْ عَصَاهُ ، وَجَحَدَ صِفَاتِهِ مَنْ جَحَدَهَا ، فَأَهْلُ الْأَرْضِ مُعَظِّمُونَ لَهُ ، مُجِلُّونَ ، خَاضِعُونَ لِعَظَمَتِهِ ، مُسْتَكِينُونَ لِعِزَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=26وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ( الرُّومِ : 26 ) .
الثَّالِثُ : ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29624صِفَاتِهِ وَالْخَبَرُ عَنْهَا وَتَنْزِيهُهَا مِنَ الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِصِ وَالتَّمْثِيلِ .
[ ص: 121 ] الرَّابِعُ : مَحَبَّةُ الْمَوْصُوفِ بِهَا وَتَوْحِيدُهُ ، وَالْإِخْلَاصُ لَهُ ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ، وَالْإِنَابَةُ إِلَيْهِ . وَكُلَّمَا كَانَ الْإِيمَانُ بِالصِّفَاتِ أَكْمَلَ كَانَ هَذَا الْحُبُّ وَالْإِخْلَاصُ أَقْوَى .
فَعِبَارَاتُ السَّلَفِ كُلُّهَا تَدُورُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي الْأَرْبَعَةِ . فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُعَارِضُ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ( الرُّومِ : 27 ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ؟ وَيَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ وَيَعْمَى عَنْ تَمَامِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( الشُّورَى : 11 ) حَتَّى أَفْضَى هَذَا الضَّلَالُ بِبَعْضِهِمْ ، وَهُوَ
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُوَادَ الْقَاضِي ، إِلَى أَنْ أَشَارَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15128الْخَلِيفَةِ الْمَأْمُونِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، حَرَّفَ كَلَامَ اللَّهِ لِيَنْفِيَ وَصْفَهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ كَمَا قَالَ الضَّالُّ الْآخَرُ
nindex.php?page=showalam&ids=15658جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ : وَدِدْتُ أَنِّي أَحُكُّ مِنَ الْمُصْحَفِ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ( الْأَعْرَافِ : 54 ) فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ السَّمِيعَ الْبَصِيرَ أَنْ يُثَبِّتَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ، بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .