الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          689 - مسألة : من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه - بأي وجه خرج عن ملكه - ثم رجع إليه - بأي وجه رجع إليه ، ولو إثر خروجه بطرفة عين أو أكثر - : فإنه يستأنف به الحول من حين رجوعه ، لا من حين الحول الأول ، لأن ذلك الحول قد بطل ببطلان الملك ، ومن الباطل أن يعد عليه وقت كان فيه المال لغيره . وكذلك من باع إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو فضة بفضة ، أو ذهبا بذهب - : فإن حول الذي خرج عن ملكه ، من ذلك قد بطل ، ويستأنف الحول الذي صار في ملكه من ذلك لما ذكرنا . وسواء في كل ذلك فعل ذلك فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، فهو عاص بنيته السوء في فراره من الزكاة .

                                                                                                                                                                                          وقال بعض الناس : إن كان فعل ذلك فرارا من الزكاة فعليه الزكاة ، ثم ناقض من قرب فقال : من اشترى بدراهمه أو بدنانيره عقارا أو متاعا فرارا من الزكاة فلا زكاة عليه فيما اشترى . قال أبو محمد : ومن المحال الذي لم يأمر الله تعالى به أن يزكي الإنسان مالا هو في يد غيره [ ما ] لم يحل حوله عنده . قال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . وقولنا في هذا كله هو قول أبي حنيفة والشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن بادل إبلا ببقر أو بغنم أو بقرا بغنم فكذلك سواء فعله فرارا من الزكاة أو لغير فرار ، وإن بادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهبا بذهب ، أو [ ص: 207 ] فضة بفضة - : فعليه الزكاة عند انقضاء الحول الذي خرج عن يده ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ظاهر ، ودعوى لا دليل على صحتها ، لا من قرآن ، ولا سنة ( صحيحة ) ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ولا قياس ، ولا رأي يصح ونسأل من قال بهذا : أهذه التي صارت إليه هي التي خرجت عنه ؟ أم هي غيرها ؟ فإن قال : هي غيرها ؟ قيل : فكيف يزكي عن مال لا يملكه ؟ ولعلها أموات ، أو عند كافر . وإن : قال بل هي تلك ، كابر العيان ، وصار في مسلاخ من يستسهل الكذب جهارا ، فإن قال : ليست هي ، ولكنها من نوعها ؟ قلنا نعم ، فكان ماذا ؟ ومن أين لكم زكاة غير المال الذي ابتدأ الحول في ملكه إذا كان من نوعه ؟ ثم يسألون إن كانت الأعداد مختلفة : أي العددين يزكي العدد الذي خرج عن ملكه ؟ أم العدد الذي اكتسب ؟ ولعل أحدهما ليس نصابا ؟ وهذا كله خطأ لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق . وأي شيء قالوا في ذلك كان تحكما وباطلا بلا برهان .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : إنه لم يزل مالكا لمائة شاة أو لعشر من الإبل أو لمائتي درهم حولا كاملا متصلا ؟ [ ص: 208 ] قلنا : إنما الزكاة تجب في ذمة المسلم عن مال ملكه بعينه حولا كاملا من كل ما ذكرنا بلا خلاف ; فعليكم البرهان في وجوب الزكاة عن عدد بغير عينه لكن في أعيان مختلفة ، وهذا ما لا سبيل إلى وجوده ، إلا بالدعوى - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية