الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          699 - مسألة : ومن أعطى زكاة ماله من وجبت له من أهلها ، أو دفعها إلى المصدق المأمور بقبضها فباعها من قبض حقه فيها أو من له قبضها نظرا لأنها لأهلها - : فجائز للذي أعطاها أن يشتريها ، وكذلك لو رجعت إليه بهبة ، أو هدية ، أو ميراث ، أو صداق أو إجارة أو سائر الوجوه المباحة ، ولا يجوز له شيء من ذلك ألبتة قبل أن [ ص: 225 ] يدفعها ; لأنه ابتاع شيئا غير معين ; وهذا لا يجوز ; لأنه لا يدري ما الذي ابتاع ، ولم يعط الزكاة التي افترض الله تعالى عليه أن يؤديها إلى أهلها ، وبهذا نفسه يحرم عليه أن يعطي غير ما لزمه القيمة ، وأما بعد أن يؤديها إلى أهلها فإن الله تعالى قال : { وأحل الله البيع } فهو قد أدى صدقة ماله كما أمر ، وباعها الآخذ كما أبيح له ، ولم يجز ذلك أبو حنيفة ; وكرهه مالك ; وأجازه الليث بن سعد ، واحتج من منع من ذلك بالحديث الذي رويناه من طريق مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت { عمر يقول : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه ، وظننت أنه بائعه برخص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشتره ، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي " أن الزبير حمل على فرس في سبيل الله تعالى ، فوجد فرسا من ضئضئها يعني من نسلها - فأراد أن يشتريه ، فنهي "

                                                                                                                                                                                          ونحو هذا أيضا عن أسامة بن زيد ، ولا يصح ، قال أبو محمد وكل هذا لا حجة لهم فيه ; لأن فرس عمر - كان بنص الحديث - حمل عليه في سبيل الله ، فصار حبسا في هذا الوجه ، فبيعه إخراج له عما سبل فيه ، ولا يحل هذا أصلا ; فابتياعه حرام على كل أحد ، وكذلك القول في الخبرين الآخرين ، لو صحا ، لا سيما ، وفي حديث أبي عثمان النهدي أنه نهى نتاجها ، وهذه صفة الحبس .

                                                                                                                                                                                          وأما ما لم يحرم بيعه وكان صدقة مطلقة يملكها المتصدق بها عليه ويبيعها إن شاء - فليس ابتياع المتصدق بها عودا في صدقته ، لا في اللغة ، ولا في الديانة ; لأن العود في الصدقة هو انتزاعها وردها إلى نفسه بغير حق ، وإبطال صدقته بها فقط ، [ ص: 226 ] والحاضرون من المخالفين يجيزون أن يملكها المتصدق بها بالميراث ، وقد عادت إلى ملكه كما عادت بالشراء ولا فرق ; فصح أن العود هو ما ذكرنا فقط .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا آدم ثنا الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود { عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم ، فقلت : هذا مما تصدق به على بريرة . فقال : هو لها صدقة ولنا هدية }

                                                                                                                                                                                          حدثنا حمام ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أنه سمع عبيد الله السباق أنه سمع { جويرية أم المؤمنين تقول : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل من طعام ؟ فقلت : لا ، إلا عظما أعطيته مولاة لنا من الصدقة فقال : قربيه فقد بلغت محلها } . ولا خلاف في أن الصدقة حرام عليه صلى الله عليه وسلم فقد استباحها بعد بلوغها محلها ، إذ رجعت إليه بالهدية .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو لرجل كان له جار مسكين ، فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني . } [ ص: 227 ] فهذا نص من النبي صلى الله عليه وسلم بجواز ابتياع الصدقة ، ولم يخص المتصدق بها من غيره .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن أبي هريرة قال : لا تشتر الصدقة حتى تعقل - : يعني حتى تؤديها - : وهذا نص قولنا ، وعن ابن عباس في الصدقة قال : إن اشتريتها أو ردت عليك ، أو ورثتها حلت لك ، وعن عمر بن الخطاب قال : من تصدق بصدقة فلا يبتاعها حتى تصير إلى غير الذي تصدق بها عليه قال أبو محمد : فهذا عمر يجيز للمتصدق بالصدقة ابتياعها إذا انتقلت عن الذي تصدق بها عليه إلى غيره ; ولا فرق عندنا بين الأمرين ، وقولنا هذا هو قول عكرمة ، ومكحول

                                                                                                                                                                                          وبه يقول أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وأجازه الشافعي ولم يستحبه ، ومنع منه مالك ، وأجاز رجوعها إليه بالميراث .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن ابن عمر : أنه كان إذا تصدق بشيء فرجع إليه بالميراث تصدق به ، ويفتي بذلك ، فخرج قول مالك عن أن يكون له من الصحابة رضي الله تعالى عنهم موافق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية