الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل العشرون : في إحياء الموتى ، وكلامهم ، " و كلام الصبيان ، والمراضع ، وشهادتهم له بالنبوة - صلى الله عليه وسلم - "

          [ حدثنا أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه ، والقاضي أبو الوليد محمد بن رشد ، والقاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي ، وغير واحد سماعا ، وإذنا ، قالوا : حدثنا أبو علي [ ص: 315 ] الحافظ ، حدثنا أبو عمر الحافظ ، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا وهب بن بقية ، عن خالد هو الطحان ، عن محمد بن عمرو ، وعن أبي سلمة ] ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن يهودية أهدت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر شاة مصلية سمتها ، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ، وأكل القوم ، فقال : ارفعوا أيديكم ، فإنما أخبرتني أنها مسمومة . فمات بشر بن البراء . وقال لليهودية : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : إن كنت نبيا لم يضرك الذي صنعت ، وإن كنت ملكا أرحت الناس منك . قال : فأمر بها فقتلت .

          وقد روى هذا الحديث أنس وفيه : قالت : أردت قتلك . فقال : ما كان الله ليسلطك على ذلك . فقالوا : نقتلها ؟ قال : لا

          وكذلك روي عن أبي هريرة من رواية غير وهب ، قال : فما عرض لها .

          ورواه أيضا جابر بن عبد الله ، وفيه : أخبرتني هذه الذراع قال : ولم يعاقبها .

          وفي رواية الحسن : أن فخذها تكلمني أنها مسمومة .

          وفي رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن قالت : إني مسمومة .

          وكذلك ذكر الخبر ابن إسحاق ، وقال فيه : فتجاوز عنها .

          وفي الحديث الآخر ، عن أنس ، قال : فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في وجعه الذي مات فيه : ما زالت أكلة خيبر تعادني ، فالآن أوان قطعت أبهري .

          وحكى ابن إسحاق : إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة .

          وقال ابن سحنون : أجمع أهل الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل [ ص: 316 ] اليهودية التي سمته .

          وقد ذكرنا اختلاف الروايات في ذلك عن أبي هريرة ، وأنس ، وجابر .

          وفي رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلوها .

          وكذلك قد اختلف في قتله للذي سحره ، قال الواقدي : وعفوه عنه أثبت عندنا .

          وقد روي عنه أنه قتله وروى الحديث البزار ، عن أبي سعيد ، فذكر مثله ، إلا أنه قال في آخره : فبسط يده ، وقال : كلوا بسم الله ، فأكلنا ، وذكر اسم الله ، فلم تضر منا أحدا .

          قال القاضي أبو الفضل : وقد خرج حديث الشاة المسمومة أهل الصحيح ، وخرجه الأئمة ، وهو حديث مشهور .

          واختلف أئمة النظر في هذا الباب ، فمن قائل يقول : هو كلام يخلقه الله - تعالى - في الشاة الميتة ، أو الحجر ، أو الشجر ، وحروف ، وأصوات يحدثها الله فيها ويسمعها منها دون تغيير أشكالها ، ونقلها عن هيئتها . وهو مذهب الشيخ أبي الحسن ، والقاضي أبي بكر رحمهما الله .

          وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها أولا ، ثم الكلام بعده .

          وحكي هذا أيضا عن شيخنا أبي الحسن ، وكل محتمل ، والله أعلم ، إذ لم نجعل الحياة شرطا لوجود الحروف ، والأصوات ، إذ لا يستحيل وجودها مع عدم الحياة بمجردها .

          فأما إذا كانت عبارة عن الكلام النفسي فلا بد من شرط الحياة لها ، إذ لا يوجد كلام النفس إلا من حي ، خلافا للجبائي من بين سائر متكلمي الفرق في إحالة وجود الكلام اللفظي ، والحروف ، والأصوات إلا من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق بالحروف ، والأصوات .

          والتزم ذلك في الحصى ، والجذع ، والذراع ، وقال : إن الله خلق فيها حياة ، وخرق لها فما ، ولسانا ، وآلة أمكنها بها من الكلام .

          وهذا لو كان لكان نقله ، والتهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه ، أو حنينه ، ولم ينقل أحد من أهل السير ، والرواية شيئا من ذلك ، فدل على سقوط دعواه ، مع أنه لا [ ص: 317 ] ضرورة إليه في النظر ، والموفق الله .

          وروى وكيع رفعه عن فهد بن عطية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط ، فقال : من أنا ؟ فقال : رسول الله .

          وروي عن معرض بن معيقيب : رأيت من النبي - صلى الله عليه وسلم - عجبا ، جيء بصبي يوم ولد . . . فذكر مثله .

          وهو حديث مبارك اليمامة ، ويعرف بحديث شاصونة : اسم راويه ، وفيه : فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدقت بارك الله فيك .

          ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب ، فكان يسمى مبارك اليمامة .

          وكانت هذه القصة بمكة في حجة الوداع .

          وعن الحسن : أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر أنه طرح بنية له في وادي كذا ، فانطلق معه إلى الوادي ، وناداها باسمها : يا فلانة ، أجيبي بإذن الله فخرجت ، وهي تقول : لبيك ، وسعديك ! فقال لها : إن أبويك قد أسلما ، فإن أحببت أن أردك عليهما ؟ قالت : لا حاجة لي فيهما ، وجدت الله خيرا منهما .

          وعن أنس أن شابا من الأنصار توفي وله أم عجوز عمياء ، فسجيناه ، وعزيناها ، فقالت : مات ابني ؟ قلنا : نعم . قالت : اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك ، وإلى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملن علي هذه المصيبة .

          فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه ، فطعم ، وطعمنا .

          وروي عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري : كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس ، وكان قتل باليمامة ، فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول : محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق ، عمر الشهيد ، عثمان البر الرحيم ، فنظرنا فإذا هو ميت .

          وذكر عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خر ميتا في بعض أزقة المدينة ، فرفع ، وسجي إذ [ ص: 318 ] سمعوه بين العشاءين ، والنساء يصرخن حوله يقول : أنصتوا ، أنصتوا ، فحسر عن وجهه ، فقال : محمد رسول الله ، النبي الأمي ، وخاتم النبيين ، كان ذلك في الكتاب الأول ، ثم قال صدق ، صدق ، وذكر أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته ، ثم عاد ميتا كما كان .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية