nindex.php?page=treesubj&link=28994_28639_28662_33953_34189nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه، فقال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. أفلا تتقون؟ nindex.php?page=treesubj&link=28994_30549_30578_30614_31788_31791_32024_33953nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24فقال الملأ الذين كفروا من قومه: ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم، ولو شاء الله لأنزل ملائكة، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين. nindex.php?page=treesubj&link=28994_31788_31791_32024_33953_34167nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=25إن هو إلا رجل به جنة، فتربصوا به حتى حين ..
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .. كلمة الحق التي لا تتبدل، يقوم عليها الوجود، ويشهد بها كل ما في الوجود
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23أفلا تتقون؟ وتخافون عاقبة الإنكار للحقيقة الأولى التي تقوم عليها الحقائق جميعا؟ وتستشعرون ما في إنكارها من تجن على الحق الباهر، وما يعقب التجني من استحقاق للعذاب الأليم؟
ولكن كبراء قومه من الكفار لا يناقشون هذه الكلمة; ولا يتدبرون شواهدها، ولا يستطيعون التخلص من النظرة الضيقة المتعلقة بأشخاصهم وبشخص الرجل الذي يدعوهم، ولا يرتفعون إلى الأفق الطليق الذي ينظرون منه إلى تلك الحقيقة الضخمة مجردة عن الأشخاص والذوات.. فإذا هم يتركون الحقيقة الكبرى التي يقوم عليها الوجود، ويشهد بها كل ما في الوجود، ليتحدثوا عن شخص
نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24فقال الملأ الذين كفروا من قومه: ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم !
من هذه الزاوية الضيقة الصغيرة نظر القوم إلى تلك الدعوة الكبيرة، فما كانوا إذن ليدركوا طبيعتها ولا ليروا حقيقتها; وذواتهم الصغيرة الضئيلة تحجب عنهم جوهرها، وتعمي عليهم عنصرها، وتقف حائلا بين قلوبهم وبينها; فإذا القضية كلها في نظرهم قضية رجل منهم لا يفترق في شيء عنهم، يريد أن يتفضل عليهم، وأن يجعل لنفسه منزلة فوق منزلتهم!
وهم في اندفاعهم الصغير لرد
نوح عن المنزلة التي يتوهمون أنه يعمل لها، ويتوسل إليها بدعوى الرسالة.. في اندفاعهم هذا الصغير لا يردون فضل
نوح وحده، بل يردون فضل الإنسانية التي هم منها; ويرفضون تكريم الله لهذا الجنس; ويستكثرون أن يرسل الله رسولا من البشر، إن يكن لا بد مرسلا:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24ولو شاء الله لأنزل ملائكة ..
ذلك أنهم لا يجدون في أرواحهم تلك النفحة العلوية التي تصل البشر بالملإ الأعلى; وتجعل المختارين من البشرية يتلقون ذلك الفيض العلوي ويطيقونه، ويحملونه إلى إخوانهم من البشر، فيهدونهم إلى مصدره الوضيء.
وهم يحيلون الأمر إلى السوابق المألوفة لا إلى العقل المتدبر:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ..
ومثل هذا يقع دائما عند ما يطمس التقليد على حركة الفكر وحرية القلب. فلا يتدبر الناس ما هو بين أيديهم من القضايا، ليهتدوا على ضوء الواقع إلى حكم مباشر عليها. إنما هم يبحثون في ركام الماضي عن "سابقة" يستندون إليها; فإن لم يجدوا هذه السابقة رفضوا القضية وطرحوها!
[ ص: 2465 ] وعند هذه الجماعات الجاحدة الخامدة أن ما كان مرة يمكن أن يكون ثانية. فأما الذي لم يكن فإنه لا يمكن أن يكون! وهكذا تجمد الحياة، وتقف حركتها، وتتسمر خطاها، عند جيل معين من
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24آبائنا الأولين !
ويا ليتهم يدركون أنهم جامدون متحجرون، إنما هم يتهمون دعاة التحرر والانطلاق بالجنون. وهم يدعونهم إلى التدبر والتفكر، والتخلية بين قلوبهم ودلائل الإيمان الناطقة في الوجود. فإذا هم يتلقون هذه الدعوة بالتبجح والاتهام:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=25إن هو إلا رجل به جنة، فتربصوا به حتى حين ..
أي إلى أن يأخذه الموت، ويريحكم منه، ومن دعوته، ومن إلحاحه عليكم بالقول الجديد!
عندئذ لم يجد
نوح - عليه السلام - منفذا إلى تلك القلوب الجامدة المتحجرة; ولم يجد له موئلا من
nindex.php?page=treesubj&link=19039السخرية والأذى، إلا أن يتوجه إلى ربه وحده، يشكو إليه ما لقيه من تكذيب ويطلب منه النصر بسبب هذا التكذيب:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قال: رب انصرني بما كذبون ..
وعند ما يتجمد الأحياء على هذا النحو، وتهم الحياة بالحركة إلى الأمام، في طريق الكمال المرسوم، فتجدهم عقبة في الطريق.. عندئذ إما أن تتحطم هذه المتحجرات; وإما أن تدعها الحياة في مكانها وتمضي.. والأمر الأول هو الذي حدث لقوم
نوح . ذلك أنهم كانوا في فجر البشرية وفي أول الطريق; فشاءت إرادة الله أن تطيح بهم من الطريق:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا، فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين، وأهلك - إلا من سبق عليه القول منهم - ولا تخاطبني في الذين ظلموا. إنهم مغرقون ..
وهكذا مضت سنة الله في تطهير الطريق من العقبات المتحجرة لتمضي الحياة في طريقها المرسوم. ولما كانت البشرية قد أسنت على عهد
نوح ، وجمدت كالشجرة الناشئة تعوقها الآفة عن النمو فتيبس وتعجز وهي رقيقة العود.. كان العلاج هو الطوفان، الذي يجتب كل شيء، ويجرف كل شيء. ويغسل التربة، لتعاد بذرة الحياة السليمة من جديد، فتنشأ على نظافة، فتمتد وتكبر حتى حين:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا .. والفلك وسيلة للنجاة من الطوفان، ولحفظ بذور الحياة السليمة كما يعاد بذرها من جديد. وقد شاء الله أن يصنع
نوح الفلك بيده. لأنه لا بد للإنسان من الأخذ بالأسباب والوسائل، وبذل آخر ما في طوقه، ليستحق المدد من ربه. فالمدد لا يأتي للقاعدين المستريحين المسترخين، الذين ينتظرون ولا يزيدون شيئا على الانتظار!
ونوح قدر الله له أن يكون أبا البشر الثاني; فدفع به إلى الأخذ بالأسباب; مع رعاية الله له، وتعليمه صناعة الفلك، ليتم أمر الله، وتتحقق مشيئته عن هذا الطريق.
وجعل الله له علامة للبدء بعملية التطهير الشاملة لوجه الأرض المؤوف:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فإذا جاء أمرنا وفار التنور ، وانبجس منه الماء، فتلك هي العلامة ليسارع
نوح ، فيحمل في السفينة بذور الحياة:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فاسلك فيها من كل زوجين اثنين .. من أنواع الحيوان والطيور والنبات المعروفة
لنوح في ذلك الزمان، الميسرة كذلك لبني
[ ص: 2466 ] الإنسان
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم وهم الذين كفروا وكذبوا، فاستحقوا كلمة الله السابقة، وسنته النافذة، وهي الهلاك للمكذبين بآيات الله.
وصدر الأمر الأخير
لنوح ألا يجادل في أمر أحد، ولا يحاول إنقاذ أحد - ولو كان أقرب الأقربين إليه - ممن سبق عليهم القول.
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون .
فسنة الله لا تحابي، ولا تنحرف عن طريقها الواحد المستقيم، من أجل خاطر ولي ولا قريب!
ولا يفصل هنا ما حدث للقوم بعد هذا الأمر. فقد قضي الأمر، وتقرر:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27إنهم مغرقون ولكنه يمضي في تعليم
نوح - عليه السلام - كيف يشكر نعمة ربه، وكيف يحمد فضله، وكيف يستهديه طريقه:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك، فقل: الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وقل: رب أنزلني منزلا مباركا، وأنت خير المنزلين ..
فهكذا يحمد الله، وهكذا يتوجه إليه، وهكذا يوصف - سبحانه - بصفاته، ويعترف له بآياته. وهكذا يتأدب في حقه العباد، وفي طليعتهم النبيون، ليكونوا أسوة للآخرين.
ثم يعقب على القصة كلها، وما تتضمنه خطواتها من دلائل القدرة والحكمة:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=30إن في ذلك لآيات، وإن كنا لمبتلين ..
والابتلاء ألوان. ابتلاء للصبر. وابتلاء للشكر. وابتلاء للأجر. وابتلاء للتوجيه. وابتلاء للتأديب. وابتلاء للتمحيص. وابتلاء للتقويم.. وفي قصة
نوح ألوان من الابتلاء له ولقومه ولأبنائه القادمين..
ويمضي السياق يعرض مشهدا آخر من مشاهد الرسالة الواحدة والتكذيب المكرور:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. أفلا تتقون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة، وأترفناهم في الحياة الدنيا: ما هذا إلا بشر مثلكم، يأكل مما تأكلون منه، ويشرب مما تشربون. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هيهات هيهات لما توعدون! nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا، وما نحن بمبعوثين. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا، وما نحن له بمؤمنين. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39قال: رب انصرني بما كذبون. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قال: عما قليل ليصبحن نادمين. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء. فبعدا للقوم الظالمين ..
إن استعراض قصص الرسل في هذه السورة ليس للتقصي والتفصيل; إنما هو لتقرير الكلمة الواحدة التي جاء بها الجميع، والاستقبال الواحد الذي لقوه من الجميع. ومن ثم بدأ بذكر
نوح - عليه السلام - ليحدد نقطة البدء وانتهى
بموسى وعيسى ليحدد النقطة الأخيرة قبل الرسالة الأخيرة. ولم يذكر الأسماء في وسط السلسلة الطويلة، كي يدل على تشابه حلقاتها بين البدء والنهاية. إنما ذكر الكلمة الواحدة في كل حلقة والاستقبال الواحد، لأن هذا هو المقصود.
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين .. لم يحدد من هم. وهم على الأرجح
عاد قوم
هود.. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. أفلا تتقون؟ .. ذات الكلمة الواحدة
[ ص: 2467 ] التي قالها من قبله
نوح . يحكيها بالألفاظ ذاتها، مع اختلاف اللغات التي كانت تتخاطب بها القرون!
فماذا كان الجواب؟
إنه الجواب ذاته على وجه التقريب:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة، وأترفناهم في الحياة الدنيا: ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون ..
فالاعتراض المكرور هو الاعتراض على بشرية الرسول. وهو الاعتراض الناشئ من انقطاع الصلة بين قلوب هؤلاء الكبراء المترفين، وبين النفخة العلوية التي تصل الإنسان بخالقه الكريم.
والترف يفسد الفطرة، ويغلظ المشاعر، ويسد المنافذ، ويفقد القلوب تلك الحساسية المرهفة التي تتلقى وتتأثر وتستجيب. ومن هنا يحارب الإسلام الترف; ويقيم نظمه الاجتماعية على أساس لا يسمح للمترفين بالوجود في الجماعة المسلمة، لأنهم كالعفن يفسد ما حوله، حتى لينخر فيه السوس، ويسبح فيه الدود!
ثم يزيد المترفون هنا إنكار البعث بعد الموت والبلى; ويعجبون من هذا الرسول الذي ينبئهم بهذا الأمر الغريب.
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون؟ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هيهات هيهات لما توعدون: nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إن هي إلا حياتنا الدنيا، نموت ونحيا، وما نحن بمبعوثين ..
ومثل هؤلاء لا يمكن أن يدركوا حكمة الحياة الكبرى; ودقة التدبير في أطوارها للوصول بها إلى غايتها البعيدة. هذه الغاية التي لا تتحقق بكمالها في هذه الأرض. فالخير لا يلقى جزاءه الكامل في الحياة الدنيا.
والشر كذلك. إنما يستكملان هذا الجزاء هنالك، حيث يصل المؤمنون الصالحون إلى قمة الحياة المثلى، التي لا خوف فيها ولا نصب، ولا تحول فيها ولا زوال - إلا أن يشاء الله - ويصل المرتكسون المنتكسون إلى درك الحياة السفلية التي تهدر فيها آدميتهم، ويرتدون فيها أحجارا، أو كالأحجار!
مثل هؤلاء لا يدركون هذه المعاني; ولا يستدلون من أطوار الحياة الأولى - التي سبقت في السورة - على أطوارها الأخيرة; ولا ينتبهون إلى أن القوة المدبرة لتلك الأطوار لا تقف بالحياة عند مرحلة الموت والبلى كما يظنون.. لذلك هم يستعجبون ويعجبون من ذلك الذي يعدهم أنهم مخرجون; ويستبعدون في جهالة أن ذلك يكون; ويجزمون في تبجح بأن ليس هنالك إلا حياة واحدة وموت واحد. يموت جيل ويحيا بعده جيل. فأما الذين ماتوا، وصاروا ترابا وعظاما، فهيهات هيهات الحياة لهم، كما يقول ذلك الرجل الغريب! وهيهات هيهات البعث الذي يعدهم به، وقد صاروا عظاما ورفاتا!
ثم إنهم لا يقفون عند هذه الجهالة، والغفلة عن تدبر حكمة الحياة التي تكشف عنها أطوارها الأولى.. لا يقفون عند هذه الجهالة، إنما هم يتهمون رسولهم بالافتراء على الله. ولا يعرفون الله إلا في هذه اللحظة، ولهذا الغرض من اتهام الرسول:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا، وما نحن له بمؤمنين ..
عندئذ لم يجد الرسول إلا أن يستنصر ربه كما استنصره من قبله
نوح . وبالعبارة ذاتها التي توجه بها إلى ربه
نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39قال: رب انصرني بما كذبون ..
[ ص: 2468 ] وعندئذ وقعت الاستجابة، بعد أن استوفى القوم أجلهم; ولم يعد فيهم خير يرجى بعد العناد والغفلة والتكذيب:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قال: عما قليل ليصبحن نادمين ..
ولكن حيث لا ينفع الندم، ولا يجدي المتاب:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فأخذتهم الصيحة بالحق، فجعلناهم غثاء ..
والغثاء ما يجرفه السيل من حشائش وأعشاب وأشياء مبعثرة، لا خير فيها، ولا قيمة لها، ولا رابط بينها.. وهؤلاء لما تخلوا عن الخصائص التي كرمهم الله بها، وغفلوا عن حكمة وجودهم في الحياة الدنيا، وقطعوا ما بينهم وبين الملإ الأعلى.. لم يبق فيهم ما يستحق التكريم; فإذا هم غثاء كغثاء السيل، ملقى بلا احتفال ولا اهتمام وذلك من فرائد التعبير القرآني الدقيق.
ويزيدهم على هذه المهانة، الطرد من رحمة الله، والبعد عن اهتمام الناس:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فبعدا للقوم الظالمين ..
بعدا في الحياة وفي الذكرى. في عالم الواقع وفي عالم الضمير..
nindex.php?page=treesubj&link=28994_28639_28662_33953_34189nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. أَفَلا تَتَّقُونَ؟ nindex.php?page=treesubj&link=28994_30549_30578_30614_31788_31791_32024_33953nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ. nindex.php?page=treesubj&link=28994_31788_31791_32024_33953_34167nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=25إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ، فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ..
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59يَا قَوْمٍ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إله غَيْرُهُ .. كَلِمَةُ الْحَقِّ الَّتِي لَا تَتَبَدَّلُ، يَقُومُ عَلَيْهَا الْوُجُودُ، وَيَشْهَدُ بِهَا كُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=23أَفَلا تَتَّقُونَ؟ وَتَخَافُونَ عَاقِبَةَ الْإِنْكَارِ لِلْحَقِيقَةِ الْأُولَى الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْحَقَائِقُ جَمِيعًا؟ وَتَسْتَشْعِرُونَ مَا فِي إِنْكَارِهَا مَنْ تَجَنٍّ عَلَى الْحَقِّ الْبَاهِرِ، وَمَا يَعْقُبُ التَّجَنِّي مِنَ اسْتِحْقَاقٍ لِلْعَذَابِ الْأَلِيمِ؟
وَلَكِنَّ كُبَرَاءَ قَوْمِهِ مِنَ الْكُفَّارِ لَا يُنَاقِشُونَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ; وَلَا يَتَدَبَّرُونَ شَوَاهِدَهَا، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ التَّخَلُّصَ مِنَ النَّظْرَةِ الضَّيِّقَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَشْخَاصِهِمْ وَبِشَخْصِ الرَّجُلِ الَّذِي يَدْعُوهُمْ، وَلَا يَرْتَفِعُونَ إِلَى الْأُفُقِ الطَّلِيقِ الَّذِي يَنْظُرُونَ مِنْهُ إِلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الضَّخْمَةِ مُجَرَّدَةً عَنِ الْأَشْخَاصِ وَالذَّوَاتِ.. فَإِذَا هُمْ يَتْرُكُونَ الْحَقِيقَةَ الْكُبْرَى الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْوُجُودُ، وَيَشْهَدُ بِهَا كُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ، لِيَتَحَدَّثُوا عَنْ شَخْصِ
نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ !
مِنْ هَذِهِ الزَّاوِيَةِ الضَّيِّقَةِ الصَّغِيرَةِ نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى تِلْكَ الدَّعْوَةِ الْكَبِيرَةِ، فَمَا كَانُوا إِذَنْ لِيُدْرِكُوا طَبِيعَتَهَا وَلَا لِيَرَوْا حَقِيقَتَهَا; وَذَوَاتُهُمُ الصَّغِيرَةُ الضَّئِيلَةُ تَحْجُبُ عَنْهُمْ جَوْهَرَهَا، وَتُعْمِي عَلَيْهِمْ عُنْصُرَهَا، وَتَقِفُ حَائِلًا بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَبَيْنَهَا; فَإِذَا الْقَضِيَّةُ كُلُّهَا فِي نَظَرِهِمْ قَضِيَّةُ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَا يَفْتَرِقُ فِي شَيْءٍ عَنْهُمْ، يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَ لِنَفْسِهِ مَنْزِلَةً فَوْقَ مَنْزِلَتِهِمْ!
وَهُمْ فِي انْدِفَاعِهِمُ الصَّغِيرِ لِرَدِّ
نُوحٍ عَنِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يَعْمَلُ لَهَا، وَيَتَوَسَّلُ إِلَيْهَا بِدَعْوَى الرِّسَالَةِ.. فِي انْدِفَاعِهِمْ هَذَا الصَّغِيرِ لَا يَرُدُّونَ فَضْلَ
نُوحٍ وَحْدَهُ، بَلْ يَرُدُّونَ فَضْلَ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي هُمْ مِنْهَا; وَيَرْفُضُونَ تَكْرِيمَ اللَّهِ لِهَذَا الْجِنْسِ; وَيَسْتَكْثِرُونَ أَنْ يُرْسِلَ اللَّهُ رَسُولًا مِنَ الْبَشَرِ، إِنْ يَكُنْ لَا بُدَّ مُرْسَلًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً ..
ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِي أَرْوَاحِهِمْ تِلْكَ النَّفْحَةَ الْعُلْوِيَّةَ الَّتِي تَصِلُ الْبَشَرَ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى; وَتَجْعَلُ الْمُخْتَارِينَ مِنَ الْبَشَرِيَّةِ يَتَلَقَّوْنَ ذَلِكَ الْفَيْضَ الْعُلْوِيَّ وَيُطِيقُونَهُ، وَيَحْمِلُونَهُ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ، فَيَهْدُونَهُمْ إِلَى مَصْدَرِهِ الْوَضِيءِ.
وَهُمْ يُحِيلُونَ الْأَمْرَ إِلَى السَّوَابِقِ الْمَأْلُوفَةِ لَا إِلَى الْعَقْلِ الْمُتَدَبِّرِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ ..
وَمَثَلُ هَذَا يَقَعُ دَائِمًا عِنْدَ مَا يَطْمِسُ التَّقْلِيدُ عَلَى حَرَكَةِ الْفِكْرِ وَحُرِّيَّةِ الْقَلْبِ. فَلَا يَتَدَبَّرُ النَّاسُ مَا هُوَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الْقَضَايَا، لِيَهْتَدُوا عَلَى ضَوْءِ الْوَاقِعِ إِلَى حَكَمٍ مُبَاشِرٍ عَلَيْهَا. إِنَّمَا هُمْ يَبْحَثُونَ فِي رُكَامِ الْمَاضِي عَنْ "سَابِقَةٍ" يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهَا; فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا هَذِهِ السَّابِقَةَ رَفَضُوا الْقَضِيَّةَ وَطَرَحُوهَا!
[ ص: 2465 ] وَعِنْدَ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ الْجَاحِدَةِ الْخَامِدَةِ أَنَّ مَا كَانَ مَرَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَانِيَةً. فَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ! وَهَكَذَا تَجْمُدُ الْحَيَاةُ، وَتَقِفُ حَرَكَتُهَا، وَتَتَسَمَّرُ خُطَاهَا، عِنْدَ جِيلٍ مُعِينٍ مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=24آبَائِنَا الأَوَّلِينَ !
وَيَا لَيْتَهُمْ يُدْرِكُونَ أَنَّهُمْ جَامِدُونَ مُتَحَجِّرُونَ، إِنَّمَا هُمْ يَتَّهِمُونَ دُعَاةَ التَّحَرُّرِ وَالِانْطِلَاقِ بِالْجُنُونِ. وَهُمْ يَدْعُونَهُمْ إِلَى التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ، وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَدَلَائِلِ الْإِيمَانِ النَّاطِقَةِ فِي الْوُجُودِ. فَإِذَا هُمْ يَتَلَقَّوْنَ هَذِهِ الدَّعْوَةَ بِالتَّبَجُّحِ وَالِاتِّهَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=25إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ، فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ ..
أَيْ إِلَى أَنْ يَأْخُذَهُ الْمَوْتُ، وَيُرِيحَكُمْ مِنْهُ، وَمِنْ دَعْوَتِهِ، وَمِنْ إِلْحَاحِهِ عَلَيْكُمْ بِالْقَوْلِ الْجَدِيدِ!
عِنْدَئِذٍ لَمْ يَجِدْ
نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْفَذًا إِلَى تِلْكَ الْقُلُوبِ الْجَامِدَةِ الْمُتَحَجِّرَةِ; وَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَوْئِلًا مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=19039السُّخْرِيَةِ وَالْأَذَى، إِلَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ وَحْدَهُ، يَشْكُو إِلَيْهِ مَا لَقِيَهُ مِنْ تَكْذِيبٍ وَيَطْلُبُ مِنْهُ النَّصْرَ بِسَبَبِ هَذَا التَّكْذِيبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=26قَالَ: رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ..
وَعِنْدَ مَا يَتَجَمَّدُ الْأَحْيَاءُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، وَتَهُمُّ الْحَيَاةُ بِالْحَرَكَةِ إِلَى الْأَمَامِ، فِي طَرِيقِ الْكَمَالِ الْمَرْسُومِ، فَتَجِدُهُمْ عَقَبَةً فِي الطَّرِيقِ.. عِنْدَئِذٍ إِمَّا أَنْ تَتَحَطَّمَ هَذِهِ الْمُتَحَجِّرَاتُ; وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا الْحَيَاةُ فِي مَكَانِهَا وَتَمْضِيَ.. وَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي حَدَثَ لِقَوْمِ
نُوحٍ . ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي فَجْرِ الْبَشَرِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الطَّرِيقِ; فَشَاءَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ أَنْ تُطِيحَ بِهِمْ مِنَ الطَّرِيقِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا، فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَأَهْلَكَ - إِلا مِنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ - وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا. إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ..
وَهَكَذَا مَضَتْ سُنَّةُ اللَّهِ فِي تَطْهِيرِ الطَّرِيقِ مِنَ الْعَقَبَاتِ الْمُتَحَجِّرَةِ لِتَمْضِيَ الْحَيَاةُ فِي طَرِيقِهَا الْمَرْسُومِ. وَلِمَّا كَانَتِ الْبَشَرِيَّةُ قَدْ أَسِنَتْ عَلَى عَهْدِ
نُوحٍ ، وَجَمُدَتْ كَالشَّجَرَةِ النَّاشِئَةِ تَعُوقُهَا الْآفَةُ عَنِ النُّمُوِّ فَتَيْبَسُ وَتَعْجِزُ وَهِيَ رَقِيقَةُ الْعُودِ.. كَانَ الْعِلَاجُ هُوَ الطُّوفَانُ، الَّذِي يَجْتَبُّ كُلَّ شَيْءٍ، وَيَجْرُفُ كُلَّ شَيْءٍ. وَيَغْسِلُ التُّرْبَةَ، لِتُعَادَ بِذَرَّةِ الْحَيَاةِ السَّلِيمَةِ مِنْ جَدِيدٍ، فَتَنْشَأُ عَلَى نَظَافَةٍ، فَتَمْتَدُّ وَتَكْبُرُ حَتَّى حِينٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا .. وَالْفُلْكُ وَسِيلَةٌ لِلنَّجَاةِ مِنَ الطُّوفَانِ، وَلِحِفْظِ بُذُورِ الْحَيَاةِ السَّلِيمَةِ كَمَا يُعَادُ بَذْرُهَا مِنْ جَدِيدٍ. وَقَدْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَصْنَعَ
نُوحٌ الْفُلْكَ بِيَدِهِ. لَأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِلِ، وَبَذْلِ آخَرَ مَا فِي طَوْقِهِ، لِيَسْتَحِقَّ الْمَدَدَ مِنْ رَبِّهِ. فَالْمَدَدُ لَا يَأْتِي لِلْقَاعِدِينَ الْمُسْتَرِيحِينَ الْمُسْتَرْخِينَ، الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَ وَلَا يَزِيدُونَ شَيْئًا عَلَى الِانْتِظَارِ!
وَنُوحٌ قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَكُونَ أَبَا الْبَشَرِ الثَّانِي; فَدَفَعَ بِهِ إِلَى الْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ; مَعَ رِعَايَةِ اللَّهِ لَهُ، وَتَعْلِيمِهِ صِنَاعَةَ الْفُلْكِ، لِيَتِمَّ أَمْرُ اللَّهِ، وَتَتَحَقَّقَ مَشِيئَتُهُ عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ.
وَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ عَلَّامَةً لِلْبَدْءِ بِعَمَلِيَّةِ التَّطْهِيرِ الشَّامِلَةِ لِوَجْهِ الْأَرْضِ الْمَؤُوفِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ، وَانْبَجَسَ مِنْهُ الْمَاءُ، فَتِلْكَ هِيَ الْعَلَامَةُ لِيُسَارِعَ
نُوحٌ ، فَيَحْمِلُ فِي السَّفِينَةِ بُذُورَ الْحَيَاةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ .. مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ وَالطُّيُورِ وَالنَّبَاتِ الْمَعْرُوفَةِ
لِنُوحٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، الْمُيَسَّرَةِ كَذَلِكَ لِبَنِي
[ ص: 2466 ] الْإِنْسَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَهْمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا، فَاسْتَحَقُّوا كَلِمَةَ اللَّهِ السَّابِقَةَ، وَسُنَّتَهُ النَّافِذَةَ، وَهِيَ الْهَلَاكُ لِلْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ.
وَصَدَرَ الْأَمْرُ الْأَخِيرُ
لِنُوحٍ أَلَّا يُجَادِلَ فِي أَمْرِ أَحَدٍ، وَلَا يُحَاوِلَ إِنْقَاذَ أَحَدٍ - وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ الْأَقْرَبِينَ إِلَيْهِ - مِمَّنْ سَبَقَ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ .
فَسُنَّةُ اللَّهِ لَا تُحَابِي، وَلَا تَنْحَرِفُ عَنْ طَرِيقِهَا الْوَاحِدِ الْمُسْتَقِيمِ، مِنْ أَجْلِ خَاطِرِ وَلِيٍّ وَلَا قَرِيبٍ!
وَلَا يُفَصِّلُ هُنَا مَا حَدَثَ لِلْقَوْمِ بَعْدَ هَذَا الْأَمْرِ. فَقَدْ قُضِيَ الْأَمْرُ، وَتَقَرَّرَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=27إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ وَلَكِنَّهُ يَمْضِي فِي تَعْلِيمِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَيْفَ يَشْكُرُ نِعْمَةَ رَبِّهِ، وَكَيْفَ يَحْمَدُ فَضْلَهُ، وَكَيْفَ يَسْتَهْدِيهِ طَرِيقَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=28فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ، فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=29وَقُلْ: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ..
فَهَكَذَا يَحْمَدُ اللَّهَ، وَهَكَذَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، وَهَكَذَا يُوصِفُ - سُبْحَانَهُ - بِصِفَاتِهِ، وَيَعْتَرِفُ لَهُ بِآيَاتِهِ. وَهَكَذَا يَتَأَدَّبُ فِي حَقِّهِ الْعِبَادُ، وَفِي طَلِيعَتِهِمُ النَّبِيُّونَ، لِيَكُونُوا أُسْوَةً لِلْآخَرِينَ.
ثُمَّ يُعَقِّبُ عَلَى الْقِصَّةِ كُلِّهَا، وَمَا تَتَضَمَّنُهُ خُطُوَاتُهَا مِنْ دَلَائِلِ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=30إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ، وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ..
وَالِابْتِلَاءُ أَلْوَانٌ. ابْتِلَاءٌ لِلصَّبْرِ. وَابْتِلَاءٌ لِلشُّكْرِ. وَابْتِلَاءٌ لِلْأَجْرِ. وَابْتِلَاءٌ لِلتَّوْجِيهِ. وَابْتِلَاءٌ لِلتَّأْدِيبِ. وَابْتِلَاءٌ لِلتَّمْحِيصِ. وَابْتِلَاءٌ لِلتَّقْوِيمِ.. وَفِي قِصَّةِ
نُوحٍ أَلْوَانٌ مِنَ الِابْتِلَاءِ لَهُ وَلِقَوْمِهِ وَلِأَبْنَائِهِ الْقَادِمِينَ..
وَيَمْضِي السِّيَاقُ يَعْرِضُ مَشْهَدًا آخَرَ مِنْ مَشَاهِدِ الرِّسَالَةِ الْوَاحِدَةِ وَالتَّكْذِيبِ الْمَكْرُورِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. أَفَلا تَتَّقُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ، وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ، وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ! nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا، وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39قَالَ: رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قَالَ: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً. فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ..
إِنَّ اسْتِعْرَاضَ قَصَصِ الرُّسُلِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لَيْسَ لِلتَّقَصِّي وَالتَّفْصِيلِ; إِنَّمَا هُوَ لِتَقْرِيرِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْجَمِيعُ، وَالِاسْتِقْبَالِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَقَوْهُ مِنَ الْجَمِيعِ. وَمِنْ ثَمَّ بَدَأَ بِذِكْرِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِيُحَدِّدَ نُقْطَةَ الْبَدْءِ وَانْتَهَى
بِمُوسَى وَعِيسَى لِيُحَدِّدَ النُّقْطَةَ الْأَخِيرَةَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ الْأَخِيرَةِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَسْمَاءَ فِي وَسَطِ السِّلْسِلَةِ الطَّوِيلَةِ، كَيْ يَدُلَّ عَلَى تَشَابُهِ حَلَقَاتِهَا بَيْنَ الْبَدْءِ وَالنِّهَايَةِ. إِنَّمَا ذَكَرَ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ وَالِاسْتِقْبَالَ الْوَاحِدِ، لَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=31ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ .. لَمْ يُحَدِّدْ مِنْ هُمْ. وَهُمْ عَلَى الْأَرْجَحِ
عَادٌ قَوْمُ
هُودٍ.. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=32فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. أَفَلا تَتَّقُونَ؟ .. ذَاتُ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ
[ ص: 2467 ] الَّتِي قَالَهَا مِنْ قَبْلِهِ
نُوحٌ . يَحْكِيهَا بِالْأَلْفَاظِ ذَاتِهَا، مَعَ اخْتِلَافِ اللُّغَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَتَخَاطَبُ بِهَا الْقُرُونُ!
فَمَاذَا كَانَ الْجَوَابُ؟
إِنَّهُ الْجَوَابُ ذَاتُهُ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ، وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ. nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=34وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ..
فَالِاعْتِرَاضُ الْمَكْرُورُ هُوَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى بَشَرِيَّةِ الرَّسُولِ. وَهُوَ الِاعْتِرَاضُ النَّاشِئُ مِنَ انْقِطَاعِ الصِّلَةِ بَيْنَ قُلُوبِ هَؤُلَاءِ الْكُبَرَاءِ الْمُتْرَفِينَ، وَبَيْنَ النَّفْخَةِ الْعُلْوِيَّةِ الَّتِي تَصِلُ الْإِنْسَانَ بِخَالِقِهِ الْكَرِيمِ.
وَالتَّرَفُ يُفْسِدُ الْفِطْرَةَ، وَيُغْلِّظُ الْمَشَاعِرَ، وَيَسُدُّ الْمَنَافِذَ، وَيُفْقِدُ الْقُلُوبَ تِلْكَ الْحَسَاسِيَةَ الْمُرْهَفَةَ الَّتِي تَتَلَقَّى وَتَتَأَثَّرُ وَتَسْتَجِيبُ. وَمِنْ هُنَا يُحَارِبُ الْإِسْلَامُ التَّرَفَ; وَيُقِيمُ نُظُمَهُ الِاجْتِمَاعِيَّةَ عَلَى أَسَاسٍ لَا يَسْمَحُ لِلْمُتْرَفِينَ بِالْوُجُودِ فِي الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ، لَأَنَّهُمْ كَالْعَفِنِ يُفْسِدُ مَا حَوْلَهُ، حَتَّى لَيَنْخُرَ فِيهِ السُّوسُ، وَيَسْبَحَ فِيهِ الدُّودُ!
ثُمَّ يَزِيدُ الْمُتْرَفُونَ هُنَا إِنْكَارَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبِلَى; وَيَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الرَّسُولِ الَّذِي يُنْبِئُهُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ الْغَرِيبِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=35أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ؟ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=36هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ: nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=37إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا، نَمُوتُ وَنَحْيَا، وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ..
وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرِكُوا حِكْمَةَ الْحَيَاةِ الْكُبْرَى; وَدِقَّةَ التَّدْبِيرِ فِي أَطْوَارِهَا لِلْوُصُولِ بِهَا إِلَى غَايَتِهَا الْبَعِيدَةِ. هَذِهِ الْغَايَةُ الَّتِي لَا تَتَحَقَّقُ بِكَمَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ. فَالْخَيْرُ لَا يَلْقَى جَزَاءَهُ الْكَامِلَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَالشَّرُّ كَذَلِكَ. إِنَّمَا يَسْتَكْمِلَانِ هَذَا الْجَزَاءَ هُنَالِكَ، حَيْثُ يَصِلُ الْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ إِلَى قِمَّةِ الْحَيَاةِ الْمُثْلَى، الَّتِي لَا خَوْفَ فِيهَا وَلَا نَصَبَ، وَلَا تَحَوُّلَ فِيهَا وَلَا زَوَالَ - إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ - وَيَصِلُ الْمُرْتَكِسُونَ الْمُنْتَكِسُونَ إِلَى دَرْكِ الْحَيَاةِ السُّفْلِيَّةِ الَّتِي تُهْدِرُ فِيهَا آدَمِيَّتُهُمْ، وَيَرْتَدُّونَ فِيهَا أَحْجَارًا، أَوْ كَالْأَحْجَارِ!
مِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يُدْرِكُونَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ; وَلَا يَسْتَدِلُّونَ مِنْ أَطْوَارِ الْحَيَاةِ الْأُولَى - الَّتِي سَبَقَتْ فِي السُّورَةِ - عَلَى أَطْوَارِهَا الْأَخِيرَةِ; وَلَا يَنْتَبِهُونَ إِلَى أَنَّ الْقُوَّةَ الْمُدَبِّرَةَ لِتِلْكَ الْأَطْوَارِ لَا تَقِفُ بِالْحَيَاةِ عِنْدَ مَرْحَلَةِ الْمَوْتِ وَالْبِلَى كَمَا يَظُنُّونَ.. لِذَلِكَ هُمْ يَسْتَعْجِبُونَ وَيَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي يَعِدُهُمْ أَنَّهُمْ مُخْرِجُونَ; وَيَسْتَبْعِدُونَ فِي جَهَالَةٍ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ; وَيَجْزِمُونَ فِي تَبَجُّحٍ بِأَنْ لَيْسَ هُنَالِكَ إِلَّا حَيَاةٌ وَاحِدَةٌ وَمَوْتٌ وَاحِدٌ. يَمُوتُ جِيلٌ وَيَحْيَا بَعْدَهُ جِيلٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ مَاتُوا، وَصَارُوا تُرَابًا وَعِظَامًا، فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الْحَيَاةُ لَهُمْ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْغَرِيبُ! وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الْبَعْثُ الَّذِي يَعِدُهُمْ بِهِ، وَقَدْ صَارُوا عِظَامًا وَرُفَاتًا!
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَا يَقِفُونَ عِنْدَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ، وَالْغَفْلَةِ عَنْ تَدَبُّرِ حِكْمَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي تَكْشِفُ عَنْهَا أَطْوَارُهَا الْأُولَى.. لَا يَقِفُونَ عِنْدَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ، إِنَّمَا هُمْ يَتَّهِمُونَ رَسُولَهَمْ بِالِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ. وَلَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ إِلَّا فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ، وَلِهَذَا الْغَرَضِ مِنَ اتِّهَامِ الرَّسُولِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=38إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ..
عِنْدَئِذٍ لَمْ يَجِدِ الرَّسُولُ إِلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرَ رَبَّهُ كَمَا اسْتَنْصَرَهُ مِنْ قَبْلِهِ
نُوحٌ . وَبِالْعِبَارَةِ ذَاتِهَا الَّتِي تَوَجَّهَ بِهَا إِلَى رَبِّهِ
نُوحٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=39قَالَ: رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ..
[ ص: 2468 ] وَعِنْدَئِذٍ وَقَعَتِ الِاسْتِجَابَةُ، بَعْدَ أَنِ اسْتَوْفَى الْقَوْمُ أَجَلَهُمْ; وَلَمْ يَعُدْ فِيهِمْ خَيْرٌ يُرْجَى بَعْدَ الْعِنَادِ وَالْغَفْلَةِ وَالتَّكْذِيبِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=40قَالَ: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ..
وَلَكِنْ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ، وَلَا يُجْدِي الْمَتَابُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ، فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً ..
وَالْغُثَاءُ مَا يَجْرُفُهُ السَّيْلُ مِنْ حَشَائِشَ وَأَعْشَابٍ وَأَشْيَاءَ مُبَعْثَرَةٍ، لَا خَيْرَ فِيهَا، وَلَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَا رَابِطَ بَيْنَهَا.. وَهَؤُلَاءِ لِمَا تَخَلَّوْا عَنِ الْخَصَائِصِ الَّتِي كَرَّمَهُمُ اللَّهُ بِهَا، وَغَفَلُوا عَنْ حِكْمَةِ وُجُودِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَقَطَعُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَلَإِ الْأَعْلَى.. لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مَا يَسْتَحِقُّ التَّكْرِيمَ; فَإِذَا هُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، مُلْقًى بِلَا احْتِفَالٍ وَلَا اهْتِمَامٍ وَذَلِكَ مِنْ فَرَائِدِ التَّعْبِيرِ الْقُرْآنِيِّ الدَّقِيقِ.
وَيَزِيدُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمَهَانَةِ، الطَّرْدَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْبُعْدَ عَنِ اهْتِمَامِ النَّاسِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=41فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ..
بُعْدًا فِي الْحَيَاةِ وَفِي الذِّكْرَى. فِي عَالَمِ الْوَاقِعِ وَفِي عَالَمِ الضَّمِيرِ..