الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          لوم

                                                          لوم : اللوم واللوماء واللومى واللائمة : العدل . لامه على كذا يلومه لوما وملاما وملامة ولومة ، فهو ملوم ومليم : استحق اللوم : حكاها سيبويه قال : وإنما عدلوا إلى الياء ، والكسرة استثقالا للواو مع الضمة . وألامه ولومه وألمته : بمعنى لمته ؛ قال معقل بن خويلد الهذلي :


                                                          حمدت الله أن أمسى ربيع بدار الهون ، ملحيا ملاما



                                                          قال أبو عبيدة : لمت الرجل وألمته بمعنى واحد ؛ وأنشد بيت معقر أيضا ، وقال عنترة :


                                                          ربذ يداه بالقداح إذا شتا     هتاك غايات التجار ملوم



                                                          أي يكرم كرما يلام من أجله ، ولومه شدد للمبالغة . واللوم : جمع اللائم مثل راكع وركع . وقوم لوام ولوم وليم : غيرت الواو لقربها من الطرف . وألام الرجل : أتى ما يلام عليه . قال سيبويه : ألام صار ذا لائمة . ولامه : أخبر بأمره . واستلام الرجل إلى الناس أي استذم . واستلام إليهم : أتى إليهم ما يلومونه عليه ؛ قال القطامي :


                                                          فمن يكن استلام إلى نوي     فقد أكرمت يا زفر المتاعا



                                                          التهذيب : ألام الرجل ، فهو مليم إذا أتى ذنبا يلام عليه ، قال الله تعالى : فالتقمه الحوت وهو مليم ؛ وفي النوادر : لامني فلان فالتمت ، ومعضني فامتعضت ، وعذلني فاعتذلت ، وحضني فاحتضضت ، وأمرني فأتمرت إذا قبل قوله منه . ورجل لومة : يلومه الناس . ولومة : يلوم الناس مثل هزأة وهزأة . ورجل لومة : لوام ، يطرد عليه باب . . . ولاومته : لمته ولامني . وتلاوم الرجلان : لام كل واحد منهما صاحبه . وجاء بلومة أي ما يلام عليه . والملاومة : أن تلوم رجلا ويلومك . وتلاوموا : لام بعضهم بعضا ؛ وفي الحديث : فتلاوموا بينهم أي لام بعضهم بعضا ، وهي مفاعلة من لامه يلومه لوما إذا عذله وعنفه . وفي حديث ابن عباس : فتلاومنا . وتلوم في الأمر : تمكث وانتظر . ولي فيه لومة أي تلوم . ابن بزرج : التلوم التنظر للأمر تريده . والتلوم : الانتظار والتلبث . وفي حديث عمرو بن سلمة الجرمي : وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح أي تنتظر ، وأراد تتلوم فحذف إحدى التاءين تخفيفا ، وهو كثير في كلامهم . وفي حديث علي عليه السلام : إذا أجنب في السفر تلوم ما بينه وبين آخر الوقت أي انتظر وتلوم على الأمر يريده . وتلوم على لوامته أي حاجته . ويقال : قضى القوم لوامات لهم وهي الحاجات ، واحدتها لوامة . وفي الحديث : بئس - لعمر الله - عمل الشيخ المتوسم والشاب المتلوم أي المتعرض للأئمة في الفعل السيئ ، ويجوز أن يكون من اللومة ، وهي الحاجة أي المنتظر لقضائها . وليم بالرجل : قطع . واللومة : الشهدة . واللامة واللام ، بغير همز ؛ واللوم : الهول ؛ وأنشد للمتلمس :


                                                          ويكاد من لام يطير فؤادها



                                                          واللام : الشديد من كل شيء ؛ قال ابن سيده : وأراه قد تقدم في الهمز . قال أبو الدقيش : اللام القرب ، وقال أبو خيرة : اللام من قول القائل لام ، كما يقول الصائت أيا أيا إذا سمعت الناقة ذلك طارت من حدة قلبها ؛ قال : وقول أبي الدقيش أوفق لمعنى المتنكس في البيت لأنه قال :


                                                          ويكاد من لام يطير فؤادها     إذ مر مكاء الضحى المتنكس



                                                          قال أبو منصور : وحكى ابن الأعرابي أنه قال اللام الشخص في بيت المتلمس . يقال : رأيت لامه أي شخصه . ابن الأعرابي : اللوم كثرة اللوم . قال الفراء : ومن العرب من يقول المليم بمعنى الملوم ؛ قال أبو منصور : من قال مليم بناه على ليم . واللائمة : الملامة ، وكذلك اللومى على فعلى . يقال : ما زلت أتجرع منك اللوائم . والملاوم : جمع الملامة . واللامة : الأمر يلام عليه . يقال : لام فلان غير مليم . وفي المثل : رب لائم مليم ؛ قالته أم عمير بن سلمى الحنفي تخاطب [ ص: 256 ] ولدها عميرا ، وكان أسلم أخاه لرجل كلابي له عليه دم فقتله ، فعاتبته أمه في ذلك وقالت :


                                                          تعد معاذرا لا عذر فيها     ومن يخذل أخاه فقد ألاما



                                                          قال ابن بري : وعذره الذي اعتذر به أن الكلابي التجأ إلى قبر سلمى أبي عمير ، فقال لها عمير :


                                                          قتلنا أخانا للوفاء بجارنا     وكان أبونا قد تجير مقابره



                                                          وقال لبيد :


                                                          سفها عذلت ولمت غير مليم     وهداك قبل اليوم غير حكيم



                                                          ولام الإنسان : شخصه ، غير مهموز ؛ قال الراجز

                                                          :

                                                          مهرية تخظر في زمامها     لم يبق منها السير غير لامها



                                                          وقوله في حديث ابنأم مكتوم : ولي قائد لا يلاومني ؛ قال ابن الأثير : كذا جاء في رواية بالواو ، وأصله الهمز من الملاءمة وهي الموافقة ؛ يقال : هو يلائمني بالهمز ثم يخفف فيصير ياء ، قال : وأما الواو فلا وجه لها إلا أن تكون يفاعلني من اللوم ولا معنى له في هذا الحديث . وقول عمر في حديثه : لوما أبقيت أي هلا أبقيت ، وهي حرف من حروف المعاني معناها التحضيض كقوله تعالى : لو ما تأتينا بالملائكة .

                                                          واللام : حرف هجاء وهو حرف مجهور ، يكون أصلا وبدلا وزائدا . قال ابن سيده : وإنما قضيت على أن عينها منقلبة عن واو لما تقدم في أخواتها مما عينه ألف . قال الأزهري : قال النحويون : لومت لاما أي : كتبته كما يقال : كوفت كافا . قال الأزهري : في باب لفيف حرف اللام قال : نبدأ بالحروف التي جاءت لمعان من باب اللام لحاجة الناس إلى معرفتها ، فمنها اللام التي توصل بها الأسماء والأفعال ، ولها فيها معان كثيرة : فمنها لام الملك كقولك : هذا المال لزيد ، وهذا الفرس لمحمد ، ومن النحويين من يسميها لام الإضافة ، سميت لام الملك لأنك إذا قلت : إن هذا لزيد علم أنه ملكه ، فإذا اتصلت هذه اللام بالمكني عنه نصبت كقولك : هذا المال له ولنا ولك ولها ولهما ولهم ، وإنما فتحت مع الكنايات لأن هذه اللام في الأصل مفتوحة ، وإنما كسرت مع الأسماء ليفصل بين لام القسم وبين لام الإضافة ، ألا ترى أنك لو قلت : إن هذا المال لزيد علم أنه ملكه ؟ ولو قلت : إن هذا لزيد علم أن المشار إليه هو زيد فكسرت ليفرق بينهما ، وإذا قلت : المال لك ، فتحت لأن اللبس قد زال ، قال : وهذا قول الخليل ويونس والبصريين . ( لام كي ) : كقولك : جئت لتقوم يا هذا ، سميت لام كي لأن معناها جئت لكي تقوم ، ومعناه : معنى لام الإضافة أيضا ، وكذلك كسرت لأن المعنى جئت لقيامك . وقال الفراء في قوله عز وجل : ربنا ليضلوا عن سبيلك ؛ هي لام كي ، المعنى : يا رب أعطيتهم ما أعطيتهم ليضلوا عن سبيلك ؛ وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : الاختيار أن تكون هذه اللام وما أشبهها بتأويل الخفض ، المعنى : آتيتهم ما آتيتهم لضلالهم ، وكذلك قوله : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم ؛ معناه : لكونه لأنه قد آلت الحال إلى ذلك ، قال : والعرب تقول : لام كي في معنى لام الخفض ، ولام الخفض في معنى لام كي لتقارب المعنى ؛ قال الله تعالى : يحلفون لكم لترضوا عنهم ؛ المعنى : لإعراضكم عنهم وهم لم يحلفوا لكي تعرضوا ، وإنما حلفوا لإعراضهم عنهم ؛ وأنشد :


                                                          سموت ولم تكن أهلا لتسمو     ولكن المضيع قد يصاب



                                                          أراد : ما كنت أهلا للسمو . وقال أبو حاتم : في قوله تعالى : ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ؛ اللام في ليجزيهم لام اليمين كأنه قال : ليجزينهم الله ، فحذف النون ، وكسروا اللام وكانت مفتوحة ، فأشبهت في اللفظ لام كي فنصبوا بها كما نصبوا بلام كي . وكذلك قال في قوله تعالى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؛ المعنى : ليغفرن الله لك ؛ قال ابن الأنباري : هذا الذي قاله أبو حاتم غلط لأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها ، ولو جاز أن يكون معنى ليجزيهم الله : ليجزينهم الله لقلنا : والله ليقوم زيد ، بتأويل : والله ليقومن زيد ، وهذا معدوم في كلام العرب ، واحتج بأن العرب تقول في التعجب : أظرف بزيد ، فيجزمونه لشبهه بلفظ الأمر ، وليس هذا بمنزلة ذلك لأن التعجب عدل إلى لفظ الأمر ، ولام اليمين لم توجد مكسورة قط في حال ظهور اليمين ولا في حال إضمارها ؛ واحتج من احتج لأبي حاتم بقوله : إذا هو آلى حلفة قلت مثلها ، لتغني عني ذا أتى بك أجمعا

                                                          قال : أراد لتغنين ، فأسقط النون وكسر اللام ؛ قال أبو بكر : وهذه رواية غير معروفة وإنما رواه الرواة : إذا هو آلى حلفة قلت مثلها لتغنن عني ذا أتى بك أجمعا

                                                          قال الفراء : أصله لتغنين فأسكن الياء على لغة الذين يقولون : رأيت قاض ورام ، فلما سكنت سقطت لسكونها وسكون النون الأولى ، قال : ومن العرب من يقول : اقضن يا رجل ، وابكن يا رجل ، والكلام الجيد : اقضين وابكين ؛ وأنشد :


                                                          يا عمرو أحسن نوال الله بالرشد     واقرأ سلاما على الأنقاء والثمد
                                                          وابكن عيشا تولى بعد جدته     طابت أصائله في ذلك البلدر



                                                          قال أبو منصور : والقول ما قال ابن الأنباري . قال أبو بكر : سألت أبا العباس عن اللام في قوله عز وجل : ليغفر لك الله ، قال : هي لام كي ، معناها : إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح ، فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث واقع حسن معنى كي . وكذلك قوله : ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، هي لام كي تتصل بقوله : لا يعزب عنه مثقال ذرة ، إلى قوله : في كتاب مبين أحصاه عليهم لكي يجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته . ( لام الأمر ) : وهو كقولك : ليضرب زيد عمرا ؛ وقال أبو إسحاق : أصلها نصب ، وإنما كسرت ليفرق بينها وبين لام التوكيد ولا يبالى بشبهها بلام الجر ؛ لأن لام الجر لا تقع في الأفعال ، وتقع لام [ ص: 257 ] التوكيد في الأفعال . ألا ترى أنك لو قلت : ليضرب ، وأنت تأمر ، لأشبه لام التوكيد إذا قلت : إنك لتضرب زيدا ؟ وهذه اللام في الأمر أكثر ما استعملت في غير المخاطب ، وهي تجزم الفعل ، فإن جاءت للمخاطب لم ينكر . قال الله تعالى : فبذلك فليفرحوا هو خير ؛ أكثر القراء قرءوا : فليفرحوا ، بالياء . وروي عن زيد بن ثابت أنه قرأ : ( فبذلك فلتفرحوا ) ؛ يريد أصحاب سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو خير مما يجمعون ؛ أي : مما يجمع الكفار ؛ وقوى قراءة زيد قراءة أبي : ( فبذلك فافرحوا ) ، وهو البناء الذي خلق للأمر إذا واجهت به . قال الفراء : وكان الكسائي يعيب قولهم : ( فلتفرحوا ) لأنه وجده قليلا فجعله عيبا ؛ قال أبو منصور : وقراءة يعقوب الحضرمي بالتاء : ( فلتفرحوا ) ، وهي جائزة . قال الجوهري : لام الأمر تأمر بها الغائب ، وربما أمروا بها المخاطب ، وقرئ : ( فبذلك فلتفرحوا ) ، بالتاء ؛ قال : وقد يجوز حذف لام الأمر في الشعر فتعمل مضمرة كقول متمم بن نويرة :


                                                          على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي     لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى



                                                          أراد : ليبك ، فحذف اللام ، قال : وكذلك لام أمر المواجه ؛ قال الشاعر :


                                                          قلت لبواب لديه دارها     تئذن فإني حمؤها وجارها



                                                          أراد : لتأذن ، فحذف اللام وكسر التاء على لغة من يقول : أنت تعلم ؛ قال الأزهري : اللام التي للأمر في تأويل الجزاء ، من ذلك قوله عز وجل : اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم . قال الفراء : هو أمر فيه تأويل جزاء كما أن قوله : ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ، نهي في تأويل الجزاء ، وهو كثير في كلام العرب ؛ وأنشد :


                                                          فقلت ادعي وأدع فإن أندى     لصوت أن ينادي داعيان



                                                          أي : ادعي ولأدع ، فكأنه قال : إن دعوت دعوت ، ونحو ذلك . قال الزجاج : وزاد فقال : يقرأ قوله : ولنحمل خطاياكم ، بسكون اللام وكسرها ، وهو أمر في تأويل الشرط ، المعنى : إن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم . ( لام التوكيد ) : وهي تتصل بالأسماء والأفعال التي هي جوابات القسم وجواب إن ، فالأسماء كقولك : إن زيدا لكريم وإن عمرا لشجاع ، والأفعال كقولك : إنه ليذب عنك وإنه ليرغب في الصلاح ، وفي القسم : والله لأصلين وربي لأصومن ، وقال الله تعالى : وإن منكم لمن ليبطئن ؛ أي : ممن أظهر الإيمان لمن يبطئ عن القتال ؛ قال الزجاج : اللام الأولى التي في قوله : لمن لام إن ، واللام التي في قوله : ليبطئن لام القسم ، ومن موصولة بالجالب للقسم ، كأن هذا لو كان كلاما لقلت : إن منكم لمن أحلف بالله والله ليبطئن ، قال : والنحويون مجمعون على أن ما ومن والذي لا يوصلن بالأمر والنهي إلا بما يضمر معها من ذكر الخبر ، وأن لام القسم إذا جاءت مع هذه الحروف فلفظ القسم وما أشبه لفظه مضمر معها . قال الجوهري : أما لام التوكيد فعلى خمسة أضرب : منها : لام الابتداء كقولك : لزيد أفضل من عمرو ، ومنها : اللام التي تدخل في خبر إن المشددة والمخففة كقوله عز وجل : إن ربك لبالمرصاد ، وقوله عز من قائل : وإن كانت لكبيرة ، ومنها : التي تكون جوابا للو ولولا كقوله تعالى : لولا أنتم لكنا مؤمنين ، وقوله تعالى : لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا ومنها : التي في الفعل المستقبل المؤكد بالنون كقوله تعالى : ليسجنن وليكونا من الصاغرين ؛ ومنها : لام جواب القسم ، وجميع لامات التوكيد تصلح أن تكون جوابا للقسم كقوله تعالى : وإن منكم لمن ليبطئن ؛ فاللام الأولى للتوكيد والثانية جواب ؛ لأن المقسم جملة توصل بأخرى ، وهي المقسم عليه لتؤكد الثانية بالأولى . ويربطون بين الجملتين بحروف يسميها النحويون جواب القسم ، وهي إن المكسورة المشددة واللام المعترض بها ، وهما بمعنى واحد كقولك : والله إن زيدا خير منك ، ووالله لزيد خير منك ، وقولك : والله ليقومن زيد ، إذا أدخلوا لام القسم على فعل مستقبل أدخلوا في آخره النون شديدة أو خفيفة لتأكيد الاستقبال وإخراجه عن الحال ، لا بد من ذلك . ومنها : إن الخفيفة المكسورة وما ، وهما بمعنى كقولك : والله ما فعلت ، ووالله إن فعلت ، بمعنى . ومنها : لا كقولك : والله لا أفعل ، لا يتصل الحلف بالمحلوف إلا بأحد هذه الحروف الخمسة ، وقد تحذف وهي مرادة . قال الجوهري : واللام من حروف الزيادات ، وهي على ضربين : متحركة وساكنة ، فأما الساكنة فعلى ضربين : أحدهما : لام التعريف ولسكونها أدخلت عليها ألف الوصل ليصح الابتداء بها ، فإذا اتصلت بما قبلها سقطت الألف كقولك : الرجل . والثاني : لام الأمر إذا ابتدأتها كانت مكسورة ، وإن أدخلت عليها حرفا من حروف العطف جاز فيها الكسر والتسكين كقوله تعالى : وليحكم أهل الإنجيل . وأما اللامات المتحركة فهي ثلاث : لام الأمر ولام التوكيد ولام الإضافة . وقال في أثناء الترجمة : فأما لام الإضافة فعلى ثمانية أضرب : منها : لام الملك كقولك : المال لزيد . ومنها : لام الاختصاص كقولك : أخ لزيد . ومنها : لام الاستغاثة كقول الحارث بن حلزة :


                                                          يا للرجال ليوم الأربعاء أما     ينفك يحدث لي بعد النهى طربا



                                                          واللامان جميعا للجر ، ولكنهم فتحوا الأولى وكسروا الثانية ليفرقوا بين المستغاث به والمستغاث له ، وقد يحذفون المستغاث به ويبقون المستغاث له ، يقولون : يا للماء ، يريدون : يا قوم للماء أي : للماء أدعوكم ، فإن عطفت على المستغاث به بلام أخرى كسرتها لأنك قد أمنت اللبس بالعطف كقول الشاعر :


                                                          يا للرجال وللشبان للعجب



                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده :


                                                          يا للكهول وللشبان للعجب



                                                          والبيت بكماله :


                                                          يبكيك ناء بعيد الدار مغترب     يا للكهول وللشبان للعجب



                                                          وقول مهلهل بن ربيعة واسمه عدي :


                                                          يا لبكر أنشروا لي كليبا     يا لبكر أين أين الفرار



                                                          استغاثة . وقال بعضهم : أصله يا آل بكر فخفف بحذف الهمزة كما قال جرير يخاطب بشر بن مروان لما هجاه سراقة البارقي : [ ص: 258 ]


                                                          قد كان حقا أن نقول لبارق     يا آل بارق فيم سب جرير



                                                          ومنها : لام التعجب مفتوحة كقولك : يا للعجب ، والمعنى : يا عجب احضر فهذا أوانك . ومنها : لام العلة بمعنى كي كقوله تعالى : لتكونوا شهداء على الناس ؛ وضربته ليتأدب أي : لكي يتأدب لأجل التأدب . ومنها : لام العاقبة كقول الشاعر :


                                                          فللموت تغذو الوالدات سخالها     كما لخراب الدور تبنى المساكن



                                                          أي : عاقبته ذلك ؛ قال ابن بري : ومثله قول الآخر :


                                                          أموالنا لذوي الميراث نجمعها     ودورنا لخراب الدهر نبنيها



                                                          وهم لم يبنوها للخراب ولكن مآلها إلى ذلك ؛ قال : ومثله ما قاله شتيم بن خويلد الفزاري يرثي أولاد خالدة الفزارية ، وهم كردم وكريدم ومعرض :


                                                          لا يبعد الله رب البلا     د والملح ما ولدت خالده
                                                          فأقسم لو قتلوا خالدا     لكنت لهم حية راصده
                                                          فإن يكن الموت أفناهم     فللموت ما تلد الوالدهر



                                                          ولم تلدهم أمهم للموت وإنما مآلهم وعاقبتهم الموت . قال ابن بري : وقيل : إن هذا الشعر لسماك أخي مالك بن عمرو العاملي ، وكان معتقلا هو وأخوه مالك عند بعض ملوك غسان فقال :


                                                          فأبلغ قضاعة إن جئتهم     وخص سراة بني ساعده
                                                          وأبلغ نزارا على نأيها     بأن الرماح هي الهائده
                                                          فأقسم لو قتلوا مالكا     لكنت لهم حية راصده
                                                          برأس سبيل على مرقب     ويوما على طرق وارده
                                                          فأم سماك فلا تجزعي     فللموت ما تلد الوالده



                                                          ثم قتل سماك فقالت أم سماك لأخيه مالك : قبح الله الحياة بعد سماك ! فاخرج في الطلب بأخيك ، فخرج فلقي قاتل أخيه في نفر يسير فقتله . قال وفي التنزيل العزيز : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ؛ ولم يلتقطوه لذلك وإنما مآله العداوة ، وفيه : ربنا ليضلوا عن سبيلك ؛ ولم يؤتهم الزينة والأموال للضلال وإنما مآله الضلال . قال : ومثله : إني أراني أعصر خمرا ؛ ومعلوم أنه لم يعصر الخمر ، فسماه خمرا لأن مآله إلى ذلك . قال : ومنها : لام الجحد بعد ما كان ولم يكن ولا تصحب إلا النفي كقوله تعالى : وما كان الله ليعذبهم ، أي : لأن يعذبهم . ومنها : لام التاريخ كقولهم : كتبت لثلاث خلون أي : بعد ثلاث ؛ قال الراعي :


                                                          حتى وردن لتم خمس بائص     جدا تعاوره الرياح وبيلا



                                                          البائص : البعيد الشاق ، والجد : البئر وأراد ماء جد . قال : ومنها : اللامات التي تؤكد بها حروف المجازة ويجاب بلام أخرى توكيدا كقولك : لئن فعلت كذا لتندمن ، ولئن صبرت لتربحن . وفي التنزيل العزيز : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه الآية . روى المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال : المعنى في قوله : لما آتيتكم لمهما آتيتكم أي : أي كتاب آتيتكم لتؤمنن به ولتنصرنه . قال : وقال أحمد بن يحيى : قال الأخفش : اللام التي في لما اسم والذي بعدها صلة لها ، واللام التي في لتؤمنن به ولتنصرنه لام القسم كأنه قال : والله لتؤمنن ، يؤكد في أول الكلام وفي آخره ، وتكون من زائدة . وقال أبو العباس : هذا كله غلط ، اللام التي تدخل في أوائل الخبر تجاب بجوابات الأيمان ، تقول : لمن قام لآتينه ، وإذا وقع في جوابها ما ولا علم أن اللام ليست بتوكيد ؛ لأنك تضع مكانها ما ولا وليست كالأولى وهي جواب للأولى . قال : وأما قوله : من كتاب فأسقط من ، فهذا غلط لأن من التي تدخل وتخرج لا تقع إلا مواقع الأسماء ، وهذا خبر ، ولا تقع في الخبر إنما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء ، وهو جعل لما بمنزلة لعبد الله والله لقائم فلم يجعله جزاء . قال : ومن اللامات التي تصحب إن : فمرة تكون بمعنى إلا ، ومرة تكون صلة وتوكيدا كقول الله عز وجل : إن كان وعد ربنا لمفعولا ؛ فمن جعل إن جحدا جعل اللام بمنزلة إلا ، المعنى : ما كان وعد ربنا إلا مفعولا ، ومن جعل إن بمعنى قد جعل اللام تأكيدا ، المعنى : قد كان وعد ربنا لمفعولا . ومثله قوله تعالى : إن كدت لتردين ، يجوز فيها المعنيان . ( التهذيب ) : " لام التعجب ولام الاستغاثة " روى المنذري عن المبرد أنه قال : إذا استغيث بواحد أو بجماعة فاللام مفتوحة ، تقول : يا للرجال يا للقوم يا لزيد ، قال : وكذلك إذا كنت تدعوهم ، فأما لام المدعو إليه فإنها تكسر ، تقول : يا للرجال للعجب ؛ قال الشاعر :


                                                          تكنفني الوشاة فأزعجوني     فيا للناس للواشي المطاع



                                                          وتقول : يا للعجب إذا دعوت إليه كأنك قلت : يا للناس للعجب ، ولا يجوز أن تقول : يا لزيد وهو مقبل عليك ، إنما تقول ذلك للبعيد ، كما لا يجوز أن تقول : يا قوماه وهم مقبلون . قال : فإن قلت : يا لزيد ولعمرو كسرت اللام في عمرو ، وهو مدعو ؛ لأنك إنما فتحت اللام في زيد للفصل بين المدعو والمدعو إليه ، فلما عطفت على زيد استغنيت عن الفصل لأن المعطوف عليه مثل حاله . وقد تقدم قوله :


                                                          يا للكهول وللشبان للعجب



                                                          والعرب تقول : يا للعضيهة ويا للأفيكة ويا للبهيتة ، وفي اللام التي فيها وجهان : فإن أردت الاستغاثة نصبتها ، وإن أردت أن تدعو إليها بمعنى التعجب منه كسرتها ، كأنك أردت : يا أيها الرجل اعجب للعضيهة ، ويا أيها الناس اعجبوا للأفيكة . وقال ابن الأنباري : لام الاستغاثة مفتوحة ، وهي في الأصل لام خفض إلا أن الاستعمال فيها قد كثر مع يا ، فجعلا حرفا واحدا ؛ وأنشد :


                                                          يا لبكر أنشروا لي كليبا



                                                          قال : والدليل على أنهم جعلوا اللام مع يا حرفا واحدا قول الفرزدق :


                                                          فخير نحن عند الناس منكم     إذا الداعي المثوب قال يالا



                                                          وقولهم : لم فعلت ، معناه : لأي شيء فعلته ؟ والأصل فيه لما فعلت فجعلوا ما في الاستفهام مع الخافض حرفا واحدا واكتفوا بفتحة الميم من الألف فأسقطوها ، وكذلك قالوا : علام تركت وعم تعرض وإلام [ ص: 259 ] تنظر وحتام عناؤك ؟ وأنشد :


                                                          فحتام حتام العناء المطول



                                                          وفي التنزيل العزيز : فلم قتلتموهم ؛ أراد : لأي علة وبأي حجة ، وفيه لغات : يقال : لم فعلت ، ولم فعلت ، ولما فعلت ، ولمه فعلت ، بإدخال الهاء للسكت ؛ وأنشد :


                                                          يا فقعسي ، لم أكلته لمه     لو خافك الله عليه حرمه



                                                          قال : ومن اللامات لام التعقيب للإضافة وهي تدخل مع الفعل الذي معناه الاسم كقولك : فلان عابر الرؤيا وعابر للرؤيا ، وفلان راهب ربه وراهب لربه . وفي التنزيل العزيز : للذين هم لربهم يرهبون ، وفيه : إن كنتم للرؤيا تعبرون . قال أبو العباس ثعلب : إنما دخلت اللام تعقيبا للإضافة ، المعنى : هم راهبون لربهم وراهبو ربهم ، ثم أدخلوا اللام على هذا ، والمعنى : لأنها عقبت الإضافة . قال : وتجيء اللام بمعنى : إلى وبمعنى : أجل ، قال الله تعالى : بأن ربك أوحى لها ؛ أي : أوحى إليها ، وقال تعالى : وهم لها سابقون ؛ أي : وهم إليها سابقون . وقيل في قوله تعالى : وخروا له سجدا ؛ أي : خروا من أجله سجدا كقولك : أكرمت فلانا لك أي : من أجلك . وقوله تعالى : فلذلك فادع واستقم كما أمرت ؛ معناه : فإلى ذلك فادع ؛ قاله الزجاج وغيره . وروى المنذري عن أبي العباس أنه سئل عن قوله عز وجل : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ؛ أي : عليها جعل اللام بمعنى على ؛ وقال ابن السكيت في قوله :


                                                          فلما تفرقنا ، كأني ومالكا     لطول اجتماع لم نبت ليلة معا



                                                          قال : معنى لطول اجتماع أي : مع طول اجتماع ، تقول : إذا مضى شيء فكأنه لم يكن ، قال : وتجيء اللام بمعنى بعد ؛ ومنه قوله :


                                                          حتى وردن لتم خمس بائص



                                                          أي : بعد خمس ؛ ومنه قولهم : لثلاث خلون من الشهر أي : بعد ثلاث ، قال : ومن اللامات لام التعريف التي تصحبها الألف كقولك : القوم خارجون والناس طاعنون الحمار والفرس وما أشبهها . ومنها : اللام الأصلية كقولك : لحم لعس لوم وما أشبهها . ومنها : اللام الزائدة في الأسماء وفي الأفعال كقولك : فعمل للفعم ، وهو الممتلئ ، وناقة عنسل للعنس الصلبة ، وفي الأفعال كقولك : قصمله أي : كسره ، والأصل قصمه ، وقد زادوها في ذاك فقالوا ذلك ، وفي أولاك فقالوا : أولالك ، وأما اللام التي في لقد فإنها دخلت تأكيدا لقد فاتصلت بها كأنها منها ، وكذلك اللام التي في لما مخففة . قال الأزهري : ومن اللامات ما روى ابن هانئ عن أبي زيد يقال : اليضربك ورأيت اليضربك ، يريد الذي يضربك ، وهذا الوضع الشعر ، يريد الذي وضع الشعر ؛ قال : وأنشدني المفضل :


                                                          يقول الخنا وابغض العجم ناطقا     إلى ربنا صوت الحمار اليجدع



                                                          يريد الذي يجدع ؛ وقال أيضا :


                                                          أخفن اطنائي إن سكت وإنني     لفي شغل عن ذحلها اليتتبع



                                                          يريد : الذي يتتبع ؛ وقال أبو عبيد في قول متمم :


                                                          وعمرا وحونا بالمشقر ألمعا



                                                          قال : يعني : اللذين معا فأدخل عليه الألف واللام صلة . والعرب تقول : هو الحصن أن يرام ، وهو العزيز أن يضام ، والكريم أن يشتم . معناه : هو أحصن من أن يرام ، وأعز من أن يضام ، وأكرم من أن يشتم ، وكذلك هو البخيل أن يرغب إليه أي : هو أبخل من أن يرغب إليه ، وهو الشجاع أن يثبت له قرن . ويقال : هو صدق المبتذل أي : صدق عند الابتذال ، وهو فطن الغفلة فظع المشاهدة . وقال ابن الأنباري : العرب تدخل الألف واللام على الفعل المستقبل على جهة الاختصاص والحكاية ؛ وأنشد للفرزدق :


                                                          ما أنت بالحكم الترضى حكومته     ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل



                                                          وأنشد أيضا :


                                                          أخفن اطنائي إن سكت وإنني     لفي شغل عن ذحلها اليتتبع



                                                          فأدخل الألف واللام على يتتبع ، وهو فعل مستقبل لما وصفنا ، قال : ويدخلون الألف واللام على أمس وألى ، قال : ودخولها على المحكيات لا يقاس عليه ؛ وأنشد :


                                                          وإني جلست اليوم والأمس قبله     ببابك حتى كادت الشمس تغرب



                                                          فأدخلهما على أمس وتركها على كسرها ، وأصل أمس أمر من الإمساء ، وسمي الوقت بالأمر ولم يغير لفظه ، والله أعلم . ‏

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية