الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 146 ] حرف الحاء المهملة

"حمد" هو الثناء، سواء كان عن نعمة أو ابتداء، والشر إنما يكون جزاء، فالحمد من هذا الوجه أعم. والشكر باللسان والقلب والجوارح، ولا يكون الحمد إلا باللسان، فالشكر من هذا الوجه أعم. وحميد اسم الله تعالى محمود. والحمد بمعنى الشكر لا يصح على الله سبحانه، لأنه ليس بمنعم عليه. وإنما هو المنعم على الخلق، فلا يصح منه الحمد الذي هو بمعنى الشكر. والحمد الذي هو بمعنى الثناء على ضربين: قديم ومحدث، فالقديم ثناؤه على أنبيائه والمؤمنين من عبيده، وذلك كلامه وهو قديم. والحمد المحدث هو كلام الخلق وشكرهم له سبحانه.

( حظ ) : نصيب.

( حنيفا ) : موحدا. وقيل حاجا. وقيل مختتنا، وجمعه حنفاء. والحنيف اليوم المسلم.

وقيل: إنما سمي إبراهيم حنيفا لأنه كان حنف عما كان يعبد أبوه وقومه من الآلهة إلى عبادة الله، أي عدل عن ذلك ومال. وأصل الحنف ميل من إبهامي القدمين كل واحدة منهما على صاحبتها.

( حج البيت ) : أي قصده، وسمي السفر إلى البيت حجا دون ما سواه. والحج - بالفتح والكسر لغتان. ويقال الحج: القصد. والحج الاسم. وقوله تعالى: إلى الناس يوم الحج الأكبر : هو يوم النحر. ويقال يوم عرفة، وكانوا يسمون العمرة الحج الأصغر. واختلف هل وجوب حج البيت على الفور أو على التراخي. [ ص: 147 ] وفي الآية رد على اليهود لما زعموا أنهم على ملة إبراهيم. قيل لهم: إن كنتم صادقين فحجوا البيت الذي بناه إبراهيم، ودعا الناس إليه.

( ( حصورا ) ) : على ثلاثة أوجه: الذي لا يقرب النساء. والذي لا يولد له. والذي لا يخرج مع الندامى، وأتى وصف السيد يحيى بذلك. فإنه كان يمسك نفسه، لا أنه خلق كذلك، لأنه نقص في الخلقة. والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كاملون.

( حواريون ) : هم صفوة الأنبياء عليهم السلام الذين خلصوا وأخلصوا في التصديق بهم ونصرتهم.

وقيل: إنما سموا حواريين بالنبطية لتبييضهم الثياب، ثم صار هذا الاسم مستعملا فيمن أشبههم من المصدقين.

وقيل: كانوا صيادين. وقيل: كانوا ملوكا. ونداء الحواريين لعيسى باسمه دليل على أنهم لم يكونوا يعظمونه كتعظيم المسلمين لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم كانوا لا ينادونه باسمه، وإنما يقولون، يا رسول الله، يا نبي الله. وقولهم: ابن مريم - دليل على أنهم كانوا يعتقدون فيه الاعتقاد الصحيح من نسبته إلى أم دون والد، بخلاف ما اعتقده النصارى.

( ( حبل ) ) : عهد، والمراد بحبل الله القرآن. وقيل الجماعة، مستعار من الحبل الذي يشد عليه اليد.

( حسرة ) : ندامة واغتمام على ما فات، ولم يمكن ارتجاعه.

( حسبنا الله ) : أي كافينا، وهي كلمة يدفع بها ما يخاف ويكره، وهي التي قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار.

( حبطت ) : بطلت.

( ( حريق ) ) : نار تلتهب.

( ( حلائل ) ) : جمع حليلة، وهي الزوجة. وإنما قيل لها حليلة، لأنه يحل معها وتحل معه. ويقال حليلة بمعنى محلة، لأنه يحل لها وتحل له، وإنما [ ص: 148 ] خص الابن من الصلب ليخرج عنه زوجة الابن الذي يتبناه الرجل وهو اجنبي عنه، كتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش امرأة زيد بن حارثة الكلبي الذي كان يقال له زيد ابن محمد.

( حسيبا ) : فيه أربعة أقوال: - كافيا، وعالما، ومقتدرا. ومحسبا.

( حصرت صدورهم ) : معناه ضاقت عن القتال وكرهته. ونزلت الآية في قوم جاءوا إلى المسلمين وكرهوا أن يقاتلوا المسلمين، وكرهوا أيضا أن يقاتلوا قومهم وهم أقاربهم الكفار، فأمر الله بالكف عنهم، ثم نسخ أيضا ذلك بالقتل.

( ( حاق بهم ) ) : أحاط بهم.

( حميم ) : على أوجه: ماء حار، وقد قدمناه. والحميم: القريب في النسبة، كقوله عن رجل: ولا يسأل حميم حميما . أي قريب قريبا. والحميم أيضا الخاص، يقال: دعينا في الحامة لا في العامة. والحميم أيضا: الغريق.

( ( حشرناهم ) ) : جمعناهم، قال الزمخشري: إنما جاء حشرناهم بلفظ الماضي بعد قوله، " نسير"، للدلالة على أن حشرناهم قبل تسيير الجبال ليعاينوا تلك الأهوال.

( حيران ) : أي ضال عن الطريق، وهو نصب على الحال من المفعول في استهوته.

( حمولة ) ، وهي الإبل التي تطيق الحمل. قال المفسرون: الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير، وكلما حمل عليه.

( ( حوايا ) ) : جمع حوية، على وزن فعيلة، فوزن حوايا على هذا فعائل، كصحيفة وصحائف. وقيل وزنها حاوية على وزن فاعلة، فحوايا [ ص: 149 ] على هذا فواعل كضاربة وضوارب. وهو معطوف على ما في قوله: إلا ما حملت ظهورهما ، فهو من المستثنى من التحريم. وقيل عطف على الظهور. فالمعنى إلا ما حملت الظهور، أو حملت الحوايا، وهي المباعير، وقيل المصارين والحشوة ونحوهما مما يتحوى في البطن. وقيل عطف على الشحوم، فهو من المحرم.

( حرم ربكم عليكم ) ، أي نهى.

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: حرم: وجب بالحبشية. والخطاب لجميع الخلق. أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو جميعهم إلى سماع تلاوة ما حرم الله عليهم، وذكر في آيات الأنعام المحرمات التي أجمعت عليها جميع الشرائع، ولم تنسخ قط في ملة. وقال ابن عباس: هي الكلمات العشر التي أنزل الله على موسى.

( حرث ) : الأرض مصدر، ثم استعمل بمعنى - الأرض والزرع والجنات.

( حثيثا ) : - سريعا. والجملة في موضع الحال من الليل، أي يطلب النهار فيدركه.

( حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ) ، من قرأ ( علي ) بالتشديد على أنها ياء المتكلم، فالمعنى ظاهر. وهو ان موسى قال: حقيق عليه ألا يقول على الله إلا الحق. وموضع أن لا أقول على هذا رفع، على أنه خبر حقيق. وحقيق مبتدأ أو بالعكس. ومن قرأ ( على ) بالتخفيف فموضع أن لا أقول خفض بحرف الجر، وحقيق صفة لرسول.

وفي المعنى على هذا وجهان:

أحدهما أن على بمعنى الباء، فمعنى الكلام رسول حقيق بألا أقول على الله إلا الحق.

والثاني أن معنى حقيق حريص، ولذلك تعدى بعلى. [ ص: 150 ] حفي عنها : أي مهتبل بها معتن بشأنها. والمعنى يسألونك كأنك حفي بعلمها. وقيل المعنى: يسألونك عنها كأنك حفي بهم لقرابتك منهم، فعنها على هذين القولين يتعلق بـ يسألونك. وقيل المعنى يسألونك كأنك حفي بالسؤال عنها. والحفي السؤال باستقصاء.

( حملت حملا خفيفا ) ، أي خف عليها ولم تلق ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الأذى والكرب. وقيل الحمل الخفيف المني في فرجها. والضمير عائد على حواء حين تغشاها آدم.

( حرض ) ، وحث وحض بمعنى واحد، وهو الحث على الشيء.

( حنيذ ) : مشوي في حر الأرض بالرضف، وهي الحجارة المحماة. وفعيل هنا بمعنى مفعول.

( حصحص الحق ) ، أي تبين وظهر.

( حرضا ) : وهو الذي قد أدى به الحزن أو العشق إلى سقم وفناء.

( ( حمأ مسنون ) ) ، الحمأ: الطين الأسود. والمسنون: المتغير المنتن.

وقيل: إنه من أسن الماء إذا تغير. والتصريف يرد هذا القول. وموضع حمأ صفة لصلصال، من صلصال كائن من حمأ.

( ( حفدة ) ) : خدم.

وقيل: أختان. وقيل أصهار. ابن عباس: هم أولاد البنين. وقيل البنات، لأن لفظ البنين المذكر لا يدل عليهن.

( حاصبا ) : يعني حجارة أو ريحا شديدة ترمي بالحصباء. وهي الحصا الصغار. [ ص: 151 ] وحففناهما بنخل : أطبقناها من جوانبهما. والحفاف: الجانب، وجمعه أحفة. والضمير راجع للجنتين المذكورتين.

( حمئة ) ، وحامية وحمية: حارة. وقرئ بالهمز على وزن فعلة، أي ذات حمأة. وقرئ بالياء على وزن فاعلة، وقد اختلف في ذلك معاوية وابن عباس فبعثا إلى كعب الأحبار ليخبرهما بالأمر، فقال: أما العربية فأنتما أعلم بها مني، ولكن أجد في التوراة أنها تغرب في ماء وطين، فوافق ذلك قراءة ابن عباس. ويحتمل أن تكون بمعنى حمية، ولكن سهلت همزته فيتفق معنى القراءتين. وقد قيل يمكن أن يكون فيها حمأة وتكون حارة لحرارة الشمس. فتكون جامعة للوصفين، ويجتمع معنى القراءتين.

( ( حنانا ) ) : رحمة. وقال ابن عباس: لا أدري ما الحنان.

( حصيدا خامدين ) : معناه - والله أعلم - أنهم حصدوا بالسيف والموت كما يحصد الزرع، فلم تبق بقية منهم. وشبهوا في هلاكهم بالزرع المحصود. ومعنى خامدين موتى، وهو تشبيه بخمود النار. وقوله: منها قائم وحصيد ، قد امحى أثره.

( حدب ) : مرتفع.

( حصب جهنم ) ، كل شيء ألقيته في نار فقد حصبتها به. وقرأ علي بن أبي طالب: حطب. وقرئت بالضاد المعجمة وهي ما هيجت به النار وأوقدته. والمراد بكل أن ما عبد من دون الله يحرق بالنار توبيخا لمن عبدها.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: حصب جهنم - قال: حطب جهنم - بالزنجية.

( حسيسها ) : صوتها.

( حمل ) : الحمل - بفتح الحاء: ما كان في بطن أو على رأس شجرة. والحمل - بالكسر: ما كان على ظهر أو رأس. [ ص: 152 ] حاذرون : الحذر المتيقظ.

( حاذرون ) : مؤدون، أي ذوو أداة، أي ذوو سلاح، والسلاح آلات الحرب.

( حدائق ذات بهجة ) : بساتين ذات حسن، واحدتها حديقة. والحديقة: كل بستان عليه حائط، وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة.

( حق عليهم القول ) : أي وجبت عليهم الحجة، فوجب العذاب. ومثله: حقت كلمت ربك أي وجبت. والحق له أربعة معان: الصدق، والعدل في الحكم، والشيء الثابت، والأمر الواجب.

والحق اسم الله تعالى، أي واجب الوجود. ومنه الحديث: "السحر حق". يعني أنه موجود لا أنه صواب والعين حق، يعني يصيب الشيء، وليس معناه أنه حسن، وقد يعبر به عن كلامه سبحانه حيث يقول: والله يقول الحق . ومنه وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، يعني بالقول، وهو قوله تعالى

إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون . فسمى القول حقا - يعني صدقا. وقد يعبر به عن الإسلام، نحو قوله يحق الحق بكلماته : يعني الإسلام. وقوله تعالى: إن الذين حقت عليهم كلمت ربك ، أي وجبت. وقد يعبر عنه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى وأكثرهم للحق كارهون " ( حيوان ) " . كل ذي روح، ويراد به أيضا الحياة، كقوله تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، أي الحياة الدائمة التي لا موت فيها. ولفظ الحيوان: مصدر كالحياة.

( ( حناجر ) ) جمع حنجرة وحنجور، وهي الحلق، وبلوغ القلوب إليها في آية الأحزاب مجاز وعبارة عن شدة الخوف. وقيل هي حقيقة، لأن الرئة تنتفخ من شدة الخوف فتربو يرتفع الحلق بارتفاعها إلى الحنجرة. [ ص: 153 ] " حرور " : ريح حارة تهب بالليل. وقد تكون بالنهار. وآية فاطر تمثيل للثواب والعقاب. وقيل: الظل الجنة، والحرور النار

( حافين من حول العرش ) ، أي محدقين به، دائرين حوله ومنه حف به الناس، أي صاروا في جوانبه.

( حرث الآخرة ) : عبارة عن العمل لها وكذلك: حرث الدنيا ، وهو مستعار من حرث الأرض، لأن الحارث يعمل وينتظر المنفعة مما عمل.

( حمية الجاهلية ) .: الأنفة والغضب. وذلك أنهم منعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين من العمرة، ومنعهم من أن يكتب محمد رسول الله، وقولهم لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.

( ( حب الحصيد ) ) : هو القمح والشعير ونحو ذلك مما يحصد. وهو مما أضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.

( حبل الوريد ) : هو عرق كبير في العنق، وهما وريدان عن يمين وشمال، وهذا مثل في فرط القرب. والمراد به قرب علم الله واطلاعه على عبده. وإضافة الحبل إلى الوريد كقولك مسجد الجامع، أو يراد بالحبل العاتق.

( حق اليقين ) : معناه الثابت من اليقين،

وقيل: إن " الحق " و " اليقين " بمعنى واحد، فهو من إضافة الشيء إلى نفسه. واختار ابن عطية أن يكون كقولك في أمر تؤكده: هذا يقين اليقين، أو صواب الصواب، بمعنى أنه نهاية الصواب.

( حاد الله ) . شاقه، أي عاداه، وخالفه.

( حاجة ) : فقر ومحنة. والحاجة أيضا: الحسد، ومنه: ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا . ويحتمل أن يكون بمعنى الاحتياج، على أصلها. [ ص: 154 ] حسير : كليل أدركه التعب. ومعنى هذا أنك إذا نظرت إلى السماء مرة بعد مرة لترى فيها شقاقا أو خللا رجع بصرك ولم تر شيئا من ذلك، فكأنه ناس لاه لم يحصل له ما طلب من رؤية الشقاق والخلل. وهو مع ذلك كليل من شدة النظر وكثرة التأمل.

( حرد ) : فيه أربعة أقوال: المنع، والقصد، والغضب.

وقيل: إن الحرد اسم علم للجنة، ويقال: حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر.

( ( حاقة ) ) : يعني القيامة، وسميت بذلك لأنها تحق. أي يصح وجودها ولا ريب في وقوعها، أو لأنها حقت لكل أحد جزاء عمله، أو لأنها تبدي حقائق الأمور.

( ( حافرة ) ) : رجوع إلى أول الأمر. ويقال رجع فلان في حافرته. وقول الكفار: أإنا لمردودون في الحافرة . إنكار منهم لذلك، ولذلك اتفق القراء على قراءته بهمزتين، إلا أن منهم من سهل الثانية. ومنهم من حققها. واختلفوا في: أإذا كنا عظاما نخرة ، فمنهم من قرأه بهمزة واحدة، لأنه ليس موضع استفهام ولا إنكار، ومنهم من قرأه بهمزتين تأكيدا للإنكار المتقدم. والمعنى أئنا لمردودون إلى الحياة بعد الموت.

وقيل: إن الحافرة الأرض، بمعنى المحفورة. فالمعنى أئنا لمردودون إلى وجه الأرض بعد الدفن في القبور، وقيل: إن الحافرة النار.

( حمالة الحطب ) ، في وصف أم جميل بحمالة الحطب أربعة أقوال:

أحدها: أنها كانت تحمل حطبا وشوكا فتلقيه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - لتؤذيه.

الثاني: أن ذلك عبارة عن مشيها بالنميمة، يقال: فلان يحمل الحطب بين الناس، أي يوقد بينهم نار العداوة بالنمائم. [ ص: 155 ] الثالث: أنه عبارة عن سعيها بالمضرة على المسلمين، يقال فلان يحطب على فلان إذا قصد الإضرار به.

الرابع: أنه عبارة عن ذنوبها وسوء أعمالها.

( حدود الله ) : ما حدها لهم من امتثال أوامره واجتناب نواهيه، لأن الحد هو النهاية التي إذا بلغها الحدود له امتنع.

( حوبا ) - بالضم - الاسم. والحوب - بالفتح: المصدر. ومعناه أثم إثما عظيما. قال ابن عباس: هو الإثم بلغة الحبشة.

( حرم ) : محرمين، واحدهم حرام، ومنه: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما . كل حكم حكمة، يقال حكم وحكمة، وذل وذلة، ونحل ونحلة، وخبز وخبزة، وقل وقلة، وعذر وعذرة، وبغض وبغضة، ووقر ووقرة.

( حسبانا ) : حسابا، ويقال جمع حساب، مثل شهاب وشهبان. فأما في الأنعام، فالمراد بها أن الله تعالى جعل الشمس والقمر يعلم بهما حساب الأزمان والليل والنهار. وأما آية الكهف، فالمراد أن يرسل عليها عذاب حسبان، وذلك الحسبان حسبان ما كسبت يداك كالصر والبرد ونحو ذلك.

( حبك ) : طرائق تكون في السماء من آثار الغيم، واحدتها حبيكة وحباك. والحبك أيضا الطرائق التي تراها في الماء القائم إذا ضربته الريح. وكذلك حبك الرمل الطرائق التي تراها فيه إذا هبت عليه الريح. ويقال شعره حبك إذا كان متكسرا جعودته طرائق.

( حطاما ) : متفتتا يابسا، وشبه الله الدنيا بالزرع الذي ينبته الزارع في سرعة تغيره بعد حسنه، وتحطمه بعد ظهوره.

( حور ) .: جمع حوراء، وهي الشديدة بياض العين في شدة سواد سوادها. [ ص: 156 ] حسوما : ابن عباس: معناه متتابعة كاملة لم يتخللها غير ذلك. وقيل: معناه شؤما ونحسا.

وقيل: هو جمع حاسم، من الحسم، وهو القطع، أي قطعتهم بالإهلاك. وحسوم على القولين مصدر في موضع الحال، وعلى الثالث حال أو مفعول من أجله.

( ( حطمة ) ) : هي جهنم، وسميت بذلك لأنها تحطم ما يلقى فيها وتلتهمه، وقد عظمها بقوله: وما أدراك ما الحطمة . فإذا كان العظيم يعظم شيئا هل يدرك حقيقته غيره، عصمنا الله منها بجاه نبيه - صلى الله عليه وسلم -. والحطمة: السنة الشديدة أيضا.

( حين ) : غاية ووقت وزمان غير محدود. وقد يجيء محدودا. وأما الحين المذكور في الإنسان فهو الحال الذي أتى عليه حين كان طينا قبل أن ينفخ فيه الروح، وضعف لوجهين: أحدهما: قوله: إنا خلقنا الإنسان من نطفة وهو هنا جنس باتفاق، إذ لا يصح هذا في آدم. والآخر أن مقصد الآية تحقير الإنسان.

( حطة ) : مصدر حط عنا ذنوبنا حطة. والرفع على تقدير إرادتنا حطة، ومسألتنا حطة. ويقال الرفع على أنهم أمروا بهذا اللفظ بعينه فبدلوا حنطة.

وروي حبة في شعرة. وقيل معناه: قولوا صوابا بلغتهم. وقيل معناه بالعبرانية لا إله إلا الله.

( حل ) : حلال، و ( حرم ) : حرام. وقرئت: ( وحرم على قرية ) ، أي واجب. والمعنى واحد. وقوله: وأنت حل بهذا البلد ، أي حلال. ويقال حل حال: أي ساكن، أي لا أقسم به بعد خروجك منه، لأن السورة نزلت والنبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة. [ ص: 157 ] وقيل: إن المعنى تستحل حرمتك ويؤذيك الكفار مع أن مكة لا يحل فيها قتل صيد ولا بشر، ولا قطع شجر. وعلى هذا قيل لا أقسم نفي، أي لا أقسم بهذا البلد وأنت تلحقك فيه إذاية.

وقيل معنى حل حلال يجوز لك في هذا ما شئت من قتل كافر وغير ذلك مما لا يجوز لغيرك، وهذا هو الأظهر، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا البلد حرام حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، لم يحل لأحد قبلي، ولا يحل لأحد بعدي، وإنما أحل لي ساعة من نهار - يعني يوم فتح مكة ". وفي ذلك اليوم أمر - صلى الله عليه وسلم - بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ولا يحل قتل من تعلق بها. وهذه خصوصية له عليه السلام، لأنه كان يؤذي الله ورسوله.

فإن قيل: السورة مكية وفتح مكة كان ثمانية من الهجرة؟

فالجواب: أن هذا وعد بفتح مكة، كما تقول لمن تعده بالكرامة: أنت مكرم، تعني فيما يستقبل.

وقيل: إن السورة على هذا مدنية، نزلت يوم الفتح، وهذا ضعيف.

( حنث ) : شرك، ومنه: وكانوا يصرون على الحنث العظيم . وقيل: الحنث في اليمين: أي اليمين الغموس. وقيل الإثم.

( حكمة ) : اسم للعقل، وإنما سمي حكمة لأنه يمنع صاحبه من الجهل. ومنه حكمة الدابة، لأنها ترد من غربها وإفسادها.

( حولا ) ، أي تحولا وانتقالا.

( حجرا محجورا ) : أي حراما محرما عليكم. والحجر: ديار ثمود، ومنه: ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين . والحجر: العقل، كقوله: هل في ذلك قسم لذي حجر . والحجر: حجر الكعبة، وهو ما حولها في أحد جهاتها. والحجر الفرس الأنثى.

وحجر القميص وحجره لغتان مشهورتان. والفتح أفصح.

[ ص: 158 ] حاشا: اسم بمعنى التنزيه في قوله: حاش لله ما علمنا عليه من سوء حاش لله ما هذا بشرا . لا فعل ولا حرف، بدليل قراءة بعضهم حاشا بالتنوين، كما يقال براءة من الله. وقراءة ابن مسعود: حاش الله، بالإضافة، كمعاذ الله، وسبحان الله، ودخولها على اللام في قراءة السبعة، والجار لا يدخل على الجار. وإنما ترك التنوين في قراءتهم لبنائها، لشبهها بحاش الحرفية لفظا.

وزعم قوم أنها اسم فعل معناه: أتبرأ وتبرأت لبنائها. ورد بإعرابها في بعض اللغات.

وزعم المبرد وابن جني أنها فعل، وأن المعنى في الآية جانب يوسف المعصية لأجل الله. وهذا التأويل لا يتأتى في الآية الأخرى.

وقال الفارسي: حاشا فعل من الحشى، وهو الناحية، أي صار في ناحية، أي بعد مما رمي به وتنحى عنه فلم يغشه ولم يلابسه، ولم يقع في القرآن حاشا الاستثنائية.

حتى: حرف لانتهاء الغاية، كإلى، لكن يفترقان في أمور، فتنفرد حتى بانها لا تجر إلا الظاهر، وإلا الآخر المسبوق بذي أجزاء أو الملاقي له، نحو: سلام هي حتى مطلع الفجر .

وأنها لإفادة تقضي الفعل قبلها شيئا فشيئا.

وأنها لا يقابل بها ابتداء الغاية. وأنها يقع بعدها المضارع المنصوب بأن المقدرة ويكونان في تأويل مصدر مخفوض مرادفة إلى، نحو: لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ، أي إلى رجوعه. ومرادفة كي التعليلية، نحو: ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا . وتحتملهما: فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله . [ ص: 159 ] ومرادفة إلا في الاستثناء، وجعل منه ابن مالك وغيره: وما يعلمان من أحد حتى يقولا .

مسألة

متى دل دليل على دخول الغاية التي بعد إلى وحتى في حكم ما قبلها أو عدم دخوله فواضح أنه يعمل به، فالأول نحو قوله: وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين . دلت السنة على دخول المرافق والكعبين في الغسل.

الثاني نحو: ثم أتموا الصيام إلى الليل . دل النهي عن الوصال على عدم دخول الليل في الصيام.

( فنظرة إلى ميسرة ) ، فإن الغاية لو دخلت هنا لوجب الإنظار حال اليسار أيضا، وذلك يؤدي إلى عدم المطالبة وتفويت حق الدائن. وإن لم يدل دليل على واحد منهما ففيه أربعة أقوال: أحدها - وهو الأصح - تدخل مع حتى دون إلى حملا على الغالب في البابين، لأن الأكثر مع القرينة عدم الدخول مع إلى والدخول مع حتى، فوجب الحمل عليه عند التردد.

والثاني: تدخل فيهما.

والثالث: لا تدخل فيهما، واستدل القولان في استوائهما بقوله: فمتعناهم إلى حين . وقرأ ابن مسعود حتى حين.

تنبيه:

حتى ترد ابتدائية، أي حرفا يبتدأ بعده الجمل، أي تستأنف، فيدخل على الاسمية والفعلية المضارعة والماضية، نحو: حتى يقول الرسول بالرفع. [ ص: 160 ] حتى عفوا وقالوا حتى إذا فشلتم وتنازعتم ، وادعى ابن مالك أنها في الآيات جارة لإذا، ولأن مضمرة، كما في الآيتين الأوليين. والأكثر على خلافه.

وترد عاطفة، ولا أعلمه في القرآن، لأن العطف بها قليل جدا. ومن ثم أنكره الكوفيون ألبتة.

( حيث): ظرف مكان. قال الأخفش: وترد للزمان مبنية على الضم تشبيها بالغايات، فإن الإضافة إلى الجملة كلا إضافة، ولهذا قال الزجاج - في قوله تعالى: من حيث لا ترونهم : ما بعد حيث صلة لها. وليست بمضافة إليه، يعني أنها غير مضافة للجملة بعدها، فصارت كالصلة لها، أي كالزيادة، وليست جزءا منها. وفهم الفارسي أنه أراد أنها موصولة. ورد عليه.

ومن العرب من يعربها، ومنهم من يبنيها على الكسر لالتقاء الساكنين، وعلى الفتح للتخفيف، وتحتملهما قراءة من قرأ: " من حيث لا يعلمون " بالكسر. " الله أعلم حيث يجعل رسالاته " - بالفتح. والمشهور أنها لا تتصرف.

وجوز قوم في الآية الأخيرة كونها مفعولا على السعة، قالوا: ولا تكون ظرفا، لأنه تعالى لا يكون في مكان أعلم منه في مكان، ولأنه يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة لا شيئا في المكان، وعلى هذا فالناصب لها يعلم محذوفا مدلولا بأعلم لا به، لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به إلا إن أولته بعامل.

وقال أبو حيان: الظاهر إقرارها على الظرفية المجازية وتضمين أعلم معنى ما يتعدى إلى الظرف، فالتقدير: الله أنفذ علما حيث يجعل، أي هو نافذ العلم في هذا الموضع.

التالي السابق


الخدمات العلمية