الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 179 ] حرف الذال المعجمة

" ( ذو الكفل ) " : قيل: هو ابن أيوب. وفي المستدرك عن وهب - أن الله بعث بعد أيوب ابنه، واسمه بشر بن أيوب نبيئا، وسماه ذا الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده، وكان مقيما بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة.

وفي العجائب للكرماني: قيل: هو الياس. وقيل يوشع بن نون. وقيل هو نبي الله ذو الكفل. وقيل كان رجلا صالحا تكفل بأمور فوفى بها. وقيل: هو زكرياء في قوله: وكفلها زكريا . وقال ابن عسكر: هو نبيء تكفل الله له في عمله بضعف عمل غيره من الأنبياء. وقيل: لم يكن نبيا، وأن اليسع استخلفه فتكفل له أن يصوم النهار ويقوم الليل. وقيل أن يصلي كل يوم مائة ركعة. وقيل هو اليسع، وإن له اسمين.

( ( ذو القرنين ) ): اسمه إسكندر. وقيل: عبد الله بن الضحاك بن سعد. وقيل هو المنذر بن ماء السماء. وقيل: الصعب بن قرين بن الهمال، حكاه ابن عسكر.

ولقب ذا القرنين، لأنه بلغ قرني الأرض المشرق والمغرب. وقيل: لأنه ملك فارس والروم. وقيل: كان على رأسه قرنان، أي ذؤابتان. وقيل: كان له قرنان من ذهب. وقيل: لأنه ضرب على قرنه فمات، ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر. وقيل: لأنه كان كريم الطرفين. وقيل: لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس، وهو حي. وقيل: لأنه أعطي علم الظاهر والباطن. وقيل: لأنه دخل النور والظلمة. [ ص: 180 ] ذلول : أي ذللت للحرث، والمراد بها بقرة بني إسرائيل - يعني أنها غير مذللة للعمل.

( ذكيتم ) : قطعتم أوداجه، ونهرتم دمه، وذكرتم اسم الله عليه. وأصل الذكاة في اللغة تمام الشيء، ومن ذلك ذكاء السن، أي تمام السن. أي النهاية في الشباب. والذكاء في الفهم أن يكون فهما تاما سريع القبول. وذكيت النار: أتممت إشعالها. وقوله: إلا ما ذكيتم ، أي أدركتم ذبحه على التمام. قيل: إنه العرق المنقطع، وذلك إذا أريد بالمنخنقة ونحوها ما مات من الاختناق، والوقذ والتردي والنطح وأكل السبع.

والمعنى حرمت عليكم هذه: الأشياء لكن ما ذكيتم من غيرها فهو حلال.

وهذا القول ضعيف، لأنها إذا ماتت بهذه الأسباب فهي ميتة، فقد دخلت في عموم الميتة، فلا فائدة لذكرها بعدها.

وقيل: إنه استثناء متصل، وذلك إن أريد بالمنخنقة وأخواتها ما أصابته تلك الأسباب، وأدركت ذكاته.

والمعنى على هذا: إلا ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء فهو حلال. ثم اختلف أهل هذا القول: هل يشترط أن تكون لم ينفذ مقاتلها أم لا. وأما إذا لم تشرف على الموت من هذه الأسباب فذكاته جائزة باتفاق.

( ( ذات الصدور ) ) : حاجاتها وما يخطر لها

( ذرأكم ) : خلقكم. ومنه: ولقد ذرأنا لجهنم

( ذنوب ) - بفتح المعجمة: نصيب. ومنه: ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم . ويريد به هنا نصيبا من العذاب. وأصل الذنوب الدلو، والمراد بالضمير كفار قريش وأصحابهم ممن تقدم ذكرهم.

( ( ذرغها سبعون ذراعا ) ) ، أي طولها، ومبلغ كيلها. واختلف في مبلغ هذا الذراع، فقيل: إنه الذراع المعروف. وقيل: بذراع الملك. [ ص: 181 ] وقيل: سبعون باعا كل باع كما بين مكة والمدينة. ولله در الحسن البصري في قوله: الله أعلم بأي ذراع هي، فإن السبعين من الأعداد التي تقصد بها العرب التكثير.

ويحتمل أن تكون هذه السلسلة لكل واحد من أهل النار، أو تكون بين جميعهم. وروي أن هذه السلسلة تدخل في فم الكافر، وتخرج من دبره. فاسلكوه على هذا من المقلوب في المعنى، كقولهم: أدخلت القلنسوة في رأسي. وروي أنها تلوى عليه حتى تلمه وتضغطه، فالكلام على هذا على وجهه، وهو السلوك فيها. وإنما قدم قوله: في سلسلة - على: " اسلكوه " لإرادة الحصر، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، وكذلك قدم الجحيم على صلوه لإرادة الحصر أيضا.

( ذللا ) : جمع ذلول، وهو السهل اللين الذي ليس بصعب. ومنه: فاسلكي سبل ربك ذللا - يعني الطرق في الطيران. وأضافها إلى الرب لأنها ملكه وخلقه. ويحتمل أن يكون قوله: ذللا - حالا من السبل. قال مجاهد: لم يتوعر قط على النحل طريق. أو حالا من النحل، أي منقادة لما أمرها الله به.

( ذرية ) : فعلية من الذر، لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر. وقيل: أصل ذرية ذرورة على وزن فعلولة، فلما كثر التصريف أبدلت الراء الأخيرة ياء فصارت ذروية، ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية، وهم أولاد الرجل وأولاد الأولاد وإن بعدوا.وقيل: ذرية فعلية أو فعيلة من ذرأ الله الخلق فأبدلت الهمزة ياء، كما أبدلت في نبي.

وذكر في العقد لابن عبد ربه أن الحجاج عتب على يحيى بن يعمر فقال له: أنت الذي تقول إن الحسين ابن رسول الله، فقال: نعم. قال: والله لئن لم تأتني بالمخرج لأضربن عنقك. فقال: قال تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ... . 83،، إلى قوله تعالى: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى . فقال له: فمن أبعد؟ عيسى عليه السلام من إبراهيم أم الحسين من محمد - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 182 ] فقال الحجاج: والله ما كأني قرأتها. ثم ولاه قضاء بلده، فلم يزل بها قاضيا حتى مات.

وتأمل هذا، فإن النزاع إنما هو في تسمية ابن البنت ابنا، وغاية ما في هذه الآية أنه جعل عيسى من الذرية، لأن عيسى ليس له أب فهو ابن بنت نوح. ولا شك أن الابن أخص من الذرية. والنص في القضية قوله عليه السلام: إن ابني هذا سيد ... الحديث. وقوله تعالى: وحلائل أبنائكم ، فإن اللخمي وغيره حكى الإجماع في مذهب مالك وغيره على دخول ابن البنت فيها.

( ذلة ) : صغار ومسكنة.

( ( ذكرى لهم ) ) : فيها وجهان:

أحدهما: أن المعنى ليس على المؤمنين حساب الكفار، ولكن عليهم تذكير لهم ووعظ، وإعراب ذكرى على هذا نصب على المصدر، تقديره يذكروا ذكرى. أو رفع على المبتدأ تقديره عليهم ذكرى. والضمير في لعلهم عائد على الكفار، أي تذكرونهم رجاء أن يتقوا، أو عائد على المؤمنين، أي يذكرونهم ليكون تذكيرهم ووعظهم تقوى الله.

والثاني: أن المعنى ليس نهي المؤمنين عن القعود مع الكافرين بسبب أن عليهم من حسابهم شيئا، وإنما هو ذكرى للمؤمنين. وإعراب ذكرى على هذا خبر ابتداء مضمر، تقديره: ولكن نهيه ذكرى. أو مفعول من أجله، تقديره إنما نهوا ذكرى. والضمير في لعلهم على هذا للمؤمنين لا غير.

( ذكر ): ورد على أوجه: ذكر اللسان: فاذكروا الله كذكركم .وذكر القلب: ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم . والحفظ: واذكروا ما فيه . والطاعة والجزاء: فاذكروني أذكركم . والصلوات الخمس: فإذا أمنتم فاذكروا الله . والعظمة: فلما نسوا ما ذكروا به . والبيان: أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم . [ ص: 183 ] والحديث: اذكرني عند ربك ، أي حدثه بحالي. والقرآن: ومن أعرض عن ذكري ما يأتيهم من ذكر من ربهم . والتوراة: فاسألوا أهل الذكر . والخبر: سأتلو عليكم منه ذكرا . والشرف: وإنه لذكر لك ولقومك . والعيب: أهذا الذي يذكر آلهتكم . واللوح المحفوظ: من بعد الذكر . والثناء: وذكروا الله كثيرا . والوحي: فالتاليات ذكرا . والرسول: ذكرا رسولا . والصلاة: ولذكر الله أكبر . وصلاة الجمعة: فاسعوا إلى ذكر الله . وصلاة العصر: عن ذكر ربي

( ذمة ) : عهد. وقيل: الذمة التذمم ممن لا عهد له، وهو ان يلزم الإنسان ذما أي حقائق واجبة عليه، مجري مجرى المعاهدة من غير معاهدة ولا تحالف.

( ( ذبح عظيم ) ) : اسم لما يذبح، وأراد به الكبش الذي ذبحه ولد آدم، وفدى الله إسماعيل من الذبح، ولذلك وصفه بعظيم، لأنه تقبله الله منه ورباه في الجنة. وفي القصص: إن الذبيح قال لإبراهيم: اشدد برباطي لئلا أضطرب، واصرف بصرك عني لئلا ترحمني. فلما أمر الشفرة على حلقه ولم تقطع، لأن المراد الوصل لا القطع، كأنه يقول: يا إبراهيم امتثل، ويا سكين لا تقطع، لأن لي في أمره سرا وتدبيرا. وقد أكثر الناس في قصص هذه الآية تركناه لطوله وعدم صحته.

فإن قلت: كيف قال: وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ولم يذبح؟

فالجواب: أنه فعل ما قدر عليه، ونيته امتثال الأمر ولو لم يفده الله لذبحه، وامتناع الذبح إنما كان من عند الله. والمدح إنما يكون على النية، ونية المؤمن خير من عمله.

[ ص: 184 ] ( ذر ) حيثما ورد في القرآن بمعنى اترك، وهي منسوخة بآية السيف. وقيل: تهديد، فلا متاركة ولا نسخ فيها.

( ( ذكر به ) ) ، الضمير عائد على الدين، أو على القرآن.

( ذو ) : بمعنى صاحب، وضع للتوصل إلى وصف الذوات بأسماء الأجناس، كما أن الذي وضعت وصلة إلى وصف المعارف بالجمل. ولا يستعمل إلا مضافا، ولا يضاف إلى ضمير ولا مشتق. وجوزه بعضهم، وخرج عليه قراءة ابن مسعود: " وفوق كل ذي عالم عليم " .

وأجاب الأكثرون عنها بأن العالم هذا مصدر كالباطل، أو بأن ذي زائدة.

قال السهيلي: والوصف بذو أبلغ من الوصف بصاحب. والإضافة لأنها أشرف، فإن ذو يضاف للتابع وصاحب يضاف - إلى المتبوع، تقول أبو هريرة صاحب النبي، ولا تقول النبي صاحب أبي هريرة. وأما ذو فإنك تقول: ذو المال وذو الفرس، فتجد الاسم الأول متبوعا غير تابع، وبني على هذا الفرق أنه قال تعالى في سورة الأنبياء: وذا النون . فأضافه إلى النون، وهو الحوت. وقال في سورة ن: ولا تكن كصاحب الحوت .

قال: والمعنى واحد، ولكن بين اللفظين تفاوت كبير في حسن الإشارة إلى الحالين، فإنه لما ذكره في معرض الثناء عليه أتى بذي، فإن الإضافة بها أشرف، وبالنون، لأنه لفظ أشرف من لفظ الحوت، لوجوده في أوائل السور، وليس في لفظ الحوت ما يشرفه لذلك، فأتى به وبصاحب حين ذكره في معرض النهي عن اتباعه

التالي السابق


الخدمات العلمية