الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر نبوة المسيح وبعض معجزاته

لما كانت مريم بمصر نزلت على دهقان ، وكانت داره يأوي إليها الفقراء والمساكين ، فسرق له مال ، فلم يتهم المساكين ، فحزنت مريم فلما رأى عيسى حزن أمه قال : أتريدين أن أدله على ماله ؟ قالت : نعم . قال : إنه أخذه الأعمى والمقعد ، اشتركا فيه ، حمل الأعمى المقعد فأخذه ، فقيل للأعمى ليحمل المقعد ، فأظهر العجز ، فقال له المسيح : كيف قويت على حمله البارحة لما أخذتما المال ؟ فاعترفا وأعاداه .

ونزل بالدهقان أضياف ولم يكن عندهم شراب ، فاهتم لذلك ، فلما رآه عيسى دخل بيتا للدهقان فيه صفان من جرار فأمر عيسى يده على أفواهها وهو يمشي ، فامتلأت شرابا ، وعمره حينئذ اثنتا عشرة سنة .

وكان في الكتاب يحدث الصبيان بما يصنع أهلوهم وبما كانوا يأكلون .

قال وهب : بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فضربه برجله فقتله فألقاه بين رجلي المسيح متلطخا بالدم ، فانطلقوا به إلى الحاكم في ذلك البلد فقالوا : قتل صبيا ، فسأله الحاكم ، فقال : ما قتلته . فأرادوا أن يبطشوا به ، فقال : إيتوني بالصبي حتى أسأله من قتله ، فتعجبوا من قوله ، وأحضروا عنده القتيل ، فدعا الله فأحياه ، فقال : من قتلك ؟ فقال : قتلني فلان ، يعني الذي قتله . فقال بنو إسرائيل للقتيل : من هذا ؟ قال : هذا عيسى ابن مريم ، ثم مات الغلام من ساعته .

وقال عطاء : سلمت مريم عيسى إلى صباغ يتعلم عنده ، فاجتمع عند الصباغ ثياب [ ص: 280 ] وعرض له حاجة ، فقال للمسيح : هذه ثياب مختلفة الألوان وقد جعلت في كل ثوب منها خيطا على اللون الذي يصبغ به فاصبغها حتى أعود من حاجتي هذه . فأخذها المسيح وألقاها في جب واحد ، فلما عاد الصباغ سأله عن الثياب فقال : صبغتها . فقال : أين هي ؟ قال : في هذا الجب ، فقال : كلها ؟ قال : نعم . قال : لقد أفسدتها على أصحابها ! وتغيظ عليه ، فقال له المسيح : لا تعجل وانظر إليها ، وقام وأخرجها كل ثوب منها على اللون الذي أراد صاحبه ، فتعجب الصباغ منه وعلم أن ذلك من الله تعالى .

ولما عاد عيسى وأمه إلى الشام نزلا بقرية يقال لها ناصرة ، وبها سميت النصارى ، فأقام إلى أن بلغ ثلاثين سنة ، فأوحى الله إليه أن يبرز للناس ويدعوهم إلى الله تعالى ويداوي المرضى والزمنى والأبرص وغيرهم من المرضى ، ففعل ما أمر به ، وأحبه الناس ، وكثر أتباعه وعلا ذكره .

وحضر يوما طعام بعض الملوك كان دعا الناس إليه ، فقعد على قصعة يأكل منها ولا تنقص ، فقال الملك : من أنت ؟ قال : أنا عيسى ابن مريم . فنزل الملك عن ملكه واتبعه نفر من أصحابه فكانوا الحواريين .

وقيل : إن الحواريين هم الصباغ الذي تقدم ذكره وأصحاب له ، وقيل : كانوا صيادين ، وقيل : قصارين ، وقيل : ملاحين ، والله أعلم . وكانت عدتهم اثني عشر رجلا ، وكانوا إذا جاعوا أو عطشوا قالوا : يا روح الله قد جعنا وعطشنا ، فيضرب يده إلى الأرض فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين وما يشربون . فقالوا : من أفضل منا ، إذا شئنا أطعمتنا وسقيتنا ! فقال : أفضل منكم من يأكل من كسب يده ، فصاروا يغسلون الثياب بالأجرة .

ولما أرسله الله أظهر من المعجزات أنه صور من طين صورة طائر ثم نفخ فيه [ ص: 281 ] فيصير طائرا بإذن الله ، وقيل هو الخفاش .

وكان غالبا على زمانه الطب فأتاهم بما أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى تعجيزا لهم ، فممن أحياه " عازر " ، وكان صديقا لعيسى ، فمرض ، فأرسلت أخته إلى عيسى أن عازر يموت ، فسار إليه وبينهما ثلاثة أيام ، فوصل وقد مات منذ ثلاثة أيام ، فأتى قبره فدعا له فعاش ، وبقي حتى ولد له . وأحيا امرأة وعاشت وولد لها . وأحيا سام بن نوح ، كان يوما مع الحواريين يذكر نوحا والغرق والسفينة فقالوا : لو بعثت لنا من شهد ذلك ! فأتى تلا وقال : هذا قبر سام بن نوح ، ثم دعا الله فعاش ، وقال : قد قامت القيامة ؟ فقال المسيح : لا ولكن دعوت الله فأحياك ، فسألوه ، فأخبرهم ، ثم عاد ميتا .

وأحيا عزيرا النبي ، قال له بنو إسرائيل : أحي لنا عزيرا وإلا أحرقناك . فدعا الله فعاش ، فقالوا : ما تشهد لهذا الرجل ؟ قال : أشهد أنه عبد الله ورسوله . وأحيا يحيى بن زكرياء . وكان يمشي على الماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية