الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر نزول المائدة

وكان من المعجزات العظيمة نزول المائدة .

وسبب ذلك : أن الحواريين قالوا له : يا عيسى هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء فدعا عيسى فقال : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا فأنزل الله المائدة عليها خبز ولحم يأكلون منها ولا تنفد ، فقال لهم : إنها مقيمة ما لم تدخروا منها . فما مضى يومهم حتى ادخروا . [ ص: 282 ] وقيل : أقبلت الملائكة تحمل المائدة عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم ، وقيل : كان عليها من ثمار الجنة ، وقيل : كانت تمد بكل طعام إلا اللحم ، وقيل : كانت سمكة فيها طعم كل شيء ، فلما أكلوا منها ، وهم خمسة آلاف ، وزادت حتى بلغ الطعام ركبهم ، قالوا : نشهد أنك رسول الله ، ثم تفرقوا فتحدثوا بذلك . فكذب به من لم يشهده ، وقالوا : سحر أعينكم ، فافتتن بعضهم وكفر ، فمسخوا خنازير ليس فيهم امرأة ولا صبي ، فبقوا ثلاثة أيام ، ثم هلكوا ولم يتوالدوا .

وقيل : كانت المائدة سفرة حمراء تحتها غمامة وفوقها غمامة وهم ينظرون إليها تنزل حتى سقطت بين أيديهم ، فبكى عيسى وقال : اللهم اجعلني من الشاكرين ! اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة ولا عقوبة ! واليهود ينظرون إلى شيء لم يروا مثله ولم يجدوا ريحا أطيب من ريحها . فقال شمعون : يا روح الله ، أمن طعام الدنيا أم من طعام الجنة ؟ فقال المسيح : لا من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، إنما هو شيء خلقه الله بقدرته . فقال لهم : كلوا مما سألتم . فقالوا له : كل أنت يا روح . فقال : معاذ الله أن آكل منها ! فلم يأكل ولم يأكلوا منها ، فدعا المرضى ، والزمنى ، والفقراء ، فأكلوا منها ، وهم ألف وثلاثمائة ، فشبعوا ، وهي بحالها لم تنقص ، فصح المرضى ، والزمنى ، واستغنى الفقراء ، ثم صعدت وهم ينظرون إليها حتى توارت ، وندم الحواريون حيث لم يأكلوا منها .

وقيل : إنها نزلت أربعين يوما ، كانت تنزل يوما وتنقطع يوما ، وأمر الله عيسى أن يدعو إليها الفقراء دون الأغنياء ، ففعل ذلك ، فاشتد على الأغنياء وجحدوا نزولها وشكوا في ذلك وشككوا غيرهم فيها ، فأوحى الله إلى عيسى : إني شرطت أن أعذب المكذبين عذابا لا أعذب به أحدا من العالمين ، فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين رجلا فأصبحوا خنازير . فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى وبكوا ، وبكى عيسى على الممسوخين . فلما أبصرت الخنازير عيسى بكوا وطافوا وهو يدعوهم بأسمائهم ويشيرون [ ص: 283 ] برءوسهم ولا يقدرون على الكلام ، فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية