الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4961 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " متفق عليه .

التالي السابق


4961 - ( وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد ) أي : إيمانا كاملا ( حتى يحب لأخيه ) أي : المسلم ( ما يحب لنفسه ) أي : مثل جميع ما يحبه العبد لنفسه ، وفي شرح مسلم للنووي قالوا : لا يؤمن الإيمان التام ، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة ، والمراد يحب لأخيه من الطاعات والمباحات . يدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث ، حتى يحب لأخيه من الخير . وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : وهذا قد يعد من الصعب الممتنع ، وليس كذلك إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام مثل ما يحب لنفسه ، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها ، وذلك سهل على القلب السليم . اهـ .

[ ص: 3109 ] وتحقيق ذلك أن المؤمنين متحدون بحسب الأرواح متعددون من حيث الأجسام والأشباح كنور واحد في مظاهر مختلفة ، أو كنفس واحدة في أبدان متفرقة ، بحيث لو تألم الواحد تأثر الجميع ، كما لوح إلى هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم : " المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله ، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله " ، وكما روي عن بعض المشايخ النقشبندية أنه أحس بالبرودة فقال : زملوني زملوني ، فغطوه فجاءه مريد له وقع في ماء بارد في شتاء شديد ، فقال الشيخ : أدفئوه ، فلما دفئ المريد قام الشيخ مستدفئا ، ونظيره أن ليلى افتصدت فخرج الدم من يد العامري ، فأنشد :

أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنا



لكن الأظهر أن يقول : نحن روح واحد تعلق بها بدنان ، فيكون إشارة إلى الأبدان المكتسبة الواقعة للسادة الصوفية ، وإلا فهو موهم للحلول ، ثم بل لو تمكنوا فيه صح ذلك لهم بالنسبة إلى جميع الأشياء ، كما روي عن بعضهم : أنه ضرب عبده حمارا ، فتألم الشيخ بحيث رؤي ألم الضرب في عضوه الذي بإزاء العضو المضروب للحمار ، وذلك لأن إيمانهم من أثر نور الهداية شرعا وطريقة ، ومن أثر نور الله حقيقة ، وهو نور التوحيد من عكس نور الفردانية من نور الذات فأرواحهم اتحدت بذلك النور المقتضي للألفة والرحمة ، فإن حزن واحد حزنوا ، وإن فرح واحد فرحوا ، وهذا مقام الجمع بالروح ، وهو أن يجتمع عند تجلي الروح الأعظم عن تفرقة الطبيعة وتتحد الأرواح ، وهناك مقام أعلى يقال له : جمع الجمع ، وهو أن يجتمع عند تجلي الحق له عن تفرقة الغير روحانيا ونفسانيا ملكيا وملكوتيا ، فلا يرى غير الله لاختفاء جميع الأشياء في نور التوحيد ، كاختفاء النجوم عند إشراق الشمس ، وهذا رشحه من رحيق مختوم ختامه مسك ( متفق عليه ) أي : معنى ، فلفظ البخاري : لا يؤمن أحدكم وفي نسخة عبد ، وفي أخرى أحد من غير قسم ، ولفظ مسلم : والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ، أو قال لأخيه ما يحب لنفسه ، فلم يذكر المؤلف لفظ واحد منهما . ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، ذكره ميرك . فالمتفق عليه لفظا هو : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، كما رواه النووي في أربعينه . وقال : رواه البخاري ومسلم ، وكذا في الجامع الصغير ، وقال : رواه أحمد والشيخان والثلاثة .




الخدمات العلمية