[ ص: 344 ] فصل في أجناس ما يتاب منه
ولا يستحق العبد اسم التائب حتى يتخلص منها .
وهي اثنا عشر جنسا مذكورة في كتاب الله عز وجل ، هي
nindex.php?page=treesubj&link=28846أجناس المحرمات : الكفر ، والشرك ، والنفاق ، والفسوق ، والعصيان ، والإثم ، والعدوان ، والفحشاء ، والمنكر ، والبغي ، والقول على الله بلا علم ، واتباع غير سبيل المؤمنين .
فهذه الاثنا عشر جنسا عليها مدار كل ما حرم الله ، وإليها انتهاء العالم بأسرهم إلا أتباع الرسل ، صلوات الله وسلامه عليهم ، وقد يكون في الرجل أكثرها وأقلها ، أو واحدة منها ، وقد يعلم ذلك ، وقد لا يعلم .
فالتوبة النصوح هي بالتخلص منها ، والتحصن والتحرز من مواقعتها ، وإنما يمكن التخلص منها لمن عرفها .
ونحن نذكرها ، ونذكر ما اجتمعت فيه وما افترقت ، لتتبين حدودها وحقائقها ، والله الموفق لما وراء ذلك ، كما وفق له ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهذا الفصل من أنفع فصول الكتاب ، والعبد أحوج شيء إليه .
الكفر
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=29436الكفر فنوعان : كفر أكبر ، وكفر أصغر .
فالكفر الأكبر هو الموجب للخلود في النار .
والأصغر موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود ، كما في قوله تعالى - وكان مما يتلى فنسخ لفظه - " لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم " وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=980247اثنتان في أمتي ، هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة وقوله في السنن
nindex.php?page=hadith&LINKID=980248من أتى امرأة في [ ص: 345 ] دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد وفي الحديث الآخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=980249من أتى كاهنا أو عرافا ، فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل الله على محمد وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980250لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وهذا تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعامة الصحابة في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ليس بكفر ينقل عن الملة ، بل إذا فعله فهو به كفر ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر ، وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، وقال
عطاء : هو كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحدا له ، وهو قول
عكرمة ، وهو تأويل مرجوح ، فإن نفس جحوده كفر ، سواء حكم أو لم يحكم .
ومنهم من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله ، قال : ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام ، وهذا تأويل
عبد العزيز الكناني ، وهو أيضا بعيد ، إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزل ، وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه .
ومنهم من تأولها على الحكم بمخالفة النص ، تعمدا من غير جهل به ولا خطأ في التأويل ، حكاه البغوي عن العلماء عموما .
[ ص: 346 ] ومنهم من تأولها على أهل الكتاب ، وهو قول قتادة ،
والضحاك وغيرهما ، وهو بعيد ، وهو خلاف ظاهر اللفظ ، فلا يصار إليه .
ومنهم من جعله كفرا ينقل عن الملة .
والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين ، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم ، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة ، وعدل عنه عصيانا ، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة ، فهذا كفر أصغر ، وإن اعتقد أنه غير واجب ، وأنه مخير فيه ، مع تيقنه أنه حكم الله ، فهذا كفر أكبر ، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطئ ، له حكم المخطئين .
والقصد أن
nindex.php?page=treesubj&link=28677المعاصي كلها من نوع الكفر الأصغر ، فإنها ضد الشكر ، الذي هو العمل بالطاعة ، فالسعي إما شكر ، وإما كفر ، وإما ثالث ، لا من هذا ولا من هذا ، والله أعلم .
[ ص: 344 ] فَصْلٌ فِي أَجْنَاسِ مَا يُتَابُ مِنْهُ
وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ اسْمَ التَّائِبِ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهَا .
وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ جِنْسًا مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، هِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=28846أَجْنَاسُ الْمُحَرَّمَاتِ : الْكُفْرُ ، وَالشِّرْكُ ، وَالنِّفَاقُ ، وَالْفُسُوقُ ، وَالْعِصْيَانُ ، وَالْإِثْمُ ، وَالْعُدْوَانُ ، وَالْفَحْشَاءُ ، وَالْمُنْكَرُ ، وَالْبَغْيُ ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ ، وَاتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ .
فَهَذِهِ الِاثْنَا عَشَرَ جِنْسًا عَلَيْهَا مَدَارُ كُلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَإِلَيْهَا انْتِهَاءُ الْعَالَمِ بِأَسْرِهِمْ إِلَّا أَتْبَاعَ الرُّسُلِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الرَّجُلِ أَكْثَرُهَا وَأَقَلُّهَا ، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا ، وَقَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ ، وَقَدْ لَا يَعْلَمُ .
فَالتَّوْبَةُ النَّصُوحُ هِيَ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهَا ، وَالتَّحَصُّنِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ مُوَاقَعَتِهَا ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا لِمَنْ عَرَفَهَا .
وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا ، وَنَذْكُرُ مَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ وَمَا افْتَرَقَتْ ، لِتَتَبَيَّنَ حُدُودَهَا وَحَقَائِقَهَا ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، كَمَا وَفَّقَ لَهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .
وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ أَنْفَعِ فُصُولِ الْكِتَابِ ، وَالْعَبْدُ أَحْوَجُ شَيْءٍ إِلَيْهِ .
الْكُفْرُ
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29436الْكُفْرُ فَنَوْعَانِ : كُفْرٌ أَكْبَرُ ، وَكُفْرٌ أَصْغَرُ .
فَالْكَفْرُ الْأَكْبَرُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ .
وَالْأَصْغَرُ مُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَعِيدِ دُونَ الْخُلُودِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى - وَكَانَ مِمَّا يُتْلَى فَنُسِخَ لَفْظُهُ - " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ " وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980247اثْنَتَانِ فِي أُمَّتِي ، هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ : الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ ، وَالنِّيَاحَةُ وَقَوْلُهُ فِي السُّنَنِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980248مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي [ ص: 345 ] دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980249مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا ، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980250لَا تَرْجِعُوا بِعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَهَذَا تَأْوِيلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ ، بَلْ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ بِهِ كُفْرٌ ، وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَكَذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16248طَاوُسٌ ، وَقَالَ
عَطَاءٌ : هُوَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ .
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى تَرْكِ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِدًا لَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ
عِكْرِمَةَ ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ مَرْجُوحٌ ، فَإِنَّ نَفْسَ جُحُودِهِ كُفْرٌ ، سَوَاءٌ حَكَمَ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ .
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى تَرْكِ الْحُكْمِ بِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، قَالَ : وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِسْلَامِ ، وَهَذَا تَأْوِيلُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيِّ ، وَهُوَ أَيْضًا بَعِيدٌ ، إِذِ الْوَعِيدُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ بِالْمُنَزَّلِ ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ تَعْطِيلَ الْحُكْمِ بِجَمِيعِهِ وَبِبَعْضِهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى الْحُكْمِ بِمُخَالَفَةِ النَّصِّ ، تَعَمُّدًا مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ بِهِ وَلَا خَطَأٍ فِي التَّأْوِيلِ ، حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ عُمُومًا .
[ ص: 346 ] وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهَا عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ ،
وَالضَّحَاكِ وَغَيْرِهِمَا ، وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَتَنَاوَلُ الْكُفْرَيْنِ ، الْأَصْغَرَ وَالْأَكْبَرَ بِحَسَبِ حَالِ الْحَاكِمِ ، فَإِنَّهُ إِنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ، وَعَدَلَ عَنْهُ عِصْيَانًا ، مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ ، فَهَذَا كُفْرٌ أَصْغَرُ ، وَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ ، وَأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ ، مَعَ تَيَقُّنِهِ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ ، فَهَذَا كُفْرٌ أَكْبَرُ ، وَإِنْ جَهِلَهُ وَأَخْطَأَهُ فَهَذَا مُخْطِئٌ ، لَهُ حُكْمُ الْمُخْطِئِينَ .
وَالْقَصْدُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28677الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا مِنْ نَوْعِ الْكُفْرِ الْأَصْغَرِ ، فَإِنَّهَا ضِدُّ الشُّكْرِ ، الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ ، فَالسَّعْيُ إِمَّا شُكْرٌ ، وَإِمَّا كَفْرٌ ، وَإِمَّا ثَالِثٌ ، لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .