الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبي ، ثنا أحمد ، ثنا أبو نصر ، حدثني أسد بن عفير ، قال : سمعت الشافعي يقول : كان حماد البربري واليا علينا بمكة فزادوه اليمن فقلت لأمي : ما ندري وما أملي لهذا الرجل ، ولي مكة وزيد اليمن . فقالت : يا بني إن الحجر إذا سما [ ص: 141 ] كان أشد سقوطا . فقلت : يا أمه ! صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تصير للكع ابن لكع . فقالت : يا بني وأين لكع ابن لكع ؟ رحم الله لكع ابن لكع منذ زمن طويل .

              حدثنا أبي ، ثنا أبو نصر ، قال : سمعت أبا عبد الله ابن أخي وهب يقول : سمعت الشافعي يقول :

              وأنطقت الدراهم بعد صمت أناسا بعدما كانوا سكوتا     فما عطفوا على أحد بفضل
              ولا عرفوا لمكرمة ثبوتا

              .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت إبراهيم بن ميمون الصواف يقول : سمعت الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لم يتغن بالقرآن إنه ليس أن يستغني به ، ولكنه يقرؤه حذرا وتحزينا .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري ، ثنا يحيى بن أيوب العلاف ، قال : سمعت بعض أصحابنا ، قال القشيري : أظنه حرملة ، قال : سمعت الشافعي يقول : من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته يقول الله عز وجل في كتابه : إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت أحمد بن محمد بن الحارث القتات يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول : سمعت الشافعي يقول : ما رأينا سمينا عاقلا إلا رجلا واحدا .

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا الفضل بن محمد الجندي ، ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، قال : سمعت ابن إدريس الشافعي يقول : قال ابن عباس لرجل : أي شيء هذا ؟ فأخبره ، قال : ثم أراه شيئا أبعد منه فقال : أي شيء هذا ؟ قال : انقطع الطرف دونه . قال : فكما جعل لطرفك حد ينتهي إليه ، كذلك جعل لعقلك حد ينتهي إليه .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن ريان ، ومحمد بن يحيى بن آدم ، قالا : ثنا الربيع ، قال : سمعت الشافعي يقول : الفول يزيد في الدماغ والدماغ من العقل .

              [ ص: 142 ] حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبو الحسن بن القتات ، ثنا محمد بن أبي يحيى ، ثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي يقول : لولا أن رجلا عاقلا تصوف لم يأت الظهر حتى يصير أحمق .

              قال : وسمعته يقول : رأيت بالمدينة ثلاث عجائب لم أر مثلها قط ، رأيت رجلا فلس في مد من نوى ، فلسه القاضي ، ورأيت رجلا له سن شيخ كبير خضيب يدور على بيوت القيان ماشيا يعلمهم الغناء ، فإذا حضرت الصلاة صلى قاعدا ، ورأيت رجلا أعسر يكتب بشماله وهو يسبق من يكتب بيمينه .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني محمد بن يحيى بن آدم ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول : يقول الناس : ما العراق وما في الدنيا مثل مصر للرجال ، لقد قدمت مصر وأنا مثل الصبي ما أتحرك ، فما برح من مصر حتى ولد له من جاريته دنانير أبو الحسن . وتزوج الشافعي امرأة زهرية بنت أبي زرارة الزهري ، ثم إنه طلقها بعد أن دخل بها .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا أبو رافع أسامة بن علي بن سعيد ، ثنا علي بن عمرو الأفريقي ، قال : سمعت أبا عثمان بن محمد بن إدريس الشافعي يقول : سمعت أبي يقول : العدالة بمصر خير من قضاء بلد من البلدان .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سياه ، ثنا أبو الطيب أحمد بن روح ، ثنا إبراهيم بن زياد الأيلي ، قال : سمعت البويطي يقول : قدم علينا الشافعي مصر فكانت زبيدة ترسل إليه برزم الوشي والثياب فيقسمها الشافعي بين الناس .

              حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري ، ثنا أبو تراب محمد بن سهل الطوسي ، قال : سمعت الربيع بن سليمان يقول : سمعت الشافعي يقول : العلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبو الفضل محمد بن هارون بن أسباط ، ثنا علي بن عثمان ، قال : سمعت حرملة يقول : سمعت الشافعي يقول : شيئان أغفلهما الناس : النظر في الطب ، والعناية بالنجوم .

              [ ص: 143 ] حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبو بكر محمد بن رمضان الزيات ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت الشافعي يقول : عجبا لمن يدخل الحمام ، ثم لا يأكل كيف يعيش ، وعجبا لمن يحتجم ، ثم يأكل من ساعته كيف يعيش .

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا محمد بن يحيى بن آدم الخولاني ، ثنا يحيى بن عثمان ، ثنا حرملة ، قال سمعت الشافعي يقول : عجبا لمن تعشى بالبيض المسلوق فنام عليه كيف لا يموت ، أو كما قال .

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا عبد الله بن محمد بن سهل السباي ، ثنا الربيع ، قال : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر إلا رأيت الكراهة في وجهه ، إلا محمد بن الحسن .

              حدثنا أبو عمرو بن حمدان ، قال سمعت الحسن بن سفيان يقول : سمعت حرملة بن يحيى يقول : سمعت الشافعي يقول في رجل يضع في فمه ثمرة ، فيقول لامرأته : أنت طالق إن أكلتها أو طرحتها ، قال : يأكل نصفها ويطرح نصفها .

              حدثنا عثمان بن محمد بن عثمان العثماني ، ثنا محمد بن إبراهيم الديباجي ، ثنا محمد بن سعيد بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن عقيل ، حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ذاكرت الشافعي يوما بحديث وأنا غلام ، فقال : من حدثك به ؟ قلت : أنت . قال : في أي كتاب ؟ قلت : كتاب كذا وكذا . فقال : ما حدثتك به من شيء فهو كما حدثتك ، وإياك والرواية عن الأحياء .

              حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر ، قال : سمعت أبا القاسم الزيات يقول : سمعت الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول : من استغضب فلم يغضب فهو حمار ، ومن غضب فاسترضي فلم يرض فهو حمار .

              حدثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قال : سمعت الزبير بن عبد الواحد يقول : سمعت عمر بن فهد يقول : سمعت الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول : من استغضب فلم يغضب فهو حمار ، ومن استرضي فلم يرض فهو شيطان .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حمدان ، ثنا أبو محمد بن أبي حاتم ، ثنا أحمد [ ص: 144 ] بن سلمة بن عبد الله النيسابوري ، قال : قال أبو بكر وراق الحميدي ، قال : سمعت الحميدي يقول : قال محمد بن إدريس الشافعي : خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها ، ثم لما حان انصرافي مررت على رجل في الطريق وهو محتب بفناء داره ، أزرق العين ناتئ الجبهة سناط ، فقلت له : هل من منزل ؟ فقال : نعم . قال الشافعي : وهذا النعت أخبث ما يكون في الفراسة ، فأنزلني فرأيته أكرم ما يكون من رجل ، بعث إلي بعشاء وطيب وعلف لدابتي وفراش ولحاف ، فجعلت أتقلب الليل أجمع ، ما أصنع بهذه الكتب إذا رأيت النعت في هذا الرجل ؟ فرأيت أكرم رجل فقلت : أرمي بهذه الكتب ، فلما أصبحت قلت للغلام : أسرج ، فأسرج فركبت ، ومررت عليه وقلت له : إذا قدمت مكة ومررت بذي طوى فاسأل عن محمد بن إدريس الشافعي . فقال لي الرجل : أمولى لأبيك أنا ؟ قال : قلت : لا . قال : فهل كانت لك عندي نعمة ؟ فقلت : لا . فقال : أين ما تكلفته لك البارحة ؟ قلت : وما هو ؟ قال : اشتريت لك طعاما بدرهمين ، وإداما بكذا وكذا ، وعطرا بثلاثة دراهم ، وعلفا لدابتك بدرهمين . وكراء الفرش واللحاف درهمان . قال : قلت : يا غلام أعطه . فهل بقي من شيء ؟ قال : كراء البيت فإني قد وسعت عليك وضيقت على نفسي . قال الشافعي : فغبطت بتلك الكتب . فقلت له بعد ذلك : هل بقي لك من شيء ؟ قال : امض أخزاك الله ، فما رأيت قط شرا منك .

              حدثنا عبد الرحمن بن محمد ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا أبي ، ثنا حرملة ، قال : سمعت الشافعي يقول : احذر الأعور والأحول والأعرج والأحدب والأشقر والكوسج وكل من به عاهة في بدنه ، وكل ناقص الخلق فاحذره فإن فيه التواء ، ومخالطته معسرة . وقال الشافعي مرة أخرى : فإنهم أصحاب خبث . قال أبو محمد بن أبي حاتم : إذا كانت ولادتهم بهذه الحالة ، فأما من حدث فيه شيء من هذه العلل وكان في الأصل صحيح التركيب لم تضر مخالطته .

              حدثنا عبد الرحمن ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : سمعت الشافعي يقول : إذا رأيتم الكتاب فيه إصلاح وإلحاق فاشهدوا له بالصحة .

              [ ص: 145 ] حدثنا عبد الرحمن ، ثنا أبو محمد ، ثنا أبو حرملة ، قال : سمعت الشافعي يقول : إذا أردت أن تعرف الرجل أكاتب هو ؟ فانظر أين يضع دواته ، فإن وضعها عن شماله أو بين يديه فاعلم أنه ليس بكاتب .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ، ثنا أبو نصر المصري ، ثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أخي بن وهب ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي ، قال : دخل رجل من بني كنانة على معاوية بن أبي سفيان فقال له : هل شهدت بدرا ؟ قال : نعم . قال : مثل من كنت ؟ قال : غلام قمدود مثل عطباء الجلمود ، قال : فحدثني ما رأيت وحضرت . قال : ما كنا إلا شهودا كأغياب ، وما رأينا ظفرا كان أوشك منه . قال : فصف لي ما رأيت . قال : رأيت في سرعان الناس علي بن أبي طالب غلاما شابا ليثا عبقريا يفري الفرى ، لا يثبت له أحد إلا قتله ، ولا يضرب شيئا إلا هتكه ، لم أر من الناس أحدا قط أنفق منه ، يحمل حملة ، ويلتفت التفاتة كأنه ثعلب رواغ ، وكأن له عينين في قفاه ، وكأن وثوبه وثوب وحش يتبعه رجل معلم بريش نعامة كأنه جمل يحطم يبسا ، ولا يستقبل شيئا إلا هده ، ولا يثبت له شيء إلا ثكلته أمه ، شجاع أبله ، يحمل بين يديه ولا يلتفت وراءه . قيل : هذا حمزة بن عبد المطلب عم محمد صلى الله عليه وسلم . قال : فرأيت ماذا ؟ قال : رأيت ما وصفت لك ، ورأيت جدك عتبة وخالك الوليد حين قتلا ، ورأيت ما وصفت لمن حضر من أهلك لم يعفوا عنه . قال : فكنت في المنهزمين ؟ قال : نعم ما انهزمت عشيرتك فأنى كنت منهم ؟ قال : لما انهزمت كنت في سرعانهم ، قال : فأين رحت ؟ قال : ما رحت حتى نظرت إلى الهضاب ، قال : لقد أحسنت الهرب قال : فعلي ما احتسبه أبوك وبعده ما اتعظت بمصرع كمصرع جدك وخالك وأخيك . قال : إنك لغليظ الكلام ، قال : إني ممن يفر ، قال : إنكم تبغضون قريشا . قال : أما من كان منهم أهله فنبغضه . قال : ومن الذين هم أهله ؟ قال : من قطع القرابة واستأثر بالفيء وطلب الحق ، فلما أعطيه منعه . قال : ما فيكم خير من أن يسكت عنك . قال : ذاك إليك ، قال : قد فعلت . قال : قد سكت .

              [ ص: 146 ] حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر ، قال : سمعت أبا القاسم الزيات يقول : سمعت الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول : إذا أخطأتك الصنيعة إلى من يتقي الله فاصنعها إلى من يتقي العار .

              قال : وسمعت الشافعي يقول : ما رفعت أحدا فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه .

              حدثنا الحسن بن سعيد بن جعفر ، قال : سمعت محمد بن زغبة يقول : سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول : كتب حكيم إلى حكيم : يا أخي قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم .

              حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا محمد بن زغبة ، سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول : سمعت الشافعي يقول : كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه ، ويفرح إذا نسب إليه ، وكفى بالجهل شينا أن يتبرأ منه من هو فيه ويغضب إذا نسب إليه .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، ثنا أحمد بن محمد بن الحارث ، وإبراهيم بن ميمون الصواف ، قالا : ثنا محمد بن إبراهيم بن جناد ، ثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : خلفت بالعراق شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التعبير ، يشتغلون به عن القرآن .

              حدثنا الحسن بن سعيد ، ثنا زكريا الساجي ، ثنا الحسن بن محمد البجلي ، قال : سمعت الحسن بن إدريس الحلواني ، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : ما أفلح سمين قط إلا أن يكون محمد بن الحسن . قيل له : ولم ؟ قال : لأن العاقل لا يخلو من إحدى خلتين ، إما أن يغتم لآخرته ومعاده ، أو لدنياه ومعاشه ، والشحم مع الغم لا ينعقد ، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم فيعقد الشحم .

              حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد ، ثنا محمد بن سعيد بن محمد الطحان ، بواسط ثنا الحارث بن محمد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاتم ، قال : سمعت يحيى بن زكريا ، يحكي عن محمد بن إدريس الشافعي ، قال : بلغني أن عبد الملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف : ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه ، [ ص: 147 ] فعب نفسك ، ولا تخبئ منها شيئا . فقال : يا أمير المؤمنين ، هو لحوح حقود حسود . فقال له عبد الملك : إذا بينك وبين الشيطان نسب . فقال : يا أمير المؤمنين إن الشيطان إذا رآني سالمني .

              قال : ثم قال الشافعي : الحسد إنما يكون من لؤم العنصر ، وتعادي الطبائع ، واختلاف التركيب ، وفساد مزاج البنية ، وضعف عقد العقل ، الحاسد طويل الحسرات عادم الدرجات .

              حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا محمد بن القاسم الصابوني البغدادي ، ثنا محمد بن الحسن بن سماعة ، ثنا نهشل بن كثير ، عن أبيه كثير قال : أدخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد ليستأذن على أمير المؤمنين ، ومعه سراج الخادم فأقعده عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد . فقال سراج للشافعي : يا أبا عبد الله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين ، وهو مؤدبهم ، فلو أوصيته بهم ، فأقبل الشافعي على أبي عبد الصمد فقال له : ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك ; فإن أعينهم معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تركته ، علمهم كتاب الله ، ولا تكرهم عليه فيملوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ، ثم روهم من الشعر أعفه ، ومن الحديث أشرفه ، ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يحكموه ، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم .

              حدثنا محمد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت محمد بن بشر الإبيري يقول : سمعت الربيع يقول : كنت عند الشافعي ، فجاء رجل فكلمه بكلام فأنشأ الشافعي يقول :

              جنونك مجنون ولست بواجد     طبيبا يداوي من جنون جنون

              .

              حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي ، قال : سمعت عبد الله بن سندة بن الوليد يحكي عن بحر بن نصر قال : قيل للشافعي : الناس يقولون إنك شيعي ، فقال : ما مثلي ومثلهم إلا كما قال نصيب الشاعر :

              وما زال كتمانيك حتى كأنني     لرجع جواب السائلي عنك أعجم
              لأسلم من قول الوشاة وتسلمي     سلمت وهل حي على الناس يسلم

              [ ص: 148 ] ثم قال : ليس إلى السلامة من الناس سبيل فانظر إلى ما يصلح دينك فالزمه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية