الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( إذا nindex.php?page=treesubj&link=2375نوى الصوم من الليل ثم أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وعليه القضاء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني : يصح صومه كما لو نوى الصوم ثم نام جميع النهار ، والدليل على أن الصوم لا يصح أن الصوم نية وترك ، ثم لو انفرد الترك عن النية لم يصح ، فإذا انفردت النية عن الترك لم يصح ، وأما النوم فإن nindex.php?page=showalam&ids=13785أبا سعيد الإصطخري قال : إذا نام جميع النهار لم يصح صومه ، كما إذا أغمي عليه جميع النهار ، والمذهب أنه يصح صومه إذا نام . والفرق بينه وبين الإغماء أن النائم ثابت العقل ، لأنه إذا نبه انتبه والمغمى عليه بخلافه ، ولأن النائم كالمستيقظ ، ولهذا ولايته ثابتة على ماله بخلاف المغمى عليه ، وإن نوى الصوم ثم أغمي عليه في بعض النهار فقد قال في كتاب الظهار ومختصر nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي : إذا كان في أوله مفيقا صح صومه ، وفي كتاب الصوم إذا كان في بعضه مفيقا أجزأه . وقال في اختلاف nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى : إذا كانت صائمة فأغمي عليها أو حاضت بطل صومها ، وخرج أبو العباس قولا آخر أنه إن كان مفيقا في طرفي النهار صح صومه ، فمن أصحابنا من قال : المسألة على قول واحد أنه يعتبر أن يكون مفيقا في أول النهار ، وتأول ما سواه من الأقوال على هذا ، ومن أصحابنا من قال : فيها أربعة أقوال : ( أحدها ) أنه تعتبر الإفاقة في أوله كالنية تعتبر في أوله . ( والثاني ) أنه تعتبر الإفاقة في طرفيه كما أن في الصلاة يعتبر القصد في الطرفين في الدخول والخروج ، ولا يعتبر فيما بينهما .
( والثالث ) أنه تعتبر الإفاقة في جميعه ، فإذا أغمي عليه في بعضه لم يصح [ صومه ] ; لأنه معنى إذا طرأ أسقط فرض الصلاة فأبطل الصوم [ ص: 384 ] كالحيض .
( والرابع ) تعتبر الإفاقة في جزء منه ولا أعرف له وجها ، إن نوى الصوم ثم جن ففيه قولان : قال في الجديد : يبطل الصوم ; لأنه عارض يسقط فرض الصلاة ، فأبطل الصوم كالحيض . وقال في القديم : هو كالإغماء ; لأنه يزيل العقل والولاية فهو كالإغماء ) .
( الشرح ) قوله : لأنه عارض يسقط فرض الصلاة ، ينتقض بالإغماء ، فإنه يسقط فرض الصلاة ولا يبطل الصوم به في بعض النهار على الأصح .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل : ( إحداها ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=2375_2485نام جميع النهار وكان قد نوى من الليل صح صومه على المذهب وبه قال الجمهور . وقال أبو الطيب بن سلمة nindex.php?page=showalam&ids=13785وأبو سعيد الإصطخري : لا يصح ، حكاه البندنيجي عن ابن سريج أيضا ، ودليل الجميع في الكتاب ، وأجمعوا على أنه لو nindex.php?page=treesubj&link=2375_2485استيقظ لحظة من النهار ونام باقيه صح صومه ( الثانية ) لو nindex.php?page=treesubj&link=2375نوى من الليل ولم ينم النهار ولكن كان غافلا عن الصوم في جميعه صح صومه بالإجماع ; لأن في تكليف ذكره حرجا .
( الثالثة ) لو nindex.php?page=treesubj&link=2375نوى من الليل ثم أغمي عليه جميع النهار ، لم يصح صومه على المذهب ، وفيه قول مخرج من النوم أنه يصح خرجه nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني وغيره من أصحابنا ودليل الجميع في الكتاب .
( الرابعة ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=2375نوى من الليل وأغمي عليه بعض النهار دون بعض ففيه ثلاثة طرق : ( أحدها ) إن أفاق في جزء من النهار صح صومه وإلا فلا ، وسواء كان ذلك الجزء أول النهار أو غيره وهذا هو نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في باب الصيام في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني .
وممن حكى هذا الطريق البغوي وحكاه الدارمي عن nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة ، وتأول هذا القائل النصين الآخرين فتأول نصه في اختلاف nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16330وابن أبي ليلى على أن بطلان الصوم عائد إلى الحيض خاصة لا إلى الإغماء ، قالوا : [ ص: 385 ] وقد يفعل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مثل هذا وتأوله الماوردي تأويلا آخر ، وهو أن المراد بالإغماء هنا الجنون ، وتأول هذا القائل نصه في الظهار nindex.php?page=showalam&ids=13920والبويطي على أنه ذكر الإفاقة في أوله للتمثيل بالجزء لا لاشتراط الأول .
( الطريق الثاني ) القطع بأنه إن أفاق في أوله صح وإلا فلا ، وتأول نصه في الصوم على أن المراد بالجزء المبهم أوله ، كما صرح به في الظهار ، وتأول نص اختلاف nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على ما سبق .
( والطريق الثالث ) في المسألة أربعة أقوال وهذا الطريق هو الأصح الأشهر ، أصح الأقوال يشترط الإفاقة في جزء منه ( والثاني ) في أوله خاصة ( والثالث ) في طرفيه ( والرابع ) في جميعه كالنقاء من الحيض . هذا الرابع تخريج لابن سريج خرجه من الصلاة ، وليس منصوصا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي قال : وليس nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ما يدل عليه ودليل الجميع في الكتاب إلا القول الأول الأصح . فإن المصنف قال : لا أعرف له وجها ، وهذا عجب منه ، مع أن هذا القول هو الأصح عند محققي أصحابنا ، فالأصح من هذا الخلاف كله إن كان مفيقا في جزء من النهار أي جزء كان صح صومه وإلا فلا .
( الخامسة ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=2375نوى الصوم بالليل وجن في بعض النهار فقولان مشهوران ذكرهما المصنف وغيره من الأصحاب ( الجديد ) بطلان صومه ; لأنه مناف للصوم كالحيض ، وقال في القديم : هو كالإغماء ففيه الخلاف السابق ، ومن الأصحاب من حكى بدل القولين وجهين كصاحب الإبانة وآخرين ومنهم من حكاهما طريقين وهو أحسن ، وقطع الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والماوردي وابن الصباغ وآخرون ببطلان الصوم بالجنون في لحظة كالحيض . ولو nindex.php?page=treesubj&link=2375جن جميع النهار لم يصح بلا خلاف .
( السادسة ) لو nindex.php?page=treesubj&link=2471_2468_2469حاضت في بعض النهار أو ارتد ، بطل صومهما بلا خلاف ، وعليهما القضاء ، وكذلك لو نفست بطل صومها بلا خلاف ، ولو ولدت ولم تر دما أصلا ، ففي بطلان صومها خلاف مبني على وجوب الغسل بخروج الولد وحده ( إن قلنا ) لا غسل ، لم يبطل صومها وإلا بطل على أشهر الوجهين عند الأصحاب ولم يبطل على الآخر ، وهو الراجح دليلا ، وقد سبق إيضاح المسألة في باب ما يوجب الغسل .
[ ص: 386 ] السابعة ) حيث قلنا : لا يصح صوم المغمى عليه إما لوجود الإغماء في كل النهار أو بعضه ، وإما لعدم نيته بالليل ، يلزمه قضاء ما فاته من رمضان ، هكذا قطع به المصنف وجماهير الأصحاب وهو المنصوص ، وفيه وجه لابن سريج ، واختاره صاحب الحاوي أنه لا nindex.php?page=treesubj&link=2375_2373_2369قضاء على المغمى عليه ، كما لا nindex.php?page=treesubj&link=2375قضاء على المجنون . والمذهب الأول ، وقد سبقت المسألة مبسوطة في أول هذا الباب .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=2375نوى الصوم في الليل ثم شرب دواء فزال عقله نهارا بسببه ، قال البغوي : إن قلنا : لا يصح صوم المغمى عليه فهذا أولى ، وإلا فوجهان ( أصحهما ) لا يصح ; لأنه بفعله ، قال المتولي : ولو شرب المسكر ليلا وبقي سكره جميع النهار لم يصح صومه . وعليه القضاء في رمضان ، وإن صحا في بعضه فهو كالإغماء في بعض النهار .