الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ويجوز nindex.php?page=treesubj&link=17118الصيد بالرمي لما روى { nindex.php?page=hadith&LINKID=104nindex.php?page=showalam&ids=1500أبو ثعلبة الخشني قال قلت : يا رسول الله إنا نكون في أرض صيد فيصيب أحدنا بقوسه الصيد ويبعث كلبه المعلم فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما لا ندرك ذكاته فقال صلى الله عليه وسلم : ما ردت عليك قوسك فكل وما أمسك كلبك المعلم فكل } وإن رماه بمحدد كالسيف والنشاب والمروة المحددة وأصابه بحده فقتله حل وإن رمي بما لا حد له كالبندق والدبوس أو بما له حد فأصابه بغير حده فقتله لم يحل لما روى nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=21556سألت [ ص: 126 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال : إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ . } وإن nindex.php?page=treesubj&link=17118رماه بسهم لا يبلغ الصيد وأعانه الريح حتى بلغه فقتله حل أكله لأنه لا يمكن حفظ الرمي من الريح فعفي عنه وإن nindex.php?page=treesubj&link=17118رمى بسهم فأصاب الأرض ، ثم ازدلف فأصاب الصيد فقتله ففيه وجهان بناء على القولين فيمن رمى إلى الغرض في المسابقة فوقع السهم دون الغرض ثم ازدلف وبلغ الغرض . وإن nindex.php?page=treesubj&link=17118رمى طائرا فوقع على الأرض فمات حل أكله لأنه لا يمكن حفظه من الوقوع على الأرض وإن وقع في ماء فمات أو على حائط أو جبل فتردى منه ومات لم يحل لما روى nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9189إذ رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإن وجدته ميتا فكل إلا أن تجده قد وقع في الماء فمات فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك ؟ } .
( الشرح ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=1500أبي ثعلبة رضي الله عنه رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم بمعناه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=25974قلت : يا رسول الله إنا بأرض صيد أصيد بقوسي ، أو بكلبي الذي ليس بمعلم ، وبكلبي المعلم ، فما يصلح لي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل . وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل } ( وأما ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم الأول فرواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم . وحديثه الثاني رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، وقوله : المروة المحددة هي بفتح الميم وهي الحجر والمعراض بكسر الميم وإسكان العين المهملة وهو سهم لا ريش له ولا نصل ، وقيل هو حديدة ، وقيل هو خشبة محددة الطرف ، والوقيذ بالقاف والذال المعجمة الموقوذ ، وهو المضروب بالعصا حتى يموت ( وقوله ) : كالبندق والدبوس هي بفتح الدال جمعه دبابيس ، وهو معروف . وأنشد فيه nindex.php?page=showalam&ids=14042الجوهري وقال : أظنه معربا وقوله صلى الله عليه وسلم : " وإن أصبت بعرضه فلا تأكل " هو بفتح العين أي العرض الذي هو خلاف الطول .
( أما الأحكام ) ففيها مسائل ( إحداها ) يجوز الصيد بالرمي بالسهام [ ص: 127 ] المحددة بالإجماع والأحاديث الصحيحة ، فإذا nindex.php?page=treesubj&link=17113رمى الصيد من هو أهل من مسلم أو كتابي فقتله فإن قتله بحد ما رماه ، كالسهم الذي له نصل محدد ، والسيف والسكين والسنان والحجر المحددة والخشبة المحددة وغير ذلك من المحددات سوى العظم والظفر حل أكله ، فإن nindex.php?page=treesubj&link=17113أصابه بما لا حد له فقتله كالبندقة والدبوس ، وحجر لا حد له ، وخشبة لا حد لها . أو رماه بمحدود فقتله بعرضه لا بحده . لما ذكرالمصنف وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=17114أصابه بحد عظم أو ظفر لم يحل . لأنه ليس من آلة الذكاة فهو كغير المحدد . قال أصحابنا : وإذا قتله بما لا حد له لم يحل . سواء جرحه به أم لا . حتى لو nindex.php?page=treesubj&link=17120رمى طائرا ببندقة فقطعت حلقومه ومريئه لم يحل لقوله تعالى . { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3والموقوذة } وهذه منها . قال أصحابنا فإذا nindex.php?page=treesubj&link=17116رماه بغير محدد أو بمحدد . فأصابه بعرضه فإن أدركه وفيه حياة مستقرة فذكاه حل ، وإن أدركه ميتا أو وفيه حياة غير مستقرة لم يحل . والله أعلم .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=17133أرسل كلبا في عنقه قلادة محددة فجرح الصيد بها حل ، كما لو أرسل سهما . هكذا ذكره البغوي ، قال الرافعي : وقد يفرق بأنه قصد بالسهم الصيد ولم يقصده بالقلادة ، والله أعلم .
( قلت ) : الصواب ما ذكره البغوي ، لأن القصد لا يشترط في الذبح .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=17115رشق الحيوان بالعصا ونحوه ، قال الروياني : إنه إن كان محددا يمور مور السهم حل ، وإن كان لا يمور إلا مستكرها نظر إن كان العود خفيفا قريبا من السهم حل وإن كان ثقيلا لم يحل .
( المسألة الثانية ) لو رمى الصيد بسهم لا يبلغه فأعانته الريح فبلغه بإعانتها ولولاها لم يبلغه فقتله حل لما ذكره المصنف ، هكذا قطع به [ ص: 128 ] الأصحاب في جميع الطرق ، وكذا نقله الرافعي عن جميع الأصحاب وأبدى إمام الحرمين فيه ترددا ، والمذهب الحل .
( الثالثة ) إذا أصاب السهم الأرض أو الحائط ثم ازدلف وأصاب الصيد ، أو أصاب حجرا فنبا عنه وأصاب الصيد ، أو نفذ فيه إلى الصيد . أو كان الرامي في نزع القوس فانقطع الوتر وصدم إلى فوق ، وارتمى السهم وأصاب الصيد ، ففي حله في جميع هذه الصور وجهان ، بناء على القولين اللذين ذكرهما المصنف في المسألة السابقة ( أصحهما ) الحل .
( الرابعة ) قال أصحابنا إذا nindex.php?page=treesubj&link=16941مات الصيد بسببين محرم ومبيح بأن مات من سهم وبندقية أصاباه من رام أو راميين ، أو أصابه طرف النصل فجرحه ثم أثر فيه عرض السهم في مروره ومات منهما ، أو رمى إلى صيد سهما فوقع على طرف سطح ثم سقط منه ، أو على جبل فتدهور منه ، أو في ماء أو على شجرة فتصدم بأغصانها ، أو وقع على محدد من سكين وغيره ، فهو حرام في كل هذه الصور بلا خلاف ، لما ذكره المصنف ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=17113جرحه على جبل فتدحرج منه من جنب إلى جنب ومات حل بلا خلاف ، ولا يضر ذلك التدحرج ، لأنه لا يؤثر في التلف بخلاف التدهور .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=17113أصاب السهم الطائر في الهواء فوقع على الأرض ومات حل بلا خلاف ، سواء مات قبل وصوله الأرض أو بعده ، لأنه لا بد من الوقوع ، فعفي عنه كما لو nindex.php?page=treesubj&link=17113كان الصيد قائما ووقع على جنبه وانصدم بالأرض فمات فإنه يحل ، ولو زحف قليلا بعد إصابة السهم ومات . فهو كالوقوع على الأرض فيحل قطعا . ولو nindex.php?page=treesubj&link=17115لم يجرحه السهم في الهواء ، بل كسر جناحه فوقع ومات فهو حرام بلا خلاف ، لأنه لم يصبه بجرح يحال الهلاك عليه ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=17113جرحه جرحا لا يؤثر مثله ، لكن عطل جناحه فوقع ومات فهو حرام ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=17113جرحه السهم [ ص: 129 ] في الهواء جرحا ثقيلا فوقع في بئر ومات نظر إن كان فيها ماء فهو حرام كما سبق وإلا فهو حلال . وقعر البئر كالأرض ، والمراد إذا لم يصدمه جدار البئر ، ولو nindex.php?page=treesubj&link=17118كان الطائر على شجرة فأصابه السهم فوقع على الأرض فمات فهو حلال ، وإن وقع على غصن ثم سقط على الأرض فهو حلال ، قال أصحابنا ، وليس الانصدام بالأغصان أو بأحرف الجبل عند التدهور من أعلاه ، كالانصدام بالأرض لأن الانصدام بالأغصان والأحرف والتدهور ليس بلازم ولا غالب فلا تدعو الحاجة إليه فلم يعف عنه والانصدام بالأرض لازم لا بد منه فعفي عنه ، ولإمام الحرمين احتمال في الصورتين لكثرة وقوع الطير على البحر والانصدام بطرف الجبل إذا كان الصيد فيه والمذهب الأول والله أعلم .
( أما ) إذا nindex.php?page=treesubj&link=17072رمى طيرا فإن كان على وجه الماء فأصابه ومات حل ويكون الماء له كالأرض لغيره ، وإن nindex.php?page=treesubj&link=17113كان خارج الماء ووقع في الماء بعد إصابة السهم ففي حله وجهان ، حكاهما صاحب الحاوي وغيره . وقطع البغوي بالتحريم . وفي شرح مختصر الجويني بالحل فلو كان الطائر في هواء البحر قال البغوي : إن كان الرامي في البر لم يحل . وإن كان في السفينة في البحر حل .
( فرع ) جميع ما ذكرناه هو فيما إذا لم ينته بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح . فإن انتهى إليها بقطع الحلقوم والمريء أو أصاب كبده ، أو أخرج حشوته . أو غير ذلك . فهو حلال . وقد تجب ذكاته ولا أثر لما يعرض بعد ذلك من وقوعه في الماء وتدهوره من الجبل . وعلى أغصان الشجرة وجدران البئر وغير ذلك مما سبق . والله تعالى أعلم .
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=17072_17113أرسل سهمين على صيد فقتلاه . فإن أصاباه معا فهو حلال . وإن أصابه أحدهما بعد الآخر بطرف فإن أزمنه الأول ولم تصب الثاني المذبح لم يحل وإن أصاب المذبح حل فإن لم يرمه الأول وقتله [ ص: 130 ] الثاني حل . وكذا لو nindex.php?page=treesubj&link=17072أرسل كلبين فأزمنه الأول وقتله الثاني لم يحل . وسواء قطع المذبح أم لا . ولو nindex.php?page=treesubj&link=17072أرسل كلبا وسهما فإن أزمنه السهم ثم أصابه الكلب لم يحل . وإن أزمنه الكلب ثم أصاب السهم المذبح حل . والله أعلم .
( فرع ) في nindex.php?page=treesubj&link=17113مذاهب العلماء إذا رمى طائرا بسهم فأصابه فوقع على الأرض ميتا أو حيا ثم مات في الحال فهو حلال عندنا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك يحل في الصورة الأولى دون الثانية ، حكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عنه رواية كمذهبنا ، وهي رواية nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب ، واتفقوا هم وغيرهم على أنه إذا سقط الصيد فالمجروح جراحة غير مذففة في الماء ومات لا يحل ، للحديث الصحيح السابق .