قال المصنف رحمه الله وإن نظرت فإن لم يتفرقا جاز أن يرد ويطالب بالبدل ، لأن المعقود عليه ما في الذمة وقد قبض قبل التفرق وإن تفرقا ففيه قولان ( أحدهما ) يجوز إبداله لأن ما جاز إبداله قبل التفرق جاز بعده كالمسلم فيه ( والثاني ) لا يجوز وهو قول تبايعا دراهم بدنانير في الذمة وتقابضا ، ثم وجد أحدهما بما قبض عيبا لأنه إذا أبدله صار القبض بعد التفرق وذلك لا يجوز المزني
- فرع قبض المعقود عليه في الصرف في الذمة وتلف في المجلس ثم اطلع على عيب فيه
- فرع لو ظهر العيب بعد التصرف وبعد تلف المقبوض المعيب
- باع ذهبا بذهب فخرج نحاسا
- فرع اشترى دينارا معينا بدينار معين فتلف أحدهما فوجد بالباقي عيبا
- فرع اشترى شاة مثلا وقبضها نتجت عنده ثم اطلع فيها على عيب قديم
- فرع باع طعاما بطعام فحدث عنده عيب ووجد به عيبا قديما
- فرع كان الصرف في الذمة وحصل التلف المذكور ثم اطلع على عيب
- فرع الاستبدال عن الثمن
- فرع باع بنقد البلد ثم انقطع ذلك من أيدي الناس
- فصل الإبدال فيما إذا خرج المقبوض عن الموصوف في الذمة معيبا بعد التفرق
- فرع أحال بالدنانير التي استحق فيها في الصرف قبل الافتراق على رجل حاضر
- فرع اشترى من صيرفي دينارا بعشرة دراهم وقبض الدينار فقال أجل هذه العشرة بدلا من الثمن
- فرع اشترى بألف درهم من نقد سوق أو من ضرب كذا أو بما يضربه السلطان
- فرع قبض من رجل ألف درهم من دين عليه فضمن له رجل بدل ما كان فيها من زائفة
- فرع باع دينارا بدينار فليس من شرطه أن يتوازنا وقت العقد
- فرع معه عشرة دراهم ومع غيره دينار يساوي عشرين فأراد شراء نصف الدينار
- فرع شراء الدراهم من الصراف وبيعها منه
- فرع فرض الشرط مقارنا للعقد
- الولي إذا باع على اليتيم شقصا له فيه شفعة
- باع في مرض موته شقصا بدون ثمن المثل
- فرع اشترى عشرة دنانير بمائة درهم وتقابضا البعض وافترقا
- فرع وكل في الصرف وعقد الوكيل هل للموكل أن يقبض
- فرع له على رجل عشرة دنانير فأعطاه عشرة عددا فوزنها القابض فوجدها أحد عشر
- فرع كان له عنده عشرة دنانير موصوفة فأعطاه دينارا واحدا وزنه عشرة مثاقيل
- فرع قال بعت منك هذا الدينار بما يقابله من دينارك فكان ديناره زائدا
- فرع قال بعت منك هذا الدينار بما يقابله من بنصف دينار
- فرع وهب منه دينارا أو أثابه الآخر دينارا أوزن أو أنقص
- فرع كان له عند صيرفي دينار فأخذ منه دراهم من غير عقد
- فرع له عند صيرفي دينار قبض ثمنه من غير لفظ البيع
- فرع التولية ببيع في عقد الصرف
- فرع باع ثوبا بمائة درهم صرف عشرين درهما بدينار
- فرع اشترى ثوبا بمائة درهم إلا دينارا أو مائة دينار إلا درهما
- فرع الشرط الفاسد أو الصحيح إذا وجد في المجلس
- فرع باع بنصف دينار صحيح أو مدورا
التالي
السابق
( الشرح ) هذه المسألة فرع وأنه لا يشترط التعيين في العوضين ولا أحدهما إذا حصل التعيين في المجلس . فلنتكلم على هذه المسألة أولا ثم نرجع إلى مسألة الكتاب فنقول : إن عقد الصرف تارة يرد على معين ، وتارة يرد على الذمة . والوارد على الذمة إما أن يرد على [ ص: 98 ] شيء يستحق بالعقد ، وإما على شيء كان ثابتا قبل العقد فيتحول به عما كان عليه . جواز الصرف في الذمة
فهذه ثلاثة أقسام ( الأول ) المعين ( والثاني ) الموصوف أو ما في معناه ( والثالث ) الدين . ومن المعلوم أن الصفقة تشتمل على عوضين والحاصل من ضربهما في الأقسام الثلاثة ستة وترتيبها أن يأخذ كل قسم مع نفسه ومع ما بعده . وقد رتبها هكذا : ( الأول ) أن يكونا معينين ( الثاني ) موصوفين ( الثالث ) أن يكونا دينين ( الرابع ) معين وموصوف ( الخامس ) معين ودين ( السادس ) موصوف ودين . فلنتكلم على كل قسم وما يجوز منها وما يمتنع :
فهذه ثلاثة أقسام ( الأول ) المعين ( والثاني ) الموصوف أو ما في معناه ( والثالث ) الدين . ومن المعلوم أن الصفقة تشتمل على عوضين والحاصل من ضربهما في الأقسام الثلاثة ستة وترتيبها أن يأخذ كل قسم مع نفسه ومع ما بعده . وقد رتبها هكذا : ( الأول ) أن يكونا معينين ( الثاني ) موصوفين ( الثالث ) أن يكونا دينين ( الرابع ) معين وموصوف ( الخامس ) معين ودين ( السادس ) موصوف ودين . فلنتكلم على كل قسم وما يجوز منها وما يمتنع :
( أما الأول ) وهو أن يكونا معينين فذلك مما لا خلاف بين الأئمة في جوازه كما إذا ، وكذلك جميع أموال الربا كبعتك هذه الحنطة بهذه الحنطة أو بهذا الشعير ، فالإجماع على صحة ذلك ، وقد تقدم إطلاق ذلك وتفاصيله . ومن أحكام هذا القسم أن العوضين يتعينان بالعقد عندنا . وفائدة ذلك أنه ليس لكل منهما أن يعطي غير المتعين ، كما صرح به قال : بعتك أو صارفتك هذه الدنانير بهذه الدراهم والأصحاب ، ومتى تلف قبل القبض انفسد العقد ، وإذا خرج مستحقا تبين بطلان العقد ، حيث استحق الرجوع به إما بمقابلة وإما برد بعيب حيث ثبتت فإنه يجب رد عين تلك الدراهم إن كانت باقية . وهذا هو المشهور عن الشافعي مالك ، ولم يكن له أن يبدله سواء كان العيب بكل المبيع أو ببعضه ، وسواء كان قبل التفرق أو بعد التفرق . صرح به الشيخ وأحمد وغيره وعن صاحب التقريب أنه يجوز قبل التفرق أخذ بدلها من غير فسخ العقد ، حتى لو كان العقد بثمن مجهول فاعله قبل التفرق صح ، حكاه أبو حامد في العمدة وغيره . الفوراني
وهذا الوجه المحكي عن صاحب التقريب في هذا يشبه أن يكون فرعه على قوله : إنه يجوز الصرف في الثمن المعين قبل قبضه ، فإن القاضي نقل ذلك عنه . قال في كتاب الأسرار في جواز التصرف في الثمن : إذا كان معينا قبل القبض أخطأ من جوزه وهو صاحب التقريب . حسينا
[ ص: 99 ] وقال رضي الله عنه وهي رواية عن أبو حنيفة : الدراهم والدنانير لا تتعين بالعقد ، ويجوز أحمد لم يبطل العقد . للمشتري أن يدفع مثل الدراهم التي وقع العقد عليها ، وإن تلفت قبل القبض
واحتجوا له من جهة اللغة بقول الفراء : إن الثمن له شرطان أن يصحبه البائع ، وأن يكون في الذمة ، كقوله : بعتك هذا الثوب بدينار ، قيل : إنه ذكر ذلك في معاني القرآن ، ومن جهة الشرع بحديث رضي الله عنهما أنه قال : " { ابن عمر } " ولم يفصل بين أن يكون الثمن مطلقا أو معينا . يا رسول الله إني أبيع الإبل بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ، فقال : لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء
( والجواب ) عن الحديث أنه محمول على الغالب ، وهو كون الأثمان مطلقة وعن قول الفراء بأن التعيين حكم شرعي لا مجال للغة فيه ، فإن قال : إن هذا لا يسمى ثمنا صار بحثا لفظيا ، وصار كما إذا باع عبدا بثوب ، فعند بعضهم أن الصفقة خالية عن الثمن ، وذلك من حيث التسمية فقط ، فكما أن الثوب متعين بالعقد كذلك النقد .
وقال : إن القاضي أبو الطيب الفراء خلط في هذا الكتاب اللغة بالفقه ، وعول على فقه الكوفيين ، فلا حجة في قوله ( قال ) ولا خلاف بيننا فيما تقتضيه اللغة ، وإنما الخلاف فيما يقتضيه الشرع ، وقد اتفقوا على أن النقدين يتعينان بأجناسهما ، فإذا باع بدراهم يتعين جنس الدراهم ، أو بدنانير يتعين جنس الدنانير ، نقل الاتفاق على ذلك الطاوسي في طريقته وحجتنا في التعيين من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الربا " { } " . قال أصحابنا عينا بعين وغيره : ولو كانا لا يتعينان لما كانا عينا بعين ، والقياس على ما إذا كان عوضا بجامع ما بينهما من أن كلا منهما عوض مشار إليه في العقد ويتعين بالقبض وعلى القرض الوديعة والغصب والوصية والإرث والصداق والوكالة . وكذلك إذا كان حليا فإنها تتعلق بعين النقد بخصوصه . وقد وافقونا على ذلك فكذلك البيع . لكنهم اعتذروا عن العقود المذكورة بأنه ليس مقتضاها وجوبها في الذمة إذا كان الثمن معينا ولأن هذا العقد المعين إن صلح للعوضية لم يجز إبداله لتعلق الملك به [ ص: 100 ] وإن لم يصلح فلا يتعلق العقد به ، والفرض أنهما لم يذكرا ثمنا في الذمة فلا يتعلق بها ، فلا يبطل العقد . القاضي أبو الطيب
( فإن قيل ) : إن الثمن متعلق بالذمة . ومعنى التعيين أنه يوفي ذلك المطلق في الذمة من هذا المعين ( فنقول ) : إن ما كان كذلك ينبغي أن يبطل العقد فيه بالتعيين كالسلم إذا عين ثمرة نخلة بعينها . وهذه حجة ابن سريج وربط العقد بغير المعين لا وجه له فإن العقد قد يتعلق بخصوصه لعلمه بحله أو لغير ذلك من الأغراض . وذكر أصحابنا رحمهم الله . فوائد ومقاصد في تعيين الثمن
( منها ) للبائع الرجوع في عينه عند الفلس وتبرئة ذمته لقصر الحق على تلك العين .
( ومنها ) للمشتري تكميل ملكه إذ الملك في العين آكد منه في الدين . ولهذا أجبر المشتري على تسليم الثمن ليساوي البائع في بيع العين . فبالتسليم يصير ما عليه عينا مثل المبيع . قال ذلك القاضي في كتاب الأسرار . وقد ذكر حسين النووي رحمه الله تعالى تعيين الدراهم والدنانير في هذا المجموع ، في باب ما نهي عنه من بيع الغرر مختصرا ، ولا فرق في تعيين الدراهم بين أن يكون في عقد الصرف أو غيره ، والله أعلم .
( فرع ) لو صح بلا خلاف ، أو قبلهما لم يصح على المذهب المشهور ، كما هو مبين في موضعه أو بعد التقابض وقبل التخاير صح على قول استبدل عن المعين بعد التقابض والتخاير ابن سريج ، فإنه جعل اتفاقهما على العقد الثاني كالتفرق .
وهو الصحيح عند القاضي أبي الطيب والرافعي ، وضعفه الماوردي ( والثاني ) وهو الذي نقله الخراسانيون عن صاحب التقريب أنه إذا قلنا لا يملك المشتري إلا بانقضاء الخيار لا يصح . أو بعد التخاير وقبل التقابض ، فقد سبق أنه يبطل العقد ، فلا يصادف الاستبدال محلا ، خلافا لابن سريج ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) لو فإن كان قبل قبضها لم يجز لأن الملك لها لم يستقر ، وإن كانت الهبة بعد قبضها ففيها وجهان كالبيع قاله وهب الصيرفي الدراهم المعينة لباذلها الماوردي . ومقصوده أنه بعد قبضها وقبل التفرق وانقضاء الخيار الذي فيه الخلاف المنقول عن حكاية صاحب التقريب ، فإنه [ ص: 101 ] طرد ذلك في البيع والهبة والتزويج أيضا لو كان المبيع جارية فزوجها المشتري من البائع في المجلس . قال ( إن قلنا ) المشتري ملك صح التزويج وإلا فلا ، ويسقط الخيار ويلزم البيع .
( فرع ) إذا نص عليه تعاقدا على معينين يجوز جزافا عند اختلاف الجنس رحمه الله تعالى والأصحاب . الشافعي
وهذا الوجه المحكي عن صاحب التقريب في هذا يشبه أن يكون فرعه على قوله : إنه يجوز الصرف في الثمن المعين قبل قبضه ، فإن القاضي نقل ذلك عنه . قال في كتاب الأسرار في جواز التصرف في الثمن : إذا كان معينا قبل القبض أخطأ من جوزه وهو صاحب التقريب . حسينا
[ ص: 99 ] وقال رضي الله عنه وهي رواية عن أبو حنيفة : الدراهم والدنانير لا تتعين بالعقد ، ويجوز أحمد لم يبطل العقد . للمشتري أن يدفع مثل الدراهم التي وقع العقد عليها ، وإن تلفت قبل القبض
واحتجوا له من جهة اللغة بقول الفراء : إن الثمن له شرطان أن يصحبه البائع ، وأن يكون في الذمة ، كقوله : بعتك هذا الثوب بدينار ، قيل : إنه ذكر ذلك في معاني القرآن ، ومن جهة الشرع بحديث رضي الله عنهما أنه قال : " { ابن عمر } " ولم يفصل بين أن يكون الثمن مطلقا أو معينا . يا رسول الله إني أبيع الإبل بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ، فقال : لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء
( والجواب ) عن الحديث أنه محمول على الغالب ، وهو كون الأثمان مطلقة وعن قول الفراء بأن التعيين حكم شرعي لا مجال للغة فيه ، فإن قال : إن هذا لا يسمى ثمنا صار بحثا لفظيا ، وصار كما إذا باع عبدا بثوب ، فعند بعضهم أن الصفقة خالية عن الثمن ، وذلك من حيث التسمية فقط ، فكما أن الثوب متعين بالعقد كذلك النقد .
وقال : إن القاضي أبو الطيب الفراء خلط في هذا الكتاب اللغة بالفقه ، وعول على فقه الكوفيين ، فلا حجة في قوله ( قال ) ولا خلاف بيننا فيما تقتضيه اللغة ، وإنما الخلاف فيما يقتضيه الشرع ، وقد اتفقوا على أن النقدين يتعينان بأجناسهما ، فإذا باع بدراهم يتعين جنس الدراهم ، أو بدنانير يتعين جنس الدنانير ، نقل الاتفاق على ذلك الطاوسي في طريقته وحجتنا في التعيين من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الربا " { } " . قال أصحابنا عينا بعين وغيره : ولو كانا لا يتعينان لما كانا عينا بعين ، والقياس على ما إذا كان عوضا بجامع ما بينهما من أن كلا منهما عوض مشار إليه في العقد ويتعين بالقبض وعلى القرض الوديعة والغصب والوصية والإرث والصداق والوكالة . وكذلك إذا كان حليا فإنها تتعلق بعين النقد بخصوصه . وقد وافقونا على ذلك فكذلك البيع . لكنهم اعتذروا عن العقود المذكورة بأنه ليس مقتضاها وجوبها في الذمة إذا كان الثمن معينا ولأن هذا العقد المعين إن صلح للعوضية لم يجز إبداله لتعلق الملك به [ ص: 100 ] وإن لم يصلح فلا يتعلق العقد به ، والفرض أنهما لم يذكرا ثمنا في الذمة فلا يتعلق بها ، فلا يبطل العقد . القاضي أبو الطيب
( فإن قيل ) : إن الثمن متعلق بالذمة . ومعنى التعيين أنه يوفي ذلك المطلق في الذمة من هذا المعين ( فنقول ) : إن ما كان كذلك ينبغي أن يبطل العقد فيه بالتعيين كالسلم إذا عين ثمرة نخلة بعينها . وهذه حجة ابن سريج وربط العقد بغير المعين لا وجه له فإن العقد قد يتعلق بخصوصه لعلمه بحله أو لغير ذلك من الأغراض . وذكر أصحابنا رحمهم الله . فوائد ومقاصد في تعيين الثمن
( منها ) للبائع الرجوع في عينه عند الفلس وتبرئة ذمته لقصر الحق على تلك العين .
( ومنها ) للمشتري تكميل ملكه إذ الملك في العين آكد منه في الدين . ولهذا أجبر المشتري على تسليم الثمن ليساوي البائع في بيع العين . فبالتسليم يصير ما عليه عينا مثل المبيع . قال ذلك القاضي في كتاب الأسرار . وقد ذكر حسين النووي رحمه الله تعالى تعيين الدراهم والدنانير في هذا المجموع ، في باب ما نهي عنه من بيع الغرر مختصرا ، ولا فرق في تعيين الدراهم بين أن يكون في عقد الصرف أو غيره ، والله أعلم .
( فرع ) لو صح بلا خلاف ، أو قبلهما لم يصح على المذهب المشهور ، كما هو مبين في موضعه أو بعد التقابض وقبل التخاير صح على قول استبدل عن المعين بعد التقابض والتخاير ابن سريج ، فإنه جعل اتفاقهما على العقد الثاني كالتفرق .
وهو الصحيح عند القاضي أبي الطيب والرافعي ، وضعفه الماوردي ( والثاني ) وهو الذي نقله الخراسانيون عن صاحب التقريب أنه إذا قلنا لا يملك المشتري إلا بانقضاء الخيار لا يصح . أو بعد التخاير وقبل التقابض ، فقد سبق أنه يبطل العقد ، فلا يصادف الاستبدال محلا ، خلافا لابن سريج ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) لو فإن كان قبل قبضها لم يجز لأن الملك لها لم يستقر ، وإن كانت الهبة بعد قبضها ففيها وجهان كالبيع قاله وهب الصيرفي الدراهم المعينة لباذلها الماوردي . ومقصوده أنه بعد قبضها وقبل التفرق وانقضاء الخيار الذي فيه الخلاف المنقول عن حكاية صاحب التقريب ، فإنه [ ص: 101 ] طرد ذلك في البيع والهبة والتزويج أيضا لو كان المبيع جارية فزوجها المشتري من البائع في المجلس . قال ( إن قلنا ) المشتري ملك صح التزويج وإلا فلا ، ويسقط الخيار ويلزم البيع .
( فرع ) إذا نص عليه تعاقدا على معينين يجوز جزافا عند اختلاف الجنس رحمه الله تعالى والأصحاب . الشافعي
( القسم الثاني ) أن يكونا موصوفين أو في معنى الموصوفين . وهو المطلق في موضع فيه نقد متعارف . كما إذا فقد اتفق جمهور الأصحاب على جواز ذلك إذا تواصفا العوضين أو أطلقا وكان للبلد نقد واحد لا يختلف أو نقود مختلفة إلا أن أحدهما غالب فيرجع الإطلاق إليه ثم يعينان ويتقابضان قبل التفرق . وإن لم يكن معهما فاستقرضا وتقابضا جاز . وكذلك في قيم المتلفات إنما يقوم بالغالب ، فإن لم يكن للبلد نقد غالب بأن كان فيها نقود مختلفة وليس بعضها أغلب من بعض اشترط تعيين النوع ، كقوله عشرة دراهم راضية أو ناصرية بدينار مطبقي أو قاساني أو أهوازي أو سابوري . قال : بعتك أو صارفتك دينارا مصريا في ذمتي بعشرين درهما من الضرب الفلاني في ذمتك
وفي التقويم يعين القاضي واحدا للتقويم ، قاله في التهذيب ، فإن وقع من غير تعيين فسد العقد ولا خلاف بين الأصحاب في ذلك إلا ما حكاه صاحب التتمة والروياني عن أبي عاصم العبادي أنه حكى أن هذا بمنزلة بيع الأعيان بعضها ببعض . فإن جوزنا بيع الغائب فالعقد صحيح وإلا فلا ، لأن الشرع حرم فقد نهى صلوات الله عليه عن بيع الكالئ بالكالئ قال : فلو لم يقدر العوض عينا غائبة لما كان إلى تصحيح العقد سبيل ، واستضعف بيع الدين الروياني هذا ، ونظير هذا الوجه الذي حكاه صاحب التتمة عن أبي عاصم وجه حكاه الماوردي عن أبي العباس بن صالح المصري من أصحابنا أنه لا يصح السلم إلا أن يكون رأس المال معينا ثم يقبض في المجلس فلو عقد على موصوف ثم أحضره وأقبضه في المجلس لم يصح لأن كلا البدلين موصوف .
[ ص: 102 ] قال ابن أبي الدم : فهذان وجهان غريبان في المذهب لم يحكهما في المسألتين غير هذين المصنفين يعني صاحب التتمة والماوردي فيما أعلم ، ولست أدري هل يوافق كل واحد من هذين الإمامين - يعني أبا عاصم العبادي وأبا العباس المصري صاحبي الوجه - صاحبه في مسألته أم لا ؟ والمساواة متجهة وقد يتكلف فرق بينهما .
قال : ( فإن قيل ) : هذا خلاف السنة التي رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلى قوله سواء بسواء عينا بعين ، يعني يدا بيد ، فالجواب أنهما إذا عينا في المجلس صار عينا بعين ، كما إذا تقابضا في المجلس كان يدا بيد فلم يرد التعيين والتقابض في نفس العقد ا هـ . القاضي أبو الطيب
وهذا مذهب رضي الله عنه أبي حنيفة . وقال وأحمد : لا يجوز الصرف حتى يكون العينان حاضرتين . وعنه لا يجوز حتى يظهر إحدى العينين ويعين . مالك
وعن - رحمه الله مثله . وقال زفر : على هذه الرواية يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعينه قريبا متصلا بمنزلة النفقة يحلها من كيسه قال مالك : قال ابن عبد البر : واتفقوا يعني هؤلاء الفقهاء الثلاثة يعني الطحاوي أبا حنيفة ومالكا رضي الله عنهم على جواز والشافعي ، فدل على اعتبار القبض في المجلس ، دون كونه عينا ا هـ . ومما يدل على أنه لا يشترط التعيين في العوضين حين العقد حديث الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس في تقاضيه الدراهم عن الدنانير والدنانير عن الدراهم ، فإن أخذ أحدهما عن الآخر صرف والمأخوذ عنه ليس معينا ، وسنذكر ذلك في الكلام في القسم الخامس إن شاء الله تعالى . ابن عمر
( فإن قلت ) حكمتم هنا بجواز الصرف على الموصوفين على المشهور ، وحرمتم فيما تقدم أن إسلام أحد النقدين في الآخر لا يجوز ، ولنا خلاف مشهور على النظر إلى المعين أن يحكم بفساده لأنه سلم ، أو يحكم بصحة السلم فيه حالا ، كما قال ( القاضي أبو الطيب قلت ) امتناع إسلام أحد [ ص: 103 ] النقدين في الآخر والكلام فيه مختص بما إذا كان بلفظ السلم ، فإنه ينبئ عن الأجل ، والمانع من صحة الصرف .
( فإن قلت ) هذا نظرا إلى جانب اللفظ والسؤال إذا نظرنا إلى المعنى ، ثم إن إشعار اللفظ بالأجل يزول بشرط الحلول . وحينئذ يلزم أحد الأمرين ( إما ) تصحيح السلم فيها كما قال ( وإما ) فساد هذا العقد ، ولم يقل به أحد من الأصحاب ( القاضي أبو الطيب قلت ) الصرف والسلم قسمان من أقسام البيع ، فهما خاصان تحت أعم وبينهما - أعني الصرف والسلم - عموم وخصوص من وجه ، فإن بيع الموصوف في الذمة قد يكون نقدا وقد لا يكون ، وبيع النقد قد يكون في الذمة وقد لا يكون . ففي محل صدقهما ، وهو ما إذا كان النقد موصوفا في الذمة يجب النظر في الأحكام ، فحكم الصرف وجوب التقابض من الجانبين ، وحكم السلم قبض الثمن .
وأما المثمن ، فإما أن تقول : إن السلم يقتضي جواز تأخره ، فيكون بين مقتضاه ومقتضى الصرف تضاد ، أو تقول : إن السلم لا يقتضي ذلك ولا عدمه بل مقتضاه بالنسبة إلى المسلم فيه ثبوته في الذمة فقط .
( فإن قلنا ) بالأول فيرجح باللفظ ، فإن عقد بلفظ السلم بطل ، وإن عقد بلفظ البيع أو الصرف صح ، وكان صرفا ، وإن لم يكن بينهما تضاد وكان السلم غير مانع من لزوم التقابض فيجب أن يوفي الصرف حكمه ، ضرورة وجود المقتضي السالم عن المعارض ، فإن كونه صرفا يقتضي التقابض ، وكونه سلما غير مانع على هذا التقدير .
( فإن قلت ) الترجيح باللفظ فيما إذا جرى العقد بلفظ الصرف فيصح أو بلفظ السلم فيبطل لما بين اللفظين على ذلك التقدير من التضاد . أما إذ جرى بلفظ البيع وهو أعم من السلم والصرف ، فيبقى تعارض المعنيين بغير مرجح ضرورة اشتراكهما في مسمى البيع ( قلت ) بل لفظ البيع وإضافته إلى هذا المبيع الخاص مرجح ، لأن الشارع اعتبره بقوله : لا تبيعوا الذهب إلى آخره ، وإنما العلماء سموا هذا النوع باسم الصرف لما ستعرفه وهذا البحث لا يختص بهذا القسم ، بل يجري فيما إذا كان البيع موصوفا والثمن معين أو دين في القسم الرابع والسادس . والله أعلم .
[ ص: 104 ] والإمام - رحمه الله - استشعر هذا البحث فقال لما تكلم في الصرف على الذمة : ولا يكون هذا من السلم ، فإن وضع السلم على اشتراط تسليم رأس المال في المجلس فيحسب ، والصرف يجوز عقده على وصف ، ثم لا بد من التقابض ، وهذا الذي قاله رحمه الله إنما هو ذكر حكم السلم والصرف وحكم العقد زائد على حقيقته فلا يجوز أن يجعل جزءا منها ، وفيما قدمته كفاية ، والله أعلم .
( فرع ) لم يجزم الأصحاب بجواز كما جزموا في الصرف ، بل حكوا في الطعام وجهين ، وقال بيع الطعام الموصوف في الذمة ، بالطعام الموصوف الرافعي : إن الأشبه بكلام الشيخ أبي علي والأئمة أن وجه الجواز أظهر .
( فرع ) هل يسوغ الاستبدال في هذا القسم أو لا ؟ اعلم أن يجوز على الجديد المشهور وأما في الصرف فالصواب المقطوع به أن ذلك لا يجوز لأنه لو استبدل عنه لم يحصل مدلول قوله صلى الله عليه وسلم " { الاستبدال عن الثمن الثابت في الذمة في غير الصرف } لا عند العقد ولا في المجلس ، فوجب البطلان والفرق بينه وبين الثمن في غير الصرف أن الثمن في الصرف غير مستقر لأنه بعرضية البطلان بالتفرق قبل قبضه ، بخلاف الثمن في غير الصرف ، ولهذا جزم بعض الأصحاب أن محل الخلاف فيما إذا كان المبيع قد قبض ، أما إذا كان المبيع لم يقبض فإنه لا يجوز الاستبدال عنه قولا واحدا ، وللقائل الآخر أن يقول : إنه غير قابل للانفساخ من جهته ، بأن يتلف قبل قبضه فينفسخ العقد به . والثمن في الصرف قابل للانفساخ الآتي من جهته بعدم قبضه ، وأيضا فهو غير لازم على المذهب لأن العقد لا يلزم على المذهب ما لم يتقابضا بخلاف الثمن في غير الصرف فإنه يتصور فيه اللزوم قبل القبض ، ولو فرعنا على رأي عينا بعين ابن سريج في اللزوم قبل التقابض أو على وجه القائل بصحة بيع المبيع في زمان الخيار ، لم يلزم أن يطرد ذلك في الصرف لما أشرت إليه من دلالة الحديث على اشتراط التعيين فإن لم يكن في العقد فلا بد من المجلس وقد خرج شيخنا أبو العباس بن الرفعة جواز الاستبدال فيما إذا كان العوضان نقدين على أن الثمن ماذا ؟ وحكم بأنا إذا قلنا : الثمن النقد ولا مبيع هنا ، فيجري الخلاف في الاستبدال عن كل منهما وهو سهو لا ينبغي التعريج عليه والله أعلم .
[ ص: 105 ] فرع ) لا يصح ، فإن افترقا قبل قبضهما بطل الصرف . لأنه إبراء مما لا يستقر ملكه عليه قاله - الإبراء عن هذا العوض الثابت في الذمة في الصرف الماوردي .
( فرع ) جريان لا إشكال فيه كذلك يجوز عند اتفاق الجنس كأن يبيع دينارا بدينار في الذمة أو دراهم بدراهم في الذمة ، وصرح به الصرف في الذمة عند اختلاف الجنس الجرجاني في الشافي في المرشد والانتصار وابن أبي عصرون والخوارزمي في الكافي .
( فرع ) ظاهر المذهب جواز المعاملة بالدراهم المغشوشة . قال في التهذيب : فلو باع بدرهم مطلقا ونقد البلد مغشوش يجب درهم من ذلك . ومن أصحابنا من قال : لأن المقصود ما فيه من النقرة ، وهو مجهول كتراب الصاغة ، وإن كان نقد البلد فلوسا أو دراهم غطريفية يجوز التصرف فيها ، ومطلق العقد ينصرف إليها .
( فرع ) جريان هذا القسم في لا إشكال فيه ، وهل يجوز في الجنس الواحد حيث يكون هناك غرض صحيح ويمكن فرض ذلك فيما إذا اختلفت الصفة كأن يبيع دنانير مغربية بدنانير مشرقية ، أو دراهم لينة بدراهم خشنة ، لم أره منقولا ، والظاهر الجواز ( فرع ) لو صرف النقد بغير جنسه فوجهان ( أحدهما ) المنع ، لأن الوصف فيه يطول بخلاف الصرف ، فإن الأمر في النقود أهون وهكذا يكفي فيها الإطلاق ( والثاني ) الجواز ، قال باع في هذا القسم طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس الرافعي رحمه الله : والأشبه بكلام الشيخ أبي علي والأئمة أن هذا أظهر .
وفي التقويم يعين القاضي واحدا للتقويم ، قاله في التهذيب ، فإن وقع من غير تعيين فسد العقد ولا خلاف بين الأصحاب في ذلك إلا ما حكاه صاحب التتمة والروياني عن أبي عاصم العبادي أنه حكى أن هذا بمنزلة بيع الأعيان بعضها ببعض . فإن جوزنا بيع الغائب فالعقد صحيح وإلا فلا ، لأن الشرع حرم فقد نهى صلوات الله عليه عن بيع الكالئ بالكالئ قال : فلو لم يقدر العوض عينا غائبة لما كان إلى تصحيح العقد سبيل ، واستضعف بيع الدين الروياني هذا ، ونظير هذا الوجه الذي حكاه صاحب التتمة عن أبي عاصم وجه حكاه الماوردي عن أبي العباس بن صالح المصري من أصحابنا أنه لا يصح السلم إلا أن يكون رأس المال معينا ثم يقبض في المجلس فلو عقد على موصوف ثم أحضره وأقبضه في المجلس لم يصح لأن كلا البدلين موصوف .
[ ص: 102 ] قال ابن أبي الدم : فهذان وجهان غريبان في المذهب لم يحكهما في المسألتين غير هذين المصنفين يعني صاحب التتمة والماوردي فيما أعلم ، ولست أدري هل يوافق كل واحد من هذين الإمامين - يعني أبا عاصم العبادي وأبا العباس المصري صاحبي الوجه - صاحبه في مسألته أم لا ؟ والمساواة متجهة وقد يتكلف فرق بينهما .
قال : ( فإن قيل ) : هذا خلاف السنة التي رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلى قوله سواء بسواء عينا بعين ، يعني يدا بيد ، فالجواب أنهما إذا عينا في المجلس صار عينا بعين ، كما إذا تقابضا في المجلس كان يدا بيد فلم يرد التعيين والتقابض في نفس العقد ا هـ . القاضي أبو الطيب
وهذا مذهب رضي الله عنه أبي حنيفة . وقال وأحمد : لا يجوز الصرف حتى يكون العينان حاضرتين . وعنه لا يجوز حتى يظهر إحدى العينين ويعين . مالك
وعن - رحمه الله مثله . وقال زفر : على هذه الرواية يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعينه قريبا متصلا بمنزلة النفقة يحلها من كيسه قال مالك : قال ابن عبد البر : واتفقوا يعني هؤلاء الفقهاء الثلاثة يعني الطحاوي أبا حنيفة ومالكا رضي الله عنهم على جواز والشافعي ، فدل على اعتبار القبض في المجلس ، دون كونه عينا ا هـ . ومما يدل على أنه لا يشترط التعيين في العوضين حين العقد حديث الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس في تقاضيه الدراهم عن الدنانير والدنانير عن الدراهم ، فإن أخذ أحدهما عن الآخر صرف والمأخوذ عنه ليس معينا ، وسنذكر ذلك في الكلام في القسم الخامس إن شاء الله تعالى . ابن عمر
( فإن قلت ) حكمتم هنا بجواز الصرف على الموصوفين على المشهور ، وحرمتم فيما تقدم أن إسلام أحد النقدين في الآخر لا يجوز ، ولنا خلاف مشهور على النظر إلى المعين أن يحكم بفساده لأنه سلم ، أو يحكم بصحة السلم فيه حالا ، كما قال ( القاضي أبو الطيب قلت ) امتناع إسلام أحد [ ص: 103 ] النقدين في الآخر والكلام فيه مختص بما إذا كان بلفظ السلم ، فإنه ينبئ عن الأجل ، والمانع من صحة الصرف .
( فإن قلت ) هذا نظرا إلى جانب اللفظ والسؤال إذا نظرنا إلى المعنى ، ثم إن إشعار اللفظ بالأجل يزول بشرط الحلول . وحينئذ يلزم أحد الأمرين ( إما ) تصحيح السلم فيها كما قال ( وإما ) فساد هذا العقد ، ولم يقل به أحد من الأصحاب ( القاضي أبو الطيب قلت ) الصرف والسلم قسمان من أقسام البيع ، فهما خاصان تحت أعم وبينهما - أعني الصرف والسلم - عموم وخصوص من وجه ، فإن بيع الموصوف في الذمة قد يكون نقدا وقد لا يكون ، وبيع النقد قد يكون في الذمة وقد لا يكون . ففي محل صدقهما ، وهو ما إذا كان النقد موصوفا في الذمة يجب النظر في الأحكام ، فحكم الصرف وجوب التقابض من الجانبين ، وحكم السلم قبض الثمن .
وأما المثمن ، فإما أن تقول : إن السلم يقتضي جواز تأخره ، فيكون بين مقتضاه ومقتضى الصرف تضاد ، أو تقول : إن السلم لا يقتضي ذلك ولا عدمه بل مقتضاه بالنسبة إلى المسلم فيه ثبوته في الذمة فقط .
( فإن قلنا ) بالأول فيرجح باللفظ ، فإن عقد بلفظ السلم بطل ، وإن عقد بلفظ البيع أو الصرف صح ، وكان صرفا ، وإن لم يكن بينهما تضاد وكان السلم غير مانع من لزوم التقابض فيجب أن يوفي الصرف حكمه ، ضرورة وجود المقتضي السالم عن المعارض ، فإن كونه صرفا يقتضي التقابض ، وكونه سلما غير مانع على هذا التقدير .
( فإن قلت ) الترجيح باللفظ فيما إذا جرى العقد بلفظ الصرف فيصح أو بلفظ السلم فيبطل لما بين اللفظين على ذلك التقدير من التضاد . أما إذ جرى بلفظ البيع وهو أعم من السلم والصرف ، فيبقى تعارض المعنيين بغير مرجح ضرورة اشتراكهما في مسمى البيع ( قلت ) بل لفظ البيع وإضافته إلى هذا المبيع الخاص مرجح ، لأن الشارع اعتبره بقوله : لا تبيعوا الذهب إلى آخره ، وإنما العلماء سموا هذا النوع باسم الصرف لما ستعرفه وهذا البحث لا يختص بهذا القسم ، بل يجري فيما إذا كان البيع موصوفا والثمن معين أو دين في القسم الرابع والسادس . والله أعلم .
[ ص: 104 ] والإمام - رحمه الله - استشعر هذا البحث فقال لما تكلم في الصرف على الذمة : ولا يكون هذا من السلم ، فإن وضع السلم على اشتراط تسليم رأس المال في المجلس فيحسب ، والصرف يجوز عقده على وصف ، ثم لا بد من التقابض ، وهذا الذي قاله رحمه الله إنما هو ذكر حكم السلم والصرف وحكم العقد زائد على حقيقته فلا يجوز أن يجعل جزءا منها ، وفيما قدمته كفاية ، والله أعلم .
( فرع ) لم يجزم الأصحاب بجواز كما جزموا في الصرف ، بل حكوا في الطعام وجهين ، وقال بيع الطعام الموصوف في الذمة ، بالطعام الموصوف الرافعي : إن الأشبه بكلام الشيخ أبي علي والأئمة أن وجه الجواز أظهر .
( فرع ) هل يسوغ الاستبدال في هذا القسم أو لا ؟ اعلم أن يجوز على الجديد المشهور وأما في الصرف فالصواب المقطوع به أن ذلك لا يجوز لأنه لو استبدل عنه لم يحصل مدلول قوله صلى الله عليه وسلم " { الاستبدال عن الثمن الثابت في الذمة في غير الصرف } لا عند العقد ولا في المجلس ، فوجب البطلان والفرق بينه وبين الثمن في غير الصرف أن الثمن في الصرف غير مستقر لأنه بعرضية البطلان بالتفرق قبل قبضه ، بخلاف الثمن في غير الصرف ، ولهذا جزم بعض الأصحاب أن محل الخلاف فيما إذا كان المبيع قد قبض ، أما إذا كان المبيع لم يقبض فإنه لا يجوز الاستبدال عنه قولا واحدا ، وللقائل الآخر أن يقول : إنه غير قابل للانفساخ من جهته ، بأن يتلف قبل قبضه فينفسخ العقد به . والثمن في الصرف قابل للانفساخ الآتي من جهته بعدم قبضه ، وأيضا فهو غير لازم على المذهب لأن العقد لا يلزم على المذهب ما لم يتقابضا بخلاف الثمن في غير الصرف فإنه يتصور فيه اللزوم قبل القبض ، ولو فرعنا على رأي عينا بعين ابن سريج في اللزوم قبل التقابض أو على وجه القائل بصحة بيع المبيع في زمان الخيار ، لم يلزم أن يطرد ذلك في الصرف لما أشرت إليه من دلالة الحديث على اشتراط التعيين فإن لم يكن في العقد فلا بد من المجلس وقد خرج شيخنا أبو العباس بن الرفعة جواز الاستبدال فيما إذا كان العوضان نقدين على أن الثمن ماذا ؟ وحكم بأنا إذا قلنا : الثمن النقد ولا مبيع هنا ، فيجري الخلاف في الاستبدال عن كل منهما وهو سهو لا ينبغي التعريج عليه والله أعلم .
[ ص: 105 ] فرع ) لا يصح ، فإن افترقا قبل قبضهما بطل الصرف . لأنه إبراء مما لا يستقر ملكه عليه قاله - الإبراء عن هذا العوض الثابت في الذمة في الصرف الماوردي .
( فرع ) جريان لا إشكال فيه كذلك يجوز عند اتفاق الجنس كأن يبيع دينارا بدينار في الذمة أو دراهم بدراهم في الذمة ، وصرح به الصرف في الذمة عند اختلاف الجنس الجرجاني في الشافي في المرشد والانتصار وابن أبي عصرون والخوارزمي في الكافي .
( فرع ) ظاهر المذهب جواز المعاملة بالدراهم المغشوشة . قال في التهذيب : فلو باع بدرهم مطلقا ونقد البلد مغشوش يجب درهم من ذلك . ومن أصحابنا من قال : لأن المقصود ما فيه من النقرة ، وهو مجهول كتراب الصاغة ، وإن كان نقد البلد فلوسا أو دراهم غطريفية يجوز التصرف فيها ، ومطلق العقد ينصرف إليها .
( فرع ) جريان هذا القسم في لا إشكال فيه ، وهل يجوز في الجنس الواحد حيث يكون هناك غرض صحيح ويمكن فرض ذلك فيما إذا اختلفت الصفة كأن يبيع دنانير مغربية بدنانير مشرقية ، أو دراهم لينة بدراهم خشنة ، لم أره منقولا ، والظاهر الجواز ( فرع ) لو صرف النقد بغير جنسه فوجهان ( أحدهما ) المنع ، لأن الوصف فيه يطول بخلاف الصرف ، فإن الأمر في النقود أهون وهكذا يكفي فيها الإطلاق ( والثاني ) الجواز ، قال باع في هذا القسم طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس الرافعي رحمه الله : والأشبه بكلام الشيخ أبي علي والأئمة أن هذا أظهر .
( القسم الثالث ) أن يكونا دينين ، كما إذا وهذه المسألة تسمى بتطارح الدينين ، قال قال : بعتك الدينار الذي لي في ذمتك بالعشرة الدراهم التي لك في ذمتي ، حتى تبرأ ذمة كل منا رضي الله عنه في كتاب الصرف من الأم : ومن كانت عليه دراهم لرجل ، وللرجل عليه دنانير فحلت [ ص: 106 ] أو لم تحل ، فتطارحاها صرفا فلا يجوز ، لأن ذلك دين بدين ، وقال الشافعي إذا حل فهو جائز ، وإذا لم يحل فلا يجوز . انتهى . قال أصحابنا : ولكن طريقهما أن يبرئ كل منهما صاحبه ، فمذهب مالك رحمه الله وجميع أصحابه أنه لا يجوز . وبه قال جماعة منهم الشافعي الليث بن سعد ، ومذهب وأحمد كمذهب أبي حنيفة - رحمه الله - أن ذلك جائز ، ومنشأ الخلاف في ذلك أن هذا هل يدخل في بيع الدين بالدين أو لا ؟ وقد أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز نقل ذلك مالك وقال : قال ابن المنذر إجماع الأئمة أن لا يباع دين بدين . أحمد
( قلت ) وناهيك بنقل الإجماع ، فإنه معلوم سنده فيه مع الحديث الذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " { أحمد } " وإن كان نهى عن بيع الكالئ بالكالئ قال : إن إسناده لا يثبت ، والحديث مشهور عن ابن المنذر موسى بن عبيد ، وهو ضعيف ، ونقل عن أنه سئل أيصح في هذا حديث ؟ قال : لا ، فلو ثبت الحديث أمكن التمسك به ، فإن الكالئ بالكالئ هو الدين بالدين ، وكذلك فسره أحمد راوي الحديث ، والدين بالدين حقيقة فيما نحن فيه . نافع
( أما ) إذا لم يثبت فالإجماع لا يمكن التمسك به مع وجود الخلاف في هذه الصورة الخاصة ، فإنه يؤول هذا إلى تفسير بيع الدين بالدين المجمع على منعه ، يعني ما نحن فيه ، وهو أن يكون للرجل على الرجل دين فيجعله عليه في دين آخر مخالف له في الصفة أو في القدر ، فهذا هو الذي وقع الإجماع على امتناعه ، وهو في الحقيقة بيع دين بما يصير دينا وإذا لم يكن في الحديث متمسك بضعفه ولا في الإجماع لعدم التوارد على محل واحد ، واحتجت الحنفية والمالكية بحديث رضي الله عنه وتقاضيه الدراهم عن الدنانير وبالعكس ، ولا دليل فيه لأنه إنما يدل على الدين بالعين أو بالموصوف ، والله أعلم . ابن عمر
( فرع ) قال : فلو وجب لزيد في ذمة عمرو دينار أهوازي ووجب لعمرو في ذمة زيد دينار أهوازي جاز أن يجعل ذلك قصاصا . الصيمري
( قلت ) وناهيك بنقل الإجماع ، فإنه معلوم سنده فيه مع الحديث الذي روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " { أحمد } " وإن كان نهى عن بيع الكالئ بالكالئ قال : إن إسناده لا يثبت ، والحديث مشهور عن ابن المنذر موسى بن عبيد ، وهو ضعيف ، ونقل عن أنه سئل أيصح في هذا حديث ؟ قال : لا ، فلو ثبت الحديث أمكن التمسك به ، فإن الكالئ بالكالئ هو الدين بالدين ، وكذلك فسره أحمد راوي الحديث ، والدين بالدين حقيقة فيما نحن فيه . نافع
( أما ) إذا لم يثبت فالإجماع لا يمكن التمسك به مع وجود الخلاف في هذه الصورة الخاصة ، فإنه يؤول هذا إلى تفسير بيع الدين بالدين المجمع على منعه ، يعني ما نحن فيه ، وهو أن يكون للرجل على الرجل دين فيجعله عليه في دين آخر مخالف له في الصفة أو في القدر ، فهذا هو الذي وقع الإجماع على امتناعه ، وهو في الحقيقة بيع دين بما يصير دينا وإذا لم يكن في الحديث متمسك بضعفه ولا في الإجماع لعدم التوارد على محل واحد ، واحتجت الحنفية والمالكية بحديث رضي الله عنه وتقاضيه الدراهم عن الدنانير وبالعكس ، ولا دليل فيه لأنه إنما يدل على الدين بالعين أو بالموصوف ، والله أعلم . ابن عمر
( فرع ) قال : فلو وجب لزيد في ذمة عمرو دينار أهوازي ووجب لعمرو في ذمة زيد دينار أهوازي جاز أن يجعل ذلك قصاصا . الصيمري
[ ص: 107 ] القسم الرابع ) معين وموصوف ، كما إذا ، فهذا جائز عندنا ، وعند جمهور العلماء إلا ما تقدم من النقل عن قال : بعتك هذا الدينار بعشرة دراهم رحمه الله ، فلو جرى هذا القسم بلفظ السلم كان باطلا أيضا كالقسم الثاني ورأى شيخنا مالك ابن الرفعة القطع بالجواز في هذا القسم ، للبعد عن بيع الكالئ بالكالئ ، وهذا غلط مخالف .
( القسم الخامس ) دين بعين ، كما إذا كان فيجوز أيضا بشرط أن يكون ذلك الدين مما يجوز الاستبدال عنه . وهذا قسمان ( أحدهما ) ألا يكون ثمنا ولا مثمنا كدين القراض والإتلاف ( والثاني ) أن يكون ثمنا على الجديد في غير الصرف ، فلو كان في الصرف فقد تقدم ما فيه ، ويشترط أن يكون الدين حالا أيضا ، فإن كان مؤجلا فسيأتي حكمه إذا عرف ذلك فيجوز أخذ الدراهم عن الدنانير ، والدنانير عن الدراهم الثابتة في الذمة . حكي عن له عليه دينار ، فقال : بعتك الدينار الذي لي عليك بهذه العشرة الدراهم وابنه عمر والحسن والحكم وحماد وطاوس والزهري والقاسم بن محمد وقتادة وإبراهيم على اختلاف عنهما ، وهو مذهب وعطاء أبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبد الله بن الحسن . وروي كراهة ذلك عن وأبي ثور ابن مسعود وابن عباس وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب ، وهو أحد قولي وابن شبرمة رضي الله عنه ثم اختلف الأولون فمنهم من قال : يشترط أن يكون بسعر يومها وقال الشافعي رضي الله عنه : يؤخذ بسعر يومها ، وبأعلى وبأرخص . قال أبو حنيفة رضي الله عنه : إنما يقضيه إياها بالسعر . أحمد بن حنبل
وقال لم يختلفوا في أنه يقضيه إياها بالسعر إلا ما قال أصحاب الرأي ، ووجه الأول قوله صلى الله عليه وسلم " { ابن قدامة } " واستدل له بأن هذا جار مجرى القضاء فيقيد بالمثل كما لو أحصيناه من الجنس والتماثل ، بينما هو متعذر من حيث الصورة فاعتبر من حيث القيمة ، والعمدة فيه حديث لا بأس أن تأخذها بسعر يومها الذي تقدمت الإشارة إليه ، وهو ما رواه ابن عمر أبو داود والترمذي والنسائي من حديث وابن ماجه سماك بن حرب عن عن سعيد بن جبير قال : " { ابن عمر بالبقيع ، فأبيع الدنانير وآخذ [ ص: 108 ] الدراهم وأبيع الدراهم وآخذ الدنانير ، آخذ هذه عن هذه ، وأعطي هذه عن هذه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة فقلت : يا رسول الله رويدك أسألك ، إني أبيع الإبل بالبقيع ، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ، آخذ هذه عن هذه ، وأعطي هذه عن هذه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس من أن تأخذ بسعر يومها ، ما لم تفترقا وبينكما شيء } " وهذا لفظ كنت أبيع الإبل أبي داود ، وقد تفرد سماك بن حرب بهذا الحديث ، لا يروى من غير جهة . وقد وقع في سماك من رواية ابن ماجه عمر بن عبيد وهو قال : ثنا الطنافسي أو عطاء بن السائب على الشك قال : ولا أعلم إلا سماك ، والحديث معروف سماكا من أفراده لم يرفعه أحد غيره ، بسماك اختلف الناس فيه ، فضعفه وسماك شعبة والثوري ، ونقل عن وابن المبارك نحوه ، وقال علي مضطرب الحديث إنه كان يقبل التلقين ، وأن أحمد : شهد عليه بذلك ووثقه شعبة . يحيى بن معين
وقال أبو حاتم : صدوق روى له وقال مسلم ابن عدي : حديث كبير مستقيم إن شاء الله تعالى كله ، وقد حدث عنه الأئمة وهو من كبار تابعي ولسماك الكوفيين وأحاديثه حسان عمن يروي عنه وهو صدوق لا بأس به ، وفي كتاب ابن أبي حاتم عن قال : سمعت علي بن المديني قال : سمعت أبا داود الطيالسي خالد بن طليق يسأل فقال : يا شعبة أبا بسطام حدثني بحديث في اقتضاء الورق عن الذهب حديث سماك فقال : أصلحك الله وهذا حديث ليس يرفعه أحد إلا ابن عمر ، قال فتذهب أن أروي عنك ؟ قال : لا ، ولكن حدثنيه سماك عن قتادة عن سعيد بن المسيب ولم يرفعه ، وأخبرنيه ابن عمر أيوب عن عن نافع ولم يرفعه ، وحدثني ابن عمر بن داود أبي هند عن ولم يرفعه ورفعه سعيد بن جبير ، فأنا أفرق به . سماك
قلت : وقد روى عن شعبة ، فمن جملة ما روى عنه حديث سماك سويد بن قيس قال : جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر أو البحرين ، حديث [ ص: 109 ] ليس لزيد رواه في المستدرك فهذا ما حضرني من حال الحاكم ، وهو إن شاء الله تعالى إلى التوثيق أقرب . وحديثه هذا يدخل في قسم الحسن كما اقتضاه كلام سماك ابن عدي وقد أخرجه في المستدرك وقال : إنه صحيح على شرط الحاكم . مسلم
فإن لم يكن كما قال فلا أقل من أن يكون حسنا ، وسماك بن حرب رجل صالح ، قال : قد أدركت ثمانين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه قال : " ذهب بصري فرأيت إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام في النوم فقلت : ذهب بصري ، قال : انزل ، إلى الفرات فاغمس رأسك فيه وافتح عينيك فإن الله تعالى يرد عليك بصرك قال : ففعلت ذلك فرد الله تعالى علي بصري " وقد جعل قوم حديث هذا معارضا لحديث ابن عمر ، وشبهه في قوله " { أبي سعيد } " قال ولا تبيعوا منها غائبا بناجز : وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء ، لأنه يمكن استعمال كل واحد منهما ، فحديث ابن عبد البر مفسر ، وحديث ابن عمر مجمل ، فصار معناه لا تبيعوا منها غائبا ليس في ذمة بناجز . أبي سعيد الخدري
وإذا حملا على هذا لم يتعارضا ا هـ وإذا ثبت هذا الحديث فهو نص في أخذ المعين عن الدين ( وأما ) الاستدلال به على الموصوف عن الدين فمحتمل ، فإن كلام محتمل لأن يكون يعتاض عن الدنانير دراهم معينة ، ويحتمل أن يعتاض عنها دراهم غير معينة فلم يعينها ، ويترجح الأول بقوله ( وآخذ ) فإنه ظاهر في القبض لا في مجرد المعاوضة ويمكن ترجيح الثاني بقوله صلى الله عليه وسلم ويفسده الجواب ورفع البأس مما إذا تفرقا ، وليس بينهما شيء ، ولو حصل التقابض لم يبق بينهما شيء ، وإن لم يتفرقا فلا يحتاج إلى تقييده بالشرط . ابن عمر
وقد رد هذا الحديث ومنع جواز ذلك ، ورد الحديث لأجل ما تقدم وقد مضى الكلام فيه ، ولأجل أنه قد روي هذا الحديث بعينه في ابن حزم عن النسائي قال : " { ابن عمر } والجواب عن هذا بعد تسليم كونه حديثا واحدا وأن هذه القصة مختصرة من تلك ، فإن مضمون لفظ الحديث المتقدم أنه كان يبيع الإبل بالدنانير ثم يبيع الدنانير بالدراهم وبالعكس ، فاقتصر في رواية [ ص: 110 ] كنت أبيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال : إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك وبينه لبس على ذكر ما يفعل في الثمن دون شرح القصة بكمالها فلا تعارض ولا منافاة ، ومن زاد حجة على من اقتصر والله أعلم . ويشترط في هذا القسم الخامس القبض في المجلس ، وبنى مسألة ما إذا صالح بدين على عين . النسائي
( فرع ) يشترط في هذا القسم أن يكون الدين حالا ، فلو لم يصح . أما تقديم الدين فيجوز ، وقد تقدمت مسألة الاستبدال في كلام الشيخ ، ولكني ذكرت هنا منها ما يتعلق بالصرف ، والذي صححه أراد أن يأخذ على الدين المؤجل عوضا قبل حلول الدين الماوردي هنا أنه إذا اعتاض عرضا عن النقد الذي في الذمة لا يلزم فيه قبض العرض في المجلس ، وادعى أن ذلك ظاهر المذهب وأنه لو اعتاض عرضا ونقدا ففيه قولا الجمع بين الروايتين ولا يسلم له ما ادعى أنه ظاهر المذهب ، وليس هذا موضع تحقيق ذلك ، وإنما ذكرت هنا ما يتعلق بالصرف وممن صرح بأنه لا يجوز الاعتياض عن الدين المؤجل الماوردي قال : لأن المؤجل لا يجوز أخذ العوض عنه .
( فرع ) قال في التهذيب : لا فرق في جواز الاستبدال بين أن يكون بعد تسليم المبيع أو قبله ، ولو . قال في التهذيب : إنه كالدراهم والدنانير في جواز الاستبدال . باع شيئا بغير الدراهم والدنانير في الذمة
( فرع ) ولا بد في ذلك من لفظ البيع أو ما في معناه . قال : ومن فليس ببيع ، والذهب المأخوذ عليه دراهم يرد بوزنه وعلى هذا دراهم مثل الدراهم التي أخذ . كان له على رجل ذهب حال فأعطاه على غير بيع مسمى من الذهب
وقال لم يختلفوا في أنه يقضيه إياها بالسعر إلا ما قال أصحاب الرأي ، ووجه الأول قوله صلى الله عليه وسلم " { ابن قدامة } " واستدل له بأن هذا جار مجرى القضاء فيقيد بالمثل كما لو أحصيناه من الجنس والتماثل ، بينما هو متعذر من حيث الصورة فاعتبر من حيث القيمة ، والعمدة فيه حديث لا بأس أن تأخذها بسعر يومها الذي تقدمت الإشارة إليه ، وهو ما رواه ابن عمر أبو داود والترمذي والنسائي من حديث وابن ماجه سماك بن حرب عن عن سعيد بن جبير قال : " { ابن عمر بالبقيع ، فأبيع الدنانير وآخذ [ ص: 108 ] الدراهم وأبيع الدراهم وآخذ الدنانير ، آخذ هذه عن هذه ، وأعطي هذه عن هذه ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة فقلت : يا رسول الله رويدك أسألك ، إني أبيع الإبل بالبقيع ، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ، آخذ هذه عن هذه ، وأعطي هذه عن هذه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس من أن تأخذ بسعر يومها ، ما لم تفترقا وبينكما شيء } " وهذا لفظ كنت أبيع الإبل أبي داود ، وقد تفرد سماك بن حرب بهذا الحديث ، لا يروى من غير جهة . وقد وقع في سماك من رواية ابن ماجه عمر بن عبيد وهو قال : ثنا الطنافسي أو عطاء بن السائب على الشك قال : ولا أعلم إلا سماك ، والحديث معروف سماكا من أفراده لم يرفعه أحد غيره ، بسماك اختلف الناس فيه ، فضعفه وسماك شعبة والثوري ، ونقل عن وابن المبارك نحوه ، وقال علي مضطرب الحديث إنه كان يقبل التلقين ، وأن أحمد : شهد عليه بذلك ووثقه شعبة . يحيى بن معين
وقال أبو حاتم : صدوق روى له وقال مسلم ابن عدي : حديث كبير مستقيم إن شاء الله تعالى كله ، وقد حدث عنه الأئمة وهو من كبار تابعي ولسماك الكوفيين وأحاديثه حسان عمن يروي عنه وهو صدوق لا بأس به ، وفي كتاب ابن أبي حاتم عن قال : سمعت علي بن المديني قال : سمعت أبا داود الطيالسي خالد بن طليق يسأل فقال : يا شعبة أبا بسطام حدثني بحديث في اقتضاء الورق عن الذهب حديث سماك فقال : أصلحك الله وهذا حديث ليس يرفعه أحد إلا ابن عمر ، قال فتذهب أن أروي عنك ؟ قال : لا ، ولكن حدثنيه سماك عن قتادة عن سعيد بن المسيب ولم يرفعه ، وأخبرنيه ابن عمر أيوب عن عن نافع ولم يرفعه ، وحدثني ابن عمر بن داود أبي هند عن ولم يرفعه ورفعه سعيد بن جبير ، فأنا أفرق به . سماك
قلت : وقد روى عن شعبة ، فمن جملة ما روى عنه حديث سماك سويد بن قيس قال : جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر أو البحرين ، حديث [ ص: 109 ] ليس لزيد رواه في المستدرك فهذا ما حضرني من حال الحاكم ، وهو إن شاء الله تعالى إلى التوثيق أقرب . وحديثه هذا يدخل في قسم الحسن كما اقتضاه كلام سماك ابن عدي وقد أخرجه في المستدرك وقال : إنه صحيح على شرط الحاكم . مسلم
فإن لم يكن كما قال فلا أقل من أن يكون حسنا ، وسماك بن حرب رجل صالح ، قال : قد أدركت ثمانين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم روى عنه قال : " ذهب بصري فرأيت إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام في النوم فقلت : ذهب بصري ، قال : انزل ، إلى الفرات فاغمس رأسك فيه وافتح عينيك فإن الله تعالى يرد عليك بصرك قال : ففعلت ذلك فرد الله تعالى علي بصري " وقد جعل قوم حديث هذا معارضا لحديث ابن عمر ، وشبهه في قوله " { أبي سعيد } " قال ولا تبيعوا منها غائبا بناجز : وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء ، لأنه يمكن استعمال كل واحد منهما ، فحديث ابن عبد البر مفسر ، وحديث ابن عمر مجمل ، فصار معناه لا تبيعوا منها غائبا ليس في ذمة بناجز . أبي سعيد الخدري
وإذا حملا على هذا لم يتعارضا ا هـ وإذا ثبت هذا الحديث فهو نص في أخذ المعين عن الدين ( وأما ) الاستدلال به على الموصوف عن الدين فمحتمل ، فإن كلام محتمل لأن يكون يعتاض عن الدنانير دراهم معينة ، ويحتمل أن يعتاض عنها دراهم غير معينة فلم يعينها ، ويترجح الأول بقوله ( وآخذ ) فإنه ظاهر في القبض لا في مجرد المعاوضة ويمكن ترجيح الثاني بقوله صلى الله عليه وسلم ويفسده الجواب ورفع البأس مما إذا تفرقا ، وليس بينهما شيء ، ولو حصل التقابض لم يبق بينهما شيء ، وإن لم يتفرقا فلا يحتاج إلى تقييده بالشرط . ابن عمر
وقد رد هذا الحديث ومنع جواز ذلك ، ورد الحديث لأجل ما تقدم وقد مضى الكلام فيه ، ولأجل أنه قد روي هذا الحديث بعينه في ابن حزم عن النسائي قال : " { ابن عمر } والجواب عن هذا بعد تسليم كونه حديثا واحدا وأن هذه القصة مختصرة من تلك ، فإن مضمون لفظ الحديث المتقدم أنه كان يبيع الإبل بالدنانير ثم يبيع الدنانير بالدراهم وبالعكس ، فاقتصر في رواية [ ص: 110 ] كنت أبيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال : إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك وبينه لبس على ذكر ما يفعل في الثمن دون شرح القصة بكمالها فلا تعارض ولا منافاة ، ومن زاد حجة على من اقتصر والله أعلم . ويشترط في هذا القسم الخامس القبض في المجلس ، وبنى مسألة ما إذا صالح بدين على عين . النسائي
( فرع ) يشترط في هذا القسم أن يكون الدين حالا ، فلو لم يصح . أما تقديم الدين فيجوز ، وقد تقدمت مسألة الاستبدال في كلام الشيخ ، ولكني ذكرت هنا منها ما يتعلق بالصرف ، والذي صححه أراد أن يأخذ على الدين المؤجل عوضا قبل حلول الدين الماوردي هنا أنه إذا اعتاض عرضا عن النقد الذي في الذمة لا يلزم فيه قبض العرض في المجلس ، وادعى أن ذلك ظاهر المذهب وأنه لو اعتاض عرضا ونقدا ففيه قولا الجمع بين الروايتين ولا يسلم له ما ادعى أنه ظاهر المذهب ، وليس هذا موضع تحقيق ذلك ، وإنما ذكرت هنا ما يتعلق بالصرف وممن صرح بأنه لا يجوز الاعتياض عن الدين المؤجل الماوردي قال : لأن المؤجل لا يجوز أخذ العوض عنه .
( فرع ) قال في التهذيب : لا فرق في جواز الاستبدال بين أن يكون بعد تسليم المبيع أو قبله ، ولو . قال في التهذيب : إنه كالدراهم والدنانير في جواز الاستبدال . باع شيئا بغير الدراهم والدنانير في الذمة
( فرع ) ولا بد في ذلك من لفظ البيع أو ما في معناه . قال : ومن فليس ببيع ، والذهب المأخوذ عليه دراهم يرد بوزنه وعلى هذا دراهم مثل الدراهم التي أخذ . كان له على رجل ذهب حال فأعطاه على غير بيع مسمى من الذهب
( القسم السادس ) دين بموصوف كما إذا ، فيصح ذلك عندنا أيضا على الأصح بشرط التعيين في المجلس . وهي مسألة ما إذا صالح من دين على دين وحديث قال : بعتك الدينار الذي لي في ذمتك بعشرة دراهم موصوفة أو مطلقة في بلد فيها نقد غالب محتمل له كما تقدم ، ولا فرق في المعنى بين هذا القسم وبين الموصوفين ، فقد تلخصت هذه الأقسام الستة ، وكلها جائزة عند ابن عمر رضي الله عنه إلا القسم الثالث فقط وهو بيع الدين بالدين والله أعلم . الشافعي
[ ص: 111 ] إذا عرف ذلك فالصرف في الذمة واقع في ثلاث صور ; القسم الثاني والرابع والسادس وصوره بمسألة الكتاب في القسم الثاني ، وهو ما إذا كانا موصوفين ، وقد علمت أن المطلقين المعلومين حكمهما حكم الموصوفين ، فإذا تبايعا دراهم في الذمة بدنانير في الذمة ووصفا كلا من العوضين أو أطلقا ، وكان في البلد نقد واحد أو غالب وتقابضا ، صح العقد على ما تقدم ، لا خلاف في المذهب فيه إلا ما حكيته عن أبي عاصم وإنما صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان العوضان في الذمة . وإن كان صدر كلامه محتملا لما إذا كانت الدنانير في الذمة فقط ، لإطلاقه بعد ذلك أن لأحدهما أن يرد ويطالب بالبدل وتعليله بأن المعقود عليه في الذمة ولو كان أحد العوضين معينا لم يأت هذا الحكم والتعليل إلا في العوض الآخر فقط ، فلذلك قلت إن صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان في الذمة ، فإذا وجد أحدهما بما قبضه عيبا وهما في المجلس لم يتفرقا ولم يناجزا جاز أن يرده ، لا على سبيل الفسخ للعقد ، بل على أنه يطالب ببدل المقبوض ويطالب بالبدل ، لأن العقد وقع على ما في الذمة ، وما في الذمة صحيح لا عيب فيه . فإذا قبض معيبا كان له أن يطالب بما في ذمته مما يتناوله العقد ، إذا قبض المسلم فيه ثم وجد به عيبا ، فإن له أن يطالب ببدله بخلاف المعين فإن العقد تناوله بعينه فلو طالبه ببدله لطالبه بشيء لم يتناوله العقد ، فكان له فسخه واسترجاع ثمنه فقط ، وهذا الحكم من كونه يرد العوض المقبوض عما في الذمة ، ويطالب ببدله نص عليه - رحمه الله - والأصحاب وجزموا به قولا واحدا ، وممن صرح بذلك الشافعي والشيخ القاضي أبو الطيب وغيرهم ولا فرق في ذلك بين أن يكون العيب من جنسه مثل أن يكون فضة خشنة أو صكتها مضطربة مخالفة لصكة السلطان أو بها صدع أو ثلم أم من غير جنسه ، مثل أن يشتري دنانير فتخرج نحاسا أو فضة مطلية بذهب أو شبهها ، أو يشتري دراهم فتخرج رصاصا ، كذلك صرح الشيخ أبو محمد أبو حامد والمحاملي والماوردي والقاضي أبو الطيب والروياني وصاحب العدة وغيرهم والقاضي حسين والمصنف وغيرهما وسواء كان العيب بكل المقبوض أم ببعضه نص عليه - رحمه الله - والأصحاب . الشافعي
[ ص: 112 ] فإذا رد العوض المذكور وقبض بدله وهما في المجلس صح ، لأنه قد قبض قبل التفرق ، هكذا ينبغي أن يفهم كلام المصنف وسكوته عن صحة قبض البدل إذا أخذ بشرطه ، لأنه لازم لجواز المطالبة بالبدل ، فيكون التقدير : يطالب بالبدل لأن المعقود عليه ما في الذمة ، فكان له المطالبة به كالمسلم فيه وإذا قبضه صح ، لأنه قد قبض قبل التفرق ، فيكون الكلام متضمنا حكمين وعلتين ، أو يجعل تقدير الكلام فيطالب بالبدل ، لأن المعقود عليه ما في الذمة ، فإذا قبض والحالة هذه فقد قبض المعقود عليه قبل التفرق ، أو يقتصر على الحكم الأول فقط ، وحينئذ لا يحتاج إلى قياسه على المسلم فيه ، بل يكون التقدير ، يطالب بالبدل لأن المعقود عليه ما في الذمة ، فإذا قبضه فقد قبض قبل التفرق ، فلم ينفسخ العقد ، وهذه العلة كافية في بقاء العقد الموجب لجواز المطالبة . ولا بد من أخذ هذين النقدين وإلا فلا يحسن أن يجعل علة جواز المطالبة بالبدل أنه قد قبض قبل التفرق ، لأنه إلى الآن لم يقبض ، وهذا الخلاف قريب ظاهر من معنى الكلام ، لا يخفى على متأمل ، وإذا قدرت جملة شرطية محذوفة كما ذكرت صار المعنى : فإذا قبض قبل التفرق فقد قبض قبل التفرق ، وظاهر هذا أنه كلام لغو ، فإن المغايرة بين الشرط والجزاء واجبة ، فاعلم أن المغايرة تحصل باختلاف الضميرين فالضمير في قبض الأول عائد على البدل ، والضمير في قبض الثاني عائد على المعقود عليه الذي قبضه من حيث هو شرط والله أعلم . ذكر الجملة الأولى وقاسه على المسلم فيه ، ولم يحتج بعد ذلك أن يصرح بأنه إذا قبضه يصح لوضوحه ، ولم يذكر القبض قبل التفرق في العلة ، وكذلك الشيخ والقاضي أبو الطيب فاحتمل كلام أبو حامد المصنف بهذه الزيادة من البحث والتقدير ما لم يحتمله كلاهما ، والله أعلم ومذهب في ذلك كمذهبنا . أحمد
( فإن قلت ) كيف جزموا بأن له أن يرد ويطالب بالبدل ؟ ولنا خلاف في رأس مال السلم أن تعيينه في المجلس هل يكون كتعيينه في العقد ؟ والأصح على ما قاله الغزالي والرافعي في كتاب السلم : أن المعين في المجلس كالمعين في [ ص: 113 ] العقد ، وأن له المطالبة بعينه عند الفسخ ، وليس للمسلم إليه الإتيان ببدله فهلا كان كذلك هاهنا ؟ .
( قلت ) قد تخيل ذلك بعض شيوخنا وقال : إنه يلزم على هذا التقدير أنه إذا وجد به عيبا ورده في المجلس ألا يجوز له أخذ البدل على وجه ، كما إذا ورد العقد على عينه ، قال : ولم أره وهذا التخيل ضعيف والأصحاب كلهم مطبقون على الجزم بهذه المسألة وألزموا بها في قوله : إنه لا يرد بعد التفرق . وجعلوا هذه المسألة ناقصة لدعوى أن المعين في المجلس كالمعين في العقد مطلقا . وإذا تأملت الفرق بين المعين وما في الذمة ظهر لك الجواب عن هذا الإلزام ، فإن امتناع الاستبدال في المعين ، لأنه نقل للعقد من محل إلى محل وليس كذلك في الموصوف بل هو مطالبة بالمستحق ، فإن العقد لم يرد على هذا المقبوض قطعا ( وإن قلنا ) بأنه بعينه قام مقامه تعيينه في العقد ، والاكتفاء به ، وفي الرجوع إلى عينه عند الانفساخ ، فإنه يلزم من ارتفاع العقد ارتفاع الملك فيه ، لكونه من أثره وإنما ورد العقد على الموصوف ولا تتعين حقيقته بالقبض والله أعلم . والذي ذكره الأصحاب هنا من الفرق بين ما قبل التفرق وبعده جار بعينه في المسلم فيه ، كذلك صرح صاحب التتمة المزني والروياني وجزما في السلم والصرف بجواز الاستبدال عند ظهور العيب قبل التفرق وإجراء الخلاف بعده ، والذي ذكروه في السلم من أنه إذا فسخ بسبب يقتضيه وكان رأس المال موصوفا ثم عجل في المجلس وهو باق له المطالبة بعينه على الأصح تفريعا على أن له حكم المعين في العقد ، الذي يظهر بأنه يجري بعينه في الصرف ، وإن لم أره منقولا ، حتى لو تقايلا في الصرف بعد التفرق لو جرى سبب يقتضي الفسخ كان له الرجوع إلى عين العوض الذي سلمه في المجلس فلا منافاة بين هاتين المسألتين فزال الإيراد والتخريج الذي يخيل ، والله أعلم وقد علل المحلي في الذخائر جواز الإبدال قبل التفرق بأن ما في الذمم باق لا تبرأ بالمعيب صحيح وإن جاز رده ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 111 ] إذا عرف ذلك فالصرف في الذمة واقع في ثلاث صور ; القسم الثاني والرابع والسادس وصوره بمسألة الكتاب في القسم الثاني ، وهو ما إذا كانا موصوفين ، وقد علمت أن المطلقين المعلومين حكمهما حكم الموصوفين ، فإذا تبايعا دراهم في الذمة بدنانير في الذمة ووصفا كلا من العوضين أو أطلقا ، وكان في البلد نقد واحد أو غالب وتقابضا ، صح العقد على ما تقدم ، لا خلاف في المذهب فيه إلا ما حكيته عن أبي عاصم وإنما صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان العوضان في الذمة . وإن كان صدر كلامه محتملا لما إذا كانت الدنانير في الذمة فقط ، لإطلاقه بعد ذلك أن لأحدهما أن يرد ويطالب بالبدل وتعليله بأن المعقود عليه في الذمة ولو كان أحد العوضين معينا لم يأت هذا الحكم والتعليل إلا في العوض الآخر فقط ، فلذلك قلت إن صورة مسألة الكتاب فيما إذا كان في الذمة ، فإذا وجد أحدهما بما قبضه عيبا وهما في المجلس لم يتفرقا ولم يناجزا جاز أن يرده ، لا على سبيل الفسخ للعقد ، بل على أنه يطالب ببدل المقبوض ويطالب بالبدل ، لأن العقد وقع على ما في الذمة ، وما في الذمة صحيح لا عيب فيه . فإذا قبض معيبا كان له أن يطالب بما في ذمته مما يتناوله العقد ، إذا قبض المسلم فيه ثم وجد به عيبا ، فإن له أن يطالب ببدله بخلاف المعين فإن العقد تناوله بعينه فلو طالبه ببدله لطالبه بشيء لم يتناوله العقد ، فكان له فسخه واسترجاع ثمنه فقط ، وهذا الحكم من كونه يرد العوض المقبوض عما في الذمة ، ويطالب ببدله نص عليه - رحمه الله - والأصحاب وجزموا به قولا واحدا ، وممن صرح بذلك الشافعي والشيخ القاضي أبو الطيب وغيرهم ولا فرق في ذلك بين أن يكون العيب من جنسه مثل أن يكون فضة خشنة أو صكتها مضطربة مخالفة لصكة السلطان أو بها صدع أو ثلم أم من غير جنسه ، مثل أن يشتري دنانير فتخرج نحاسا أو فضة مطلية بذهب أو شبهها ، أو يشتري دراهم فتخرج رصاصا ، كذلك صرح الشيخ أبو محمد أبو حامد والمحاملي والماوردي والقاضي أبو الطيب والروياني وصاحب العدة وغيرهم والقاضي حسين والمصنف وغيرهما وسواء كان العيب بكل المقبوض أم ببعضه نص عليه - رحمه الله - والأصحاب . الشافعي
[ ص: 112 ] فإذا رد العوض المذكور وقبض بدله وهما في المجلس صح ، لأنه قد قبض قبل التفرق ، هكذا ينبغي أن يفهم كلام المصنف وسكوته عن صحة قبض البدل إذا أخذ بشرطه ، لأنه لازم لجواز المطالبة بالبدل ، فيكون التقدير : يطالب بالبدل لأن المعقود عليه ما في الذمة ، فكان له المطالبة به كالمسلم فيه وإذا قبضه صح ، لأنه قد قبض قبل التفرق ، فيكون الكلام متضمنا حكمين وعلتين ، أو يجعل تقدير الكلام فيطالب بالبدل ، لأن المعقود عليه ما في الذمة ، فإذا قبض والحالة هذه فقد قبض المعقود عليه قبل التفرق ، أو يقتصر على الحكم الأول فقط ، وحينئذ لا يحتاج إلى قياسه على المسلم فيه ، بل يكون التقدير ، يطالب بالبدل لأن المعقود عليه ما في الذمة ، فإذا قبضه فقد قبض قبل التفرق ، فلم ينفسخ العقد ، وهذه العلة كافية في بقاء العقد الموجب لجواز المطالبة . ولا بد من أخذ هذين النقدين وإلا فلا يحسن أن يجعل علة جواز المطالبة بالبدل أنه قد قبض قبل التفرق ، لأنه إلى الآن لم يقبض ، وهذا الخلاف قريب ظاهر من معنى الكلام ، لا يخفى على متأمل ، وإذا قدرت جملة شرطية محذوفة كما ذكرت صار المعنى : فإذا قبض قبل التفرق فقد قبض قبل التفرق ، وظاهر هذا أنه كلام لغو ، فإن المغايرة بين الشرط والجزاء واجبة ، فاعلم أن المغايرة تحصل باختلاف الضميرين فالضمير في قبض الأول عائد على البدل ، والضمير في قبض الثاني عائد على المعقود عليه الذي قبضه من حيث هو شرط والله أعلم . ذكر الجملة الأولى وقاسه على المسلم فيه ، ولم يحتج بعد ذلك أن يصرح بأنه إذا قبضه يصح لوضوحه ، ولم يذكر القبض قبل التفرق في العلة ، وكذلك الشيخ والقاضي أبو الطيب فاحتمل كلام أبو حامد المصنف بهذه الزيادة من البحث والتقدير ما لم يحتمله كلاهما ، والله أعلم ومذهب في ذلك كمذهبنا . أحمد
( فإن قلت ) كيف جزموا بأن له أن يرد ويطالب بالبدل ؟ ولنا خلاف في رأس مال السلم أن تعيينه في المجلس هل يكون كتعيينه في العقد ؟ والأصح على ما قاله الغزالي والرافعي في كتاب السلم : أن المعين في المجلس كالمعين في [ ص: 113 ] العقد ، وأن له المطالبة بعينه عند الفسخ ، وليس للمسلم إليه الإتيان ببدله فهلا كان كذلك هاهنا ؟ .
( قلت ) قد تخيل ذلك بعض شيوخنا وقال : إنه يلزم على هذا التقدير أنه إذا وجد به عيبا ورده في المجلس ألا يجوز له أخذ البدل على وجه ، كما إذا ورد العقد على عينه ، قال : ولم أره وهذا التخيل ضعيف والأصحاب كلهم مطبقون على الجزم بهذه المسألة وألزموا بها في قوله : إنه لا يرد بعد التفرق . وجعلوا هذه المسألة ناقصة لدعوى أن المعين في المجلس كالمعين في العقد مطلقا . وإذا تأملت الفرق بين المعين وما في الذمة ظهر لك الجواب عن هذا الإلزام ، فإن امتناع الاستبدال في المعين ، لأنه نقل للعقد من محل إلى محل وليس كذلك في الموصوف بل هو مطالبة بالمستحق ، فإن العقد لم يرد على هذا المقبوض قطعا ( وإن قلنا ) بأنه بعينه قام مقامه تعيينه في العقد ، والاكتفاء به ، وفي الرجوع إلى عينه عند الانفساخ ، فإنه يلزم من ارتفاع العقد ارتفاع الملك فيه ، لكونه من أثره وإنما ورد العقد على الموصوف ولا تتعين حقيقته بالقبض والله أعلم . والذي ذكره الأصحاب هنا من الفرق بين ما قبل التفرق وبعده جار بعينه في المسلم فيه ، كذلك صرح صاحب التتمة المزني والروياني وجزما في السلم والصرف بجواز الاستبدال عند ظهور العيب قبل التفرق وإجراء الخلاف بعده ، والذي ذكروه في السلم من أنه إذا فسخ بسبب يقتضيه وكان رأس المال موصوفا ثم عجل في المجلس وهو باق له المطالبة بعينه على الأصح تفريعا على أن له حكم المعين في العقد ، الذي يظهر بأنه يجري بعينه في الصرف ، وإن لم أره منقولا ، حتى لو تقايلا في الصرف بعد التفرق لو جرى سبب يقتضي الفسخ كان له الرجوع إلى عين العوض الذي سلمه في المجلس فلا منافاة بين هاتين المسألتين فزال الإيراد والتخريج الذي يخيل ، والله أعلم وقد علل المحلي في الذخائر جواز الإبدال قبل التفرق بأن ما في الذمم باق لا تبرأ بالمعيب صحيح وإن جاز رده ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) لو ، وهما في مجلس العقد قال في التهذيب غرم ما تلف عنده ويستبدل . قبض المعقود عليه في الصرف في الذمة ، وتلف في المجلس ، ثم اطلع على عيب فيه
[ ص: 114 ] فرع ) لا شك أنه لو رضي به بعيبه جاز في هذا القسم إذا كان العيب من جنسه ، وإن اختار أخذ أرشه لم يجز .
وقال الحنابلة : إن كان من جنسين جاز والله أعلم . هذا كله إذا لم يتفرقا . ومن المعلوم أنه يجوز الرضا بالعيب إذا كان العيب من الجنس كرداءة الفضة وما أشبه ذلك والله أعلم . أما إذا تفرقا ثم ظهر العيب فإن كان العيب من حيث اختلاف الجنس بأن يسلمه على أنه دراهم فإذا هي رصاص ، أو على أنه ذهب فإذا هي تبر ، والفرض أن العيب في الجميع فقد بطل العقد . لأن الذي قبضه غير العوض الذي وقع عليه العقد . ولا يجوز له إمساكه فإذا عقد عقد الصرف وتفرقا قبل القبض بطل . نص عليه رحمه الله في الشافعي البويطي واتفق عليه الأصحاب لا خلاف بينهم فيه . وقال : إنه يبطل قولا واحدا على هذا القول يعني قول منع الاستبدال فأوهم أن في ذلك خلافا على القول الآخر . أبو علي الطبري
ولا يكاد يصح وكذلك قال القاضي : إنه لا خلاف والله أعلم . ثم ينظر فإن كان العيب في الكل بطل عقد الصرف لما قلناه وإن كان في بعضه بطل العقد فيه . وقال حسين الماوردي : وصح في السلم على الصحيح من المذهب ، وكان - رحمه الله - يخرجه على قولين من تفريق الصفقة قال : وليس بصحيح لأن الفساد في بعضه يبطله وإنما القولان فيما إذا كان الفساد مقترنا بالصفقة وهذا التخريج الذي قاله أبو إسحاق المروزي هو الذي جزم به أبو إسحاق القاضي أبو الطيب والمحاملي .
وقال الروياني : إن تخريجهما على تفريق الصفقة هو اختيار وليس كمسألة العبدين إذا تلف أحدهما قبل القبض حيث لا يبطل في الباقي على الصحيح من المذهب قولا واحدا لأن عدم القبض في الصرف فساد في نفس العقد ، إذ تمام الصرف بالقبض فيكون في الباقي قولان ، فعلى هذا إن أبطلناه في الكل رجع بجميع الثمن ، وإن قيل بجوازه في السليم كان المشتري بالخيار لتفريق الصفقة عليه بين أن يفسخ في السليم فيرجع بجميع الثمن أو يمضيه ، فإن أمضاه في السليم فبماذا [ ص: 115 ] يمضيه ؟ نظر إن كان الصرف جنسا واحدا أمضاه بحصته من الثمن قاله القفال المحاملي . وإن كان جنسين فقولان ( أحدهما ) بحصته ( والثاني ) بجميع الثمن قاله المحاملي . قال الماوردي : وكان يخرج قولا ثانيا أنه يأخذه بجميع الثمن وإلا فسخ على معنى قوله في تفريق الصفقة . أبو إسحاق قلت : وما قال من الحكم بالصحة محله إذا كان بغير الجنس كالدراهم والدنانير ، أما في الجنس الواحد كما مثلناه في الفرع السابق فمتى أجاز بكل الثمن يدخل في الجنس كما سيأتي نظيره في الصرف المعين . هذا كله إذا كان العيب يخرجها من الجنس ، وإن كان العيب لا يخرجها من الجنس بل من حيث رداءة الجوهر وخساسة المعدن ، أو قبح السكة والطبع فالبيع لا يبطل بذلك قولا واحدا ، ولا خلاف أن له إمساكه والرضى به ، نص عليه والأصحاب . الشافعي
وممن صرح بنفي الخلاف عليه الشيخ وله رده واسترجاع ثمنه ، وهل له إبداله ؟ لا يخلو إما أن يكون العيب بكل العوض أو ببعضه ، فإن كان الكل معيبا ففيه قولان حكاهما أبو حامد المصنف والأصحاب وهما منصوصان في مختصر ( أصحهما ) أن له الاستبدال ، وهو الذي رجحه الشيخ المزني أبو حامد والمحاملي في المجموع والتجريد والمجرد وأبو الحسن بن خيران في اللطيف والجرجاني في المعاياة والخوارزمي في الكافي والغزالي في الخلاصة ، والبغوي في التهذيب ، والرافعي وغيرهم ، وهو قول أبي يوسف ومحمد في أصح روايتيه وروي ذلك عن وأحمد بن حنبل الحسن . وقتادة
واحتج الأصحاب له بالقياس الذي ذكره المصنف ، وهو مأخوذ من كلام رضي الله عنه فإنه قال في المختصر : لأنه بيع صفة أجازها المسلمون إذا قبضت قبل التفرق ، ويشبه أن يكون من حجته ، كما لو اشترى سلما بصفة ثم قبضه فأصاب به عيبا أخذ صاحبه بمثله . الشافعي
وهذا القياس الذي ذكره - رحمه الله - وجه الشبه فيه ظاهر فإن كلا منهما موصوف في الذمة ، وقد تعين بالقبض ، لكن الشافعي أن يقول : إن التعيين بعد [ ص: 116 ] التفرق لا يصيره كالمعين في العقد ، فلهذا جاز إبدال المسلم فيه . ولو فرضنا أن المسلم فيه حصل قبضه في مجلس عقد السلم ثم اطلع على عيب فيه بعد التفرق يجوز إبداله أيضا ، فإن إقباضه في المجلس لا يكون واجبا كإقباض عوض الصرف فلا فرق بين إقباضه في المجلس وبعده بخلاف الصرف . للمزني
فزاد الشيخ في القياس تبعا كلمة على سبيل الإلزام للشيخ أبي حامد ، فجعل الجامع بينه وبين المسلم فيه جواز الإبدال قبل التفرق وجعله ملزوما بجواز الإبدال بعده ، ولا يمكن للمزني أن يعترض عليه بما قدمته لأنه يلزمه أن يقول بعد جواز الإبدال في الصرف قبل التفرق ، وهو لا يقول به ، وهذا القياس أحد أنواع قياس الدلالة ، وهو - أعني هذا النوع منه - أن يستدل بالنظير على النظير كقوله : من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم . فإن الطلاق نظير الظهار ، فيدل أحدهما على الآخر ، كذلك هنا الإبدال بعد التفرق ، فيدل أحدهما على الآخر ، وهذا الإبدال بعد التفرق نظير الإبدال قبل التفرق ، لكن للمزني أن يقطع النظير ويقول : إن الإبدال قبل التفرق لا يلزم منه محظور بخلاف الإبدال بعد التفرق فإنه يلزم منه حصول التقابض بعد التفرقة ، والتسوية بينهما في السلم لا محظور فيها أيضا ولا يلزم من استوائهما في السلم استواؤهما في الصرف إلا بعد بيان استواء حكم السلم والصرف ، وإنه غير ثابت فتقف الدلالة . وفي كلام الشيخ للمزني زيادة يندفع بها هذا السؤال ، وهو أنه قال : إذ لو لم يجز الرد بعد المجلس لما جاز فيه كالمعين بالعقد ، وهذه الزيادة كافية من غير قياس على المسلم فيه ، أبي حامد أن يمنع الملازمة والقياس على المعين بالعقد ، فإن الامتناع فيه لأجل نقل العقد من محل إلى محل ، وهو مشترك بين ما قبل التفرق وبعده وأما الموصوف فالمنع فيه عنده بعد التفرق لعلة قاصرة عليه ، وهو كونه قصر القبض في الصرف بعد التفرق ، وهذا منتف فلا يصح القياس ، ولهذا قال في تعليق وللمزني الطبري على القول الذي اختاره في التسوية بين المعين والموصوف أنهما متفقان في الجواز مختلفان في الاعتلال . المزني
قال : لأن في بيوع الأعيان إنما لم يجعل له الاستبدال لأن العقد وقع بعينه ، وفيما إذا كان موصوفا في الذمة إنما لم يجعل له الاستبدال ، لأنه كان يؤدي إلى أن يقع التقابض بعد الافتراق فيؤدي إلى دخول الربا فيه . فأشار [ ص: 117 ] رحمه الله - بهذا إلى خلاف العلة ، ومع اختلاف العلة لا يصح القياس والله أعلم . فلم يبق إلا النظر في دليل فإن لم يسلم فالقياس يقتضي جواز الإبدال مطلقا ، فلنذكر ما ذهب إليه المزني وتوجيهه . وهو القول الأخير من القولين اللذين نص عليهما المزني ، أنه ليس له الاستبدال . الشافعي
قال كالجواب في المعين . الشافعي
ورجح هذا القول ، فلهذا نسبت البحث المتقدم إليه ، وممن رجحه المزني تلميذ أبو علي الفارقي المصنف والروياني في الحلية والبحر قال : إنه الصحيح ونسبه صاحب العدة إلى أبي حنيفة في الانتصار والمرشد ، وجزم به وابن أبي عصرون الفوراني والقاضي . قال حسين إمام الحرمين - رحمه الله - : وعبر الأئمة عن حقيقة القولين فقالوا : إذا فرض رد على قصد الاستبدال فتبين أن القبض الذي هو ركن العقد لم يجر أم لا يستند البعض إلى ما تقدم من القبض فعلى قولين .
وهذا بمثابة الاختلاف في نظير هذا من السلم ، فلو أسلم رجل في جارية ثم قبض جارية فوجدها دون الوصف ، فإن قنع بها فذاك ، وإن ردها فلا شك أنه يطلب جارية على الوصف المستحق ، ولكن المسلم إليه هل يجب عليه استبراء الجارية التي ردت عليه ؟ فعلى قولين مأخوذين من الأصلين اللذين مهدنا الآن . ا هـ .
قال في المختصر بعد حكاية كلام المزني رحمه الله : إذا كان بيع الأعيان والصفات من الدينار بالدراهم فيما يجوز بالقبض قبل الافتراق سواء ، وفيما يفسد به البيع من الافتراق قبل القبض سواء لزم عندي أن يكون في حكم المعيب بعد القبض سواء ، وقد قال : يرد الدرهم بحصته من الدينار . الشافعي
قال الشيخ وغيره : القول الذي اختاره أبو حامد ثلاثة أدلة : ( أحدهما ) أنا إذا جوزنا الاستبدال فإنه يرد المعيب ويأخذ العوض الذي استحقه بالعقد فيكون ذلك قبضا لعوض الصرف بعد التفرق ، وهذا يوجب فساد عقد الصرف فوجب أن لا يجوز . المزني
وقال الشيخ فيما علق عنه أبو حامد البندنيجي : إن هذه العلة أجود الثلاثة وهي التي أشار إليها إمام الحرمين في كلامه المتقدم .
[ ص: 118 ] الثاني ) أن ما عين بالقبض بمنزلة ما عين بالعقد ، بدليل أنه يتعين به كما يتعين المعين بالعقد .
( الثالث ) دلالة يعني في الكلام المتقدم ، ومعناه التسوية بين الصرف المعين والصرف في الذمة في الاستبدال ، قياسا على استوائهما في التقابض . وأجاب الشيخ المزني والأصحاب عن الأول بأن القبض الذي حصل كان قبضا صحيحا ، بدليل أنهما لما تفرقا لم يبطل العقد ، ويجوز إمساكه بلا خلاف ، ولو تلف لكان من ضمان القابض فالقبض صحيح ، لكن هو جائز وليس بلازم فإذا أراد الرد فإنه يفسخ العقد في الحال ، لأن الفسخ رفع العقد من حينه ، زاد أبو حامد المحاملي وقام القبض الثاني مقامه ، فهما قبضان تعقب أحدهما الآخر ، فلم يكن في ذلك تفرق قبل القبض بوجه .
وأما الثاني فباطل إذا وجد العيب قبل التفرق فإنه قد يعين بالقبض كما يعين بالعقد ثم له الاستبدال ، وإن لم يكن له ذلك في المعين بالعقد ، لأنه يطلب منه غير ما ابتاعه .
قال : وما قاله ينكسر بالاستبدال في المجلس لأنهما اتفقا فيما قال وافترقا في ذلك ، فهذا ما ذكره المزني وجوابه . وأنت إذا تأملت ذلك وجدته جوابا إلزاميا ، فإنهم وجدوا المزني وافق على أنه يجوز الإبدال قبل التفرق ، هكذا أومأ إليه كل من تكلم في المسألة ، ورأيت ذلك عينه في تعليق المزني الطبري عن صريحا ، ووافق أيضا على أنه يجوز له إمساكه ، كما يقتضيه كلام الشيخ أبي علي بن أبي هريرة وغيره ، فلزمه بمقتضى ذلك ، وإلا فلو أن ذاهبا ذهب إلى أنه إذا خرج معيبا بعد التفرق بان بطلان العقد كان للبحث فيه مجال فإن أصحابنا ذكروا خلافا في السلم في أن المعيب المقبوض هل يملك من حين القبض أم لا يملك إلا من حين الرضى بالعيب ؟ وخرجوا على ذلك مسائل . أبي حامد
وكذا قال إمام الحرمين فإنه قال فيما إذا قبض في الصرف ثم ظهر العيب قبل التفرق : إنه بان أن المقبوض ليس ذلك الموصوف في الذمة ، فكأن القابض لم يقبض والمجلس بعد جامع [ ص: 119 ] هذا توجيه إمام الحرمين لجواز الإبدال قبل التفرق فكان على مقتضى ذلك ينبغي إذا قبض المعيب في عقد الصرف من غير علم بالعيب ألا يملكه قبل العلم به على أحد القولين ، فإذا تفرقا والحالة هذه بطل العقد ، والعذر عن هذا أن الخلاف في أن المعيب المقبوض هل يملك من حين القبض ؟ أو من حين الرضى ؟ يدل ألا يؤخذ بظاهره بل يكون معناه . اللهم إلا أن يقال : إن المعتبر في الصرف التقابض لا حصول الملك به ، وهذا التقابض جرى صحيحا بدليل حصول الملك عند الرضى بلا خلاف ، ولو لم يكن القبض صحيحا لاحتاج إلى قبض ثان ، وحينئذ يستقيم كلام الأصحاب ولا يبقى تناقض بين ما جزموا به وبين ما اختلفوا فيه ولا مانع يمنع من ذلك . فإن الشرط في الربويات حصول التقابض وقد وجد ذلك ، والله أعلم . قال إمام الحرمين رحمه الله : فإن قلت : الصرف أضيق من غيره ، ونص الشرع يقتضي ألا يبقى بينهما علقة أصلا ، والملك أقوى العلق ، وإن كان الأمر كذلك ، لكن الأمور التي سبق اعتبارها تغتفر ، وحصول العلم بكون المقبوض لا عيب فيه مما يشق فلذلك لم يشترط وصحح العقد بالتفرق على هذه الصورة والله أعلم .
وقال القاضي : إن القولين يلتقيان على أصل ، وهو أن المستوفى عن الذمة إذا رد بالعيب هل يجعل كأنه لم يوجد الأخذ أو لا ؟ أو كأنه وجد وزال الملك عنه ثم تجدد الملك ثانيا بالرد ؟ وفيه قولان ، فائدتهما في مسألتين : ( إحداهما ) إذا كان المسلم فيه جارية فردها بعيب ، هل يجب استبراؤها ؟ ( والثانية ) إذا كان المسلم فيه عبدا فاستكسبه وأخذ كسبه وغلته ثم رده بعيب فهل يجب رد الكسب والغلة ؟ فعلى القولين قال القاضي حسين رحمه الله : إن قلنا بأنه جعل كأنه لم يوجد القبض والأخذ فهاهنا يفسخ العقد ، لأنه حصل التفرق بينهما قبل القبض في مجلس العقد ، وإن قلنا هذا ملك آخر أي وتجدد الملك به فلا ينفسخ العقد به ، وهذان القولان اللذان نقلهما حسين وإن كانا قد تبين من القولين اللذين حكيناهما عن [ ص: 120 ] الأصحاب في أنه هل يملك المعيب من حين القبض ؟ أو من حين الرضى ؟ فهما غيرهما ، ولا يرد عليهما السؤال ، كما ورد على قائل القولين ، لأن كلام القاضي مفروض فيما إذا رد واحد البدل هل يقول : إنه انتقض الملك في الأول . القاضي
ويثبت في البدل أو يقدر أنه لم يوجد الملك في الأول أصلا ، وهذا أمر تقديري لا أنه بطريق اليقين وهو في الحقيقة يدل إلى القول بأن الفسخ يرفع العقد من أصله . فكذلك هذا رفع حكم القبض من أصله والعامل الآخر يرفعه من حينه ، فكذلك تقول إنه زال الملك في الأول وعاد في الثاني ، هكذا ينبغي أن يفهم كلام ، وليس يلزم إثبات خلاف في أنه إذا لم يرد ورضي بالعيب في حصول الملك من حين الرضى ، أو من حين القبض فذلك الخلاف على الأصح الذي أورده القاضي سالم على الإشكال . وإنما ورد على من غيره بالعبارة الأولى ، وقد أورد القاضي على أبو علي الفارقي المصنف فقال : إطلاق الإبدال على ما يوجد عما في الذمة لا يجوز ، فإن الإجماع منعقد على أنه يجوز إبدال المسلم فيه قبل قبضه .
قال : فإن قيل : لو لم يكن المقبوض بدلا عما ثبت في الذمة لكان إذا تلف في يده يلزمه قيمته ، ولا يرجع بماله في الذمة ( قلنا ) إنما يسقط حقه بما في الذمة إذا تلف المقبوض ، لأنه قبضه بصفة المسلم فيه لا أنه يدل عنه ، ولهذا لو قبضه على أنه بصفته ثم وجده معيبا فرضي به جاز ، وما كان بطريق البدل ، بل لأنه أخذ على أنه بصفة ماله في الذمة فكذلك إذا تلف ، فعلى هذا الصحيح قول وهو أنه لا يجوز الإبدال بعد التفرق لأنه يصير القبض في المستحق واقعا بعد التفرق وذلك لا يجوز بحال ا هـ . وما ذكره مبني على أن المراد إبدال ما في الذمة ، وليس كذلك بل المراد أن الذي يؤخذ ثانيا بدل عن المأخوذ أولا فالإبدال المقبوض عما في الذمة لا لما في الذمة والممتنع في السلم إبدال ما في الذمة . فأين أحدهما من الآخر ؟ واعلم أن ما في الذمة موصوف ينطلق على أفراد كثيرة كالمبهم بينها ولا يتأتى تسليمه كذلك لكنه يعينه في فرد من أفراده فيتعين فيه ، ويكون مسلما لما في الذمة في ضمن ذلك المعين ، إذ لا يتأتى تسليم ما في الذمة مجردا ، فإذا رد ذلك المعين وأخذ البدل فقد انتقض ذلك التعيين وانتقل إلى معين آخر ، وما في الذمة صادق عليهما لم يقع فيه إبدال وإنما الإبدال لقيام المعين الثاني [ ص: 121 ] مقام المعين الأول ، وليس المعنى بالإبدال هاهنا المبادلة والاعتياض ، وإنما المراد أخذ ما يسد مسد الأول فقد بان أن الذي ذكره المزني وفرع عليه ، ترجيح قول الفارقي غير متوجه والله أعلم . المزني
[ ص: 114 ] فرع ) لا شك أنه لو رضي به بعيبه جاز في هذا القسم إذا كان العيب من جنسه ، وإن اختار أخذ أرشه لم يجز .
وقال الحنابلة : إن كان من جنسين جاز والله أعلم . هذا كله إذا لم يتفرقا . ومن المعلوم أنه يجوز الرضا بالعيب إذا كان العيب من الجنس كرداءة الفضة وما أشبه ذلك والله أعلم . أما إذا تفرقا ثم ظهر العيب فإن كان العيب من حيث اختلاف الجنس بأن يسلمه على أنه دراهم فإذا هي رصاص ، أو على أنه ذهب فإذا هي تبر ، والفرض أن العيب في الجميع فقد بطل العقد . لأن الذي قبضه غير العوض الذي وقع عليه العقد . ولا يجوز له إمساكه فإذا عقد عقد الصرف وتفرقا قبل القبض بطل . نص عليه رحمه الله في الشافعي البويطي واتفق عليه الأصحاب لا خلاف بينهم فيه . وقال : إنه يبطل قولا واحدا على هذا القول يعني قول منع الاستبدال فأوهم أن في ذلك خلافا على القول الآخر . أبو علي الطبري
ولا يكاد يصح وكذلك قال القاضي : إنه لا خلاف والله أعلم . ثم ينظر فإن كان العيب في الكل بطل عقد الصرف لما قلناه وإن كان في بعضه بطل العقد فيه . وقال حسين الماوردي : وصح في السلم على الصحيح من المذهب ، وكان - رحمه الله - يخرجه على قولين من تفريق الصفقة قال : وليس بصحيح لأن الفساد في بعضه يبطله وإنما القولان فيما إذا كان الفساد مقترنا بالصفقة وهذا التخريج الذي قاله أبو إسحاق المروزي هو الذي جزم به أبو إسحاق القاضي أبو الطيب والمحاملي .
وقال الروياني : إن تخريجهما على تفريق الصفقة هو اختيار وليس كمسألة العبدين إذا تلف أحدهما قبل القبض حيث لا يبطل في الباقي على الصحيح من المذهب قولا واحدا لأن عدم القبض في الصرف فساد في نفس العقد ، إذ تمام الصرف بالقبض فيكون في الباقي قولان ، فعلى هذا إن أبطلناه في الكل رجع بجميع الثمن ، وإن قيل بجوازه في السليم كان المشتري بالخيار لتفريق الصفقة عليه بين أن يفسخ في السليم فيرجع بجميع الثمن أو يمضيه ، فإن أمضاه في السليم فبماذا [ ص: 115 ] يمضيه ؟ نظر إن كان الصرف جنسا واحدا أمضاه بحصته من الثمن قاله القفال المحاملي . وإن كان جنسين فقولان ( أحدهما ) بحصته ( والثاني ) بجميع الثمن قاله المحاملي . قال الماوردي : وكان يخرج قولا ثانيا أنه يأخذه بجميع الثمن وإلا فسخ على معنى قوله في تفريق الصفقة . أبو إسحاق قلت : وما قال من الحكم بالصحة محله إذا كان بغير الجنس كالدراهم والدنانير ، أما في الجنس الواحد كما مثلناه في الفرع السابق فمتى أجاز بكل الثمن يدخل في الجنس كما سيأتي نظيره في الصرف المعين . هذا كله إذا كان العيب يخرجها من الجنس ، وإن كان العيب لا يخرجها من الجنس بل من حيث رداءة الجوهر وخساسة المعدن ، أو قبح السكة والطبع فالبيع لا يبطل بذلك قولا واحدا ، ولا خلاف أن له إمساكه والرضى به ، نص عليه والأصحاب . الشافعي
وممن صرح بنفي الخلاف عليه الشيخ وله رده واسترجاع ثمنه ، وهل له إبداله ؟ لا يخلو إما أن يكون العيب بكل العوض أو ببعضه ، فإن كان الكل معيبا ففيه قولان حكاهما أبو حامد المصنف والأصحاب وهما منصوصان في مختصر ( أصحهما ) أن له الاستبدال ، وهو الذي رجحه الشيخ المزني أبو حامد والمحاملي في المجموع والتجريد والمجرد وأبو الحسن بن خيران في اللطيف والجرجاني في المعاياة والخوارزمي في الكافي والغزالي في الخلاصة ، والبغوي في التهذيب ، والرافعي وغيرهم ، وهو قول أبي يوسف ومحمد في أصح روايتيه وروي ذلك عن وأحمد بن حنبل الحسن . وقتادة
واحتج الأصحاب له بالقياس الذي ذكره المصنف ، وهو مأخوذ من كلام رضي الله عنه فإنه قال في المختصر : لأنه بيع صفة أجازها المسلمون إذا قبضت قبل التفرق ، ويشبه أن يكون من حجته ، كما لو اشترى سلما بصفة ثم قبضه فأصاب به عيبا أخذ صاحبه بمثله . الشافعي
وهذا القياس الذي ذكره - رحمه الله - وجه الشبه فيه ظاهر فإن كلا منهما موصوف في الذمة ، وقد تعين بالقبض ، لكن الشافعي أن يقول : إن التعيين بعد [ ص: 116 ] التفرق لا يصيره كالمعين في العقد ، فلهذا جاز إبدال المسلم فيه . ولو فرضنا أن المسلم فيه حصل قبضه في مجلس عقد السلم ثم اطلع على عيب فيه بعد التفرق يجوز إبداله أيضا ، فإن إقباضه في المجلس لا يكون واجبا كإقباض عوض الصرف فلا فرق بين إقباضه في المجلس وبعده بخلاف الصرف . للمزني
فزاد الشيخ في القياس تبعا كلمة على سبيل الإلزام للشيخ أبي حامد ، فجعل الجامع بينه وبين المسلم فيه جواز الإبدال قبل التفرق وجعله ملزوما بجواز الإبدال بعده ، ولا يمكن للمزني أن يعترض عليه بما قدمته لأنه يلزمه أن يقول بعد جواز الإبدال في الصرف قبل التفرق ، وهو لا يقول به ، وهذا القياس أحد أنواع قياس الدلالة ، وهو - أعني هذا النوع منه - أن يستدل بالنظير على النظير كقوله : من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم . فإن الطلاق نظير الظهار ، فيدل أحدهما على الآخر ، كذلك هنا الإبدال بعد التفرق ، فيدل أحدهما على الآخر ، وهذا الإبدال بعد التفرق نظير الإبدال قبل التفرق ، لكن للمزني أن يقطع النظير ويقول : إن الإبدال قبل التفرق لا يلزم منه محظور بخلاف الإبدال بعد التفرق فإنه يلزم منه حصول التقابض بعد التفرقة ، والتسوية بينهما في السلم لا محظور فيها أيضا ولا يلزم من استوائهما في السلم استواؤهما في الصرف إلا بعد بيان استواء حكم السلم والصرف ، وإنه غير ثابت فتقف الدلالة . وفي كلام الشيخ للمزني زيادة يندفع بها هذا السؤال ، وهو أنه قال : إذ لو لم يجز الرد بعد المجلس لما جاز فيه كالمعين بالعقد ، وهذه الزيادة كافية من غير قياس على المسلم فيه ، أبي حامد أن يمنع الملازمة والقياس على المعين بالعقد ، فإن الامتناع فيه لأجل نقل العقد من محل إلى محل ، وهو مشترك بين ما قبل التفرق وبعده وأما الموصوف فالمنع فيه عنده بعد التفرق لعلة قاصرة عليه ، وهو كونه قصر القبض في الصرف بعد التفرق ، وهذا منتف فلا يصح القياس ، ولهذا قال في تعليق وللمزني الطبري على القول الذي اختاره في التسوية بين المعين والموصوف أنهما متفقان في الجواز مختلفان في الاعتلال . المزني
قال : لأن في بيوع الأعيان إنما لم يجعل له الاستبدال لأن العقد وقع بعينه ، وفيما إذا كان موصوفا في الذمة إنما لم يجعل له الاستبدال ، لأنه كان يؤدي إلى أن يقع التقابض بعد الافتراق فيؤدي إلى دخول الربا فيه . فأشار [ ص: 117 ] رحمه الله - بهذا إلى خلاف العلة ، ومع اختلاف العلة لا يصح القياس والله أعلم . فلم يبق إلا النظر في دليل فإن لم يسلم فالقياس يقتضي جواز الإبدال مطلقا ، فلنذكر ما ذهب إليه المزني وتوجيهه . وهو القول الأخير من القولين اللذين نص عليهما المزني ، أنه ليس له الاستبدال . الشافعي
قال كالجواب في المعين . الشافعي
ورجح هذا القول ، فلهذا نسبت البحث المتقدم إليه ، وممن رجحه المزني تلميذ أبو علي الفارقي المصنف والروياني في الحلية والبحر قال : إنه الصحيح ونسبه صاحب العدة إلى أبي حنيفة في الانتصار والمرشد ، وجزم به وابن أبي عصرون الفوراني والقاضي . قال حسين إمام الحرمين - رحمه الله - : وعبر الأئمة عن حقيقة القولين فقالوا : إذا فرض رد على قصد الاستبدال فتبين أن القبض الذي هو ركن العقد لم يجر أم لا يستند البعض إلى ما تقدم من القبض فعلى قولين .
وهذا بمثابة الاختلاف في نظير هذا من السلم ، فلو أسلم رجل في جارية ثم قبض جارية فوجدها دون الوصف ، فإن قنع بها فذاك ، وإن ردها فلا شك أنه يطلب جارية على الوصف المستحق ، ولكن المسلم إليه هل يجب عليه استبراء الجارية التي ردت عليه ؟ فعلى قولين مأخوذين من الأصلين اللذين مهدنا الآن . ا هـ .
قال في المختصر بعد حكاية كلام المزني رحمه الله : إذا كان بيع الأعيان والصفات من الدينار بالدراهم فيما يجوز بالقبض قبل الافتراق سواء ، وفيما يفسد به البيع من الافتراق قبل القبض سواء لزم عندي أن يكون في حكم المعيب بعد القبض سواء ، وقد قال : يرد الدرهم بحصته من الدينار . الشافعي
قال الشيخ وغيره : القول الذي اختاره أبو حامد ثلاثة أدلة : ( أحدهما ) أنا إذا جوزنا الاستبدال فإنه يرد المعيب ويأخذ العوض الذي استحقه بالعقد فيكون ذلك قبضا لعوض الصرف بعد التفرق ، وهذا يوجب فساد عقد الصرف فوجب أن لا يجوز . المزني
وقال الشيخ فيما علق عنه أبو حامد البندنيجي : إن هذه العلة أجود الثلاثة وهي التي أشار إليها إمام الحرمين في كلامه المتقدم .
[ ص: 118 ] الثاني ) أن ما عين بالقبض بمنزلة ما عين بالعقد ، بدليل أنه يتعين به كما يتعين المعين بالعقد .
( الثالث ) دلالة يعني في الكلام المتقدم ، ومعناه التسوية بين الصرف المعين والصرف في الذمة في الاستبدال ، قياسا على استوائهما في التقابض . وأجاب الشيخ المزني والأصحاب عن الأول بأن القبض الذي حصل كان قبضا صحيحا ، بدليل أنهما لما تفرقا لم يبطل العقد ، ويجوز إمساكه بلا خلاف ، ولو تلف لكان من ضمان القابض فالقبض صحيح ، لكن هو جائز وليس بلازم فإذا أراد الرد فإنه يفسخ العقد في الحال ، لأن الفسخ رفع العقد من حينه ، زاد أبو حامد المحاملي وقام القبض الثاني مقامه ، فهما قبضان تعقب أحدهما الآخر ، فلم يكن في ذلك تفرق قبل القبض بوجه .
وأما الثاني فباطل إذا وجد العيب قبل التفرق فإنه قد يعين بالقبض كما يعين بالعقد ثم له الاستبدال ، وإن لم يكن له ذلك في المعين بالعقد ، لأنه يطلب منه غير ما ابتاعه .
قال : وما قاله ينكسر بالاستبدال في المجلس لأنهما اتفقا فيما قال وافترقا في ذلك ، فهذا ما ذكره المزني وجوابه . وأنت إذا تأملت ذلك وجدته جوابا إلزاميا ، فإنهم وجدوا المزني وافق على أنه يجوز الإبدال قبل التفرق ، هكذا أومأ إليه كل من تكلم في المسألة ، ورأيت ذلك عينه في تعليق المزني الطبري عن صريحا ، ووافق أيضا على أنه يجوز له إمساكه ، كما يقتضيه كلام الشيخ أبي علي بن أبي هريرة وغيره ، فلزمه بمقتضى ذلك ، وإلا فلو أن ذاهبا ذهب إلى أنه إذا خرج معيبا بعد التفرق بان بطلان العقد كان للبحث فيه مجال فإن أصحابنا ذكروا خلافا في السلم في أن المعيب المقبوض هل يملك من حين القبض أم لا يملك إلا من حين الرضى بالعيب ؟ وخرجوا على ذلك مسائل . أبي حامد
وكذا قال إمام الحرمين فإنه قال فيما إذا قبض في الصرف ثم ظهر العيب قبل التفرق : إنه بان أن المقبوض ليس ذلك الموصوف في الذمة ، فكأن القابض لم يقبض والمجلس بعد جامع [ ص: 119 ] هذا توجيه إمام الحرمين لجواز الإبدال قبل التفرق فكان على مقتضى ذلك ينبغي إذا قبض المعيب في عقد الصرف من غير علم بالعيب ألا يملكه قبل العلم به على أحد القولين ، فإذا تفرقا والحالة هذه بطل العقد ، والعذر عن هذا أن الخلاف في أن المعيب المقبوض هل يملك من حين القبض ؟ أو من حين الرضى ؟ يدل ألا يؤخذ بظاهره بل يكون معناه . اللهم إلا أن يقال : إن المعتبر في الصرف التقابض لا حصول الملك به ، وهذا التقابض جرى صحيحا بدليل حصول الملك عند الرضى بلا خلاف ، ولو لم يكن القبض صحيحا لاحتاج إلى قبض ثان ، وحينئذ يستقيم كلام الأصحاب ولا يبقى تناقض بين ما جزموا به وبين ما اختلفوا فيه ولا مانع يمنع من ذلك . فإن الشرط في الربويات حصول التقابض وقد وجد ذلك ، والله أعلم . قال إمام الحرمين رحمه الله : فإن قلت : الصرف أضيق من غيره ، ونص الشرع يقتضي ألا يبقى بينهما علقة أصلا ، والملك أقوى العلق ، وإن كان الأمر كذلك ، لكن الأمور التي سبق اعتبارها تغتفر ، وحصول العلم بكون المقبوض لا عيب فيه مما يشق فلذلك لم يشترط وصحح العقد بالتفرق على هذه الصورة والله أعلم .
وقال القاضي : إن القولين يلتقيان على أصل ، وهو أن المستوفى عن الذمة إذا رد بالعيب هل يجعل كأنه لم يوجد الأخذ أو لا ؟ أو كأنه وجد وزال الملك عنه ثم تجدد الملك ثانيا بالرد ؟ وفيه قولان ، فائدتهما في مسألتين : ( إحداهما ) إذا كان المسلم فيه جارية فردها بعيب ، هل يجب استبراؤها ؟ ( والثانية ) إذا كان المسلم فيه عبدا فاستكسبه وأخذ كسبه وغلته ثم رده بعيب فهل يجب رد الكسب والغلة ؟ فعلى القولين قال القاضي حسين رحمه الله : إن قلنا بأنه جعل كأنه لم يوجد القبض والأخذ فهاهنا يفسخ العقد ، لأنه حصل التفرق بينهما قبل القبض في مجلس العقد ، وإن قلنا هذا ملك آخر أي وتجدد الملك به فلا ينفسخ العقد به ، وهذان القولان اللذان نقلهما حسين وإن كانا قد تبين من القولين اللذين حكيناهما عن [ ص: 120 ] الأصحاب في أنه هل يملك المعيب من حين القبض ؟ أو من حين الرضى ؟ فهما غيرهما ، ولا يرد عليهما السؤال ، كما ورد على قائل القولين ، لأن كلام القاضي مفروض فيما إذا رد واحد البدل هل يقول : إنه انتقض الملك في الأول . القاضي
ويثبت في البدل أو يقدر أنه لم يوجد الملك في الأول أصلا ، وهذا أمر تقديري لا أنه بطريق اليقين وهو في الحقيقة يدل إلى القول بأن الفسخ يرفع العقد من أصله . فكذلك هذا رفع حكم القبض من أصله والعامل الآخر يرفعه من حينه ، فكذلك تقول إنه زال الملك في الأول وعاد في الثاني ، هكذا ينبغي أن يفهم كلام ، وليس يلزم إثبات خلاف في أنه إذا لم يرد ورضي بالعيب في حصول الملك من حين الرضى ، أو من حين القبض فذلك الخلاف على الأصح الذي أورده القاضي سالم على الإشكال . وإنما ورد على من غيره بالعبارة الأولى ، وقد أورد القاضي على أبو علي الفارقي المصنف فقال : إطلاق الإبدال على ما يوجد عما في الذمة لا يجوز ، فإن الإجماع منعقد على أنه يجوز إبدال المسلم فيه قبل قبضه .
قال : فإن قيل : لو لم يكن المقبوض بدلا عما ثبت في الذمة لكان إذا تلف في يده يلزمه قيمته ، ولا يرجع بماله في الذمة ( قلنا ) إنما يسقط حقه بما في الذمة إذا تلف المقبوض ، لأنه قبضه بصفة المسلم فيه لا أنه يدل عنه ، ولهذا لو قبضه على أنه بصفته ثم وجده معيبا فرضي به جاز ، وما كان بطريق البدل ، بل لأنه أخذ على أنه بصفة ماله في الذمة فكذلك إذا تلف ، فعلى هذا الصحيح قول وهو أنه لا يجوز الإبدال بعد التفرق لأنه يصير القبض في المستحق واقعا بعد التفرق وذلك لا يجوز بحال ا هـ . وما ذكره مبني على أن المراد إبدال ما في الذمة ، وليس كذلك بل المراد أن الذي يؤخذ ثانيا بدل عن المأخوذ أولا فالإبدال المقبوض عما في الذمة لا لما في الذمة والممتنع في السلم إبدال ما في الذمة . فأين أحدهما من الآخر ؟ واعلم أن ما في الذمة موصوف ينطلق على أفراد كثيرة كالمبهم بينها ولا يتأتى تسليمه كذلك لكنه يعينه في فرد من أفراده فيتعين فيه ، ويكون مسلما لما في الذمة في ضمن ذلك المعين ، إذ لا يتأتى تسليم ما في الذمة مجردا ، فإذا رد ذلك المعين وأخذ البدل فقد انتقض ذلك التعيين وانتقل إلى معين آخر ، وما في الذمة صادق عليهما لم يقع فيه إبدال وإنما الإبدال لقيام المعين الثاني [ ص: 121 ] مقام المعين الأول ، وليس المعنى بالإبدال هاهنا المبادلة والاعتياض ، وإنما المراد أخذ ما يسد مسد الأول فقد بان أن الذي ذكره المزني وفرع عليه ، ترجيح قول الفارقي غير متوجه والله أعلم . المزني
( التفريع ) إذا قلنا بالصحيح وهو جواز فإنه يرد ويأخذ بدله في المجلس . كذلك قال الشيخ الاستبدال بعد التفرق . ويوافقه ما تقدم من قول أبو حامد المحاملي إنهما قبضان تعقب أحدهما الآخر . وبه صرح الغزالي في الخلاصة البغوي في التهذيب . وحكى القاضي في تعليقه مع ذلك وجها أنه لا يشترط إلا إن وجد في العقد الأول ، ولا خيار في الفسخ واسترجاع الثمن على هذا القول . قال حسين الماوردي وابن الصباغ وغيرهما : من غير أرش . قال : إن له رده واسترجاع ثمنه وكذلك القاضي أبو الطيب الروياني في البحر ذكر أن له فسخ العقد ومال ابن الرفعة إلى ما قاله الماوردي في ذلك من غير أن يقف عليه . ونقله عن صاحب التتمة لأن المعقود عليه باق في الذمة كما في المسلم فيه إذا رد بسبب العيب . ثم ذكر أنه يشكل على بناء الإمام فإنا إنما جوزنا الإبدال بناء على أنه ملك بالقبض ومتى ملك العيب بالقبض امتنع أن يكون باقيا في الذمة ، والأصح ما قاله الماوردي وابن الصباغ وممن جزم به في الانتصار والله أعلم . وإن قلنا بالقول الآخر فيخير بين أن يرضى به معيبا وأن يرده ويفسخ العقد ويرجع بما دفع كالصرف المعين ، فإن أراد أن يمسك البعض ويرد البعض ففيه وجهان مذكوران في تعليق ابن أبي عصرون . ابن أبي هريرة
( أحدهما ) لا سبيل له إلى ذلك قال : وهو أقوى .
( والثاني ) له ذلك على قول من يفرق الصفقة . ومن أصحابنا من قال قولا واحدا أن لا سبيل له إلى ذلك . فهذه طريقان في جواز رد البعض إذا كان الكل معيبا ، وهما غريبان لم أرهما إلا في تعليق عن أبي علي الطبري . هذا إذا كان الكل معيبا فإن كان العيب ببعضه وفرض أن العيب لا يخرجها من الجنس فقد بناه الأصحاب والشيخ ابن أبي هريرة أبو حامد والقاضي والمحاملي على القولين السابقين إن قلنا هناك له الاستبدال فهاهنا له أن يرد القدر الذي هو معيب ويطالبه ببدله سليما وقال المحاملي : إنه هاهنا أولى .
[ ص: 122 ] وعبارتهم مشعرة بأنه ليس له أن يرد الجميع ، وبه صرح في تعليق فإنه قال فيما إذا وجد بعضه جيدا وبعضه رديئا إنه ليس له أن يرد الجيد ، ويكون له الرديء بالخيار بين أن يرضى به وبين أن يستبدل وهو يوافق ما قدمناه أنه لا خيار له إذا كان كله معيبا ، وقلنا بجواز الاستبدال ، وإن قلنا إنه ليس له الاستبدال فيما إذا كان كله معيبا فهاهنا كذلك . ونقلت من خط أبي علي الطبري سليم الدارمي عن الشيخ أنه هاهنا أولى فإن اختار إمساكه فلا كلام وإن اختار الرد بالعيب نظرت فإن رد الكل كان له ذلك وإن أجاز رد البعض الذي هو معيب ، وإمساكه السليم بني على تفريق الصفقة ، فإن قلنا : لا يجوز تبعيض الصفقة لم يجز ، فيخير بين الإمساك بجميع الثمن والرد ، وليس له البدل ، وإن قلنا : تبعض الصفقة يجوز رد ذلك القدر بالعيب ، وإمساك السليم ويخير بين ثلاثة أشياء : إمساك الكل ورده ، وإمساك السليم بالحصة قولا واحدا ، كذلك بناه الشيخ أبي حامد أبو حامد وأبو علي الطبري والمحاملي والماوردي والشاشي البغوي . وإذا أمسك السليم أمسكه بالحصة قولا واحدا ، قاله المحاملي قال : لأن العيب من جنسه ، وفي هذا التعليل نظر فيحصل في هذا القسم الآخر - وهو ما إذا أصاب ببعض ما معه بعد التفرق - ثلاثة أقوال جمعها رحمه الله في المختصر ولخصها الأصحاب ( أحدها ) أنه يبدل البعض المعيب ( والثاني ، والثالث ) قولا تفريق الصفقة ، فعلى قول ليس له أن يبدل ، ولكنه إن شاء رد الكل واسترجع الثمن ، وإن شاء رضي به بجميع الثمن ، فيكون بالخيار بين شيئين وعلى قول الصفقة في الرد فإن شاء رد البعض وأمسك الباقي بحصته من الثمن ، وإن شاء رد الجميع أو أمسك الجميع فهو مخير بين ثلاثة أشياء والله أعلم . الشافعي
( أحدهما ) لا سبيل له إلى ذلك قال : وهو أقوى .
( والثاني ) له ذلك على قول من يفرق الصفقة . ومن أصحابنا من قال قولا واحدا أن لا سبيل له إلى ذلك . فهذه طريقان في جواز رد البعض إذا كان الكل معيبا ، وهما غريبان لم أرهما إلا في تعليق عن أبي علي الطبري . هذا إذا كان الكل معيبا فإن كان العيب ببعضه وفرض أن العيب لا يخرجها من الجنس فقد بناه الأصحاب والشيخ ابن أبي هريرة أبو حامد والقاضي والمحاملي على القولين السابقين إن قلنا هناك له الاستبدال فهاهنا له أن يرد القدر الذي هو معيب ويطالبه ببدله سليما وقال المحاملي : إنه هاهنا أولى .
[ ص: 122 ] وعبارتهم مشعرة بأنه ليس له أن يرد الجميع ، وبه صرح في تعليق فإنه قال فيما إذا وجد بعضه جيدا وبعضه رديئا إنه ليس له أن يرد الجيد ، ويكون له الرديء بالخيار بين أن يرضى به وبين أن يستبدل وهو يوافق ما قدمناه أنه لا خيار له إذا كان كله معيبا ، وقلنا بجواز الاستبدال ، وإن قلنا إنه ليس له الاستبدال فيما إذا كان كله معيبا فهاهنا كذلك . ونقلت من خط أبي علي الطبري سليم الدارمي عن الشيخ أنه هاهنا أولى فإن اختار إمساكه فلا كلام وإن اختار الرد بالعيب نظرت فإن رد الكل كان له ذلك وإن أجاز رد البعض الذي هو معيب ، وإمساكه السليم بني على تفريق الصفقة ، فإن قلنا : لا يجوز تبعيض الصفقة لم يجز ، فيخير بين الإمساك بجميع الثمن والرد ، وليس له البدل ، وإن قلنا : تبعض الصفقة يجوز رد ذلك القدر بالعيب ، وإمساك السليم ويخير بين ثلاثة أشياء : إمساك الكل ورده ، وإمساك السليم بالحصة قولا واحدا ، كذلك بناه الشيخ أبي حامد أبو حامد وأبو علي الطبري والمحاملي والماوردي والشاشي البغوي . وإذا أمسك السليم أمسكه بالحصة قولا واحدا ، قاله المحاملي قال : لأن العيب من جنسه ، وفي هذا التعليل نظر فيحصل في هذا القسم الآخر - وهو ما إذا أصاب ببعض ما معه بعد التفرق - ثلاثة أقوال جمعها رحمه الله في المختصر ولخصها الأصحاب ( أحدها ) أنه يبدل البعض المعيب ( والثاني ، والثالث ) قولا تفريق الصفقة ، فعلى قول ليس له أن يبدل ، ولكنه إن شاء رد الكل واسترجع الثمن ، وإن شاء رضي به بجميع الثمن ، فيكون بالخيار بين شيئين وعلى قول الصفقة في الرد فإن شاء رد البعض وأمسك الباقي بحصته من الثمن ، وإن شاء رد الجميع أو أمسك الجميع فهو مخير بين ثلاثة أشياء والله أعلم . الشافعي
( فرع ) لو ذكر في التهذيب أنه إن جوزنا الاستبدال غرم ما تلف عنه ويستبدل ، وإن لم نجوز الاستبدال فإن كان الجنس مختلفا يسترد من الثمن بقدر العيب ، وإن كان الجنس متفقا فعلى الأوجه الثلاثة ، يعني التي نقلها عنه في نظيره في الصرف المعين وأصحها عنده أنه يأخذ الأرش وبه جزم القاضي ظهر العيب بعد التصرف وبعد تلف المقبوض المعيب في الصرف المعين خلافا لما جزم به كثيرون كما ستعرفه إن شاء الله تعالى . حسين
[ ص: 123 ] وقد أطلق الماوردي أنه إذا اشترى دينارا فقبضه ثم وجده معيبا بعد تلفه أنه إذا اشتراه بجنسه لا يجوز الرجوع بالأرش ، وبغير جنسه فيه وجهان . وسيأتي ذكرهما مبسوطين في الصرف المعين . ثم قال بعد ذلك تفريعا على امتناع أخذ الأرش : فإذا رد مثل الدينار المعيب فيما له مثل أو رد قيمته ورقا فيما ليس له مثل نظر فإن كان قد اشترى الدينار الذي بان عيبه بعينه لم يكن له المطالبة ببدله وإن كان اشتراه في الذمة من غير متعين فهل له الرجوع ببدله سليما ؟ فيه قولان مضيا فأفهم كلام الماوردي امتناع من أخذ الأرش فيما نحن فيه في الجنس الواحد ، وجريان الخلاف فيه في الجنسين كما سيأتي في الصرف المعين والله أعلم . وهو عكس ما قاله صاحب التهذيب ، هذا كله في مسألة الكتاب وهي ما إذا كان الصرف في الذمة ، ومثله جار فيما إذا كان أحد العوضين موصوفا والآخر معينا . أما إذا كانا معينين فقد ذكرهما المصنف في التنبيه ، ولم يذكرهما هاهنا .
وتلخيص القول أن الصرف قسمان صرف للنقد بغير جنسه كالدراهم بالدنانير فالعيب إما أن يكون من الجنس أو لا ، فإن كان من غير الجنس فإما أن يكون بالكل أو بالبعض ، فإن كان بالكل كما إذا اشترى دنانير فخرجت نحاسا فقد نص رضي الله عنه على أن العقد باطل وتبعه على ذلك معظم الأصحاب كالشيخ الشافعي والقاضي أبي حامد أبي الطيب والمحاملي في المجموع والتجريد والمجرد ، والماوردي وابن الصباغ والروياني والشاشي وغيرهم ، عن في الإفصاح أنه قال من أصحابنا من قال : البيع صحيح ويثبت فيه الخيار ، لأن العقد قدر على عينه وهي رواية عن أبي علي الطبري وهو مخالف لنص أحمد ، فإنه قال في كتاب الصرف من الأم : وإن كان رأي من قبل أنه نحاس أو شيء غير فضة فلا يكون للمشتري أن يقبله من قبل أنه غير ما اشترى ، والبيع منتقض بينهما قال القاضي الشافعي : هذا نص يبطل كل تخريج قال أبو الطيب الرافعي : وهذا إذا كان له قيمة فإن لم يكن لم يجئ هذا الخلاف . وفي مذهب رواية ثالثة ضعيفة عن أحمد أن العقد صحيح لازم ، وليس له رد ولا بدل وهو بعيد والله أعلم وقال الشيخ أحمد : لم يقتصر أبو حامد على بطلان البيع باختلاف إلا في هذا الموضع . وجعل القاضي الشافعي الخلاف في ذلك قولين وهو غريب [ ص: 124 ] أو توسع في الإطلاق ، ولهذه المسألة أمثلة يجمعها الاختلاف في النظر إلى الإشارة أو العبارة . حسين
( منها ) إذا قال : بعتك هذه البغلة فخرجت حمارا وفي البغال نوع يشبه الحمير يكون بطبرستان .
( ومنها ) إذا اشترى ثوبا على أنه من قطن فإذا هو كتان ، نقله أبو حامد وابن الصباغ عن الأصحاب ، أو على أنه قز فخرج كتانا ، لأن الكتان الخام يشبه القز ، قاله القاضي . أبو الطيب
( ومنها ) إذا اشترى فصا على أنه ياقوت فخرج زجاجا . نقله الجوزي عن ( ومنها ) إذا اشترى غلاما فكان جارية . الشافعي
قاله الماوردي في آخر شطر من باب الربا ، ففي هذه الصور كلها البيع باطل على المذهب وفيه الوجه الذي تقدمت حكايته ، وينبغي أن يكون محل الوجه الذي حكاه صاحب الإفصاح ما إذا جرى العقد بلفظ البيع ، أما إذا جرى بلفظ الصرف فيبطل قولا واحدا ; لأن بيع النقد بالنحاس لا يشمله اسم الصرف ، والله أعلم . فإن قلنا بالصحة قال القاضي : فحكمه حكم ما إذا كان العيب من جنسه فإن رضي به فذاك ، وإن رده ينفسخ العقد ويأخذ ما دفعه إليه ، وليس له الاستبدال وهذه الصورة التي حكم فيها بالبطلان شرطها أن يقع الاختلاف في الجنس كما رأيت أما لو وقع الاختلاف مع اتحاد الجنس فلا يبطل ، كما إذا اشترى دنانير على أنها مغربية فخرجت مشرقية ، أو على أنها ذهب أحمر فخرجت أصفر أو ثوبا على أنه هروي فإذا هو غير هروي ، صرح به حسين الماوردي . وقد ذكر المصنف بعض هذه المسائل في باب بيع المصراة وذكر فيها وجهين ، والقاضي وذكر ذلك قولين ، ولعله أثبت ما حكاه صاحب الإفصاح قولا . وقد وقع في الكفاية حسين لابن الرفعة وهم في النقل عن أبي الطيب والماوردي في الإجازة بكل الثمن أو بالقسط فقال عن الماوردي : إنه جزم بالقسط ، وعن إنه خرجه على الخلاف ، وذلك تخليط نشأ من عدم التمييز بين الأقسام ، واختلاف أبي الطيب [ ص: 125 ] أبي الطيب والماوردي ليس في هذا القسم ، بل في قسم يأتي بعد ذلك . هذا إذا كان العيب بالجميع .
أما إذا كان ببعضها والفرض أنه من غير الجنس كما إذا اشترى دراهم فوجد بعضها نحاسا بطل البيع في النحاس على ما تقدم وفي الباقي قولا تفريق الصفقة . فإن قلنا : لا تفريق بطل في الجميع واسترد جملة الثمن ، وإن قلنا يفرق - وهو الصحيح - كان له إمساك الباقي ، وبماذا يمسكه ؟ وفرض المسألة في صرف النقد بغير جنسه ، هل ، يمسك الباقي بحصته من الثمن أو بالجميع ؟ فيه قولان حكاهما القاضي أبو الطيب والماوردي وآخرون ، وهما القولان فيما عداها من صور تفريق الصفقة ، والأصح أنه يأخذه بالحصة ، فعلى هذا يثبت له الخيار ، لأن الصفقة قد تفرقت عليه .
وممن صرح بذلك القاضي أبو الطيب والماوردي وإن كان العيب من جنس المعقود عليه كخشونة الفضة ورداءة المعدن وما أشبه ذلك فالبيع صحيح لما تقدم التنبيه عليه ، ثم إما أن يظهر العيب والمعيب باق أو بعد تلفه فإن ظهر والمعيب باق فهو بالخيار بين أن يرد ويسترجع الثمن وبين أن يرضى به ، نص عليه والأصحاب . وحكم الرد انفساخ العقد ، وليس له أن يطالب ببدله ولا يستبدل عنه قولا واحدا ، سواء قبل التفرق وبعده فإن مورد العقد معين اتفقت كلمة الأصحاب على ذلك ، ولا أن يأخذ أرش المعيب ، لأن الأرش لا يستحق مع القدرة على الرد ، قاله الشافعي الماوردي وغيره ، وذلك معروف موضعه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفاصيل ذلك وأحكامه في باب الرد بالعيب . ومذهب في هذا القسم أنه يجوز أخذ الأرش في المجلس ، والفرض في صرف النقد بغير جنسه ، ولا يجوز بعد المجلس إلا أن يجعل الأرش في غير الأثمان . أحمد
( إذا ثبت ذلك ) فإن كان العيب بالجميع كان بالخيار بين رده وبين الرضى به معيبا بالثمن كله ، وإن كان العيب بالبعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة ، وحكى الغزالي رحمه الله في الوسيط وجها في مسألة العبدين أنه لا يردهما إلا إذا كانا معيبين وسأتكلم على ذلك في باب الرد بالعيب إن شاء الله تعالى .
[ ص: 126 ] وهل له أن يرد المعيب ويمسك السليم ؟ قال - رحمه الله - في كتاب الصرف من الأم : فإن رده رد البيع كله ، لأنها صفقة واحدة ، وهذا الكلام قد يوهم أنه ليس له التفريق ، وهو الذي جزم به الشيخ الشافعي في مسألة العبدين . أبو حامد
وأكثر الأصحاب أطبقوا على تخريجه على قولي تفريق الصفقة في الدوام . وسيأتي التنبيه في باب الرد بالعيب على أن الصحيح عدم التفريق هنا ، وإن كان الصحيح أن الصفقة تفرق فالخلاف وإن كان مخرجا على الخلاف لكن الصحيح غير الصحيح ، فإن قلنا : لا يتبعض كلا يتخير بين شيئين ; إمساك الجميع ورد الجميع ، وإن قلنا تفرق ، فإن قلنا : إنه يخير بحصته من الثمن كان له رد العيب وإمساك السليم بحصته من الثمن ، وإن قلنا : يخير بكل الثمن لم يكن حظه في رد المعيب لأنه لا يسترجع بإزائه من الثمن شيئا فيكون رده سفها لأن تبقيته على ملكه أصلح له من رده هكذا قال القاضي . وليس في هذا اللفظ بيان أنه هل يمتنع عليه إفراد المعيب بالرد على قول الإجازة بكل الثمن لإفضائه إلى هذا المحذور ؟ أو أنه يجوز له رده وإمساك السليم لأن العقد قد صح على الكل ، فإذا ارتفع في بعضه يسقط بقدره من الثمن ، بخلاف تفريق الصفقة في الابتداء ، ولا يجري قول الإجازة بالكل هاهنا . أبو الطيب
الأول مقتضى كلام الشيخ أبي حامد والمحاملي في المجموع والجرجاني فإنهم قالوا : يمتنع إفراد المعيب بالرد واللفظ الثاني هو مقتضى كلام المحاملي في التجريد فإنه قال : إن قلنا تفرق الصفقة فله رد المعيب وإمساك السليم بحصته من الثمن قولا واحدا ، وكذلك قال الماوردي وصاحب التهذيب وعبارة الرافعي قريبة منهم .
ذكر ذلك في فروع في آخر باب الرد بالعيب وهو الأقرب . فعلى الأول يخير بين شيئين خاصة ; رد الجميع وإمساك الجميع ، ويمتنع عليه التفريق لهذا المحذور وعلى الثاني يكون مخيرا بين ثلاثة ; رد الجميع ، وإمساك الجميع ، وإمساك السليم بالحصة ليس إلا ، وهو الذي صرح به الماوردي ، والمحاملي قال الماوردي : ( فإن قيل ) ما الفرق بين هذا حيث أخذه بحسابه من الثمن قولا واحدا وبين أن يكون عيب بعضها يخرجها من الجنس [ ص: 127 ] قبل التفرق بينهما ؟ أن هاهنا قد كان له المقام على الكل بجميع الثمن ، وإنما فسخ في البعض المعيب وأقام على البعض السليم طلبا للحظ . فلو قيل : يأخذه بجميع الثمن كان فسخ البيع سفها وليس كذلك إذا كان العيب من غير الجنس ، لأن البيع فيه قد بطل فلم يكن له أن يأخذه بجميع الثمن ، فجاز في أحد القولين أن يأخذ السليم بجميع الثمن وقد ذكر هذا الفرق غير واحد من الأصحاب . وهذا لا اختصاص له بالصرف والربا ، بل هو في مسألة العبدين أيضا إذا ظهر بأحدهما عيب وأراد رد المعيب وحده ، وإمساك السليم لا يمكن أن يمسكه بجميع الثمن ، لأنه يصير رد المعيب سفها بخلاف تفريق الصفقة في الابتداء إذا اشترى عبدا وحرا ، فإنه لا يمكنه إمساك الحر مع العبد . وكذلك إذا اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض وقلنا بالتفريق فإنه يمسكه بحصته من الثمن قطعا على المشهور الذي ذكره المصنف وغيره ، وحكى صاحب التتمة طريقة ضعيفة أنه على قولين أيضا ، وصاحب هذه الطريقة يلزمه أن يجري ذلك في الصرف وهذه الطريقة لا يعرج عليها فالحاصل أنه لا يمسك السليم وحده بجميع الثمن . وأما امتناع التفريق أو جوازه والقطع بالتوزيع ففيه ما قدمته من البحث ولم أر من صرح به إلا ما فهمته من اختلاف عبارات الأصحاب كما قدمت لك . والله سبحانه أعلم . فهذه أربع مسائل فيما إذا كان الصرف المعين في جنسين
[ ص: 123 ] وقد أطلق الماوردي أنه إذا اشترى دينارا فقبضه ثم وجده معيبا بعد تلفه أنه إذا اشتراه بجنسه لا يجوز الرجوع بالأرش ، وبغير جنسه فيه وجهان . وسيأتي ذكرهما مبسوطين في الصرف المعين . ثم قال بعد ذلك تفريعا على امتناع أخذ الأرش : فإذا رد مثل الدينار المعيب فيما له مثل أو رد قيمته ورقا فيما ليس له مثل نظر فإن كان قد اشترى الدينار الذي بان عيبه بعينه لم يكن له المطالبة ببدله وإن كان اشتراه في الذمة من غير متعين فهل له الرجوع ببدله سليما ؟ فيه قولان مضيا فأفهم كلام الماوردي امتناع من أخذ الأرش فيما نحن فيه في الجنس الواحد ، وجريان الخلاف فيه في الجنسين كما سيأتي في الصرف المعين والله أعلم . وهو عكس ما قاله صاحب التهذيب ، هذا كله في مسألة الكتاب وهي ما إذا كان الصرف في الذمة ، ومثله جار فيما إذا كان أحد العوضين موصوفا والآخر معينا . أما إذا كانا معينين فقد ذكرهما المصنف في التنبيه ، ولم يذكرهما هاهنا .
وتلخيص القول أن الصرف قسمان صرف للنقد بغير جنسه كالدراهم بالدنانير فالعيب إما أن يكون من الجنس أو لا ، فإن كان من غير الجنس فإما أن يكون بالكل أو بالبعض ، فإن كان بالكل كما إذا اشترى دنانير فخرجت نحاسا فقد نص رضي الله عنه على أن العقد باطل وتبعه على ذلك معظم الأصحاب كالشيخ الشافعي والقاضي أبي حامد أبي الطيب والمحاملي في المجموع والتجريد والمجرد ، والماوردي وابن الصباغ والروياني والشاشي وغيرهم ، عن في الإفصاح أنه قال من أصحابنا من قال : البيع صحيح ويثبت فيه الخيار ، لأن العقد قدر على عينه وهي رواية عن أبي علي الطبري وهو مخالف لنص أحمد ، فإنه قال في كتاب الصرف من الأم : وإن كان رأي من قبل أنه نحاس أو شيء غير فضة فلا يكون للمشتري أن يقبله من قبل أنه غير ما اشترى ، والبيع منتقض بينهما قال القاضي الشافعي : هذا نص يبطل كل تخريج قال أبو الطيب الرافعي : وهذا إذا كان له قيمة فإن لم يكن لم يجئ هذا الخلاف . وفي مذهب رواية ثالثة ضعيفة عن أحمد أن العقد صحيح لازم ، وليس له رد ولا بدل وهو بعيد والله أعلم وقال الشيخ أحمد : لم يقتصر أبو حامد على بطلان البيع باختلاف إلا في هذا الموضع . وجعل القاضي الشافعي الخلاف في ذلك قولين وهو غريب [ ص: 124 ] أو توسع في الإطلاق ، ولهذه المسألة أمثلة يجمعها الاختلاف في النظر إلى الإشارة أو العبارة . حسين
( منها ) إذا قال : بعتك هذه البغلة فخرجت حمارا وفي البغال نوع يشبه الحمير يكون بطبرستان .
( ومنها ) إذا اشترى ثوبا على أنه من قطن فإذا هو كتان ، نقله أبو حامد وابن الصباغ عن الأصحاب ، أو على أنه قز فخرج كتانا ، لأن الكتان الخام يشبه القز ، قاله القاضي . أبو الطيب
( ومنها ) إذا اشترى فصا على أنه ياقوت فخرج زجاجا . نقله الجوزي عن ( ومنها ) إذا اشترى غلاما فكان جارية . الشافعي
قاله الماوردي في آخر شطر من باب الربا ، ففي هذه الصور كلها البيع باطل على المذهب وفيه الوجه الذي تقدمت حكايته ، وينبغي أن يكون محل الوجه الذي حكاه صاحب الإفصاح ما إذا جرى العقد بلفظ البيع ، أما إذا جرى بلفظ الصرف فيبطل قولا واحدا ; لأن بيع النقد بالنحاس لا يشمله اسم الصرف ، والله أعلم . فإن قلنا بالصحة قال القاضي : فحكمه حكم ما إذا كان العيب من جنسه فإن رضي به فذاك ، وإن رده ينفسخ العقد ويأخذ ما دفعه إليه ، وليس له الاستبدال وهذه الصورة التي حكم فيها بالبطلان شرطها أن يقع الاختلاف في الجنس كما رأيت أما لو وقع الاختلاف مع اتحاد الجنس فلا يبطل ، كما إذا اشترى دنانير على أنها مغربية فخرجت مشرقية ، أو على أنها ذهب أحمر فخرجت أصفر أو ثوبا على أنه هروي فإذا هو غير هروي ، صرح به حسين الماوردي . وقد ذكر المصنف بعض هذه المسائل في باب بيع المصراة وذكر فيها وجهين ، والقاضي وذكر ذلك قولين ، ولعله أثبت ما حكاه صاحب الإفصاح قولا . وقد وقع في الكفاية حسين لابن الرفعة وهم في النقل عن أبي الطيب والماوردي في الإجازة بكل الثمن أو بالقسط فقال عن الماوردي : إنه جزم بالقسط ، وعن إنه خرجه على الخلاف ، وذلك تخليط نشأ من عدم التمييز بين الأقسام ، واختلاف أبي الطيب [ ص: 125 ] أبي الطيب والماوردي ليس في هذا القسم ، بل في قسم يأتي بعد ذلك . هذا إذا كان العيب بالجميع .
أما إذا كان ببعضها والفرض أنه من غير الجنس كما إذا اشترى دراهم فوجد بعضها نحاسا بطل البيع في النحاس على ما تقدم وفي الباقي قولا تفريق الصفقة . فإن قلنا : لا تفريق بطل في الجميع واسترد جملة الثمن ، وإن قلنا يفرق - وهو الصحيح - كان له إمساك الباقي ، وبماذا يمسكه ؟ وفرض المسألة في صرف النقد بغير جنسه ، هل ، يمسك الباقي بحصته من الثمن أو بالجميع ؟ فيه قولان حكاهما القاضي أبو الطيب والماوردي وآخرون ، وهما القولان فيما عداها من صور تفريق الصفقة ، والأصح أنه يأخذه بالحصة ، فعلى هذا يثبت له الخيار ، لأن الصفقة قد تفرقت عليه .
وممن صرح بذلك القاضي أبو الطيب والماوردي وإن كان العيب من جنس المعقود عليه كخشونة الفضة ورداءة المعدن وما أشبه ذلك فالبيع صحيح لما تقدم التنبيه عليه ، ثم إما أن يظهر العيب والمعيب باق أو بعد تلفه فإن ظهر والمعيب باق فهو بالخيار بين أن يرد ويسترجع الثمن وبين أن يرضى به ، نص عليه والأصحاب . وحكم الرد انفساخ العقد ، وليس له أن يطالب ببدله ولا يستبدل عنه قولا واحدا ، سواء قبل التفرق وبعده فإن مورد العقد معين اتفقت كلمة الأصحاب على ذلك ، ولا أن يأخذ أرش المعيب ، لأن الأرش لا يستحق مع القدرة على الرد ، قاله الشافعي الماوردي وغيره ، وذلك معروف موضعه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفاصيل ذلك وأحكامه في باب الرد بالعيب . ومذهب في هذا القسم أنه يجوز أخذ الأرش في المجلس ، والفرض في صرف النقد بغير جنسه ، ولا يجوز بعد المجلس إلا أن يجعل الأرش في غير الأثمان . أحمد
( إذا ثبت ذلك ) فإن كان العيب بالجميع كان بالخيار بين رده وبين الرضى به معيبا بالثمن كله ، وإن كان العيب بالبعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة ، وحكى الغزالي رحمه الله في الوسيط وجها في مسألة العبدين أنه لا يردهما إلا إذا كانا معيبين وسأتكلم على ذلك في باب الرد بالعيب إن شاء الله تعالى .
[ ص: 126 ] وهل له أن يرد المعيب ويمسك السليم ؟ قال - رحمه الله - في كتاب الصرف من الأم : فإن رده رد البيع كله ، لأنها صفقة واحدة ، وهذا الكلام قد يوهم أنه ليس له التفريق ، وهو الذي جزم به الشيخ الشافعي في مسألة العبدين . أبو حامد
وأكثر الأصحاب أطبقوا على تخريجه على قولي تفريق الصفقة في الدوام . وسيأتي التنبيه في باب الرد بالعيب على أن الصحيح عدم التفريق هنا ، وإن كان الصحيح أن الصفقة تفرق فالخلاف وإن كان مخرجا على الخلاف لكن الصحيح غير الصحيح ، فإن قلنا : لا يتبعض كلا يتخير بين شيئين ; إمساك الجميع ورد الجميع ، وإن قلنا تفرق ، فإن قلنا : إنه يخير بحصته من الثمن كان له رد العيب وإمساك السليم بحصته من الثمن ، وإن قلنا : يخير بكل الثمن لم يكن حظه في رد المعيب لأنه لا يسترجع بإزائه من الثمن شيئا فيكون رده سفها لأن تبقيته على ملكه أصلح له من رده هكذا قال القاضي . وليس في هذا اللفظ بيان أنه هل يمتنع عليه إفراد المعيب بالرد على قول الإجازة بكل الثمن لإفضائه إلى هذا المحذور ؟ أو أنه يجوز له رده وإمساك السليم لأن العقد قد صح على الكل ، فإذا ارتفع في بعضه يسقط بقدره من الثمن ، بخلاف تفريق الصفقة في الابتداء ، ولا يجري قول الإجازة بالكل هاهنا . أبو الطيب
الأول مقتضى كلام الشيخ أبي حامد والمحاملي في المجموع والجرجاني فإنهم قالوا : يمتنع إفراد المعيب بالرد واللفظ الثاني هو مقتضى كلام المحاملي في التجريد فإنه قال : إن قلنا تفرق الصفقة فله رد المعيب وإمساك السليم بحصته من الثمن قولا واحدا ، وكذلك قال الماوردي وصاحب التهذيب وعبارة الرافعي قريبة منهم .
ذكر ذلك في فروع في آخر باب الرد بالعيب وهو الأقرب . فعلى الأول يخير بين شيئين خاصة ; رد الجميع وإمساك الجميع ، ويمتنع عليه التفريق لهذا المحذور وعلى الثاني يكون مخيرا بين ثلاثة ; رد الجميع ، وإمساك الجميع ، وإمساك السليم بالحصة ليس إلا ، وهو الذي صرح به الماوردي ، والمحاملي قال الماوردي : ( فإن قيل ) ما الفرق بين هذا حيث أخذه بحسابه من الثمن قولا واحدا وبين أن يكون عيب بعضها يخرجها من الجنس [ ص: 127 ] قبل التفرق بينهما ؟ أن هاهنا قد كان له المقام على الكل بجميع الثمن ، وإنما فسخ في البعض المعيب وأقام على البعض السليم طلبا للحظ . فلو قيل : يأخذه بجميع الثمن كان فسخ البيع سفها وليس كذلك إذا كان العيب من غير الجنس ، لأن البيع فيه قد بطل فلم يكن له أن يأخذه بجميع الثمن ، فجاز في أحد القولين أن يأخذ السليم بجميع الثمن وقد ذكر هذا الفرق غير واحد من الأصحاب . وهذا لا اختصاص له بالصرف والربا ، بل هو في مسألة العبدين أيضا إذا ظهر بأحدهما عيب وأراد رد المعيب وحده ، وإمساك السليم لا يمكن أن يمسكه بجميع الثمن ، لأنه يصير رد المعيب سفها بخلاف تفريق الصفقة في الابتداء إذا اشترى عبدا وحرا ، فإنه لا يمكنه إمساك الحر مع العبد . وكذلك إذا اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض وقلنا بالتفريق فإنه يمسكه بحصته من الثمن قطعا على المشهور الذي ذكره المصنف وغيره ، وحكى صاحب التتمة طريقة ضعيفة أنه على قولين أيضا ، وصاحب هذه الطريقة يلزمه أن يجري ذلك في الصرف وهذه الطريقة لا يعرج عليها فالحاصل أنه لا يمسك السليم وحده بجميع الثمن . وأما امتناع التفريق أو جوازه والقطع بالتوزيع ففيه ما قدمته من البحث ولم أر من صرح به إلا ما فهمته من اختلاف عبارات الأصحاب كما قدمت لك . والله سبحانه أعلم . فهذه أربع مسائل فيما إذا كان الصرف المعين في جنسين
( القسم الثاني ) إذا كان في جنس واحد كالدراهم بالدراهم أو الدنانير بالدنانير فإما أو في كله . وإذا كان في كله فإما أن يكون من الجنس أو من غيره ، وإذا كان من الجنس فإما أن يتبين قبل التلف أو بعده فهذه أربع مسائل أيضا : ( المسألة الأولى ) إذا كان بعضها معيبا كما إذا اشترى دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير فوجد ببعضها عيبا قال القاضي أن يكون العيب في بعض المبيع وصاحب الشامل : إن البيع باطل ، سواء كان العيب من جنسها أو من غير جنسها لكونه ربا فإنه باع جيدا ومعيبا بجنسه فينقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما فيؤدي إلى [ ص: 128 ] التفاضل ، كما في قاعدة مد عجوة . وفي كلام أبو الطيب المحاملي والماوردي ما يقتضي النزاع فيه ، فإنهما قالا فيما إذا كان الصرف في جنس واحد ; وفرعنا على أن الصفقة تفرق : أنه يمسك السليم بحصته من الثمن قولا واحدا لأنه إذا كان الصرف دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير وأمسك البعض بجميع الثمن كان ربا . وهذا الكلام منهما يقتضي الحكم بصحة العقد بناء على تفريق الصفقة . وكذلك الشيخ وإن كان لم يصرح بالمسألة ، لكنه قال في صدر كلامه : إن الجنس الواحد والجنسين في الحكم سواء فاقتضى إطلاقه الحكم بالصحة . وكذلك قال في المجرد : فإن تصارفا عينا بعين جنسا واحدا أو جنسين لا فرق بينهما وذكر الأقسام إلى أن قال : فإن كان بعضه معيبا بني على تفريق الصفقة . أبو حامد
وكذلك قال الجرجاني في المعاياة : كل من ملك الجملة بعقد إذا وجد ببعضه عيبا ، وقلنا : له في أحد القولين أن يفرق الصفقة في الرد فإنه يمسك الباقي بجميع الثمن في قول وبقسطه من الثمن في القول الآخر في الصرف ، وفي مال الربا إذا باع جنسا بجنس فإنه يمسكه بقسطه من الثمن قولا واحدا ، لئلا يؤدي إلى التفاضل ، وقد أقام صاحب البيان ما قاله كل من الفريقين وجها ، فجعل البطلان قول ابن الصباغ ، والآخر قول الشيخ وأثبتهما وجهين ، وما قاله القاضي أبي حامد ومن وافقه أوفق لإطلاقهم في قاعدة " مد عجوة " ، ولعل الآخرين لاحظوا ما يقتضيه تفريق الصفقة من حيث العموم ولم يلاحظوا هذا العقد الخاص وأنه من صورة مد عجوة ، ولا يأتي الوجه الآخر إلا على وجه بعيد حكاه أبو الطيب الفوراني وآخرون في قاعدة " مد عجوة " أن اختلاف النوع أو الوصف لا يؤثر ، والمذهب خلافه والمحاملي من المصرحين باشتراط اتحاد النوع في الجنس الواحد في الصرف ، وقد صرح بذلك في اللباب ، وجزم في المجرد بأن بيع الذهب الجيد بالوسط لا يجوز ، ويكون المدرك في ذلك أن امتناع بيع الجيد والرديء مشروط بما إذا كانا متميزين . أما إذا خلطا ولم يتميز أحدهما من الآخر فإن ذلك جائز على ما سيأتي ، عن صاحب التتمة والتهذيب ، ولنستدل له بحديث إن شاء الله تعالى ، لكن في كون ذلك في المطعوم خاصة ، أو يجري فيه وفي النقد نظر ، وأطلق صاحب التهذيب فيها ، وأما الروياني رحمه الله فإنه ذكرها وأخرج [ ص: 129 ] المعيب من غير الجنس بالبعض وقال : إن المذهب البطلان قولا واحدا ، ولا يخرج على تفريق الصفقة فوافق القاضي ثم ذكر خروج العيب من الجنس بالبعض ، وجعله من تفريق الصفقة فوافق في ذلك أبا الطيب أبا حامد والمحاملي ، فلا أدري أذلك عن عمد أو لا ؟ وسيأتي تحقيق قاعدة " مد عجوة " إن شاء الله تعالى . والله أعلم .
قول : يكون حكمه كما تقدم من أنه مخير إما أن يكون العيب من الجنس أو من غيره ؟ إن كان من الجنس فيخير بين رد الجميع وإمساكه ، وفي رد المعيب وإمساك السليم بما يخصه ما سبق ، ولا يجيء هاهنا قول الإجازة بكل الثمن لكن يخير بالحصة قطعا كما قلنا هناك بتلك العلة ولعلة أخرى وهي أنه ربا فإنه يتحقق التفاضل ، وإن كان العيب من غير الجنس فيبطل في المعيب بناء على المذهب فيما تقدم وفي الثاني قولا تفريق الصفقة ، فإن أجاز فيتعين أن يخير بالقسط قطعا وقد يؤخر رأيت في الكافي أبي حامد للخوارزمي أنه لو تصارفا عينا بعين بأن تبايعا دينارا معينا بدينار معين فظهر أحدهما مستحقا أو نحاسا لا قيمة له بالبيع ، ولو أخر بعضه لا ينعقد ، وفي الباقي قولان ( فإن قلنا : ) ينعقد فللمشتري الخيار ، فلو أجاز يخير بحصته من الثمن على أصح القولين ، فأجرى قول الإجازة بالكل هنا ، وهذا وهم لم أره لغيره ، ولا يأتي وجه الإجازة بالكل حذرا من الربا كما تقدم وأما على الوجه الذي حكاه صاحب الإفصاح ، فيمكن تخريجه على هذا الوجه على تفريق الصفقة في الأحكام فإن النحاس مبيع لا يشترط فيه التقابض ، والنقد صرف فقد جمع بين بيع وصرف ، وفيه قولان ، هذا إذا لم يلاحظ صاحب هذا الوجه قاعدة " مد عجوة " أيضا ، فإن لاحظها وجعل ذلك تابعا بطل في الكل ولم أر شيئا مما ذكرته تفريعا على هذا الوجه منقولا ، بل ذكرته تفقها ، والله تعالى أعلم .
وكذلك قال الجرجاني في المعاياة : كل من ملك الجملة بعقد إذا وجد ببعضه عيبا ، وقلنا : له في أحد القولين أن يفرق الصفقة في الرد فإنه يمسك الباقي بجميع الثمن في قول وبقسطه من الثمن في القول الآخر في الصرف ، وفي مال الربا إذا باع جنسا بجنس فإنه يمسكه بقسطه من الثمن قولا واحدا ، لئلا يؤدي إلى التفاضل ، وقد أقام صاحب البيان ما قاله كل من الفريقين وجها ، فجعل البطلان قول ابن الصباغ ، والآخر قول الشيخ وأثبتهما وجهين ، وما قاله القاضي أبي حامد ومن وافقه أوفق لإطلاقهم في قاعدة " مد عجوة " ، ولعل الآخرين لاحظوا ما يقتضيه تفريق الصفقة من حيث العموم ولم يلاحظوا هذا العقد الخاص وأنه من صورة مد عجوة ، ولا يأتي الوجه الآخر إلا على وجه بعيد حكاه أبو الطيب الفوراني وآخرون في قاعدة " مد عجوة " أن اختلاف النوع أو الوصف لا يؤثر ، والمذهب خلافه والمحاملي من المصرحين باشتراط اتحاد النوع في الجنس الواحد في الصرف ، وقد صرح بذلك في اللباب ، وجزم في المجرد بأن بيع الذهب الجيد بالوسط لا يجوز ، ويكون المدرك في ذلك أن امتناع بيع الجيد والرديء مشروط بما إذا كانا متميزين . أما إذا خلطا ولم يتميز أحدهما من الآخر فإن ذلك جائز على ما سيأتي ، عن صاحب التتمة والتهذيب ، ولنستدل له بحديث إن شاء الله تعالى ، لكن في كون ذلك في المطعوم خاصة ، أو يجري فيه وفي النقد نظر ، وأطلق صاحب التهذيب فيها ، وأما الروياني رحمه الله فإنه ذكرها وأخرج [ ص: 129 ] المعيب من غير الجنس بالبعض وقال : إن المذهب البطلان قولا واحدا ، ولا يخرج على تفريق الصفقة فوافق القاضي ثم ذكر خروج العيب من الجنس بالبعض ، وجعله من تفريق الصفقة فوافق في ذلك أبا الطيب أبا حامد والمحاملي ، فلا أدري أذلك عن عمد أو لا ؟ وسيأتي تحقيق قاعدة " مد عجوة " إن شاء الله تعالى . والله أعلم .
قول : يكون حكمه كما تقدم من أنه مخير إما أن يكون العيب من الجنس أو من غيره ؟ إن كان من الجنس فيخير بين رد الجميع وإمساكه ، وفي رد المعيب وإمساك السليم بما يخصه ما سبق ، ولا يجيء هاهنا قول الإجازة بكل الثمن لكن يخير بالحصة قطعا كما قلنا هناك بتلك العلة ولعلة أخرى وهي أنه ربا فإنه يتحقق التفاضل ، وإن كان العيب من غير الجنس فيبطل في المعيب بناء على المذهب فيما تقدم وفي الثاني قولا تفريق الصفقة ، فإن أجاز فيتعين أن يخير بالقسط قطعا وقد يؤخر رأيت في الكافي أبي حامد للخوارزمي أنه لو تصارفا عينا بعين بأن تبايعا دينارا معينا بدينار معين فظهر أحدهما مستحقا أو نحاسا لا قيمة له بالبيع ، ولو أخر بعضه لا ينعقد ، وفي الباقي قولان ( فإن قلنا : ) ينعقد فللمشتري الخيار ، فلو أجاز يخير بحصته من الثمن على أصح القولين ، فأجرى قول الإجازة بالكل هنا ، وهذا وهم لم أره لغيره ، ولا يأتي وجه الإجازة بالكل حذرا من الربا كما تقدم وأما على الوجه الذي حكاه صاحب الإفصاح ، فيمكن تخريجه على هذا الوجه على تفريق الصفقة في الأحكام فإن النحاس مبيع لا يشترط فيه التقابض ، والنقد صرف فقد جمع بين بيع وصرف ، وفيه قولان ، هذا إذا لم يلاحظ صاحب هذا الوجه قاعدة " مد عجوة " أيضا ، فإن لاحظها وجعل ذلك تابعا بطل في الكل ولم أر شيئا مما ذكرته تفريعا على هذا الوجه منقولا ، بل ذكرته تفقها ، والله تعالى أعلم .
( المسألة الثانية ) ويكون العيب من غير الجنس ، كما إذا باع ذهبا بذهب فخرج نحاسا فحكمه البطلان كما تقدم وفيه الوجه الذي حكاه صاحب الإفصاح . أن يكون العيب في الجميع
[ ص: 130 ] المسألة الثالثة ) أن يكون العيب في الجميع من الجنس ، كرداءة النوع وما أشبهه وتبين ذلك قبل التلف فحكمه ما تقدم فله رده وإذا رده انفسخ العقد ولا يجوز أخذ البدل .
( المسألة الرابعة ) أن يكون العيب في الجميع من الجنس ويتبين العيب بعد التلف كما إذا صارف ذهبا بذهب أو ورقا بورق وتقابضا وتلف أحد المبيعين ثم علم الذي تلف له ما حصل أنه كان به عيب ، فقد ذكرها المحاملي فرعا في المجموع هاهنا ، قال ، وجماعة من الأصحاب بعده ، وذكرها والصيمري المصنف في باب الرد بالعيب ، وفرضه إذا كان المبيع إناء من فضة وزنه ألف درهم وقيمته ألفان فكسره ثم علم به عيبا وذكره الغزالي أيضا في الرد بالعيب ، وفرضه فيما إذا كان المبيع حليا وجد به عيب مانع من الرد ، وقد يتوهم أن ذلك كله أمثلة لمسألة واحدة لاشتراكهما في تعذر وليس كذلك ، بل ما ذكر في باب العيب في كلام المصنف ، وفي كلام الغزالي مسألة واحدة ، وهو إذا كان المعيب باقيا ولكن طرأ ما يمنع الرد فرأى المصنف هناك وغيره أنه يرده ويغرم الأرش ، مسألتنا هنا فيما إذا كان المعيب تالفا فهاهنا لا يمكن القول بالرد إذ لا مردود ، فماذا نصنع ؟ .
قال المحاملي : قال : يفسخ البيع ويرد مثل ما أخذه وليسترجع ما دفعه لأنه لا يمكن أن يقول : إنه يأخذ الأرش لأنه يحصل معه في البيع تفاضل ، ولا يمكن الرد لأن ذلك تالف لا يمكن رده ، ولا يمكن أن يقال : إنه يقر العقد ولا شيء له ، لأنه قد يعين بالمعيب فلا بد له من استدراك ظلامته ، فدعت الضرورة إلى ما ذكرنا ، وهذا الذي قاله ابن أبي هريرة هو المذكور في العدة وشرح الكفاية ابن أبي هريرة ، والتحرير للصيمري للجرجاني كلهم جزموا بأنه إما أن يرضى وإما أن يرد مثل التالف في عينه ويسترجع ما أعطاه ، وكذلك الماوردي جزم بأنه ليس له الرجوع بأرش .
وقال الروياني : ليس له الأرش ، ولا يمكنه الرد ، فالوجه أن يفسخ العقد بينهما ثم يرد عليه مثل الجيد . ويكون الرديء في ذمته يعطيه مثله أو قيمته إن اتفقا عليه ذكره وقال القاضي ابن أبي هريرة : إذا فسخ العقد في المعيب التالف فإنه يرجع عليه بأرش العيب ، مثل إن كان التالف معيبا بعشر قيمته فإنه يسترد منه عشر [ ص: 131 ] القيمة . وتبعه صاحب التهذيب وزاد فذكر في هذه المسألة ثلاثة أوجه ; قول حسين ووجها أنه يأخذ الأرش من غير جنس ما أعطى قال : وهذا ضعيف ، ووجها أنه يسترد من الثمن بقدره كما في غير الصرف وقال : إن هذا أصح ، وإنه المذهب قال : لأن المماثلة في مال الربا تشترط حالة العقد ، واسترجاع بعض الثمن حق ثبت له ابتداء فلا يراعى فيه معنى الربا . ابن أبي هريرة
[ ص: 130 ] المسألة الثالثة ) أن يكون العيب في الجميع من الجنس ، كرداءة النوع وما أشبهه وتبين ذلك قبل التلف فحكمه ما تقدم فله رده وإذا رده انفسخ العقد ولا يجوز أخذ البدل .
( المسألة الرابعة ) أن يكون العيب في الجميع من الجنس ويتبين العيب بعد التلف كما إذا صارف ذهبا بذهب أو ورقا بورق وتقابضا وتلف أحد المبيعين ثم علم الذي تلف له ما حصل أنه كان به عيب ، فقد ذكرها المحاملي فرعا في المجموع هاهنا ، قال ، وجماعة من الأصحاب بعده ، وذكرها والصيمري المصنف في باب الرد بالعيب ، وفرضه إذا كان المبيع إناء من فضة وزنه ألف درهم وقيمته ألفان فكسره ثم علم به عيبا وذكره الغزالي أيضا في الرد بالعيب ، وفرضه فيما إذا كان المبيع حليا وجد به عيب مانع من الرد ، وقد يتوهم أن ذلك كله أمثلة لمسألة واحدة لاشتراكهما في تعذر وليس كذلك ، بل ما ذكر في باب العيب في كلام المصنف ، وفي كلام الغزالي مسألة واحدة ، وهو إذا كان المعيب باقيا ولكن طرأ ما يمنع الرد فرأى المصنف هناك وغيره أنه يرده ويغرم الأرش ، مسألتنا هنا فيما إذا كان المعيب تالفا فهاهنا لا يمكن القول بالرد إذ لا مردود ، فماذا نصنع ؟ .
قال المحاملي : قال : يفسخ البيع ويرد مثل ما أخذه وليسترجع ما دفعه لأنه لا يمكن أن يقول : إنه يأخذ الأرش لأنه يحصل معه في البيع تفاضل ، ولا يمكن الرد لأن ذلك تالف لا يمكن رده ، ولا يمكن أن يقال : إنه يقر العقد ولا شيء له ، لأنه قد يعين بالمعيب فلا بد له من استدراك ظلامته ، فدعت الضرورة إلى ما ذكرنا ، وهذا الذي قاله ابن أبي هريرة هو المذكور في العدة وشرح الكفاية ابن أبي هريرة ، والتحرير للصيمري للجرجاني كلهم جزموا بأنه إما أن يرضى وإما أن يرد مثل التالف في عينه ويسترجع ما أعطاه ، وكذلك الماوردي جزم بأنه ليس له الرجوع بأرش .
وقال الروياني : ليس له الأرش ، ولا يمكنه الرد ، فالوجه أن يفسخ العقد بينهما ثم يرد عليه مثل الجيد . ويكون الرديء في ذمته يعطيه مثله أو قيمته إن اتفقا عليه ذكره وقال القاضي ابن أبي هريرة : إذا فسخ العقد في المعيب التالف فإنه يرجع عليه بأرش العيب ، مثل إن كان التالف معيبا بعشر قيمته فإنه يسترد منه عشر [ ص: 131 ] القيمة . وتبعه صاحب التهذيب وزاد فذكر في هذه المسألة ثلاثة أوجه ; قول حسين ووجها أنه يأخذ الأرش من غير جنس ما أعطى قال : وهذا ضعيف ، ووجها أنه يسترد من الثمن بقدره كما في غير الصرف وقال : إن هذا أصح ، وإنه المذهب قال : لأن المماثلة في مال الربا تشترط حالة العقد ، واسترجاع بعض الثمن حق ثبت له ابتداء فلا يراعى فيه معنى الربا . ابن أبي هريرة
( فرع ) حكم عليه بمثله ولا يحكم عليه بالأرش لأنه يؤدي إلى الربا . اشترى دينارا معينا بدينار معين فتلف أحدهما ، فوجد بالباقي عيبا
قاله ابن أبي هريرة والماوردي ، فإن لم يكن له مثل ، مثل أن يكون نقرة أو إناء مصنوعا حكم عليه بقيمته أو يرضى به ناقصا فيكون له ذلك ، قاله ، فلو كان قد ابن أبي هريرة ، ففي جواز رجوعه بالأرش وجهان في الحاوي ( أقيسهما ) عنده الجواز ، فيرجع بأرش الدينار دراهم ، وبأرش الفضة ذهبا . اشترى الدينار المعين بدراهم
( والثاني ) قول الشيوخ من أصحابنا البصريين والجمهور من غيرهم ، لا يجوز الرجوع بأرش عيب الدراهم والدنانير ، لأن الصرف أضيق من البياعات فلم يتسع لدخول الأرش فيه ولأن الأرش بالإيمان فلا يدخل فيها ، فعلى هذا إن كان عيب الدينار التالف الذي لا يخرجه من الجنس يصح أن يكون صفة بها يثبت في الذمة كما إذا اشترى قاسانيا فبان بعد تلفه مغربيا فعلى المشتري أن يرد بدله مغربيا وإن كان المبيع مبهرجا مما لا يصح أن يكون صفة لما في الذمة فعليه - إذا لم يرض بعيبه - أن يرد قيمته دراهم ولا يرد مثله ، لأن المبهرج لا مثل له وذكر صاحب الشامل هذا الفرع غير منسوب إلى أحد ، وقال فيه : يفسخ العقد بينهما ويرد مثل التي أتلفها أو قيمتها إن لم يكن مثل .
فأما قوله " يفسخ العقد بينهما " فقد وافقه على هذه العبارة في الشافي وقال : فإذا فسخ رد من تلفت الدرهم في يده درهما معيبا واسترد درهمه ، فالجيد مع بقائه وبدله مع تلفه ، ففي هذه العبارة إيهام أنه لا يستقل بالفسخ وهو بعيد ، لأن باذل المعيب حينئذ من الفسخ إن كان ذلك موقوفا على رضاه وأما فرقه بين المثلي والمتقوم فهو أولى من إطلاق وغيره ، لأن العيب قد يخرجه عن كونه مثليا ، وقد تقدم ذلك في كلام ابن أبي هريرة الماوردي .
[ ص: 132 ] وقال في الانتصار : يفسخ العقد ويرد مثل التالف أو قيمته إن لم يكن له مثل ، فوافق صاحب الشامل ، وذكر مجمل هذا الفرع في الذخائر ، ولم يزد على أنه ليس له إلا الرجوع بالأرش ، وإذا تأملت ما ذكرته وجدت من عدا القاضي ابن أبي عصرون وصاحب التهذيب جازمين أو مرجحين أنه لا يجوز أخذ الأرش والله أعلم . وقد بقي مما هو متعلق بهذا المكان حسين
قاله ابن أبي هريرة والماوردي ، فإن لم يكن له مثل ، مثل أن يكون نقرة أو إناء مصنوعا حكم عليه بقيمته أو يرضى به ناقصا فيكون له ذلك ، قاله ، فلو كان قد ابن أبي هريرة ، ففي جواز رجوعه بالأرش وجهان في الحاوي ( أقيسهما ) عنده الجواز ، فيرجع بأرش الدينار دراهم ، وبأرش الفضة ذهبا . اشترى الدينار المعين بدراهم
( والثاني ) قول الشيوخ من أصحابنا البصريين والجمهور من غيرهم ، لا يجوز الرجوع بأرش عيب الدراهم والدنانير ، لأن الصرف أضيق من البياعات فلم يتسع لدخول الأرش فيه ولأن الأرش بالإيمان فلا يدخل فيها ، فعلى هذا إن كان عيب الدينار التالف الذي لا يخرجه من الجنس يصح أن يكون صفة بها يثبت في الذمة كما إذا اشترى قاسانيا فبان بعد تلفه مغربيا فعلى المشتري أن يرد بدله مغربيا وإن كان المبيع مبهرجا مما لا يصح أن يكون صفة لما في الذمة فعليه - إذا لم يرض بعيبه - أن يرد قيمته دراهم ولا يرد مثله ، لأن المبهرج لا مثل له وذكر صاحب الشامل هذا الفرع غير منسوب إلى أحد ، وقال فيه : يفسخ العقد بينهما ويرد مثل التي أتلفها أو قيمتها إن لم يكن مثل .
فأما قوله " يفسخ العقد بينهما " فقد وافقه على هذه العبارة في الشافي وقال : فإذا فسخ رد من تلفت الدرهم في يده درهما معيبا واسترد درهمه ، فالجيد مع بقائه وبدله مع تلفه ، ففي هذه العبارة إيهام أنه لا يستقل بالفسخ وهو بعيد ، لأن باذل المعيب حينئذ من الفسخ إن كان ذلك موقوفا على رضاه وأما فرقه بين المثلي والمتقوم فهو أولى من إطلاق وغيره ، لأن العيب قد يخرجه عن كونه مثليا ، وقد تقدم ذلك في كلام ابن أبي هريرة الماوردي .
[ ص: 132 ] وقال في الانتصار : يفسخ العقد ويرد مثل التالف أو قيمته إن لم يكن له مثل ، فوافق صاحب الشامل ، وذكر مجمل هذا الفرع في الذخائر ، ولم يزد على أنه ليس له إلا الرجوع بالأرش ، وإذا تأملت ما ذكرته وجدت من عدا القاضي ابن أبي عصرون وصاحب التهذيب جازمين أو مرجحين أنه لا يجوز أخذ الأرش والله أعلم . وقد بقي مما هو متعلق بهذا المكان حسين
فرع حسن . قاله ابن أبي الدم . وذكر أنه شيء لم يزل يختلج في القلب ، وهو أن الأصحاب أطبقوا على أن المشتري في باب المعيب إذا فله ردها والزيادة يختص المشتري بها . هذا في شراء العرض ، فلو اشترى شاة مثلا وقبضها نتجت عنده ، ثم اطلع فيها على عيب قديم ؟ قال أسلم إليه في شيء وكان رأس مال السلم شاة موصوفة في الذمة ثم أحضرها المسلم في المجلس وقبضها منه المسلم إليه ثم افترقا ونتجت عنده ، ثم وجد بها عيبا فله ردها عليه ، ومطالبته بشاة سليمة موصوفة بالصفات المشروطة ، فهل يختص المسلم فيه بالنتاج ابن أبي الدم : هذا لم أر فيه نقلا إلى الآن ولا بلغنيه من أحد من الأئمة ، بل فرعته استنباطا من جهتي حيث اقتضاه التفريع على الأصول المقررة ، ونشأ مما ذكره الإمام وصدره في القاعدة المبدوء بذكرها يقتضي أن يكون في النتاج وجهان مبنيان على القولين المذكورين أولا ، وهو أن المقبوض في المجلس عما في الذمة إذا رده بالعيب بعد التفرق هل نقول يملكه بالقبض وبالرد قد يقبض الملك ؟ أو يقال بالرد ؟ تبين أنه لم يملكه أصلا ، كأنهما تفرقا عن غير قبض ، فيه وجهان : فإن قلنا إنه ملكه بالقبض فقد حدثت الزيادة في ملكه ، أعني في ملك المسلم إليه بعد قبضه فيختص بها . وإن قلنا إنه بالرد تبين أنه لم يملكه أصلا ، فالزيادة حادثة على ملك المسلم ، فيجب على المسلم إليه ردها مع الأصل . وهذا حسن ظاهر وبه يظهر الفرق الذي ذكرناه بين العرض المعقود عليه عينا وبين العرض الموصوف في الذمة دينا ثم يقبض في المجلس عما ثبت في الذمة .
هذا آخر كلام ابن أبي الدم ، وقد قدمت الكلام على هذا الأصل الذي أشار إليه وأنه هل ذلك بطريق التبين ؟ أم بطريق الفسخ المستأنف ؟ والله أعلم .
هذا آخر كلام ابن أبي الدم ، وقد قدمت الكلام على هذا الأصل الذي أشار إليه وأنه هل ذلك بطريق التبين ؟ أم بطريق الفسخ المستأنف ؟ والله أعلم .
ولا يخفى أن المسألة لا تختص بالصرف بل تجري في كل حال من أحوال الربا بيع بجنسه . قاله الرافعي . ويجيء في التفاصيل المذكورة في الذمة [ ص: 133 ] وفي العين الخلاف المذكور ، وفرض القاضي الفرع إذا كان على معين ، فإن حسين قال : فإن كان تالفا فإن لم يجوز الاستبدال مع بقائه فالحكم كالمبيع بالعين ، وقد تقدم ، وإن جوزنا الاستبدال فقولان ( أحدهما ) يرجع عليه بأرش العيب للضرورة ( والثاني ) لا ، بل يغرم قيمة التالف ثم يرجع عليه بدينار سليم أو بخلخال سليم ، وكان فرض المسألة في كان بدينار في الذمة . قال : وهكذا إذا قلنا في المسلم فيه : إذا تلف في يده ثم تبين له أنه كان معيبا ، ففيه قولان . بيع خلخال بدينار
( أحدهما ) يرجع عليه بأرش العيب فيأخذ منه بقدره من رأس المال ( والثاني ) لا ، بل يغرم قيمة المتلف ويرجع عليه بالسليم فيه ، والله تعالى أعلم .
قال صاحب التهذيب : وكذلك لو . باع طعاما بطعام ثم وجد به عيبا بعد ما تلف عنده
قال : وكذلك لو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد ما تلف عنده فإن كان رأس المال معيبا سقط من المسلم فيه بقدره ، مثل أن كان العيب ينقص عشر قيمته فيسقط عشر المسلم فيه .
وإن كان في الذمة وعينه فإن كان في المجلس يغرم ما تلفت عنده ويستبدل ، وإن كان بعد التفرق فإن جوزنا الاستبدال فكذلك ، وإن لم نجوز فيسقط من المسلم فيه بقدره كما في المعين والله سبحانه وتعالى أعلم . واعلم أن الأصحاب أطلقوا ما ذكرته ولم يبينوا أن بدل التالف هل ينزل منزلته حتى يكون الفسخ برده أو تمكينه من الفسخ لتعذر الرد بالتلف ؟ والأقرب إلى الفهم من عباراتهم المتقدمة الثاني ، وهو مذهب . أحمد
قال صاحب المغني في مذهبهم : إذا تلف العوض في الصرف بعد القبض ثم علم عيبه فسخ العقد ويرد الموجود ، وتبقى قيمة المعيب في ذمة من تلف في يده فيرد مثلها أو عوضها إذا اتفقا على ذلك ، سواء كان الصرف بجنسه أو بغير جنسه ، ذكره ، وهو قول ابن عقيل . قال الشافعي : وقد روي عن ابن عقيل جواز أخذ الأرش . انتهى كلامه وهو بين . وكأنه جعل العيب مخرجا له عن كونه مثليا ، فلذلك حكم بالقيمة والله أعلم . أحمد
( أحدهما ) يرجع عليه بأرش العيب فيأخذ منه بقدره من رأس المال ( والثاني ) لا ، بل يغرم قيمة المتلف ويرجع عليه بالسليم فيه ، والله تعالى أعلم .
قال صاحب التهذيب : وكذلك لو . باع طعاما بطعام ثم وجد به عيبا بعد ما تلف عنده
قال : وكذلك لو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد ما تلف عنده فإن كان رأس المال معيبا سقط من المسلم فيه بقدره ، مثل أن كان العيب ينقص عشر قيمته فيسقط عشر المسلم فيه .
وإن كان في الذمة وعينه فإن كان في المجلس يغرم ما تلفت عنده ويستبدل ، وإن كان بعد التفرق فإن جوزنا الاستبدال فكذلك ، وإن لم نجوز فيسقط من المسلم فيه بقدره كما في المعين والله سبحانه وتعالى أعلم . واعلم أن الأصحاب أطلقوا ما ذكرته ولم يبينوا أن بدل التالف هل ينزل منزلته حتى يكون الفسخ برده أو تمكينه من الفسخ لتعذر الرد بالتلف ؟ والأقرب إلى الفهم من عباراتهم المتقدمة الثاني ، وهو مذهب . أحمد
قال صاحب المغني في مذهبهم : إذا تلف العوض في الصرف بعد القبض ثم علم عيبه فسخ العقد ويرد الموجود ، وتبقى قيمة المعيب في ذمة من تلف في يده فيرد مثلها أو عوضها إذا اتفقا على ذلك ، سواء كان الصرف بجنسه أو بغير جنسه ، ذكره ، وهو قول ابن عقيل . قال الشافعي : وقد روي عن ابن عقيل جواز أخذ الأرش . انتهى كلامه وهو بين . وكأنه جعل العيب مخرجا له عن كونه مثليا ، فلذلك حكم بالقيمة والله أعلم . أحمد
( فرع ) لو قال في المطارحات : إن باع بغير جنسه رجع بنقصان المعيب ، لأن المماثلة من [ ص: 134 ] شرط صحة البيع ، ولكن يرد عليه مثل طعامه ويرجع عليه بما دفع ، ولا يرد لما حدث عنده من العيب شيئا ( باع طعاما بطعام فحدث عنده عيب ووجد به عيبا قديما قلت ) ولو باع نقدا بنقد فالحكم والتفصيل كذلك ، وهذه المطارحات ظني أنها لابن العطار ، وكذلك رأيتها منسوبة إليه في نسخة ، وفي نسخة أخرى رأيتها منسوبة لأبي إسحاق الإسفراييني .
( فرع ) لو قال في التهذيب : إن كان في مجلس العقد يغرم ما تلف عنده ويستبدل ، وإن كان بعد التفرق ، فإن جوزنا الاستبدال فهكذا ، وإن لم نجوز الاستبدال بعد التفرق - فإن كان الجنس مختلفا - يسترد من الثمن بقدر العيب . وإن كان الجنس متفقا فعلى الأوجه الثلاثة ( أصحها ) يسترد من الثمن بقدر العيب ، وكذلك لو باع طعاما بطعام وكذلك لو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه ، إما أن يكون رأس المال معينا أو في الذمة ، على التفصيل والحكم المتقدم . كان الصرف في الذمة وحصل التلف المذكور ثم اطلع على عيب
( فرع ) كل ما ذكرناه فيما إذا كان العيب من الجنس ، كرداءة السكة والجوهر وما أشبه ذلك . أما لو بان بعد تلفه نحاسا أو مطلية فالبيع باطل ويترادان قاله . وهو ظاهر مما تقدم وكل ذلك مفروض في صرف النقد بجنسه أما إذا كان بغير جنسه فإنه يسترد من الثمن بقدر العيب كما في غير الصرف قاله في التهذيب . الصيمري
( فرع ) كل ما ذكرناه فيما إذا كان العيب من الجنس ، كرداءة السكة والجوهر وما أشبه ذلك . أما لو بان بعد تلفه نحاسا أو مطلية فالبيع باطل ويترادان قاله . وهو ظاهر مما تقدم وكل ذلك مفروض في صرف النقد بجنسه أما إذا كان بغير جنسه فإنه يسترد من الثمن بقدر العيب كما في غير الصرف قاله في التهذيب . الصيمري
( فرعان ) لهما تعلق بالاستبدال عن الثمن ( أحدهما ) قال القاضي إذا باع شيئا بدراهم برمكية لا يجوز العقد لأنه عزيز الوجود وقلما يوجد في بلادنا هذه ، ولو باعه بدراهم فتحية ينظر فيه فإن كان في بلد يعم وجوده ، هذا يبنى على أن الاستبدال عنه جائز أم لا ؟ إن قلنا : جائز صح وإلا فلا يصح العقد قال صاحب التهذيب : إنه إذا حسين يبنى على أن الاستبدال عن الثمن هل يجوز ؟ إن قلنا يجوز صح ثم إن وجد ذلك النقد وإلا يستبدل . وإن قلنا لا يجوز الاستبدال لم يصح . كما لو أسلم فيما يعز وجوده وهذا الإطلاق الذي قاله صاحب التهذيب أولى من التفصيل الذي ذكره باع بما يعز وجوده في البلد . القاضي
[ ص: 135 ] الثاني ) إذا . قال القاضي باع بنقد البلد ثم انقطع ذلك من أيدي الناس : إن قلنا يجوز الاستبدال فلا يفسد العقد . وإن قلنا لا يجوز الاستبدال فقولان ( أحدهما ) ينفسخ ( والثاني ) يثبت له حق الفسخ . وهما كالقولين في المسلم فيه إذا انقطع . فأما إذا باع بنقد البلد ثم إن السلطان رفع ذلك لا غير ، سواء باعه بثمن معين أو بثمن مطلق . قال حسين الروياني : وهكذا لو باع بفلوس فنسخها السلطان . وقال رضي الله عنه : ينفسخ العقد . هذا كلام القاضي أبو حنيفة وقاسه حسين البغوي على ما لو أسلم في صبطة فرخصت ليس له إلا صبطة . وحكى مع ذلك وجها أن البائع يخير بين أن يجيز العقد فيأخذ النقد الأول ، وبين أن يفسخ ويسترد ما أعطى ، كما لو تعيب المبيع قبل القبض قال الروياني : وهذا لو باع بفلوس فنسخها السلطان . قال الروياني : لو جاء بالنقد الثاني المحدث لا يلزمه قبوله ، فإن أراد قبوله كان على سبيل الاعتياض وعن - رحمه الله - أنه يلزمه قبوله . أبي حنيفة
قال الروياني : لو حصل له على غيره مائة درهم من نقد معروف فلقيه ببلد آخر لا يتعامل فيه به فقال : خذه لزمه أخذه ، كما لو حرمه السلطان في بلده . وقيل : لا يلزمه أخذه ، وقيل : إن كان لا يتعامل به ألبتة لا يلزمه أخذه ، وإن كان يتعامل به لكن ليس برائج يلزمه أخذه ، وأصل هذه المسألة رجل يثبت له على آخر عشر درهم يلزمه أخذه أو يبرئه .
قال الروياني : لو حصل له على غيره مائة درهم من نقد معروف فلقيه ببلد آخر لا يتعامل فيه به فقال : خذه لزمه أخذه ، كما لو حرمه السلطان في بلده . وقيل : لا يلزمه أخذه ، وقيل : إن كان لا يتعامل به ألبتة لا يلزمه أخذه ، وإن كان يتعامل به لكن ليس برائج يلزمه أخذه ، وأصل هذه المسألة رجل يثبت له على آخر عشر درهم يلزمه أخذه أو يبرئه .
فصل في مذاهب العلماء في هذه المسألة قد تقدم ذكر الأصح من مذهبنا أن له . وبذلك قال الإبدال فيما إذا خرج المقبوض عن الموصوف في الذمة معيبا بعد التفرق رضي الله عنه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في إحدى الروايتين وأحمد بن حنبل والأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن حسين ، حكاه عنهم العبدري . وقال صاحب المحيط من الحنفية في كتاب الصرف في باب خيار الرد بالربا فيه والاستحقاق : ولو وجد أحد المتصارفين الدراهم المقبوضة زيوفا أو . كاسدة أو رائجة في بعض التجارات دون بعض وذلك عيب عندهم ويستبدل غيرها ، إن العقد يقتضي سلامة البدل ، كما في بيع العين ، والكلام في صحة الاستبدال في مجلس الرد من باب السلم .
[ ص: 136 ] ولو اشترى فضة فوجدها رديئة بغير عيب لا يردها ، لأن الرداءة ليست بعيب بل صفة تخلق عليها ، إلا أنه ليس بجيد ، وصفة الجودة لا تستحق بالعقد إلا بالشرط ، كما لو اشترى حنطة فوجدها أردأ حنطة ، ليس له ردها إلا إذا اشترط جودتها . وقال صاحب المحيط الحنفي أيضا في باب ما ينتقض القبض فيه من باب السلم : ولو وجد رأس المال مستحقا ومعيبا فلا يخلو إما أن يكون رأس المال عينا أو دينا فوجده مستحقا أو معيبا فرده في المجلس أو بعد الافتراق ، فإن أجاز المستحق أو رضي المسلم إليه بالعيب جاز السلم لأنه سلم له البدل ، والأصل أن صحة القبض تقف على إجازته ، فإذا أجاز يظهر أن قبضه وقع صحيحا وإن لم يجز المستحق ولم يرض المسلم إليه بالعيب بطل السلم لأن العقد وقع على المعين ولم يسلم إليه .
فإن كان رأس المال دينا وقبضه ، فإن وجده مستحقا في المجلس ، فإن أجاز المستحق جاز إذا كان رأس المال قائما . نص على ذلك الجامع ، وإن لم يجز انتقض القبض بقدره من الأصل فصار كأنه لم يقبض ، فإن قبض مثله في المجلس جاز وإلا فلا وإن وجد ستوقا أو رصاصا فإن تجوز به بطل السلم لأنه من جنس حقه فيكون استبدالا برأس المال قبل القبض وذلك لا يجوز . وإن رده وقبض آخر مكانه في المجلس جاز السلم لأنه لما رده وانتقض قبضه فكأنه لم يقبض وأخر القبض إلى آخر المجلس جاز . وإن وجده زيوفا - فإن تجوز به جاز لأنه من جنس حقه ، وإن رده واستبدل مكانه في المجلس جاز . فأما إذا تفرقا فوجده مستحقا إن أجاز المالك ورأس المال قائم جاز وإلا بطل وإن وجده ستوقا انتقض السلم بقدره - تجوز به أو رد ; لأن الستوقة ليست من جنس حقه . فيكون افترقا لا عن قبض هذا القدر .
( فرع ) حكم بدل الصرف على التفصيل الذي تقدم . ذكره صاحب التهذيب . وقد تقدم التنبيه على ذلك في كلام حكم رأس مال السلم إذا وجد المسلم إليه عيبا المتولي والروياني والله أعلم .
[ ص: 136 ] ولو اشترى فضة فوجدها رديئة بغير عيب لا يردها ، لأن الرداءة ليست بعيب بل صفة تخلق عليها ، إلا أنه ليس بجيد ، وصفة الجودة لا تستحق بالعقد إلا بالشرط ، كما لو اشترى حنطة فوجدها أردأ حنطة ، ليس له ردها إلا إذا اشترط جودتها . وقال صاحب المحيط الحنفي أيضا في باب ما ينتقض القبض فيه من باب السلم : ولو وجد رأس المال مستحقا ومعيبا فلا يخلو إما أن يكون رأس المال عينا أو دينا فوجده مستحقا أو معيبا فرده في المجلس أو بعد الافتراق ، فإن أجاز المستحق أو رضي المسلم إليه بالعيب جاز السلم لأنه سلم له البدل ، والأصل أن صحة القبض تقف على إجازته ، فإذا أجاز يظهر أن قبضه وقع صحيحا وإن لم يجز المستحق ولم يرض المسلم إليه بالعيب بطل السلم لأن العقد وقع على المعين ولم يسلم إليه .
فإن كان رأس المال دينا وقبضه ، فإن وجده مستحقا في المجلس ، فإن أجاز المستحق جاز إذا كان رأس المال قائما . نص على ذلك الجامع ، وإن لم يجز انتقض القبض بقدره من الأصل فصار كأنه لم يقبض ، فإن قبض مثله في المجلس جاز وإلا فلا وإن وجد ستوقا أو رصاصا فإن تجوز به بطل السلم لأنه من جنس حقه فيكون استبدالا برأس المال قبل القبض وذلك لا يجوز . وإن رده وقبض آخر مكانه في المجلس جاز السلم لأنه لما رده وانتقض قبضه فكأنه لم يقبض وأخر القبض إلى آخر المجلس جاز . وإن وجده زيوفا - فإن تجوز به جاز لأنه من جنس حقه ، وإن رده واستبدل مكانه في المجلس جاز . فأما إذا تفرقا فوجده مستحقا إن أجاز المالك ورأس المال قائم جاز وإلا بطل وإن وجده ستوقا انتقض السلم بقدره - تجوز به أو رد ; لأن الستوقة ليست من جنس حقه . فيكون افترقا لا عن قبض هذا القدر .
( فرع ) حكم بدل الصرف على التفصيل الذي تقدم . ذكره صاحب التهذيب . وقد تقدم التنبيه على ذلك في كلام حكم رأس مال السلم إذا وجد المسلم إليه عيبا المتولي والروياني والله أعلم .
[ ص: 137 ] فرع ) لو فإن لم يقبضها المستحق لها من المحال عليه حتى افترقا بطل الصرف . وإن قبضها في المجلس قبل الافتراق فوجهان حكاهما أحال بالدنانير التي استحق فيها في الصرف قبل الافتراق على رجل حاضر الماوردي ( إن قلنا ) الحوالة معاوضة لم يجز ( وإن قلنا ) استيفاء جاز .
( فرع ) لو لم يجز سواء حصلت العشرة على الصيرفي قبل الصرف أو بعده . وقال اشترى من صيرفي دينارا بعشرة دراهم ، وقبض الدينار حصل للمشتري على الصيرفي عشرة دراهم ، فقال : أجل ، هذه العشرة بدل من الثمن رضي الله عنه : إن حصلت قبل الصرف لم يجز ، وإن حصلت بعده جاز ، قاله أبو حنيفة الماوردي .
( فرع ) كذا ، فإن كان نقد ذلك السوق مختلفا بطل ، وإلا فوجهان ( أظهرهما ) الجواز ( والثاني ) لا ، لإمكان التعيين قاله اشترى بألف درهم من نقد سوق الماوردي ، ولو اشترى بألف درهم من ضرب كذا أو بما يضربه السلطان لم يجز ، قاله الماوردي ، وإذا شرط في الصرف أن الذهب يساوي كذا أو ما أشبه ذلك بطل الصرف ، لأنه ينافي مقتضاه ، قاله الماوردي وغيره ، وإن باعه بدينار إلا درهما - فإن جهلا أو أحدهما قيمة الدينار في الحال - بطل البيع ، وإن علماها فوجهان ( أصحهما ) البطلان ، قاله الماوردي ، وإذا صرف ، بدينار فدفع إليه دينارا راجحا قيراطا فأعطاه عن القيراط [ ص: 138 ] ذهبا مثله جاز وكذلك إذا أعطاه فضة معلومة أو جزافا صح لاختلاف الجنس . ولو جهلا مقدار الرجحان فأعطاه به ذهبا مماثلا له صح ، كما لو باع سبيكة ذهب لا يعلم وزنها بوزنها ذهبا يجوز ، إن جهلا القدر .
( فرع ) قال الماوردي : إذا لا يجوز ، فالضمان جائز إلحاقا بضمان الدرك ، وإن كان مترددا بين الوجوب والإسقاط ، وهذه من منصوصات قبض من رجل ألف درهم من دين عليه فضمن له رجل بدل ما كان فيها من زائفة أو مبهرجة أو درهم ابن سريج ، وإن وجد القابض زائفا أو مبهرجا فهو بالخيار في إبدالها إن شاء على المؤدي ، وإن شاء على الضامن ، فإن أبدلها من المؤدي برئ الضامن وإن أبدلها من الضامن يرجع الضامن على المؤدي - إن كان الضمان بإذنه - فإن قال الضامن : أعطوني المردود لأعطيكم بدله لم يعطه إياه ، وقيل له : الواجب أن تفسخ في القضاء على المردود ، فأنت ترد على المضمون له ما ضمنته ، وهذا المردود من مال المضمون عنه ، ولك الرجوع عليه بمثل ما أديت ، فلو أحضر القابض دراهم رديئة وقال : هي ما قبضت وأنكراه جميعا فإن كانت رداءتها بعيب فالقول قولهما مع اليمين ، لأنه ملك بالقبض وبرئت ذمتهما منه ، وإن كانت نحاسا أو غير فضة فالقول قوله مع يمينه ، لأن أصل الدين ثابت ، إنما أقر بقبض النحاس وهو لا يكون قبضا عن الفضة .
( قلت ) وقوله " إن القول قوله إذا كانت نحاسا أو غير فضة " هو قول ابن سريج وفي المسألة خلاف نتعرض له في آخر باب السلم إن شاء الله تعالى ، فإن المصنف ذكره في التنبيه هناك ، وهذه المسألة يحتاج الناس إليها كثيرا ، فإن كثيرا من الناس يقبض ماله في المعاملات وغيرها بالصيرفي . ويعتمد على نقده ويظنون أنه بمجرد ذلك يلزم الصيرفي ضمان دركها ، وليس كذلك ، بل متى لم يصدر منه ضمان فهو أمين لا يلزمه شيء فيتعين لمن يريد الاحتراز من ذلك أن يدع الصيرفي يتلفظ بالضمان ويشهد عليه به . وما يخرج من الدراهم المتعارفة في هذا الوقت ويرد القول فيه قول القابض على قول ابن سريج والماوردي ، لأنه أكثر نحاسا من المتعامل فيه الذي تنزل المعاملة عليه [ ص: 139 ] فلا يصح أن يكون قضاء عنه ، فيكون كأخذ النحاس عن الفضة ، وليس كأخذ المعيب عن السليم ، هذا هو الظاهر عندي في ذلك والله أعلم .
والذي قاله الماوردي قريب مما قاله صاحب التهذيب ، فإنه قال : لو باع سلعة بدينار أو تصارفا وتقابضا ، ثم جاء المشتري بدينار معيب ، فالقول قول من يرد مع يمينه ، هذا هو الأصح عندي ، وفيه وجه : القول قول الدافع ، قال : وكذلك لو أتى المسلم بالمسلم فيه معيبا فالقول قول المسلم مع يمينه على الأصح ولو كان قد تلف في يد المسلم حلف وغرم التالف وطالبه بالجيد . وإن كان العقد ورد على معين فالقول قول من أعطى مع يمينه ، لأن الأصل قصر هذا العقد على السلامة قاله صاحب التهذيب ، قال إلا أن يكون نحاسا لا قيمة له ، فالقول قول من يرده لأنه يدعي فساد العقد والأصل بقاء ماله على ملكه ( قلت ) ولو خرج ذلك على الخلاف في دعوى الصحة والفساد لم يبعد .
( قلت ) وقوله " إن القول قوله إذا كانت نحاسا أو غير فضة " هو قول ابن سريج وفي المسألة خلاف نتعرض له في آخر باب السلم إن شاء الله تعالى ، فإن المصنف ذكره في التنبيه هناك ، وهذه المسألة يحتاج الناس إليها كثيرا ، فإن كثيرا من الناس يقبض ماله في المعاملات وغيرها بالصيرفي . ويعتمد على نقده ويظنون أنه بمجرد ذلك يلزم الصيرفي ضمان دركها ، وليس كذلك ، بل متى لم يصدر منه ضمان فهو أمين لا يلزمه شيء فيتعين لمن يريد الاحتراز من ذلك أن يدع الصيرفي يتلفظ بالضمان ويشهد عليه به . وما يخرج من الدراهم المتعارفة في هذا الوقت ويرد القول فيه قول القابض على قول ابن سريج والماوردي ، لأنه أكثر نحاسا من المتعامل فيه الذي تنزل المعاملة عليه [ ص: 139 ] فلا يصح أن يكون قضاء عنه ، فيكون كأخذ النحاس عن الفضة ، وليس كأخذ المعيب عن السليم ، هذا هو الظاهر عندي في ذلك والله أعلم .
والذي قاله الماوردي قريب مما قاله صاحب التهذيب ، فإنه قال : لو باع سلعة بدينار أو تصارفا وتقابضا ، ثم جاء المشتري بدينار معيب ، فالقول قول من يرد مع يمينه ، هذا هو الأصح عندي ، وفيه وجه : القول قول الدافع ، قال : وكذلك لو أتى المسلم بالمسلم فيه معيبا فالقول قول المسلم مع يمينه على الأصح ولو كان قد تلف في يد المسلم حلف وغرم التالف وطالبه بالجيد . وإن كان العقد ورد على معين فالقول قول من أعطى مع يمينه ، لأن الأصل قصر هذا العقد على السلامة قاله صاحب التهذيب ، قال إلا أن يكون نحاسا لا قيمة له ، فالقول قول من يرده لأنه يدعي فساد العقد والأصل بقاء ماله على ملكه ( قلت ) ولو خرج ذلك على الخلاف في دعوى الصحة والفساد لم يبعد .
( فرع ) قال أصحابنا : إذا ، بل إذا وزنا قبله وعرفا المساواة بينهما جاز . باع دينارا بدينار فليس من شرطه أن يتوازنا وقت العقد
( فرع ) قال الأصحاب : إذا جاز ويقبضه كله ليكون نصفه قبضا بالشراء ونصفه وديعة ، ثم يتفقان على كنزه أو بيعه ، وجائز أن يكون بعد القبض عند أيهما شاء . ولو أراد أن يشتريه كله وليس معه إلا عشرة جاز أن يشتريه بعشرين في ذمته ، ثم يقبضه منها العشرة التي معه من الثمن ، فإذا قبضها استقرضها منه ، فإذا قبضها قضاه العشرة التي بقيت عليه من ثمن الدينار وتقابضا ويكون لصاحب الدينار عليه عشرة قرضا هل يجوز ذلك ؟ فيه وجهان في تعليق كان معه عشرة دراهم ، ومع غيره دينار يساوي عشرين ، فأراد صاحب العشرة شراء نصف الدينار والشامل أبي الطيب والرافعي وغيرهم والحاوي ( أحدهما ) وهو الأصح عند الرافعي لا يجوز لأن القرض يملك بالتصرف ، وهذه الدراهم لم يتصرف فيها وإنما ردها إليه بحالها ، فكان ذلك فسخا للقرض .
وحكى المحاملي في المجموع هذا الوجه عن وقال في المجرد : إن أبي إسحاق المروزي الداركي نقله عن المروزي ولم يذكر القاضي في [ ص: 140 ] تعليقه غيره ، وعلله بأن التصرف فيه قبل انبرام العقد بينهما باطل ، وحكى حسين المحاملي عن أنه علله بذلك وبأن لو وقع بعد انبرامه فإنه يجوز ، هكذا استشهد أبي إسحاق وصاحب الشامل وليس في كلام القاضي أبو الطيب الذي حكيته ما ينازع فيه وهذا إذا كان ذلك قبل التخاير ، فلو كان ذلك بعد التخاير وقلنا : إن التخاير بمنزلة التفرق وهو الصحيح فلا يجوز أيضا وإلا فيجوز قاله القاضي حسين . حسين
( أما ) لو استقرض منه غيرها ودفعها إليه عن بقية الثمن جاز قولا واحدا ، وصحح في البحر الصحة ، ووافق القاضي في ذلك قال : وعلى هذا لو باع درهما في الذمة بدرهم في الذمة ، ثم سلم أحدهما ، ثم اقترض الآخر وردها عليه هل يجوز ؟ فيه وجهان مبنيان على أن القرض متى يملك ؟ وعند أبا الطيب يبطل هذا الصرف هاهنا ، لأنه قبض قبل أن يستقر ملكه عليها إلا أنه لا يملكها إلا بالتصرف ( والوجه الثاني ) وهو الأصح عند صاحب الشامل وشيخه أبي إسحاق ، وبه قال الشيخ أبي الطيب على ما حكاه صاحب المجرد ، وقال : إن أبو حامد قاله في الصرف نصا أنه يجوز ، وصححه أيضا الشافعي . لأنه دفعها قضاء عما عليه وذلك تصرف كما إذا اشترى بها النصف الآخر من الدينار . ابن أبي عصرون
وحكى المحاملي في المجموع هذا الوجه عن وقال في المجرد : إن أبي إسحاق المروزي الداركي نقله عن المروزي ولم يذكر القاضي في [ ص: 140 ] تعليقه غيره ، وعلله بأن التصرف فيه قبل انبرام العقد بينهما باطل ، وحكى حسين المحاملي عن أنه علله بذلك وبأن لو وقع بعد انبرامه فإنه يجوز ، هكذا استشهد أبي إسحاق وصاحب الشامل وليس في كلام القاضي أبو الطيب الذي حكيته ما ينازع فيه وهذا إذا كان ذلك قبل التخاير ، فلو كان ذلك بعد التخاير وقلنا : إن التخاير بمنزلة التفرق وهو الصحيح فلا يجوز أيضا وإلا فيجوز قاله القاضي حسين . حسين
( أما ) لو استقرض منه غيرها ودفعها إليه عن بقية الثمن جاز قولا واحدا ، وصحح في البحر الصحة ، ووافق القاضي في ذلك قال : وعلى هذا لو باع درهما في الذمة بدرهم في الذمة ، ثم سلم أحدهما ، ثم اقترض الآخر وردها عليه هل يجوز ؟ فيه وجهان مبنيان على أن القرض متى يملك ؟ وعند أبا الطيب يبطل هذا الصرف هاهنا ، لأنه قبض قبل أن يستقر ملكه عليها إلا أنه لا يملكها إلا بالتصرف ( والوجه الثاني ) وهو الأصح عند صاحب الشامل وشيخه أبي إسحاق ، وبه قال الشيخ أبي الطيب على ما حكاه صاحب المجرد ، وقال : إن أبو حامد قاله في الصرف نصا أنه يجوز ، وصححه أيضا الشافعي . لأنه دفعها قضاء عما عليه وذلك تصرف كما إذا اشترى بها النصف الآخر من الدينار . ابن أبي عصرون
( فرع ) كلام رضي الله عنه صريح في أنه لا فرق في جواز ذلك بين أن يكون بعادة أو بغير عادة . وقد حكى الشافعي الرافعي أن بالمنع أفتى الأستاذ أبو إسحاق والشيخ إذا صار ذلك عادة ، فيبطل العقدان جميعا ، يعني لا لأجل سد الذرائع ، بل لأجل أن العادة تصير كالمشروطة . أبو محمد
قال ابن أبي الدم في شرح الوسيط : ومسألة العينة قد عم العرف بها بالزيادة في النقود ، ولنا وجه فنقول : في مذهبنا ، فإذا تقدمت فيفسد العقد بها ، فيتأكد هذا الوجه مع ضعفه بعموم العرف . إن ما يتقدم العقد بها من العادة التي لو امتزجت بالعقد لأفسدته
فأما ما قاله الأستاذ والشيخ فإنه مخالف صريح كلام أبو محمد ، فإنه قال : وعادة وغير عادة سواء . وأما ما قاله الشافعي ابن أبي الدم : إن قصره على ما إذا فرض شرط متقدم ، فقياس ذلك الوجه الذي ذكره أن يأتي فيه وقد اعترف بضعفه ( وأما ) اعتبار العادة والعرف فكلام ، يأباه . الشافعي
( فرع ) فإن بطل بلا خلاف ، وليس محل الكلام وإنما محل الكلام فيما إذا لم يكن مشروطا في العقد ، وذلك من الواضحات ، وممن صرح به فرض الشرط مقارنا للعقد أبو بكر المرعشي في ترتيب الأقسام .
( فرع ) عرفت أن في المسألة خلافا في الجواز فيما إذا كان ثم - عادة ، فإن لم يكن ثم عادة فلا خلاف أعلمه في المذهب في الجواز في المسألتين ; مسألة العينة ، ومسألة شراء ما باع بأقل مما باع ، وفي كلام الأصحاب إطلاق العينة عليهم وجميع ما وقفت عليه من كتب المذهب جازمة بجواز ذلك . وقال ابن الرفعة : إنه قد ينازع في ذلك قول بعض الأصحاب إن الشخص إذا باع في مرض موته شقصا من دار بدون ثمن مثله - ولوارثه فيه شفعة - أن الوارث لا يأخذ بالشفعة سدا لذريعة التبرع عليه ، وكذا قول الأصحاب بأن الولي إذا باع على اليتيم شقصا له شفعة لا يأخذه بالشفعة وقال هنا : إنه ذكر في كتاب إحياء الموات من كلام في منع الماء ليمنع به الكلأ ما يقتضي إثبات قولين له في سد الذرائع قال : وذلك إثبات قولين في المبيع فيما نحن فيه كما صار إليه الخصم . الشافعي
[ ص: 148 ] قلت ) والذي أحال عليه من كلام قوله في باب إحياء الموات من الأم بعد أن ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم " { الشافعي } " . من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته
قال : وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين ( أحدهما ) أن من كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل ، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى ، قال الشافعي رضي الله عنه : فإذا كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع في الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم ، لأنه في معنى تلف ما لا غنى به لذوي الأرواح من الآدميين وغيرهم ، فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ والمعنى الأول أشبه والله أعلم . هذا كلام الشافعي رحمه الله بلفظه ، وقد تأملته فلم أجد فيه متعلقا قويا لإثبات قول سد الذرائع ، بل لأن الذريعة تعطى حكم الشيء المتوصل بها إليه ، وذلك إذا كانت مستلزمة له كمنع الماء ، فإنه مستلزم لمنع الكلأ ومنع الكلأ حرام ووسيلة الحرام حرام . الشافعي
قال ابن أبي الدم في شرح الوسيط : ومسألة العينة قد عم العرف بها بالزيادة في النقود ، ولنا وجه فنقول : في مذهبنا ، فإذا تقدمت فيفسد العقد بها ، فيتأكد هذا الوجه مع ضعفه بعموم العرف . إن ما يتقدم العقد بها من العادة التي لو امتزجت بالعقد لأفسدته
فأما ما قاله الأستاذ والشيخ فإنه مخالف صريح كلام أبو محمد ، فإنه قال : وعادة وغير عادة سواء . وأما ما قاله الشافعي ابن أبي الدم : إن قصره على ما إذا فرض شرط متقدم ، فقياس ذلك الوجه الذي ذكره أن يأتي فيه وقد اعترف بضعفه ( وأما ) اعتبار العادة والعرف فكلام ، يأباه . الشافعي
( فرع ) فإن بطل بلا خلاف ، وليس محل الكلام وإنما محل الكلام فيما إذا لم يكن مشروطا في العقد ، وذلك من الواضحات ، وممن صرح به فرض الشرط مقارنا للعقد أبو بكر المرعشي في ترتيب الأقسام .
( فرع ) عرفت أن في المسألة خلافا في الجواز فيما إذا كان ثم - عادة ، فإن لم يكن ثم عادة فلا خلاف أعلمه في المذهب في الجواز في المسألتين ; مسألة العينة ، ومسألة شراء ما باع بأقل مما باع ، وفي كلام الأصحاب إطلاق العينة عليهم وجميع ما وقفت عليه من كتب المذهب جازمة بجواز ذلك . وقال ابن الرفعة : إنه قد ينازع في ذلك قول بعض الأصحاب إن الشخص إذا باع في مرض موته شقصا من دار بدون ثمن مثله - ولوارثه فيه شفعة - أن الوارث لا يأخذ بالشفعة سدا لذريعة التبرع عليه ، وكذا قول الأصحاب بأن الولي إذا باع على اليتيم شقصا له شفعة لا يأخذه بالشفعة وقال هنا : إنه ذكر في كتاب إحياء الموات من كلام في منع الماء ليمنع به الكلأ ما يقتضي إثبات قولين له في سد الذرائع قال : وذلك إثبات قولين في المبيع فيما نحن فيه كما صار إليه الخصم . الشافعي
[ ص: 148 ] قلت ) والذي أحال عليه من كلام قوله في باب إحياء الموات من الأم بعد أن ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم " { الشافعي } " . من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته
قال : وفي منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين ( أحدهما ) أن من كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل ، وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى ، قال الشافعي رضي الله عنه : فإذا كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع في الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم ، لأنه في معنى تلف ما لا غنى به لذوي الأرواح من الآدميين وغيرهم ، فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ والمعنى الأول أشبه والله أعلم . هذا كلام الشافعي رحمه الله بلفظه ، وقد تأملته فلم أجد فيه متعلقا قويا لإثبات قول سد الذرائع ، بل لأن الذريعة تعطى حكم الشيء المتوصل بها إليه ، وذلك إذا كانت مستلزمة له كمنع الماء ، فإنه مستلزم لمنع الكلأ ومنع الكلأ حرام ووسيلة الحرام حرام . الشافعي
، فهذا القسم وهو ما كان من الوسائل مستلزما لا نزاع فيه ، والعقد الأول ليس مستلزما للعقد الثاني ، لأنه قد لا يسمح له المشتري بالبيع أو ببذلهما ، أو يمنع مانع آخر ، فكل عقد منفصل عن الآخر لا تلازم بينهما فسد الذرائع الذي هو محل الخلاف بيننا وبين المالكية أمر زائد على مطلق الذرائع وليس في لفظ والذريعة هي الوسيلة تعرض لهما ، والذرائع التي تضمنها كلام لفظه لا نزاع في اعتبارها . قال الشافعي أبو العباس القرافي المالكي : ( وأما الذرائع فقد أجمعت الأمة على أنها ثلاثة أقسام ( أحدها ) معتبر إجماعا كحفر الآبار في طريق المسلمين وإلقاء السم في أطعمتهم وسب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الله تعالى حسدا ( وثانيها ) ملغى إجماعا كزراعة العنب فإنه لا يمنع خشية الخمر ، والشركة في سلم الأذرة خشية الربا ، وثالثها مختلف فيه كبيوع الآجال ، اعتبرنا نحن الذريعة فيها وخالفنا غيرنا فحاصل القصة أنا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا ) انتهى كلامه .
[ ص: 149 ] فالذرائع هي الوسائل وهي مضطربة اضطرابا شديدا قد تكون واجبة ، وقد تكون حراما ، وقد تكون مكروهة ومندوبة ومباحة ، وتختلف أيضا مع مقاصدها ، بحسب قوة المصالح والمفاسد وضعفها ، وانغمار الوسيلة فيها وظهورها فلا يمكن دعوى كلية باعتبارها ولا بإلغائها ، ومن تتبع فروعها الفقهية ظهر له هذا ، ويكفي الإجماع على المراتب الثلاثة المذكورة في كلام القرافي ، فإنه يدل على أن الذريعة من حيث هي غير كافية في الاعتبار ، إذ لو كانت كذلك لاعتبرت مطلقا ولأبلغناه كذلك ، بل لا بد معها من فضل خاص يقتضي اعتبارها وإلغاءها ، فلا دليل في كلام على إثبات قول له في مسألة العينة وبيوع الآجال . الشافعي
[ ص: 149 ] فالذرائع هي الوسائل وهي مضطربة اضطرابا شديدا قد تكون واجبة ، وقد تكون حراما ، وقد تكون مكروهة ومندوبة ومباحة ، وتختلف أيضا مع مقاصدها ، بحسب قوة المصالح والمفاسد وضعفها ، وانغمار الوسيلة فيها وظهورها فلا يمكن دعوى كلية باعتبارها ولا بإلغائها ، ومن تتبع فروعها الفقهية ظهر له هذا ، ويكفي الإجماع على المراتب الثلاثة المذكورة في كلام القرافي ، فإنه يدل على أن الذريعة من حيث هي غير كافية في الاعتبار ، إذ لو كانت كذلك لاعتبرت مطلقا ولأبلغناه كذلك ، بل لا بد معها من فضل خاص يقتضي اعتبارها وإلغاءها ، فلا دليل في كلام على إثبات قول له في مسألة العينة وبيوع الآجال . الشافعي
( وأما ) المسألتان اللتان تمسك بهما من قول بعض الأصحاب ، فأما مسألة الولي إذا ، وكون بعض الأصحاب قال بأنه لا يأخذه بالشفعة فقول بعض الأصحاب هذا هو الأصح في المذهب على ما قاله باع على اليتيم شقصا له فيه شفعة الرافعي في كتاب الشفعة ، ولكن لا متعلق له في ذلك ، لأن العلة في ذلك أنه لو تمكن من ذلك لم يؤمن أن يترك النظر والاستقصاء للصبي ، وتسامح في البيع ليأخذ بالثمن البخس ، فالتهمة المانعة كما أنه ليس له أن يبيع من نفسه ، وليس ذلك من سد الذرائع في شيء ، وهذا لو كان الولي أبا أو جدا جاز لهما الأخذ لوفور الشفقة
( وأما ) مسألة ، فالخلاف فيها على خمسة أوجه ( أصحها ) أنه يأخذ ( وقيل ) يصح البيع ولا يأخذه الوارث بالشفعة لما ذكر وهو الأصح عند المريض إذا باع في مرض موته شقصا بدون ثمن المثل ابن الصباغ ( وقيل ) لا يصح البيع أصلا ، وهذا الوجه والأول من جملة أربعة أوجه منقولة عن ابن سريج وظاهر هذين الوجهين الآخرين أنه يلزم مجيء مثله في مسألتنا هذه ، فقياس قول ابن الصباغ أنه لا يصح البيع الأول ولا الثاني ، وقياس الوجه الآخر ألا يصح العقد الثاني . والحق أن كلا من الوجهين لا يلزم في مسألتنا هذه لأمرين ( أحدهما ) بالفرق بين المسألتين فإن الشفيع مسلط على الأخذ من المشتري قهرا ، ومحاباة المريض للمشتري تبرع ، فهو بالمحاباة في هذه الصورة أوجد تبرعا يقدر الوارث على الاستبدال بأخذه بدون رضا المشتري فأشبه التبرع الحاصل [ ص: 150 ] من المريض للوارث فإن أخذ الوارث قهرا من المشتري مثل قبوله من المريض بخلاف مسألتنا هذه فإن البائع لا يستقل بالعقد الثاني ، بل يفتقر إلى إيجاب وقبول ، وقد لا يوافقه المشتري عليه .
( والأمر الثاني ) أن التخريج في المذهب إنما يكون من أقوال الإمام ، أما الوجوه المنقولة عن بعض الأصحاب فإنما يلزم قائلها إذا لم يظهر فرق وقد ظهر الفرق ، والله أعلم .
( فرع ) أكثر أصحابنا أطلقوا الجواز في ذلك ولم يبينوا هل المراد الجواز مع الكراهة أو بدونها ، وقد صرحالروياني في البحر في الانتصار وابن أبي عصرون والنووي في الروضة بالكراهة في ذلك ، ونقله عن ابن عبد البر وقال الشافعي النووي : إن دلائل الكراهة أكثر من أن تحصى واستدل له بأن كل ما يجوز التصريح بشرطه في العقد يكره قصده ، وقال ابن عصرون ابن داود شارح مختصر : إنه إن اتخذ ذلك عادة كره فأفهم أنه لا يكره إذا لم يكن عادة ( والصواب ) ما تقدم ، وأنه متى كان مقصودا كره ، سواء اعتاده أو لم يعتده ، نعم إن جرى ذلك بغير قصد للمكروه ولا عادة ، كقصة عامل المزني خيبر ، فينبغي الجزم بعدم الكراهة ( والحاصل ) أنها مراتب : ( الأولى ) أن يجري ذلك بقصد المكروه من أهل التهمة ، فهو حرام عند المالكية ، جائز عندنا مع الكراهة .
( الثانية ) أن يجري من غير قصد للمكروه ، ولا يكون الشخص ممن يتطرق إليه التهمة كقصة عامل خيبر ، فالذي ينبغي الجزم به عدم الكراهة ، فإنه لغرض صحيح وهو التخلص من الربا أو أنه وقع اتفاقا ، فالظاهر من كلام المالكية أنه حرام اعتبارا بالصورة الظاهرة ومظنة التهمة . وفي كلام بعضهم ما يقتضي جوازه كما سنحكيه عنه إن شاء الله تعالى .
( المرتبة الثالثة ) أن يجري بقصد المكروه من غير أهل التهمة فيكره عندنا ومقتضى مذهب وإناطتهم ذلك بالمظنة أن يجوزوه ( واعلم ) أن مسألة بيوع الآجال تصنيف لكني أذكر نبذة يسيرة جدا . مالك
[ ص: 151 ] فرع ) في نبذة يسيرة من كلام المالكية . قال ابن رشد في البيان والتحصيل : وهذه مسألة تنتهي في التفريع إلى أربع وخمسين مسألة ثمان عشرة مسألة في الشراء بالنقد ، وثمان عشرة مسألة في الشراء إلى أجل مقاصة ، وثمان عشرة مسألة في الشراء إلى أبعد من الأجل ، وذلك أنه قد يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قبل أن يغيب عنه بمثل الثمن وبأقل منه وبأكثر نقدا ، وقد يشتريه منه وزيادة عليه بمثل الثمن أيضا وبأقل منه وبأكثر نقدا ، فهذه تسع مسائل إذا لم يغب المبتاع عن الطعام ، وتسع أخر : إذا غاب عليه ثمان عشرة مسألة في الشراء بالنقد ومثلها في الشراء إذا غاب إلى أجل مقاصة ومثلها أيضا في الشراء إلى أبعد من الأجل ، فمنها خمس عشرة مسألة لا تجوز ، وهي أن يشتري منه بأقل من الثمن نقدا الطعام الذي باع منه بعينه قبل أن يغيب عليه ، أو بعضه أو كله وزيادة عليه أو أن يشتري منه بأقل من الثمن أيضا مثل الطعام الذي باع منه بعد أن غاب عليه أو أقل منه نقدا أو مقاصة ، وأن يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه وزيادة عليه بمثل الثمن أو أكثر منه نقدا أو مقاصة وبالله التوفيق .
وقال أبو إسحاق التونسي المالكي في تعليقه في باب ما يكره من العينة وبيوع الآجال في كتاب ابن الموان من قول وأصحابه : إنما تكره العينة في البيع إلى أجل وأما بيع النقود فلا إلا من عرف بالعينة المكروهة . مالك
وإذا كانت البيعة الأولى إلى أجل والثانية نقدا أو إلى أجل اتهم فيها كل أحد وإذا كانت الأولى نقدا فلا يتهم في الثانية إلا العينة خاصة ( قال ) : وإذا كان أحدهما من أهل العينة فالحمل على أنهما جميعا من أهلها . ووقع أصبغ إذا كانت الأولى ، نقدا والثانية إلى أجل أنهما يتهمان فيهما ، كما يتهمان إذا كانت الأولى إلى أجل ، وخالفه لابن وهب ابن القاسم . وأشهب
قال أعني التونسي ومما يكره من البياعات من أهل العينة ، مثل أن يبيع رجل منه سلعة بعشرة نقدا ثم يشتريها منه البائع بخمسة عشر نقدا أو إلى أجل فيتهم المشتري أو يكون دفع عشرة انتفع بها البائع ورد عوضها خمسة عشر وكانت سلعته لغوا لرجوعها إليه ، ومثل أن يبيع منه سلعة بعشرة نقدا أو بعشرة إلى أجل فلا يجوز في أهل العينة لأنهما يحملان على أنه إنما باع منه السلعة ما بعد [ ص: 152 ] العشرة التي يأخذها البائع نقدا ، فكأنه قال : اذهب فبع منها بعشرة تدفعها إلي والباقي بعته منك بعشرة إلى أجل ، وهو مجهول . ومثله من أهل العينة إذا كان إنما يشتري ليبيع لا ليأكل ، مثل أن يبيع منه سلعة بعشرة إلى أجل فيذهب فيقول : بعتها بثمانية فحط عني من الربح قدر الدينارين ، فلا يجوز أيضا هذا من أهل العينة الذين يبيعون ، وكأنه إنما عقد معه على أنه ما صح لك فيها ربحت عليك فيه الدرهم درهما أو نصفا ، فصار أصل المبيع الأول لا يعلم ما ثمنه إلا بعد بيعه . وهذا لمن يشتري ليبيع ، ويجوز هذا لمن أراد أن يأكل أو ينتفع ، وإن كان من أهل العينة . ومن ذلك أن يقول له : اشتر لي سلعة كذا وكذا وأربحك فيها كذا إلى أجل كذا ، فهو مكروه ، وأكثر المالكية من هذه المسائل وأخواتها جدا .
( والأمر الثاني ) أن التخريج في المذهب إنما يكون من أقوال الإمام ، أما الوجوه المنقولة عن بعض الأصحاب فإنما يلزم قائلها إذا لم يظهر فرق وقد ظهر الفرق ، والله أعلم .
( فرع ) أكثر أصحابنا أطلقوا الجواز في ذلك ولم يبينوا هل المراد الجواز مع الكراهة أو بدونها ، وقد صرحالروياني في البحر في الانتصار وابن أبي عصرون والنووي في الروضة بالكراهة في ذلك ، ونقله عن ابن عبد البر وقال الشافعي النووي : إن دلائل الكراهة أكثر من أن تحصى واستدل له بأن كل ما يجوز التصريح بشرطه في العقد يكره قصده ، وقال ابن عصرون ابن داود شارح مختصر : إنه إن اتخذ ذلك عادة كره فأفهم أنه لا يكره إذا لم يكن عادة ( والصواب ) ما تقدم ، وأنه متى كان مقصودا كره ، سواء اعتاده أو لم يعتده ، نعم إن جرى ذلك بغير قصد للمكروه ولا عادة ، كقصة عامل المزني خيبر ، فينبغي الجزم بعدم الكراهة ( والحاصل ) أنها مراتب : ( الأولى ) أن يجري ذلك بقصد المكروه من أهل التهمة ، فهو حرام عند المالكية ، جائز عندنا مع الكراهة .
( الثانية ) أن يجري من غير قصد للمكروه ، ولا يكون الشخص ممن يتطرق إليه التهمة كقصة عامل خيبر ، فالذي ينبغي الجزم به عدم الكراهة ، فإنه لغرض صحيح وهو التخلص من الربا أو أنه وقع اتفاقا ، فالظاهر من كلام المالكية أنه حرام اعتبارا بالصورة الظاهرة ومظنة التهمة . وفي كلام بعضهم ما يقتضي جوازه كما سنحكيه عنه إن شاء الله تعالى .
( المرتبة الثالثة ) أن يجري بقصد المكروه من غير أهل التهمة فيكره عندنا ومقتضى مذهب وإناطتهم ذلك بالمظنة أن يجوزوه ( واعلم ) أن مسألة بيوع الآجال تصنيف لكني أذكر نبذة يسيرة جدا . مالك
[ ص: 151 ] فرع ) في نبذة يسيرة من كلام المالكية . قال ابن رشد في البيان والتحصيل : وهذه مسألة تنتهي في التفريع إلى أربع وخمسين مسألة ثمان عشرة مسألة في الشراء بالنقد ، وثمان عشرة مسألة في الشراء إلى أجل مقاصة ، وثمان عشرة مسألة في الشراء إلى أبعد من الأجل ، وذلك أنه قد يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه قبل أن يغيب عنه بمثل الثمن وبأقل منه وبأكثر نقدا ، وقد يشتريه منه وزيادة عليه بمثل الثمن أيضا وبأقل منه وبأكثر نقدا ، فهذه تسع مسائل إذا لم يغب المبتاع عن الطعام ، وتسع أخر : إذا غاب عليه ثمان عشرة مسألة في الشراء بالنقد ومثلها في الشراء إذا غاب إلى أجل مقاصة ومثلها أيضا في الشراء إلى أبعد من الأجل ، فمنها خمس عشرة مسألة لا تجوز ، وهي أن يشتري منه بأقل من الثمن نقدا الطعام الذي باع منه بعينه قبل أن يغيب عليه ، أو بعضه أو كله وزيادة عليه أو أن يشتري منه بأقل من الثمن أيضا مثل الطعام الذي باع منه بعد أن غاب عليه أو أقل منه نقدا أو مقاصة ، وأن يشتري منه الطعام بعينه الذي باع منه وزيادة عليه بمثل الثمن أو أكثر منه نقدا أو مقاصة وبالله التوفيق .
وقال أبو إسحاق التونسي المالكي في تعليقه في باب ما يكره من العينة وبيوع الآجال في كتاب ابن الموان من قول وأصحابه : إنما تكره العينة في البيع إلى أجل وأما بيع النقود فلا إلا من عرف بالعينة المكروهة . مالك
وإذا كانت البيعة الأولى إلى أجل والثانية نقدا أو إلى أجل اتهم فيها كل أحد وإذا كانت الأولى نقدا فلا يتهم في الثانية إلا العينة خاصة ( قال ) : وإذا كان أحدهما من أهل العينة فالحمل على أنهما جميعا من أهلها . ووقع أصبغ إذا كانت الأولى ، نقدا والثانية إلى أجل أنهما يتهمان فيهما ، كما يتهمان إذا كانت الأولى إلى أجل ، وخالفه لابن وهب ابن القاسم . وأشهب
قال أعني التونسي ومما يكره من البياعات من أهل العينة ، مثل أن يبيع رجل منه سلعة بعشرة نقدا ثم يشتريها منه البائع بخمسة عشر نقدا أو إلى أجل فيتهم المشتري أو يكون دفع عشرة انتفع بها البائع ورد عوضها خمسة عشر وكانت سلعته لغوا لرجوعها إليه ، ومثل أن يبيع منه سلعة بعشرة نقدا أو بعشرة إلى أجل فلا يجوز في أهل العينة لأنهما يحملان على أنه إنما باع منه السلعة ما بعد [ ص: 152 ] العشرة التي يأخذها البائع نقدا ، فكأنه قال : اذهب فبع منها بعشرة تدفعها إلي والباقي بعته منك بعشرة إلى أجل ، وهو مجهول . ومثله من أهل العينة إذا كان إنما يشتري ليبيع لا ليأكل ، مثل أن يبيع منه سلعة بعشرة إلى أجل فيذهب فيقول : بعتها بثمانية فحط عني من الربح قدر الدينارين ، فلا يجوز أيضا هذا من أهل العينة الذين يبيعون ، وكأنه إنما عقد معه على أنه ما صح لك فيها ربحت عليك فيه الدرهم درهما أو نصفا ، فصار أصل المبيع الأول لا يعلم ما ثمنه إلا بعد بيعه . وهذا لمن يشتري ليبيع ، ويجوز هذا لمن أراد أن يأكل أو ينتفع ، وإن كان من أهل العينة . ومن ذلك أن يقول له : اشتر لي سلعة كذا وكذا وأربحك فيها كذا إلى أجل كذا ، فهو مكروه ، وأكثر المالكية من هذه المسائل وأخواتها جدا .
( فرع ) ، بطل في غير المقبوض ، وفي المقبوض طريقان ، كما لو تلف أحد العبدين قبل القبض ، وقال اشترى عشرة دنانير بمائة درهم وتقابضا البعض وافترقا الروياني : إنه لا يجيء لأنه لم يجمع بين حلال وحرام ولا الثمن مجهولا . قال : وقال ابن القاص : في نظره من السلم قولان ، بناء على القولين في تفريق الصفقة وهذا اختيار ، ولا يرتضيه المحصلون من أصحابه ، ولا يقتضيه مذهبه ومسألة العبدين لا يبطل في الباقي قولا واحدا . ومن أصحابنا من قال : خرج القفال فيه قولا : أنه إذا مات أحدهما يبطل العقد . وهذا غلط على أبو إسحاق ، لأنه قال في الشرح بخلافه . ولعله محكي عن غيره ، وليس بشيء ، وقد تقدم عن أبي إسحاق النووي ذكر هذه المسألة وجعلها كمسألة العبدين . وكلام الروياني الذي حكيته يوافقه ، لكن كلام في الصرف يقتضي الفساد ، فيمكن أن يكون ذلك على أحد القولين ، ويمكن أن يقال بالفساد هنا احتياطا للربا . ولا يخرج على مسألة العبدين ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . الشافعي
[ ص: 153 ] فرع ) لو ؟ قال وكل في الصرف وعقد الوكيل هل للموكل أن يقبض ويكتفي بقبضه عن قبض الوكيل الجرجاني في التحرير في كتاب الوكالة : ويتعلق بالوكيل ما يتم به العقد من الإيجاب والقبول والرؤية ، وقبض رأس [ مال ] السلم ، والتقابض في الصرف ، وتتعلق حقوقه بالموكل وينتقل الملك إليه . وهذا أنه لا يكتفي بقبض الموكل . وكذلك حكي عن أنه قال في كتاب الوكالة : إن حقوق العقد تتعلق بالوكيل في مجلس العقد وبطلان العقد بمفارقة المجلس قبل أخذ بدل الصرف . القاضي حسين
وقال في آخر الكتاب : ولا خلاف في أن القبض في الصرف والسلم وتقرير الملك يتعلق بالوكيل دون الموكل ، وإن كان حاضرا في ذلك المجلس . وقد تقدم في هذا المجموع من كلام النووي - رحمه الله - والأصحاب أن قبض الوكيل قائم مقام قبض الموكل . قال ابن الرفعة : إن كلام القاضي حسين والجرجاني المذكور قد ينازع بإطلاقه في هذا وقد يسلم . ويقال إن الوكيل ينوب عن الموكل ، فإذا قبض فيده كيده ، والموكل لا ينوب عن الوكيل فيما يتصرف فيه لنفسه ، فلم يقم قبض الموكل مقام قبض الوكيل ، وإن وقع في المجلس .
( قلت ) وهذا هو الحق ولا تناقض بين كلام القاضي حسين والجرجاني وسائر الأصحاب . والله أعلم . فائدة في تسمية الصرف قال في المحكم : الصرف فضل الدرهم على الدرهم والدينار على الدينار ، والصرف بيع الذهب بالفضة ، والصراف والصيرف والصيرفي النقاد ، والجمع صيارف وصيارفة ، دخلت فيه الهاء لدخولها في الملائكة والقشاعمة لا للنسب ، وقال الأصحاب : الصرف بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب والذهب بالذهب ورأيت في مختصر ابن سيده ما يقتضي أن الصرف اسم لبيع أحد النقدين بالآخر والمصارفة اسم لبيع النقد بجنسه ، فإنه قال : لا يجوز أن يصارف ذهبا بذهب ، ويشترط عند المصارفة أن يبيعه أو يشتري منه كل دينار زاد بدراهم ، لأن الصيغة جمعت الصرف والمصارفة ، وذلك مجهول حصة المصارفة من حصة الصرف ، وقال البويطي الماوردي : سمي [ ص: 154 ] الصرف صرفا لصرف حكمه عن أكثر أحكام البيع . وقيل لصرف المسامحة عنه في زيادة أو تأخير ، وقيل : لأن الشرع أوجب على كل منهما مصارفة صاحبه ( أي مضايقته )
وقال في آخر الكتاب : ولا خلاف في أن القبض في الصرف والسلم وتقرير الملك يتعلق بالوكيل دون الموكل ، وإن كان حاضرا في ذلك المجلس . وقد تقدم في هذا المجموع من كلام النووي - رحمه الله - والأصحاب أن قبض الوكيل قائم مقام قبض الموكل . قال ابن الرفعة : إن كلام القاضي حسين والجرجاني المذكور قد ينازع بإطلاقه في هذا وقد يسلم . ويقال إن الوكيل ينوب عن الموكل ، فإذا قبض فيده كيده ، والموكل لا ينوب عن الوكيل فيما يتصرف فيه لنفسه ، فلم يقم قبض الموكل مقام قبض الوكيل ، وإن وقع في المجلس .
( قلت ) وهذا هو الحق ولا تناقض بين كلام القاضي حسين والجرجاني وسائر الأصحاب . والله أعلم . فائدة في تسمية الصرف قال في المحكم : الصرف فضل الدرهم على الدرهم والدينار على الدينار ، والصرف بيع الذهب بالفضة ، والصراف والصيرف والصيرفي النقاد ، والجمع صيارف وصيارفة ، دخلت فيه الهاء لدخولها في الملائكة والقشاعمة لا للنسب ، وقال الأصحاب : الصرف بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب والذهب بالذهب ورأيت في مختصر ابن سيده ما يقتضي أن الصرف اسم لبيع أحد النقدين بالآخر والمصارفة اسم لبيع النقد بجنسه ، فإنه قال : لا يجوز أن يصارف ذهبا بذهب ، ويشترط عند المصارفة أن يبيعه أو يشتري منه كل دينار زاد بدراهم ، لأن الصيغة جمعت الصرف والمصارفة ، وذلك مجهول حصة المصارفة من حصة الصرف ، وقال البويطي الماوردي : سمي [ ص: 154 ] الصرف صرفا لصرف حكمه عن أكثر أحكام البيع . وقيل لصرف المسامحة عنه في زيادة أو تأخير ، وقيل : لأن الشرع أوجب على كل منهما مصارفة صاحبه ( أي مضايقته )
( فرع ) . كان له على رجل عشرة دنانير ، فأعطاه عشرة عددا قضاء لما عليه فوزنها القابض فوجدها أحد عشر دينارا
قال الأصحاب والقاضي وأبو الطيب والرافعي : كان الدينار الزائد للقاضي مشاعا فيها ، ويكون مضمونا على القابض لأنه أخذه عوضا ولم يأخذه أمانة ، وليس كما إذا سلم دينارا نصفه شائعا حيث يكون النصف الآخر أمانة ، لأنه لم يقبض النصف الزائد بدلا عما عليه ، وهنا قبضه بدلا عما في ذمته . وفي الصورتين قال : إن شاء القاضي استرجع منه دينارا وإن شاء وهبه له أو اشترى به منه عرضا ، أو أخذ به دراهم يشترط قبض الدراهم في المجلس وإن شاء جعله ثمنا لموصوف في ذمته سلما . هكذا أطلقوه . وفي الصورة الأخيرة يجب حمله على ما إذا كان الدينار باقيا ، فلو تلف صار دينا لم يجز جعله رأس مال في السلم لأنه بيع دين بدين ، ثم ما ذكروه كله يدل على صحة القبض في مقدار العين ، وذلك مخالف للقاعدة المقررة ( أن قبض الموزون أو المكيل جزافا فاسد ) حتى لو قال له الدافع : إنني وزنتها وإنها كذا فقبضها على ذلك . قال القاضي أبو الطيب الرافعي يكون فاسدا ، ومقتضى ذلك أنه لا يدخل في ملكه فيجب تجديد القبض ، ومحل تحرير ذلك في كلام المصنف في آخر باب السلم إن شاء الله تعالى .
قال الأصحاب والقاضي وأبو الطيب والرافعي : كان الدينار الزائد للقاضي مشاعا فيها ، ويكون مضمونا على القابض لأنه أخذه عوضا ولم يأخذه أمانة ، وليس كما إذا سلم دينارا نصفه شائعا حيث يكون النصف الآخر أمانة ، لأنه لم يقبض النصف الزائد بدلا عما عليه ، وهنا قبضه بدلا عما في ذمته . وفي الصورتين قال : إن شاء القاضي استرجع منه دينارا وإن شاء وهبه له أو اشترى به منه عرضا ، أو أخذ به دراهم يشترط قبض الدراهم في المجلس وإن شاء جعله ثمنا لموصوف في ذمته سلما . هكذا أطلقوه . وفي الصورة الأخيرة يجب حمله على ما إذا كان الدينار باقيا ، فلو تلف صار دينا لم يجز جعله رأس مال في السلم لأنه بيع دين بدين ، ثم ما ذكروه كله يدل على صحة القبض في مقدار العين ، وذلك مخالف للقاعدة المقررة ( أن قبض الموزون أو المكيل جزافا فاسد ) حتى لو قال له الدافع : إنني وزنتها وإنها كذا فقبضها على ذلك . قال القاضي أبو الطيب الرافعي يكون فاسدا ، ومقتضى ذلك أنه لا يدخل في ملكه فيجب تجديد القبض ، ومحل تحرير ذلك في كلام المصنف في آخر باب السلم إن شاء الله تعالى .
( فرع ) لو لم يلزمه ، فلو باعه عبدا بمائة دينار أهوازية فجاءه بثلاثة وتسعين دينارا وزنه مائة ، لزمه أن يقبض إلا أن يكون شرط عليه مائة وزنها وعددها سواء فلا يلزمه أخذ ذلك ، قالهما كان له عنده عشرة دنانير موصوفة فأعطاه دينارا واحدا وزنه عشرة مثاقيل في شرح الكفاية . الصيمري
Fatal error: Uncaught exception 'RedisException' with message 'Connection closed' in C:\Dropbox (iweb)\islamweb-www\ar\library\maktaba\cash_reconn.php:5 Stack trace: #0 C:\Dropbox (iweb)\islamweb-www\ar\library\maktaba\cash_reconn.php(5): session_start() #1 C:\Dropbox (iweb)\islamweb-www\ar\library\maktaba\book_detail_popup.php(10): include_once('C:\\Dropbox (iwe...') #2 {main} Next exception 'RedisException' with message 'Connection closed' in C:\Dropbox (iweb)\islamweb-www\ar\library\maktaba\cash_reconn.php:5 Stack trace: #0 C:\Dropbox (iweb)\islamweb-www\ar\library\maktaba\cash_reconn.php(0): session_start() #1 C:\Dropbox (iweb)\islamweb-www\ar\library\maktaba\book_detail_popup.php(10): include_once('C:\\Dropbox (iwe...') #2 {main} thrown in C:\Dropbox (iweb)\islamweb-www\ar\library\maktaba\cash_reconn.php on line 5
Fatal error: Uncaught exception 'RedisException' with message 'Connection closed' in [no active file]:0 Stack trace: #0 {main} thrown in [no active file] on line 0
فرع آخر قاله القاضي لو حسين لزمه بوزن قال بنصف دينار المدينة بغير البلد ، فلو قال بنصف هذا الدينار لزمه نصفه ، سواء كان وزنه دينارا أو أقل أو أكثر فلو قال بنصف دينار من هذا الدينار فإن كان وزنه أكثر أخذ منه نصف دينار ، أو إن كان وزنه نصف دينار دفع الكل إليه ، وإن كان أقل من ذلك ففي صحة العقد وجهان بناء على القولين في تغليب الإشارة أو العبارة .
( فرع ) قال رضي الله عنه في الأم : إن كان الشافعي فلا بأس . وهب منه دينارا أو أثابه الآخر دينارا أوزن أو أنقص
( فرع ) قال الأصحاب : إذا فالدينار له والدراهم عليه ، فإن بلغت فطريقهما أن يتباريا . كان له عند صيرفي دينار فأخذ منه دراهم من غير عقد
( فرع ) لم يصح ، وصار للصيرفي عليه دراهم ، ولا يخفى الحكم . له عند صيرفي دينار قبض ثمنه من غير لفظ البيع
( فرع ) لم يصح ، كما لو قال : بعتك قفيزا من طعام قيمته درهم ، وإن كان نقد البلد من صرف عشرين درهما بدينار لم يجب حمله عليه لأن السعر يختلف . باع ثوبا بمائة درهم ، صرف عشرين درهما بدينار
( فرع ) لم يصح فلو قال بمائة درهم إلا درهما صح ، هكذا أطلق الأصحاب إذا قال : بعتك بدينار إلا درهما وكان يعلم قيمة الدرهم من الدينار إما عشره أو نصف عشره صح البيع لأنه استثناء معلوم من معلوم ، وقال اشترى ثوبا بمائة درهم إلا دينارا أو مائة دينار إلا درهما الماوردي فيما تقدم :
[ ص: 156 ] فرع ) ، ولو اشترى ثوبا بنصف دينار لزمه شق دينار ، ولا يلزمه من دينار صحيح لزمه نصف دينار آخر مكسورة ولا يلزمه دينار صحيح ، فإن أعطاه صحيحا فقد أحسن ، فإن شرط في الثاني إن كان بعد لزوم العقد الأول فالثاني باطل فقط بلا خلاف ، وإن كان خيار العقد باقيا فسد الأول والثاني جميعا هكذا قال اشترى منه ثوبا آخر بنصف دينار وغيره ، وقال القاضي القاضي أبو الطيب : إن القول بفساد العقدين جميعا قول صاحب التقريب ، لأن الشرط الفاسد أو الصحيح إذا وجد في المجلس يلتحق بأصل العقد قال : وقال حسين : يصح العقدان ويجعل كما لو قال في الابتداء : بعت منك هذين الشيئين بدينار صحيح ، وفي المسألة شيء آخر ، وهو أن القفال مع ذلك أطلق في صدر المسألة أنه إذا قال : بعتك هذا بنصف دينار لا يجوز لقلة وجوده ولعزته قال : ولو قال : بعت منك هذا بنصف دينار صحيح يجوز لكثرة وجوده ثم يعطيه قطعة وزنها نصف دينار ، أو يشركه في دينار صحيح إن رضي به ، وساق بقية الكلام فأثار هذا الكلام إشكالا ، فإن النصف إما أن يحمل عند الإطلاق على نصف شائع من دينار ، أو على جزء متميز ، فإن كان الأول فوجب أن يلزمه تسليم النصف شائعا ولا يكسره ، فإنه ينتقص قيمته به ، ويكون ذلك كسر المشاع ، ولا يلزمه على هذا فساد العقد ، لأن ذلك ليس بعزيز الوجود ، وقد جزموا بأنه لا يلزمه تسليم نصف من دينار صحيح ، ولا يلزم البائع أيضا أن يأخذ مشاعا إلا برضاه كما قال القاضي القاضي . حسين
وإن حمل على جزء متميز فيتجه فساد العقد ، لأنه إما عزيز الوجود وإما أن يحصل به تنقيص عين المبيع إذا ألزمناه بقطع دينار ، وهذا إذا أطلق النصف وإن قيد فإن قال : نصفا من دينار صحيح ، اقتضى الإشاعة ، ولا يأتي ما قالوه في تسليم شق دينار ، لأنه خلاف الشرط وإن قال : نصفا صحيحا اقتضى الفساد لعزة وجوده ، كما قال القاضي ، وإن قال نصفا مكسورا من دينار اقتضى الفساد أيضا ، إذ لا يوجد على هذه الهيئة إلا عزيزا ، وإن ألزمناه مكسرا اقتضى تنقيص عين المبيع والله أعلم . حسين
[ ص: 157 ] رحمه الله لما ذكر المسألة في الأم أطلق القول بالصحة إذا باع بنصف دينار ، وكذا قال : إذا اشترط عليه عند العقد أن له عليه دينارا فإن قيده بألا يكون نصف . والشافعي
وإن حمل على جزء متميز فيتجه فساد العقد ، لأنه إما عزيز الوجود وإما أن يحصل به تنقيص عين المبيع إذا ألزمناه بقطع دينار ، وهذا إذا أطلق النصف وإن قيد فإن قال : نصفا من دينار صحيح ، اقتضى الإشاعة ، ولا يأتي ما قالوه في تسليم شق دينار ، لأنه خلاف الشرط وإن قال : نصفا صحيحا اقتضى الفساد لعزة وجوده ، كما قال القاضي ، وإن قال نصفا مكسورا من دينار اقتضى الفساد أيضا ، إذ لا يوجد على هذه الهيئة إلا عزيزا ، وإن ألزمناه مكسرا اقتضى تنقيص عين المبيع والله أعلم . حسين
[ ص: 157 ] رحمه الله لما ذكر المسألة في الأم أطلق القول بالصحة إذا باع بنصف دينار ، وكذا قال : إذا اشترط عليه عند العقد أن له عليه دينارا فإن قيده بألا يكون نصف . والشافعي
( فرع ) وهو من تتمة ما قاله القاضي أعلاه . قال حسين الروياني في البحر : لو فإن لم يقل : مدورا يصح ، ولو سلم مدورا وشقا من دينار يجوز ، وإن سلم ثقيلا وأشركه فيه يجوز ، وإن قال : مدورا وهو عام الوجود يجز ، وإن كان نادر الوجود لا يجوز ، هكذا قال قال بنصف دينار صحيح الروياني ، وهو كلام بين ، فلينزل كلام القاضي عليه . حسين
( فرع ) جاز ، وإن كان ذلك شرطا في أصل بيع الثوب لم يصح . لأنه بيعتان في بيعة . اشترى ثوبا بعشرين درهما وجاء بعشرين صحاحا وزنها عشرون ونصف وقبض بنصف درهم فضة
( فرع ) لو ، ولا يجب على البائع أن يأخذ دينارا بنصفين ، قاله ابتاع ثوبا بدينار يلزم المشتري دينار صحيح الماوردي . ولو باع الثوب الأول بنصف دينار والثاني بنصف دينار على أن له عليه دينارا كان البيع الأول والثاني جائزين هكذا قال الماوردي ، لأن الشرط المقترن بالثاني لا ينافيه مع موافقته على ما تقدم عن ، ولعل مأخذه أن الدينار المشروط عليه لم يصفه بالصحة ، فلا ينافي نصفي دينار يحمل عليه بخلاف ما إذا باع أولا بدينار مطلق فإنه يحمل على الصحيح لأجل الإطلاق ، وفيما نحن فيه قرينة تصرفه عن ذلك ، والله أعلم . ذكر هذه الفروع في هذا المكان أبي الطيب ، رحمه الله وغيره ، ورضي الله عنه القاضي أبو الطيب