الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      فصل ( ثم يغسل وجهه ) للنص ، فيأخذ الماء بيديه جميعا أو يغترف بيمينه ويضم إليها الأخرى ويغسل بهما ( ثلاثا ) لأن السنة قد استفاضت به ، خصوصا حديث عثمان المتفق عليه وحد الوجه ( من منابت شعر الرأس المعتاد غالبا ) فلا عبرة بالأقرع ، الذي ينبت شعره في بعض جبهته ، ولا بالأجلح الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه ( مع ما انحدر من اللحيين ) بفتح اللام وكسرها ( والذقن ) وهو مجمع اللحيين ، بفتح الذال والقاف ( طولا ) أي من جهة الطول ( و ) حد الوجه ( من الأذن إلى الأذن عرضا ) ; لأن ذلك تحصل به المواجهة ، والأذنان ليستا من الوجه ( فيدخل فيه ) أي الوجه ( عذار وهو الشعر النابت على العظم الناتئ ) أي المرتفع ( المسامت ) أي المحاذي ( صماخ الأذن ) بكسر الصاد ، وهو خرقها ، وكذا البياض الذي بين العذار والأذن من الوجه ونص عليه الخرقي .

                                                                                                                      لأنه يغفل الناس عنه وقال مالك ليس من الوجه ولا يجب غسله قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بقوله هذا ( وعارض هو ما تحت العذار إلى الذقن ولا يدخل ) في الوجه صدغ بضم الصاد المهملة ( وهو الشعر الذي بعد انتهاء العذار يحاذي رأس الأذن وينزل عنه قليلا ) وهو من الرأس ; لأن في حديث الربيع { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مرة واحدة } رواه أبو داود ولم ينقل أحد أنه غسل مع الوجه ( ولا ) يدخل أيضا في الوجه ( تحذيف ، وهو الشعر الخارج إلى طرفي الجبين في جانبي الوجه بين النزعة ومنتهى العذار ، ولا النزعتان وهما ما انحسر الشعر عنه من فوق الرأس ، وهما جانبا مقدمه ) قال في القاموس : الفود : معظم شعر الرأس مما يلي الأذن وناحية الرأس ( بل جميع ذلك من الرأس ، فيمسح معه ) أما الصدغ فلما تقدم .

                                                                                                                      أما التحذيف : فلأنه شعر متصل بشعر الرأس لم يخرج عن حده ، أشبه الصدغ وأما النزعتان : فلأنه لا تحصل بهما المواجهة ، ولدخولهما في حد الرأس لأنه ما ترأس وعلا وقول الشاعر :

                                                                                                                      فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا

                                                                                                                      [ ص: 96 ] فالإضافة لأدنى ملابسة ، كما في { سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره } مع أن الأذنين ليستا من الوجه ، بل مجاورتان له وكذا النزعتان ( ولا يجب ) غسل داخل عين ( بل ولا يسن غسل داخل عين لحدث ) أصغر أو أكبر قال في الشرح وغيره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أمر به ( ولو أمن الضرر ، بل يكره ) لأنه مضر .

                                                                                                                      وقد روي أن ابن عمر عمي من كثرة إدخال الماء في عينيه ( ولا يجب ) غسل داخل العين ( من ) نجاسة فيها أي في العين ، لما تقدم فيعفى عنها في الصلاة .

                                                                                                                      ( والفم والأنف من الوجه ) لدخولهما في حده ( فتجب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى ) فلا يسقط واحد منهما ، لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد } منه رواه أبو بكر في الشافي .

                                                                                                                      وعن أبي هريرة قال { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق } .

                                                                                                                      وفي حديث لقيط بن صبرة { إذا توضأت فتمضمض } رواهما أبو داود والدارقطني ولأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم يستقصي ، ذكر أنه تمضمض واستنشق ، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما ; لأن فعله يصلح أن يكون بيانا لأمر الله تعالى ، و لأن الفم والأنف في حكم الظاهر ، بدليل أن الصائم لا يفطر بوصول شيء إليهما ، ويفطر بعود القيء بعد وصوله إليهما ويجب غسلهما من النجاسة ( ويسميان ) أي المضمضة والاستنشاق ( فرضين ) لأن الفرض والواجب مترادفان على الصحيح .

                                                                                                                      وقال ابن عقيل هما واجبان لا فرضان ( ولا يسقطان سهوا ) لما تقدم ( ويجب غسل اللحية ) بكسر اللام ( وما خرج عن حد الوجه منها ) من الشعر المسترسل ( طولا وعرضا ) لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة وخرج ما نزل من الرأس عنه لعدم مشاركته الرأس في الترؤس ( ويسن تخليل الساتر للبشرة منها ) أي من اللحية ( بأخذ كف من ماء يضعه من تحتها بأصابعه مشتبكة فيها ) أي اللحية ( أو ) يضعه .

                                                                                                                      ( من جانبيها ويعركها ) لحديث { عثمان أنه توضأ وخلل لحيته حين غسل وجهه ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلت } رواه الترمذي وصححه : وحسنه البخاري ( وكذا عنفقة وشارب وحاجبان ولحية امرأة وخنثى ) إذا كان كثيفا ( ويجزئ غسل ظاهره ) كلحية الذكر ( ويسن غسل باطنه ) أي باطن ذلك الشعر غير شعر اللحية ، خروجا من خلاف من أوجبه كالشافعي .

                                                                                                                      ( و ) يسن ( أن يزيد في ماء الوجه ) لأساريره ودواخله وخوارجه وشعوره [ ص: 97 ] قاله أحمد وكره أن يأخذ الماء ثم يصبه ثم يغسل وجهه وقال هذا مسح وليس بغسل ( والخفيف ) من شعور الوجه كلها وهو الذي يصف البشرة ( يجب غسله و ) غسل ( ما تحته ) ; لأن الذي لا يستره شعره يشبه ما لا شعر عليه ويجب غسل الشعر تبعا للمحل فإن كان في شعره كثيف وخفيف فلكل حكمه ( وتخليل اللحية عند غسلها ) لحديث عثمان السابق ( وإن شاء إذا مسح رأسه نصا ) .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية