الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا أسلم عشرة دراهم في ثوبين أحدهما هروي والآخر مروي فما لم تتبين حصة كل واحد منهما من رأس المال لا يجوز العقد ) عند أبي حنيفة كما في الحنطة والشعير لأن الانقسام باعتبار القيمة وطريق معرفته الحرز فلا يتيقن بحصة كل واحد من الثوبين إلا بالقسمة وإن كانا موصوفين بصفة واحدة ففي القياس كذلك لأن الثياب [ ص: 150 ] ليست من ذوات الأمثال والانقسام على الثوبين باعتبار القيمة كما لو اشتراهما عينا .

وفي الاستحسان يجوز لأن الموصوفين بصفة واحدة لا يتفاوتان في الظاهر في المالية ما داما في الذمة والانقسام حال كونهما في الذمة فحصة كل واحد منهما نصف رأس المال بيقين فيجوز العقد من غير إعلام حصة كل واحد منهما كما لو أسلم عشرة في كرين من حنطة بخلاف ما لو اشتراهما عينا فإنهما يتفاوتان في المالية إذا كانا عينين فلهذا كان انقسام الثمن عليهما باعتبار القيمة فإن قبض الثوبين في السلم ثم أراد أن يبيع أحدهما مرابحة على خمسة دراهم فليس له ذلك عند أبي حنيفة إلا أن يبين وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لا بأس بذلك لأن حصة كل واحد منهما من رأس المال معلومة بيقين فبيعه مرابحة على ذلك كالكرين وبيانه ما ذكرنا أن الثمن بمقابلة ما تناوله العقد ولا تفاوت في ذلك ولهذا جاز العقد عند أبي حنيفة والدليل عليه أنهما لو تقايلا السلم في أحدهما يرد من رأس المال خمسة ولو وجد بأحدهما عيبا فرده يرده بخمسة فعرفنا أن حصة كل واحد منهما خمسة بيقين فكأنه سمى ذلك في العقد وأبو حنيفة يقول اشترى الثوبين بثمن واحد فلا يبيع أحدهما مرابحة كما لو اشتراهما عينا بخلاف الكرين فإن هناك لو اشتراهما عينا كان له أن يبيع أحدهما مرابحة وبيان الوصف أن رب السلم مشتر والمسلم فيه مبيع فإذا قبض المسلم فيه كان المقبوض عين ما تناوله العقد لا غيره لأنه إن جعل غيره كان استبدالا بالمسلم فيه وذلك لا يجوز فمن هذا الوجه جعل كأنه عين ما تناوله العقد فأما في الحقيقة هو غيره لأن العقد يتناول دينا في الذمة والعين غير الدين فباعتبار هذه الحقيقة لم يكن المقبوض عين ما تناوله العقد فلا بد من طريق يجعل بذلك الطريق كأنه عين المعقود عليه وذلك الطريق لن يجعل عند القبض كأنهما جددا ذلك العقد على المقبوض وهو معنى قول المتقدمين رحمهم الله للقبض في باب السلم حكم عقد جديد .

والدليل عليه ما قاله في الزيادات لو أسلم إلى رجل مائة درهم في كر حنطة ثم اشترى المسلم إليه من رب السلم كر حنطة بمائتي درهم إلى سنة وقبضه فلما حل الطعام في السلم أعطاه ذلك الكر لم يجز لأنه اشترى ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن وإنما يكون ذلك إذا جعلا عند القبض كأنهما جددا العقد عليه وإذا تقرر هذا فهو وما لو اشتراهما عينا بثمن واحد سواء وقال : في السير الكبير لو أحرز المشركون كر الرجل من المسلمين بدراهم فدخل إليهم مسلم وأسلم إليهم مائة درهم في كر حنطة فأعطوه ذلك الكر فأخرجه فلا سبيل للمالك القديم عليه لأنه أخذه عوضا عن الكر الذي له في ذمتهم فلو [ ص: 151 ] أخذه المالك القديم أخذه بمثله وذلك غير مفيد وفي السلم عند القبض يصير كالمجدد للعقد على ذلك الكر بالمائة فيأخذه المالك القديم بذلك ثم أكثر ما في الباب أن يثبت شبهة تجديد العقد بينهما وإن لم يثبت الحقيقة والشبهة في بيع المرابحة بمنزلة الحقيقة ألا ترى أنه لو اشترى شيئا بثمن مؤجل لا يبيعه مرابحة من غير بيان لشبهة الزيادة بسبب الأجل ولو أخذ عينا صلحا من دين له على إنسان لا يبيعه مرابحة على ذلك الدين لشبهة الحط بسبب الصلح والذي يوضح كلام أبي حنيفة أن الثوبين الموصوفين لا يتفاوتان في الذمة ويتفاوتان بعد التعيين ألا ترى أنه لو قبضهما وباع أحدهما من إنسان ثم استهلك ذلك الثوب على المشتري لا يجب عليه تسليم الثوب الآخر وإنما يجب قيمة المستهلك فدل أنهما لا يتماثلان عينا فجاز العقد في الابتداء في الدين وكذلك الإقالة في أحدهما وأما بيع المرابحة لا يكون إلا بعد التعيين فيعتبر التفاوت في حكم بيع المرابحة فلا يبيع أحدهما مرابحة من غير بيان ولا بأس بأن يبيعهما مرابحة على غيره لأن ثمنهما مسمى معلوم كما لو اشتراهما عينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية