الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وثوب مرضعة تجتهد )

                                                                                                                            ش : أي وعفي عما يصيب ثوب المرضعة يريد وجسدها كما صرح به في التوضيح وغيره حال كونها مجتهدة في التحفظ منه . قال في المدونة وتدرأ البول جهدها وتغسل ما أصاب ثوبها من البول جهدها . قال ابن فرحون وما رأته من ذلك فلا بد من غسله وإنما يعفى عما قد يصيبها ، ولا تعلم به ; لأن ثوب المرضع لا يخلو من إصابة بول ، أو غيره انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره ابن فرحون من أن ما رأته لا بد من غسله خلاف ما يفهم من عبارة التوضيح وابن عبد السلام وابن هارون وصاحب الجواهر وابن ناجي وغيرهم أنها إذا اجتهدت في درء البول فإنه يعفى عما يصيبها بعد ذلك ، ولو رأته وأنها إنما تؤمر بغسله إذا تفاحش وسيأتي لفظ الجواهر وابن ناجي عند قول المصنف وأثر دمل لم ينك وصرح بذلك ابن الإمام أيضا ، فقال : وأما قوله في المدونة : ولتغسل ما أصاب ثوبها منه جهدها فالظاهر أنه استحباب ; لأنها مع اجتهادها في درئه كالمستنكحة انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عطاء الله - رحمه الله تعالى - في شرح المدونة بعد قوله وتدرأ البول جهدها فتكون كالمستحاضة وأصحاب الأسلاس ، فقول ابن فرحون في [ ص: 145 ] شرحه ما رأته منه فلا بد من غسله وإنما يعفى عما قد يصيبها ولا تعلم به ; لأن ثوب المرضع لا تخلو من إصابة بول ، أو غيره - مخالف لذلك والظاهر الأول والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) قول ابن فرحون من إصابة بول ، أو غيره فظاهره أنه يعفى عما يصيبها من غائطه . وقال ابن الإمام : بذلك بعد ذكره العفو عن بوله لعسر الاحتراز منه لكثرة سيلانه وعدم انضباط أحواله ولحوق المشقة العظيمة بتكرر غسله وهذا بخلاف غائطه قال : ولم أر من تعرض له من أصحابنا انتهى . مختصرا بالمعنى .

                                                                                                                            ( قلت : ) والذي في عبارة أهل المذهب العفو عن بوله .

                                                                                                                            ( الثاني ) قول المصنف تجتهد ، ظاهر المدونة أنه على الوجوب وصرح بذلك ابن الإمام ، فقال : الظاهر أنه شرط في العفو ولم أر من تعرض له من أصحابنا ثم حمل كلام ابن الحاجب على ذلك .

                                                                                                                            ( قلت : ) وكلام أهل المذهب صريح في اشتراط ذلك نعم وقع في عبارة البرزلي أن ذلك على جهة الاستحباب . قال في أوائل مسائل الطهارة سئل أبو عمران عمن له صنعة يحتاج لوضع الزبل فيها فيضطر إلى أن يصيب ثوبه . فأجاب بأنه يتنجس الثوب بما أصابه من ذلك فيعد ثوبا للصلاة فإن لم يقدر وحضرت الصلاة فليصل به ، ولا يتركها حتى يخرج وقتها . البرزلي إن كان مضطرا للصنعة ، ولا يصلحها إلا ذلك فهو كثوب المرضع وفرس الغازي بأرض العدو ويغتفر ذلك كما في الروايات وما ورد فيها من أنها تجتهد في أن لا يصيبها ، أو يكون لها ثوب غير الذي ترضع فيه إنما هو استحباب انتهى .

                                                                                                                            والظاهر من كلام أهل المذهب الأول .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال ابن ناجي : ظاهر المدونة خصوصية الأم ، ولو كانت ظئرا مثلا ما عفي عنها وهو خلاف قول ابن الحاجب والمرأة ترضع وتجتهد والأقرب ردهما إلى وفاق فإن كانت الظئر مضطرة إلى ما تأخذه عفي عنها وإلا فلا . وقول ابن هارون لا فرق في ذلك بين الأم وغيرها يجب رده إليه . وقول شيخنا يعني البرزلي الظئر كالأم مطلقا يقيد ولذا قال بعض أصحابنا تدخل الظئر ; لأنها أم بالرضاع والعلة فيها موجودة فلا معنى للتوقف انتهى .

                                                                                                                            يعني أنه يقيد وكأنه يشير إلى المشذالي فإنه قال بعد أن نقل عن الوانوغي أن الجزار والكناف كذلك ، وانظر الظئر هل هي كالأم ، أو لا ما نصه .

                                                                                                                            ( قلت : ) إذا صح عنده إلحاق الأولين للمشقة فكذلك الأخرى ، وقد يقال لا نسلم عدم شمول اللفظ لها وذكر ما تقدم وتوقف ابن عطاء الله في الظئر أيضا وما اختاره ابن ناجي من التفصيل ظاهر وبه جزم في التوضيح ، فقال هذا ظاهر إذا كان ولدها ، أو غيره واحتاجت ، أو كان لا يقبل غيرها فأما مع عدم الحاجة فلا انتهى ، وجزم به ابن الإمام والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            وما ذكره الوانوغي من إلحاق الجزار والكناف ذكره ابن الإمام أيضا عن بعض متأخري أشياخ المغرب .

                                                                                                                            ص ( وندب لها ثوب للصلاة )

                                                                                                                            ش : لفظ الأمهات . وأما الأم فأحب إلي أن يكون لها ثوب ترضع فيه فاختصرها البراذعي وغيره على الاستحباب وعلى ذلك حملها شراحها . قال سند قال أبو إسحاق هذا استحسان وإلا فما يلزمها نزع ثوبها ، وإن قدرت على غيره ; لأنه أمر يتكرر فأشبه ما إذا كانت مستنكحة ، والذي قاله متجه سيما في حق من لا يجد ثوبين انتهى .

                                                                                                                            ونحوه لأبي الحسن وابن ناجي ويفهم منه أنه لا يلزمها غسل ما رأت بعد الاجتهاد وتبعهم على ذلك أكثر المتأخرين . ونقل ابن فرحون عن الشيخ تقي الدين أنها لا يجوز لها الصلاة في ثوبها مع القدرة على ثوب طاهر انتهى .

                                                                                                                            وهو خلاف المعروف في المذهب . قال ابن عبد السلام ولم يقولوا مثل ذلك في صاحب الدمل والجرح ; لأن سبب عذر الأول متصل به وسبب عذر هذه منفصل عنها انتهى .

                                                                                                                            وأصله لسند بأبسط من ذلك . قال في الفرق بين صاحب السلس والمستحاضة وشبههما وبين المرضع : إن الأولين لا يمكنهما الصيانة من خروج النجاسة في الصلاة [ ص: 146 ] فلا فائدة في تجديد الثوب بخلاف المرضع ، والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) عد ابن ناجي من الثمانية الأثواب التي لا يؤمر بغسلها إلا عند التفاحش ثوب المرضع فظاهره أنه يؤمر بغسله عند التفاحش .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية