الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم أخذ يتكلم على الأسباب الموجبة للغسل ولا خلاف في وجوب الغسل عند حصول سببه وإنما اختلف في حصر أسبابه : فالسبب الأول هو خروج المني بسبب لذة معتادة فقوله : بمني هو على حذف مضافين وحذف صفة الموصوف أي بسبب خروج مني كائن للذة المعتادة ، ويدل على هذه الصفة المحذوفة قوله : لا بلا لذة أو غير معتادة .

                                                                                                                            ص ( وإن بنوم )

                                                                                                                            ش : يعني أنه يجب غسل ظاهر الجسد بسبب خروج المني للذة [ ص: 306 ] المعتادة ولو كان خروجه في حالة النوم فإن حصلت اللذة في النوم وخرج المني معها فلا خلاف في وجوب الغسل ، وسواء في ذلك الرجل والمرأة وإن حصلت اللذة المعتادة في النوم ثم استيقظ ولم يجد بللا فلا غسل عليه ، وقد سئل عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا غسل عليه رواه أبو داود والترمذي وذكر الحديث في الذخيرة وذكره ابن راشد فإن خرج المني بعد ذلك ففي وجوب الغسل قولان المشهور الوجوب ، فإن وجد المني ولم يذكر أنه احتلم فنقل القرافي الإجماع على وجوب الغسل ونصه وإجماع الأمة على أن من استيقظ ووجد المني ولم ير احتلاما أن عليه الغسل ، وقد قال صاحب المنتقى : قال مجاهد : إذا لم يذكر شيئا فلا شيء عليه وفي أبي داود والترمذي { عنه عليه الصلاة والسلام أنه سئل عن الرجل يجد البلل ولم يذكر احتلاما ، قال : عليه الغسل } ، انتهى وانظر هذا الذي نقله من الإجماع مع ما مر نقله .

                                                                                                                            ابن راشد في شرح ابن الحاجب ونصه : وإن وجد الأثر ولم يذكر أنه احتلم ففي وجوب الغسل قولان ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( أو بعد ذهاب لذة بلا جماع ولم يغتسل )

                                                                                                                            ش يعني ، وكذلك يجب الغسل بسبب خروج المني إذا كان ذلك المني بسبب لذة معتادة بلا جماع ولو خرج بعد ذهابها وكان لم يغتسل لتلك اللذة ولا مفهوم لقوله : ولم يغتسل ; لما سيأتي أنه لو اغتسل لتلك اللذة ثم خرج المني بعد ذلك لم يجزه الغسل ، المفهوم هنا غير معتبر ; لأنه خرج لبيان أن الحكم في وجود اللذة مع عدم خروج المني ; لأنه لا يجب الغسل هذا أولى ما يعتذر به عن كلام المصنف وإن كان فيه بعد فغيره مما اعتذر به أشد تكلفا كما سيأتي ولو قال المصنف أو بعد ذهاب لذة بلا جماع ، ولو اغتسل لكان أحسن وأبين وما ذكره هو المشهور وقيل : لا يجب الغسل لعدم المقارنة للذة .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) مما اعتذر به أن قوله أو بعد ذهاب لذة بلا جماع شامل لصورتين : ( إحداهما ) أن لا يكون خرج مع اللذة المعتادة شيء من المني .

                                                                                                                            ( والثاني ) أن تكون خرج معها بعض مني ثم خرجت بقيته بعد ذهابها فأما إذا لم يخرج من المني شيء فلا يجب الغسل بسبب اللذة المذكورة قبل خروج المني كما سيأتي ، فلو اغتسل قبل خروجه لم يجزه وأعاده بعد خروجه وأما الصورة الثانية فيجب عليه الغسل بسبب ما خرج من المني أولا ، فإن اغتسل له ثم خرج منه بقية المني لم يجب عليه إعادة الغسل على المشهور ، فقول المصنف : " ولم يغتسل " عائد إلى الصورة الثانية ، وأما الصورة الأولى فلا يصح عوده إليها ; لأنه لا فائدة فيه بل مفهومه بالنسبة إليها غير صحيح ; لأنه يقتضي أنه لو اغتسل ثم خرج منه المني لم يغتسل وليس كذلك ; لأن غسله الأول لا فائدة فيه لعدم وجوبه ; ولذا يوجد في بعض النسخ أو به " ولم يغتسل " وهو إصلاح بتكلف وقد قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب : ولو التذ ثم خرج بعد ذهابها جملة فثالثها إن كان عن جماع وقد اغتسل فلا يعيد ما نصه يظهر أن قوله : " وقد اغتسل " لا فائدة له ، والله تعالى أعلم ; لأنه إذا لم يغتسل فلا خلاف في وجوب الغسل ، انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال الشارح في الكبير : قوله أو بعد ذهاب لذة بلا جماع يشير به إلى أن الشخص إذا التذ بغير جماع ولم ينزل ثم أنزل فإنه يجب عليه الغسل بلا خلاف قاله ابن عبد السلام واحترز بقوله ولم يغتسل مما لو اغتسل قبل أن ينزل ثم أنزل فقيل : يجب عليه الغسل مراعاة لخروج المني ، وقيل : لا يجب ; مراعاة لوجود اللذة ، انتهى ونحوه في الوسط .

                                                                                                                            قلت قوله : يجب عليه الغسل بلا خلاف ، غير ظاهر بل الخلاف في ذلك موجود وهو ما ذكره في آخر كلامه وما ذكره عن ابن عبد السلام لم أره فيه إنما قاله فيمن جامع كما تقدم في كلامه ، وقال في الصغير : يعني لو التذ بغير جماع ولم ينزل ثم بعد ذلك وقبل أن يغتسل أمنى فإنه يجب عليه الغسل ، انتهى . ولم يزد على هذا وهو كلام صحيح وكلامه في الشامل حسن نحو كلام ابن الحاجب [ ص: 307 ] المتقدم وتفريق الشارح بين أن يخرج المني قبل أن يغتسل أو بعد أن يغتسل غير ظاهر ; لأن غسله قبل خروج المني لا فائدة له .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال في العارضة : إذا انتقل المني ولم يظهر لم يوجب غسلا ، وقال أحمد بن حنبل : يوجب ; لأن الشهوة قد حصلت بانتقاله وهذا ضعيف ; لأنها وإن حصلت لم تكمل ولأنه حدث فلم تلزم الطهارة إلا بظهوره كسائر الأحداث انتهى . وقال الأبي في شرح مسلم في شرح حديث ترى المرأة في المنام : ولو اضطرب البدن لخروج المني ولم يخرج أو وصل لأصل الذكر أو وسطه فلا غسل ولو وصل مني المرأة إلى المحل الذي تغسله في الاستنجاء وهو ما يظهر عند جلوسها عند قضاء الحاجة اغتسلت والبكر لا يلزمها حتى يبرز عنها ; لأن داخل فرجها كداخل الإحليل ، انتهى . وجزم صاحب الطراز بوجوب الغسل فانظره ، وفي أجوبة ابن رشد في أوائل مسائل الطهارة جوابك في رجل احتلم وهم أن ينزل فانتبه أو نبه فلم ينزل شيئا فلما أن قام وتوضأ للصلاة أنزل هل عليه غسل أم لا ؟ وكيف إن جامع فقطع عليه أو كسل فاغتسل فلما كان بعد الغسل أنزل هل عليه غسل أم لا ؟ فأجاب أما الذي احتلم ولم ينزل حتى استيقظ وتوضأ فعليه الغسل وأما الذي جامع ولم ينزل حتى اغتسل فليس عليه إلا الوضوء وقد قيل : إنه يعيد الغسل والأول أظهر ، انتهى .

                                                                                                                            وهذا معنى قول المؤلف : أو بعد ذهاب لذة بلا جماع وذكر في الطراز قولا بعدم وجوب الغسل فيتحصل في كل مسألة قولان والخلاف موجود سواء اغتسل قبل خروج المني أو لم يغتسل ; لأن الخلاف إنما هو مبني على أنه هل يشترط في وجوب الغسل مقارنته لخروج المني أو لا يجب ذلك ، وقول المصنف : بلا جماع ، احتراز مما إذا خرج المني بعد ذهاب اللذة بالجماع فإنه لا يجب بسبب خروج المني غسل إذا كان قد اغتسل للجماع كما سيصرح بذلك في قوله : كمن جامع فاغتسل ثم أمنى .

                                                                                                                            ص ( لا بلا لذة أو غير معتادة )

                                                                                                                            ش : قالوا : كمن حك لجرب أو نزل في ماء حار أو ركض دابته ، وظاهر كلامهم أنه لا غسل عليه ولو أحس بمبادئ اللذة ثم استدام ذلك ، وقد قالوا في الحج : إن ذلك يفسده فانظره .

                                                                                                                            ص ( ولا يعيد الصلاة )

                                                                                                                            ش : يرجع إلى مسألة من جامع فاغتسل ثم أمنى وإلى مسألة من التذ بغير جماع ثم خرج منه المني بعد أن توضأ وصلى ، فقد قال الباجي في المنتقى : أما إذا قلنا بوجوب الغسل ففي إعادة الصلاة روايتان ورجح عدم الإعادة قال : وقد احتج ابن المواز لذلك بأنه إنما صار جنبا بخروج المني قال وهو أظهر بدليل أنه لو اغتسل قبل خروج الماء لم يجزه انتهى .

                                                                                                                            ص ( ومغيب حشفة بالغ )

                                                                                                                            ش : قال ابن شعبان : [ ص: 308 ] جاءت السنة بوجوب الغسل إذا التقى الختانان وذلك إذا غابت الحشفة وإن لم ينزلا جميعا إذا كانا بالغين مسلمين كان ذلك في قبل أو دبر نائمين أو مستيقظين طائعين أو مكرهين أو رجلين أو رجلا ومن قعد عن المحيض من النساء ، أو كان ذلك الفعل في ميتة أو فرج بهيمة أو امرأة استعملت ذلك من ذكر بهيمة ، انتهى .

                                                                                                                            ثم قال والمرأتان يفعلان ما يفعل شرار النساء يغتسلان بالإنزال لا بالفعل ويؤدبان أدبا بليغا يبلغ مائة سوط وهو أدنى الحدين وقد قيل : مائة سوط غير سوط ; كي لا يبلغ بهما الحد فيما لم يأت فيه أثر مرفوع وقد كان مالك يأمر بالأدب المجاوز للحد فيما لا يوجب الحد كي يتناهى عن موافقة حدود الله تعالى ويحبسان مع هذا إن كانتا بالغتين وإن كانت إحداهما لم تبلغ زجرت باليسير من الأدب ، انتهى ، من كتاب الطهارة .

                                                                                                                            ( فرع ) منه قال ولو غابت حشفة العنين في فرج زوجته أوجب ذلك الغسل عليهما والصداق وإفساد الحج والصيام ولم يحصنها ولم يحلها وقد اختلف فيه هو فقيل : يتحصن بذلك ، وقيل : لا يتحصن . والصحيح أن يكون محصنا ; لأنه متى غيب ذلك في فرج محرم عليه وجب عليه الحد وعليها والاختيار فيها أن تكون محصنة ولا تحل وإنما منع إحلالها ; لحديث العسيلة فأما القياس فما لا يحل لا يحصن ولو قيس عليه الصداق وغيره لكان قياسا محتملا لولا كراهة الشذوذ عن المذهب ، انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) إذا أدخلت المرأة حشفة ميت في فرجها لم أر فيها نصا والظاهر أنه لا غسل عليها لعدم اللذة في ذلك كما في ذكر الصغير بل المشهور أنه لا غسل عليها في مغيب حشفة المراهق وهو مظنة اللذة ، فتأمله والله تعالى أعلم . وهذا ما لم تنزل فيجب عليها الغسل للإنزال ، وقوله : بمغيب حشفة بالغ مفهومه أنه لو غاب بعض الحشفة لا غسل وقال ابن ناجي على الرسالة : وهو ظاهر المدونة ونص غيرها كاللخمي ، ونقل صاحب الحلل عن غير اللخمي إن غاب الثلثان منها وجب الغسل وإلا فلا .

                                                                                                                            قلت وما ذكره لا أعرفه ، انتهى . وقال ابن عرفة واللخمي وابن العربي : بعض الحشفة لغو انتهى . وبعضها أعم من الثلثين ، وقال الشيخ زروق في قوله : " ومغيب الحشفة يوجب الغسل " : يغني إذا غابت كلها لا بعضها انتهى وظاهر كلامه أيضا أن مغيب الحشفة موجب للغسل ولو كانت ملفوفة وهو كذلك . قال ابن ناجي : ومعناه إذا كان اللف رقيقا وأما الكثيف فلا ونص عليه ابن العربي وكان بعض من لقيناه يخرج فيه قولا بوجوب الغسل مطلقا من أحد القولين في لمس النساء من فوق حائل كثيف .

                                                                                                                            قلت ولا يتخرج فيه قول بنفي الغسل مطلقا من أحد الأقوال في مس الذكر ; لأن الوطء أخص في استدعاء اللذة وقال التادلي اختلف في المسألة على ثلاثة أقوال ثالثها إن كان الحائل رقيقا وجب وإلا فلا وهو الأشبه بمذهبنا وما ذكره لا أعرفه وأراد بقوله وهو الأشبه بمذهبنا أي وهو الجاري على أصل المذهب ، والمشهور قياسا على مس الذكر والله تعالى أعلم ، انتهى . وقال ابن عرفة : قال ابن العربي : ومغيب الحشفة ملفوفة الأشبه إن كانت رقيقة أوجب ، انتهى . وما ذكره التادلي ذكره ابن العربي في عارضته عن شيخه الفهري وقال الشيخ زروق في قوله : ومغيب الحشفة يوجب الغسل وفي كونها بحائل ثلاثة كما تقدم في اللمس ومس الذكر ، وفي النوادر عن ابن شعبان وإن أدخلت امرأة العنين فرجه وجب الغسل فظاهره لا يشترط الانتشار فانظر ذلك ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( في فرجه )

                                                                                                                            ش : قال ابن ناجي : قال أبو محمد صالح في قول الشيخ أبي محمد بن أبي زيد أو بمغيب الحشفة في الفرج يعني في محل الافتضاض وأما في محل البول فلا أثر له ، وأبعده التادلي قائلا : قصاراه أن يكون كالدبر وهو يوجب الغسل . قلت يريد في مشهور المذهب وحكى ابن راشد رواية عن مالك لا غسل في الوطء في الدبر انتهى من شرح المدونة ونحوه له في شرح الرسالة .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في [ ص: 309 ] العارضة إذا غيب ذكره في قبل خنثى مشكل فيحتمل أن يكون رجلا فيكون عضوا زائدا فلا يجب عليه الغسل ويحتمل أن يكون امرأة فيجب عليه الغسل فإذا ألغيت الشك أسقطت الغسل وإن اعتبرته أوجبت الغسل ، بخلاف دبره فإنه إذا وطئ فيه وجب الغسل لأنك إن قدرته رجلا أو امرأة فالوطء في الدبر موجب للغسل ، انتهى . نقله ابن عرفة . ومن شرح المدونة ولو وجدت امرأة إنسية من نفسها أنه يطؤها جني وتنال منه ما تنال من الإنسي من اللذة فلا غسل عليها صرح به أبو المعالي من الحنفية وبه أقول ولا أعرف فيها نصا في المذهب انتهى وما قاله ظاهر ما لم تنزل فيجب عليها الغسل للإنزال ، والظاهر أن الرجل كذلك .

                                                                                                                            ص ( وإن من بهيمة وميت )

                                                                                                                            ش : قال الأبي في شرح مسلم : ومغيبها سواء كان في فرج آدمي أو غيره ذكر أو أنثى حي أو ميت أو مجنون أو نائم أو مكره ولا يعاد غسل الميت ، وقال بعض الشافعية يعاد وهو ضعيف لعدم التكليف ، انتهى . وقال في العارضة : ولا يعاد غسل الميتة إن كانت قد غسلت قبيل ذلك ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم : يعاد ، والأول أصح ; لأن التكليف ساقط عنها وما تعبد به الحي من غسلها قد انقضى على وجهه ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( وندب لمراهق كصغيرة وطئها بالغ ) .

                                                                                                                            ش : الصور العقلية أربع : ( الأولى ) أن يكونا بالغين فلا إشكال في وجوب الغسل .

                                                                                                                            ( الثاني ) عكسه أن يكونا غير بالغين ولا فرق بين الصغير والمراهق على المشهور . قال ابن بشير مقتضى المذهب أن لا غسل وقد يؤمران فيه على وجه الندب ( الثالث ) أن يكون الواطئ غير بالغ فلا غسل إلا أن تنزل .

                                                                                                                            ( الرابع ) أن تكون الموطوءة غير بالغة وهي ممن تؤمر بالصلاة ، قال ابن شاس : لا غسل عليها ; لأنها إنما أمرت بالوضوء ليسره بخلاف الغسل كما أمرت بالصلاة دون الصوم وقال أشهب عليها الغسل . قال ابن الحاجب : وتؤمر الصغيرة على الأصح . قال في التوضيح : إذا وطئها الكبير بناء على أن الغسل طهارة كالوضوء فتؤمر به أولا لعدم تكرره كالصوم والأصح قول أشهب وابن سحنون قالا : وإن صلت بغير غسل أعادت ، قال سحنون : إنما تعيد بقرب ذلك لا أبدا ومقابل الأصح في مختصر الوقار ، انتهى وانظر كلام ابن عرفة فإنه يقتضي أنها تؤمر بالغسل وجوبا وتؤمر بالإعادة عند أشهب أبدا ، ما نصه : وفي كون غير البالغة مثلها أي مثل البالغة في وجوب الغسل قولا ابن سحنون مع الصقلي عن أشهب والوقار وعلى الأول لو صلت دون غسل في إعادتها أبدا أو بالقرب قولا أشهب وسحنون انتهى وقال في الطراز : وهل يؤمر الصبي بالغسل يخرج على الخلاف في الصبية يطؤها الرجل ؟ قال أشهب : إذا كانت تؤمر بالصلاة فإنها تغتسل وإن صلت بلا غسل أعادت وفي مختصر الوقار لا تغتسل والأول أحسن ، وقد تكون زوجة أو أمة فتؤخذ بذلك تمرينا ، وقول سحنون فيما صلته بلا غسل تعيده فيما قرب ولا تعيد أبدا أحسن وعليه يحمل قول أشهب ; لأن الصلاة لا تجب عليها وإنما أمرت بها تمرينا فالإعادة حسنة ; لأنها إذا لم تؤمر بذلك تركت الغسل كل حين ولا تعيد بعد الوقت ; لأن هذا من سيمة الفرائض ولا فرض ، انتهى ، وهو كلام حسن .

                                                                                                                            ( فرع ) قال الشبيبي في شرح الرسالة : فإن كانت الموطوءة صغيرة جدا فلا غسل على واحد منهما على الإطلاق إلا أن ينزل ، انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في العارضة : إذا جومعت بكر فحملت وجب عليها الغسل ; لأن المرأة لا تحمل حتى تنزل أفاد فيها شيخنا الإمام الفهري ، انتهى . وعلى هذا فتعيد ما صلت من يوم جومعت إلى ظهور حملها ، والله تعالى أعلم . ونقله ابن عرفة .

                                                                                                                            ص ( واستحسن وبغيره )

                                                                                                                            ش : يعني أن بعض الشيوخ استحسن القول بوجوب الغسل للنفاس ولو خرج الولد بلا دم واستفيد منه أنه اختلف في وجوب الغسل [ ص: 310 ] إذا خرج الولد بغير دم ويشير بقوله استحسن إلى قول ابن عبد السلام في شرح قول ابن الحاجب فإن ولدت بغير دم فروايتان ما نصه الظاهر من الروايتين الوجوب حملا على الغالب ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) الروايتان اللتان ذكرهما ابن الحاجب ذكرهما ابن بشير قولين واعترض ابن عرفة عليهما في حكاية الرواية بنفي الغسل أو القول بنفسه ونصه : وسمع أشهب من ولدت دون دم اغتسلت اللخمي هذا استحسان ; لأنه للدم لا للولد ولو اغتسلت لخروجه لا للدم لم يجزها ابن رشد معنى سماع أشهب دون دم كثير إذ خروجه بلا دم ولا بعده محال عادة ونقل ابن الحاجب نفيه رواية وابن بشير قولا لا أعرفه ، انتهى .

                                                                                                                            قلت إن أراد نفي الوجوب فقد صرح به اللخمي في باب صفة غسل الجنابة ونصه : وإذا كانت الولادة ولم ترد ما لم يكن عليها غسل واستحب مالك الغسل وقال : لا يأتي الغسل إلا بخير . انتهى . وإن أراد نفي استحبابه فليس في كلام ابن الحاجب وابن بشير ما يقتضي نفي ذلك بل قال ابن راشد في شرح ابن الحاجب : وعلى القول بعدم الوجوب فيستحب ; لأن الغسل لا يأتي إلا بخير انتهى وكلام اللخمي الذي نقله ابن عرفة هو في باب النفاس ونصه : قال مالك في العتبية في التي تلد ولا ترى دما تغتسل أو في ذلك شك : لا يأتي الغسل إلا بخير وهذا استحسان ; لأن اغتسال النفساء لم يكن لأجل خروج الولد إنما يكون لأجل الطهر من الحيض ولو نوت الاغتسال لخروج الولد دون الطهر من الحيض ما أجزأها طهرها ، انتهى . فكان ابن عرفة فهم من كلامه هذا أنه حمل كلام مالك على وجوب الغسل وأن معنى قوله : هذا استحسان أن القول بوجوب الغسل استحسان ، والظاهر أن اللخمي إنما أراد بقوله : هذا استحسان ، أن الأمر بالغسل استحسان كما صرح بذلك في باب صفة غسل الجنابة فيتفق كلامه ( فإن قلت ) فعلى هذا فليس في كلام اللخمي إلا القول بعدم وجوب الغسل فأين القول بوجوبه قلت حكاه في التلقين ونقله عنه في الذخيرة فقال : السبب الخامس إلقاء الولد جافا قال القاضي في التلقين بوجوب الغسل ورواه أشهب وغيره عن مالك ، وقال اللخمي : لا غسل عليها ومعنى الأول أنه يجب عليها الغسل لخروج مائها والولد مشتمل على مائها ; لأنه منه خلق فيجب عليها بخروجه ووجه الثاني أن ماءها قد استحال عن هيئته التي بها يجب الغسل فأشبه حالة السلس بل هذا أشد بعدا ، انتهى .

                                                                                                                            قلت ما ذكره في توجيه القول الأول بعيد جدا ; لأنها قد اغتسلت لتلك الجنابة سواء كان الولد عن إيلاج أو حملت وهي بكر كما تقدم أنه يجب الغسل على البكر إذا حملت ; لأن الحمل لا يكون إلا عن إنزال كما تقدم في كلام ابن العربي ، فتأمله ، والله أعلم .

                                                                                                                            قال ابن ناجي في شرح الرسالة : وكان بعض من أدركناه يحكي عمن يثق به أنه شاهد خروجه من زوجته بلا دم ألبتة ولم يعقبه دم بعده ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب : لو خرج الولد جافا بغير دم فهل ينقض الوضوء أم لا ؟ قولان مبنيان على القولين في وجوب الغسل ، انتهى . ولعل صواب العبارة مفرعان على القول بنفي وجوب الغسل وتقدم ذلك في نواقض الوضوء ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ص ( لا باستحاضة وندب لانقطاعه )

                                                                                                                            ش : يعني أن دم الاستحاضة إذا انقطع عن المرأة وبرأت من تلك العلة فلا يجب الغسل عليها لانقطاعه ولكنه يستحب وهذا القول هو الذي رجع إليه مالك وكان يقول أولا : لا تغتسل ، ثم رجع إلى استحباب الغسل واختاره . ابن القاسم قاله في المدونة ونقل ابن عرفة عن الباجي واللخمي والمازري أنهم نقلوا عن مالك رواية بوجوب الغسل لانقطاعه قال : وقول ابن عبد السلام : استشكلوا ظاهر الرسالة بوجوبه إن كان لمخالفته المدونة فالمشهور قد لا يتقيد بها وإن كان لعدم وجوبه فقصور ، انتهى . وقال الفاكهاني في شرح الرسالة : قوله : وانقطاع دم الاستحاضة ، توسع في [ ص: 311 ] العبارة ومراده أنه يستحب الغسل منه استنانا وإنما خلطه بذكر الحيض ; لأنه من بابه قاله عبد الوهاب قال : ولا خلاف في قول مالك أن انقطاع دم الاستحاضة لا يوجب غسلا واختلف هل ذلك من طريق الاستحسان أم لا ثم أطال في ذلك ثم ذكر عن المتيوي أنه قال : لو قال قائل : إن معنى قوله : أو استحاضة ، إذا لم تكن اغتسلت من الحيض عند دخولها في الاستحاضة كأنه حمله على الحقيقة ، فانظره ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( ويجب غسل كافر بعد الشهادة بما ذكر )

                                                                                                                            ش : يعني أن الكافر إذا أسلم وتلفظ بالشهادة وجب عليه الغسل إذا تقدم له سبب يقتضي وجوب الغسل من جماع أو إنزال أو حيض أو نفاس للمرأة فإن لم يتقدم له شيء من ذلك لم يجب عليه الغسل وهذا هو المشهور ، وقيل : يجب وإن لم يتقدم له سبب ; لأنه تعبد نقله ابن بشير وغيره وقبله ابن عرفة وقال القاضي إسماعيل : الغسل مستحب وإن كان جنبا ; لأن الإسلام يجب ما قبله . وألزمه اللخمي أن يقول بسقوط الوضوء ; لأن الإسلام إن كان يجب ما قبله من حدث في حال الكفر جب فيهما وإلا فلا .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) هكذا حكى ابن الحاجب الأقوال الثلاثة وقال في التوضيح : فيه نظر ; لأن كلامه يقتضي أن القائلين بالوجوب اختلفوا فمنهم من قال : للجنابة ، ومنهم من قال : إنه تعبد وإن قول القاضي إسماعيل ثالث وكلام المازري وابن شاس وابن عطاء الله يقتضي أن من قال بالتعبد قال بالاستحباب ، لكن المصنف مع ابن بشير فإنه قال ، ثم اختلف القائلون بالوجوب هل ذلك للإسلام أو لأن الكافر ، جنب انتهى .

                                                                                                                            قلت بل القول بالوجوب للإسلام جعله الفاكهاني هو المشهور في المذهب ونصه : الاغتسالات الواجبة خمسة : وهي للجنابة والحيض والنفاس والتقاء الختانين وإسلام الكافر على المشهور في هذا الأخير ، انتهى . هكذا قال في أول باب ما يجب منه الوضوء والغسل وفي باب جمل من الفرائض في شرح قول الرسالة .

                                                                                                                            والغسل على من أسلم فريضة ; لأنه جنب ثم زاد فيه وقال : وقد تعقب ابن الفخار على الشيخ قوله : لأنه جنب فقال : ليس كل من أسلم جنبا ، انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال اللخمي لو اغتسل للإسلام ولم ينو جنابة وإنما يقصد التنظف وزوال الأوساخ لم يجزه من غسل الجنابة انتهى ، وانظره مع قول ابن رشد في سماع موسى بن معاوية إذا اغتسل نوى الجنابة فإن لم ينو الجنابة ونوى به الإسلام أجزأه ; لأنه أراد الطهر من كل ما كان فيه انتهى ونحوه في الطراز ونصه وينوي بغسله الجنابة عند ابن القاسم فإن اعتقد به الإسلام ولم تخطر الجنابة بقلبه أجزأه عنده وهو ظاهر قوله : إن اغتسل للإسلام أجزأه . وقد نص على ذلك في العتبية وقال : وإن تيمم أو اغتسل للإسلام ولم ينو الجنابة أجزأه ; لأنه أراد بذلك الطهر ، انتهى .

                                                                                                                            ( الثالث ) لو كان الكافر يعتقد دينا يرى الغسل من الجنابة فاغتسل من جنابته في حال كفره ثم أسلم ، فقال صاحب الطراز : الظاهر أنه لا يجزئه . وزعم بعض الشافعية أنه يجزئه تخريجا على صحة غسل الذمية من الحيض فإنها إذا أسلمت بقي زوجها على استباحة الوطء بذلك الغسل قال : وهذا فاسد ; لأن غسل الذمية وقع صحيحا حال الكفر في حق الآدمي ولم يقع عبادة ، وصحة الغسل في حق الله تعالى لا تكون إلا بوقوع الغسل منها عبادة وقربة والكفر لا يصح معه قربة بوجه ، انتهى . فعلم منه أن الذمية إذا أسلمت يجوز لزوجها وطؤها قبل أن تغتسل وسيأتي ذلك في فصل الحيض ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) قال في الطراز ويؤمر من أسلم بأن يختتن وأن يحلق رأسه إن كان شعر رأسه على غير زي العرب كالقزعة وشبهها واستحب مالك أن يحلق على عموم الأحوال ، وفي سنن أبي داود { عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : قد أسلمت ، فقال له : ألق شعر الكفر . وأنه قال للآخر : ألق عنك شعر الكفر واختتن } وقوله : شعر الكفر أي الشعر الذي هو [ ص: 312 ] من زي أهل الكفر ، وقد كانت العرب تدخل في دين الله أفواجا ولم يروا في ذلك أنهم كانوا يحلقون ، انتهى . وانظر قوله : واستحب مالك لعله واستحب الشافعي فإن القرافي نقله في الذخيرة بلفظ واستحب الشافعي مطلقا وآخر كلام صاحب الطراز يدل على ذلك والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( لا الإسلام إلا لعجز )

                                                                                                                            ش : ذكر القاضي عياض رحمه الله تعالى في أول القسم الثاني من كتاب الشفاء أن من صدق بقلبه ثم اخترمته المنية قبل اتساع وقت الشهادة بلسانه قولين قال : والصحيح أنه مؤمن مستوجب للجنة وذكر فيمن صدق بقلبه وطالت مهلته وعلم ما يلزمه من النطق بالشهادة ولم ينطق بها ولا مرة في عمره قولين أيضا ، قال : والصحيح أنه ليس بمؤمن انتهى مختصرا ، وإذا جمعت المسألتين حصل فيهما ثلاثة أقوال : الإجزاء فيهما وعدمه وثالثها الصحيح الإجزاء في الأولى دون الثانية ونحوه في القباب والتونسي .

                                                                                                                            ص ( وإن شك أمذي أم مني اغتسل وأعاد من آخر نومة كتحققه )

                                                                                                                            ش قوله : أمذي ، لا خصوصية للمذي بل إذا شك هل هو مني أم لا قال في العارضة : من رأى في ثوبه بللا فلا يخلو أن ينام فيه أم لا فإن لم ينم فيه فلا شيء عليه وإن نام فيه فلا يخلو أن يتيقن أنه احتلام أم شك فإن شك وجب عليه الغسل أو استحب على القول بإلغاء الشك أو استعماله ، وإن تيقن أنه احتلم وجب الغسل بلا خلاف وإن لم يتذكر فقد اختلف فيه العلماء ، والصحيح وجوب الغسل إذا لم يلبسه غيره وأما إذا لبسه هو وغيره ممن يحتلم فلا يجب عليه الغسل ولكنه يستحب ; لجواز أن يكون هو المحتلم ، انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في الذخيرة في أول باب الغسل : أسبابه سبع : التقاء الختانين وإنزال الماء الدافق من الرجل والمرأة ، والشك في أحدهما ما لم يستنكح ذلك وتجديد الإسلام بعد البلوغ ، والولادة وإن كان الولد جافا وانقطاع دم الحيض وانقطاع دم النفاس والموت في غير الشهداء . ثم قال بعد ذلك : السبب الثالث في الجواهر الشك في تحقق التقاء الختانين والإنزال بأن وجد بللا وهو لا يدري أهو مذي أو مني وأيقن أنه ليس بعرق ، قال مالك : لا أدري ما هذا ؟ ، قال ابن نافع : يغتسل . وقال ابن زياد : لا يلزمه إلا الوضوء مع غسل الذكر . وقال ابن سابق : هذا ينبني على أصل مالك في تيقن الطهارة والشك في الحدث ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية